كورش مدرسي: إن هؤلاء الناس قسمان. انها، اي الخرافات الدينية، "مصدر رزق" البعض منهم. يكسبون لقمة عيشهم هم أنفسهم عبر هذا السبيل. إن هذا القسم، الأول، هم الملالي وطلبة الدين او القساوسة والأساقفة والكهنة، أما القسم الاخر، فهي الجماهير المستهلِكة لنتاجات القسم الاول. إن التوجه للدين في أولائل القرن الحادي والعشرين ليس ناجماً عن الجهل. إذ غدا اليوم معلوماً ان الكرة الارضية غير مسطحة وان قصة نشوء الكون هي خاطئة، اذ تبين خطأ نشوئها في سبعة ايام وغير ذلك. ليس الجهل بظاهرة فردية. نعم، إن هناك إنسان جاهل. ولكن حين تتحدث عن الدين، فانك تتحدث عن الجهل بابعاد اجتماعية. لقد اصبح معلوماً لدى كل امرء ان الارض كروية، وانه يمكن تاخير الوفاة استناداً الى العلم أو يمكن معالجة الامراض بالدواء. حتى اذا اصاب المرض اكثر انسان تديناً، فانه يذهب للطبيب قبل القس او شيخ او ملا القرية. واذا كان وضعه المادي جيداً، فانه يركب الطائرة للذهاب للعلاج. إن كان الشعور بالقهر أمام قوى الطبيعة في مراحل قديمة ما كان بوسعه أن يكون أساس إيمان الانسان بالدين، فان هذا لايصح اليوم. إذ يعرف الانسان كيف يحدث الزلزال، وكيف يمكن صيانة النفس منه. إذ يمكن التنبؤ بالطوفان وزخات المطر وغيرها جميعاً.
إن مبرر لجوء الانسان للدين هو اجتماعي. ان قهر الانسان امام القوى الإجتماعية وليست الطبيعية هو أساس ومصدر توجه الانسان نحو الدين. ان مبرر لجوء الانسان للدين اليوم هو ليس الجهل العلمي. ان السبب هو ذات السبب الذي يدفع الانسان للادمان والمواد المخدرة. من الواضح ان اللجوء للمواد المخدرة هو ليس عدم معرفة المدمن بضرر الهيرويين. انه يعرف. بيد انه لا يولي أهمية لهذه المعلومات. يلتجأ الناس للدين كي يضفوا معنى على حياتهم الخاوية، كي يجدوا معنى لحياتهم وموتهم ومرضهم هم وأعزائهم. يكسبون نوعاً من التوهم بالاقتدار بالتأثير على أحداث عالمهم، نوعاً من مصدر للوعد بالحياة في عالم اخر يمكنهم فيه التمتع بوفرة الأكل والغذاء وجنس لا محدود ويحب الناس فيه بعضهم بعض.
إن قسماً مهماً من أناس العالم، اغلبيتهم الساحقة، ليسوا سوى ماكنة إنتاج الربح للرأسمال، بانتاج أشياء لاينعموا بها ، وليس لديهم تحكم في حياتهم. أياديهم قصيرة لنيل نعم الحياة. مسلوبوا الحقوق، ليسوا أحراراً. يتعرضون للظلم والاجحاف بشكل دائم، ولا يتحلوا بسبيل نضال ضد هذا الوضع. بالنسبة لهؤلاء الناس، يعد الدين مخدراً. ولهذا السبب بالتحديد، ان نفوذ الدين مقترن بصورة مباشرة بدرجة الرفاه في المجتمع. كلما كان الانسان مرفهاً، وكلما تعاظمت امكانية الناس على التمتع بقسم من خيرات الحياة، يتضائل نفوذ الدين. لا أقصد إن ليس هناك اهمية ومكانة للتعليم العلمي لمجابهة الدين. ان نقطتي هي اذا عاشت الجماهير في مجتمع يسيطر الانسان على مصيره ويتحكم به، واذا تتحلى الجماهير بسبيل صائب للخلاص من الجهنم الذي تغط فيه، عندها لن تكون هناك حاجة للدين. ما أريده هو التأكيد على العنصر والعامل الثاني. بالنسبة لقسم كبير من الناس، يعد الدين سبيل نضال من أجل حياة أفضل. يتغذى الاسلام السياسي بالتحديد من هذا. وبالتالي، فان التوجه نحو الدين يرتبط، بالدرجة الاولى، بالحاجات الاجتماعية والسياسية التي ليس لها ربط مباشر بالعلوم وقصة الخلق. من جهة اخرى، بالنسبة لأولئك الذين يمتهنون إنتاج المخدر الديني هي مسالة اخرى كذلك. انهم عاملون بصناعة الدين، وهم أكبر من هوليوود وكارتلات انتاج المواد المخدرة. ان انتاج وتوزيع الخرافة هي مهنتهم وكاسبيتهم. أما بالنسبة للحكومة والطبقة الحاكمة كذلك، يعد الدين نعمة الهية والتي بوسع الجماهير التي تأمل بدخول الجنة هناك ان تتحمل الجهنم في هذا العالم. ومن الطبيعي مثلما يوجد أناس يلتجأون للمخدرات بصورة متفننة، هناك اناس أيضاً يلتجأون للدين بصورة متفننة. انها ظاهرة اجتماعية غير مهمة.
