الصفحة الرئيسية

المنظمة واسلوب العمل الشيوعي

2006
القسم الثاني
(۱)

اليسار الفئوي والمنظمات غير الحزبية



ترجمة: فارس محمود

مرض اجتماعي، مشاهدة

انطلق من مشاهدة. حين تنظر الى تجربة اليسار الراديكالي في ايران او الخارج، ثمة حكم لايمكن انكاره. ان هذه المنظمات ليست قادرة على ارساء اي منظمة جماهيرية، وتدعي دوماً ان امنيتها هي اقامة مثل هكذا منظمة.

حين اتحدث عن اليسار الراديكالي لا اقصد من نمم حزب تودة وانشقاقاته. ان قصدي هو اليسار الراديكالي الذي تشكل بوجه شيوعية المعسكرات في النصف الثاني من القرن العشرين وبعد حسم مصير ثورة روسيا.

دلني، من هذا الطيف، على منظمة يسارية راديكالية استطاعت ان تقيم منظمة جماهيرية. ان هذا الحكم يشملنا ايضاً .

ثمة حكم اكثر شمولاً في اليسار، وبالاخص في اليسار الفئوي وغير الاجتماعي، وهو ان المنظمات غير الحزبية لهذه الاحزاب، سواء اكانت جماهيرية او غير جماهيرية، ليست غير حزبية. ان استقلالها التنظيمي عن الحزب كذبة. انها منظمات غير حزبية مصطنعة، ستار لعمل اخر ساتناوله. ليست جماهيرية ولا غير حزبية.

يؤسسون منظمة اللاجئين، ولكنهم انفسهم يجمعون اللاجئين الموالين لهم. يؤسسون منظمة نساء، ولكنهم انفسهم منظمة تجمع النساء الموالية لهم. يؤسسون منظمة طلبة، ولكنهم يجمعون فقط الطلبة الموالين لهم، يؤسسون منظمة عمالية يجمعون فقط العامل الموالي لهم و...

ان جرى انشقاق ما في هذه الاحزاب، يجري انشقاق كذلك في منظمة المراة والاطفال واللاجئين. ان جميع تلك المنظمات هي قبعة اخرى لـ"المنظمة الام" ذاتها.

اذا جرى انشقاق في هذه الاحزاب، يجري انشقاق كذلك في منظمة النساء والاطفال واللاجئين وغيره. في منظماتهم التي يطلق عليها ديمقراطية، يجري انشقاق كذلك. في منظماتهم النسوية، الفلاحية، الطلابية وغيرها يجري انشقاق كذلك. انه ليس لامر مفهوماً اذا كانت هذه المنظمات متعلقة بقضية المراة، قضية اللاجئين، الفلاحين وغيرها، لماذ يجري فيها انشقاق مع كل انشقاق في هذه الاحزاب؟ لماذا حين يجري انشقاق ما في الحزب، يجري انشقاق كذلك في منظمة الدفاع عن حقوق اللاجئين كذلك؟

المسالة لاتتعلق بالضوابط والنظام الداخلي كما لو ان موالي منظمة طوفان لايقدروا ان يكونوا اعضاء في منظمة نسوية موالية لحزب العمل. اذ يعلم الجميع انهم لايتحملون بعض لخمسة دقائق. ان هذا امراً غير ممكن. التقليد هو هكذا، والاجواء هي هكذا.

انها ليست فقط قصتنا مع الحزب الشيوعي العمالي. انها قصة مجمل اليسار التقليدي من طرف الكرة الارضية هذا الى طرفها ذاك.

ان السبب هو ان هذه الامور (المراة، اللاجئين، الاطفال، الفلاحين، و....) ليس لها وجود بذاتها ولذاتها. انها ستار لعمل اخر. ان المسالة الحقيقية الوحيدة بالنسبة لليسار هي السياسة. ولكن ليت السياسة كانت واقعية وحقيقية عند هذا اليسار. السياسة بالنسبة لهم، بالاساس، شيء يتعلق باعلان موقف وليس له اي امتداد اجتماعي. ليس لماساة ومصائب الجماهير موضوعية ما عند اليسار العالمي خارج نطاق الابحاث الايديولوجية والفئوية.

المسالة بالنسبة لليسار غير الاجتماعي لا المجتمع موجود ولا المسائل الاجتماعية. ولهذا لايريدون ولايقدرون تحريك قوة ما حول هذه المسائل الاجتماعية. المنظمة الجماهيرية لها معنى ارتباطاً بمجتمع فقط، وللاسف ليس للمجتمع وجود عند هذا اليسار. العالم عالمه. عاشق نفسه وعاشق ايديولوجيته، ليس بحاجة لمجتمع. ان فصيلة الدم السياسية والاجتماعية لهذا التقليد لاتناسب انسان اجتماعي. ليس بوسعه اقامة نقابة عمالية، لا منظمة دفاع عن حقوق المراة، لامنظمة دفاع عن حقوق الاطفال، لا منظمة لاجئين ولا اي شيء اخر.

وعليه، انه، في العالم الواقعي، جماعة ضغط فقط على التيارات الاجتماعية للمسار الاساسي للمجتمع، ولايكون له اي تفاعل ثابت ودائم في المجتمع.

لاتخطأوا! القمع ليس المشكلة. على الاقل بالنسبة لهذا اليسار، القمع ليس المشكلة. ان برهان هذا هو اينما رخت قبضة القمع، فان هذا اليسار يصغر بدلاً من ان يكبر.

على اي امرء لم يقتصر عالمه على عالم الخيالات والاوهام الصبيانية لليسار الراديكالي ان يدفعه هذا التناقص نفسه الى التفكير.

انها عقلية معطوبة وعقلية المريض اجتماعياً ان يؤدي الانشقاق في الحزب الشيوعي العمالي الى شق فدراسيون اللاجئين في الخارج، ومنظمة الاطفال اولاً وغيرها.

ينبغي معرفة هذا المرض كي يمكن التغلب عليه. انه موضوعة نقد اسلوب اليسار التقليدي وغير الاجتماعي تجاه المنظمات الجماهيرية والمنظمات غير الحزبية. انه تشريح عقلية حركة سياسية عقيمة.

(۲)

منظمات جماهيرية ام منظمات غير حزبية

حين يتحدث اليسار الراديكالي عادة عن التنظيم غير الحزبي ، فانه يتحدث عن "تشكيلات جماهيرية" و"منظمة ديمقراطية".

ان احد "المشكلات" تبدأ من هنا بالضبط. ان اقتران المنظمة غير الجماهيرية بمنظمة غير حزبية نابع من مسلمة ان الحزب منظمة غير جماهيرية. ولهذا، فان المنظمات الجماهيرية تنتمي بصورة تلقائية الى تصنيف منظمات غير حزبية , وضحت، في مواضيع مختلفة، ان تصورنا للحزب في العشر السنوات المنصرمة كان يستند الى ارساء حزب جماهيري، واستناداً اليه، سهلنا وبسطنا العضوية في الحزب الى حد عضوية في كل منظمة غير حزبية او نقابة عمالية ميلتانت. لقد اشرت الى هذا ايضاً في الموضوع المتعلق باللجان الشيوعية.

ان بناء حزب شيوعي جماهيري هي اطروحة غير مالوفة وغير عادية لليسار التقليدي. ان التصور العام لحزب شيوعي هو حزب نخبة، حزب طليعة، حزب نوع "خاصّة". ان هذا التصور للحزب بدءاً قد استند الى الفهم المشترك للمناشفة والبلاشفة، واصبح بعدها الفهم العام للاممية الثالثة والشيوعية المعسكراتية، اذ كان يستند الى ابحاث لينين التنظيمية. وقد وضحت في مكان اخر لماذا ان مثل هذا الفهم لابحاث لينين، وبالاخص كتاب لينين "مالعمل؟!" هي غير صحيحة وانها اساس صياغة منشفية مليتانت باسم البلشفية لاتمثل اساساً لينين واللينينية*

بيد ان الفهم الاولي لاي نقطة يتم الانطلاق منها تبلغ بعد ذلك نظرية "حزب الخاصة"، "حزب الصفوة"، "حزب الطليعيين" وحزب غير جماهيري طبقا للتعريف ، هي بالنسبة لليسار غير الاجتماعي نظرية حلت عليه من السماء لا"توضح" اجمالاً لا اجتماعية هذا اليسار فحسب، بل تبجلها بوصفها ميزة. بالنسبة لنا، ينبغي تحويل الحزب الى منظمة جماهيرية، منظمة بوسع الجماهير ان تقبل عليها، ترتبط بها وتنظم فيها نضالها من اجل عالم افضل وضد النظام القائم. وفقاً لهذا، الحزب ايضاً منظمة جماهيرية بالنسبة لنا.

وعليه، ان موضوع مناقشة اليوم لايتعلق بالمنظمات الجماهيرية . بل يتعلق بمنظمات غير حزبية والصلة غير الاجتماعية لليسار الفئوي وغير الاجتماعي بها. بوسع هذه المنظمات غير الحزبية ان تكون جماهيرية مثل مجالس، نقابات، منظمات لتحرر المراة او بوسعها ان لاتكون جماهيرية مثل حملات، جمعيات، مراكز فكرية، مؤسسات خدمات اجتماعية وغيرها.