اللادينيون: ما هو سر بقاء الدين والافكار الالهية؟
كورش مدرسي: الفقر وانعدام الحقوق وصناعة الدين. يجلب الفقر المادي فقراً معنوياً. ان كسب العلوم والمكتسبات الراهنة للبشرية بالنسبة لانسان تم فرض فقراً مادياً عليه لهو مشكلة. ولهذا، فان من الممكن ان يقبل باي جواب خرافي على قضايا حياته. ولكن اذا يعيش هذا الانسان في مجتمع لم يؤدي الفقر المادي الى تدمير مجمل حياته، فانه بحاجة قليلة لله. إذا كان الجهل بعمل الطبيعة أو العجز أمام قوى الطبيعة في يوم ما مصدر بقاء الدين، فان العجز الاجتماعي والاقتصادي والسياسي اليوم هو مصدر بقاء الدين. الله هو الشخص الذي يقنعك على وجوب الرضا أو يرسم لك سبيل الخروج من هذا الوضع. ان مصدر إعادة انتاج مجمل هذا الفقر وإنعدام الحقوق وذلك الاله الواقعي للمجتمع المعاصر هو الرأسمال. ان نظام الرأسمال هو مصدر الفقر وإنعدام الحقوق في عالم تراكمت فيه الارباح من ثروتنا. ان الاله الواقعي ذا مصلحة مشتركة مع الاله المخدِّر وأياديهم بايدي بعض كذلك. أصبحت صناعة الدين مع الرأسمالية ظاهرة واحدة. وعليه، فان مصدر الاعتقاد والايمان الديني هو الحاجة الاجتماعية لهذا الاعتقاد والايمان وتأمين مواد أولئك المدمنين من قبل صناعة الدين. صناعة الدين هو كارتل اقتصادي.
اللادينيون: رداً على هذا السؤال: "من اين أتى مجمل هذا العالم؟"، للأديان ردها: "الله خلقه". كيف تفند هذه الفكرة؟ ما هو ردكم؟
كورش مدرسي: إنه ليس بحكماً علمياً حتى يمكن الرد عليه بشكل علمي. ليس ثمة انسان ديني يكتب الدعاءات ويعتبرها تسبق الطبيب، ويقدم الله على الجراحة والعمليات. ان موضوعة "خلق الله العالم" تستند الى موضوعة ان أي شيء يستلزم خالقاً. الخلق هو عمل الانسان (أو كائنات محتملة مماثلة له في كواكب أخرى)، وان اي شيء لم يخلقه الانسان ليس له خالق. انه، اي الانسان، موجود. الانسان يخلق الاشياء، وهذا من أجل هدف محدد. وعليه، يستند سؤال كيف تم خلق الكون الى فرضية وحكم مسبق مفاده ان الخلق، وبالتالي، الهدف والفكرة من الخلق موجودة. مثلما هو الحال مع السؤال: من هو القاتل؟ إن هذا السؤال يستند الى فرض الا وهو ان عملية قتل قد جرت. ان نظرية خلق الكون ليست سوى تعميماً بدوياً وبدائياً لامكانية خلق الانسان. يتوقع البشر، بعد عشرات الاف من السنين، أن يأتي "مفكرون" دينيون بأفكار أحدث. على اية حال، ان القبول بنظرية الخلق لا يأتي جراء علميتها. لقد تم خلق الله من أجل أهداف أخرى، وان نظرية خلقه أنتجتها صناعة الدين من أجل تحميق الجماهير. ليس للدين ربط بالعلم قط. الدين هو جهل معمم. حين وضعت العلوم الحديثة أسسها، غدا هذا الجهل بصورة متعاظمة إجتماعياً اكثر مما هو علمياً.