ان مايمايز هذه المنظمات عن الحزب ليس الجانب الجماهيري، بل استقلالها التنظيمي عن الحزب. اؤكد على الاستقلالية التنظيمية وليس الاستقلالية السياسية لان هذه المنظمات، ومثل جميع المؤسسات الاخرى في المجتمع، ليس بوسعها ان تكون مستقلة عن السياسة. ان مجمل هذه المؤسسات في العالم الواقعي تتاثر بهذا الحزب او ذاك، بهذا التقليد السياسي والاجتماعي او ذاك. على العكس من ذلك، ان التاكيد على الاستقلالية التنظيمية ينبغي ان لايجابه التعبير عن الميل السياسي لهذه المؤسسات، ليس هذا وحسب، بل على العكس ان يكون بوسع جميع الاحزاب السياسية ان تسعى في، اطار اهداف هذه المنظمات وفلسفتها السياسية، لنيل دعم هذه المنظمات لها او ان تتبنى سياسة الاحزاب هذه . ان من يدافع عن الاستقلالية السياسية لهذه المؤسسات اما ان يكون "غير بالغ" من الناحية الاجتماعية والسياسية او مدافعاً عن المنظومة والحركة والافق المعطى الراهن في المجتمع. ان مثل هؤلاء الاشخاص، وتحت غطاء الحياد، عائق امام نفوذ وتدخل معارضيهم في هذه التشكيلات. انها عادة سياسة اليمين لمجابهة نفوذ اليسار. انهم يوعدون الجماهير بمنظمة غير سياسية ومستقلة عن الاحزاب السياسية. ان الدعاية لمثل هذه الافكار هو توهم او كذبه، والنتيجة هي واحدة. تدفع الجماهير ذيلاً وملحقاً للنظام القائم ، الذي هو سياسي ومتاثر باحزاب النظام الحاكم .

ان رؤيتنا في هذا البحث للاحزبية هو، مثلما اشرنا لذلك، الاستقلالية التنظيمية لهذه المنظمات عن جميع وكل منظمة او مؤسسة اخرى. بمعنى ان لهذه المنظمات سلسلة مراتبها التنظيمية للقرار، وان سياسة هذا الحزب او ذاك ليست واجبة التنفيذ . في المنظمات غير الحزبية ، تتم عملية الوصول للقرار، سواء بالاختلاف او الاتفاق مع سياسة حزب ما، عبر قناة النظام والالية القانونية لاتخاذ القرار في تلك المنظمة ، ولاتحتوي هذه المنظمات على تصويت الاحزاب في منظومتها التنظيمية. ساوضح لاحقاً ان هذه الاستقلالية ليست رسمية فحسب، بل ينبغي مراعاتها دون شك. ان مراعاة هذه الاستقلالية التنظيمية هي امراً حياتياً لتنامي الحزب وهذه المنظمات واجتماعيتهما. كما ساوضح لاحقا ان اليسار الراديكالي الفئوي، وعبر الاستناد الى "الشعور بفضله الثوري" و"الحقانية الثورية"، يجيز لنفسه ان يخرق كل مفردات الحقوق الانسانية، المباديء التنظيمية واستقلالية مثل هذه المنظمات.

ساشير لاحقاً ان ثورية هذا اليسار هي اساساً ثورية مناهضة للنظام. تطلق عليها بعض الاحيان ثورة ديمقراطية واحيانا اخرى ثورة اشتراكية، بيد انها ثورية غير اجتماعية وليست مرتبطة بالمجتمع، سياسية صرف، ناهيك عنها سياسة غير ذا صلة بالمجتمع. انهم فقط مناهضين للنظام، سياسيين. انهم ليسوا ناشطي اي حركة اجتماعية خاصة. ليسوا ناشطين عماليين فعلاً، ولاناشطي حركة تحرر المراة، ولاناشطي اللاجئين، ولا الاطفال ولا اي شيء اخر. هم سياسيين، وتعني السياسة بالنسبة لهم مناهضة النظام فقط، هذا وفقط هذا. في ايام حكومة الشاه، كانوا مناهضين للشاه فقط، اليوم هم مناهضين للجمهورية الاسلامية ودعاة اسقاط النظام. ان تشخيص مسالة لماذا تتواجد هذه المنظومة الفكرية وهذه الحركة العملية في اطار الافق القومي ليس امرا عسيراً. على اية حال، لاتتمتع القضايا الاجتماعية عند هذا اليسار اساساً بموضوعية وربط بذاتها، ولهذا فان ضرورة الاستقلالية التنظيمية لمثل هذه المنظمات هي هراء وعديمة الموضوعية والصلة. وحتى لو يدعوا مراعاتها، فذلك من اجل ظاهر الامور.

للبحث تتمة

لم يكمل كورش مدرسي هذا البحث (المترجم)