اللادينيون: كيف تخليت عن دين الاسلام وعبادة الرب؟
كورش مدرسي: من الناحية العلمية، لم أحتاج للدين قط لتفسير العالم. ترعرعت في عائلة برجوازية ومرفهة، ليست يائسة وعاجزة وفاقدة للحيلة، ليس هذا وحسب، بل بوصفها جزء من الطبقة الحاكمة، تعتبر نفسها تلقائياً صاحبة مجتمع. زد على هذا، لدينا القدرة على تحقيق حاجاتنا واهدافنا أكثر من اغلب أناس العالم. تعلمت ان سبيل تحقيق اهداف وآمال الطفولة والشباب هو ليس الدعاء، وانما جيب الوالد. من الزاوية الاجتماعية، رافق هذا، ان ما لفت انتباهي وجرني لعالم السياسة وتغيير المجتمع هو قراءة ماركس وفهم الية تغيير المجتمع المعاصر. ولهذا، في ذهني، كان الله مفهوماً اكثر مما هو حقيقة واقعة. ان رؤية الصلة الوثيقة للدين وصناعة الدين بالمنظومة الحاكمة والسائدة لم تمحو من ذهني فكرة الله ، بل جعل مني ناشط وفعال مناهض للدين.
اللادينيون: كيف تقنع انساناً دينياً بان لا حياة هناك ما بعد الموت؟
كورش مدرسي: اسعى عبر التغيير في حياته الاجتماعية ان اجعله لا يحتاج الى وجود عالم خيالي.
اللادينيون: هل تعتقدون ان الردود العلمية، فيما يخص نشوء العالم، قد فرضت التراجع على الدين، برايكم؟
كورش مدرسي: لا أعتقد ان مفاهيمنا العلمية الخاصة بتفسير ظهور العالم كافية. لم نتمكن لحد الان من ان نطرح نظرية واحدة بدمج ميكانيك الكوانتم ونظرية الجاذبية. ولكن على اية حال، فان معرفتنا عن العالم والتاريخ لها تأثير مباشر على فرض التراجع على الدين. الدين تعميم الجهل. فوفقاً للنظرية العلمية، اذا هناك أسئلة ليس لديك رداً عليها، فهذا يعني انه ليس لديك جواباً عليه بعد. ولهذا، عليك ان تجد وتبحث في ايجاد الرد عليها. أما من ناحية الرؤية الدينية، يعتبر وجود الله جواباً. ينبغي الرضى بالخرافة. فرض العلم التراجع على الدين. وبفضل التقدم العلمي اليوم، فان قسماً مهماً من حياتنا قد أستل من قبضة الملالي والقساوسة ورجال الدين. ولكن ينبغي التأكيد مرة أخرى على حقيقة. بموازاة التثقيف العلمي الذي هو ضروري وحياتي ، فان الثورات الاجتماعية من مثل الثورة الفرنسية لها دور في اركان الدين جانباً. النضال ضد الدين اليوم هو نضال فكري وسياسي على السواء.
اللادينيون: ما هي أسباب ظهور أديان العصر الجديد، كيف تفسر هذا؟
كورش مدرسي: مثلما أشرت، الفقر وانعدام الحقوق والجزع والعجز الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أمام عمل مجتمع يخلق الحاجة للمخدر، وان المؤسسة الهائلة لانتاج المخدر الفكري (صناعة الدين)، وبعون الطبقة الحاكمة، تنتج بصورة منتظمة سلع و"مواد" جديدة.
اللادينيون: في نصف القرن المنصرم، كانت هناك تحركات استثنائية للاديان. كيف ترى مبرر وسبب هذه الظاهرة؟
كورش مدرسي: هزيمة الحركات الاجتماعية غير الدينية من مثل القومية، وبالاخص القومية الاصلاحية المستندة الى راسمالية الدولة وغياب الشيوعية بوصفها راية احتجاج البشرية المعاصرة على العالم المعاصر. وفي المطاف الاخير، السعي الواعي للحكومات الراسمالية من أجل تقوية الدين بوصفه مانع امام تحول المجتمع لليسار كان لهما دور في هذه العملية.
اللادينيون: ماذا ينبغي عمله حتى ترفع الاديان يدها من البشر وحياتهم؟
كورش مدرسي: ينبغي النضال ضد الافكار الدينية، ينبغي تنظيم ثورة اجتماعية والاطاحة بالحاجة الاجتماعية للدين واستئصال اقدم خرافة وهذا الادمان الاجتماعي.