رفاق!
عنوان موضوع اليوم هو الطبقة العاملة والتحزب الشيوعي. قبل ان ابدء بالموضوع نفسه، ارى انه لامر حسن ان اؤكد على امر وهو: اي شيء ذا صلة بالموضوع واي شيء ليس بذا صلة.
الف - لايتعلق موضوعي هنا بمسالة ان الطبقة العاملة، وبصورة مبدئية، بحاجة الى حزبها السياسي. افتراضي هو ان مخاطبي هذا الموضوع هم ناشطين شيوعيين للطبقة العاملة، يعرفون مبدئياً، وبغض النظر عن انتمائهم الى حزب خاص ام لا، اذا لم تتمتع الطبقة العاملة بحزبها السياسي، فانها لن تحقق اهدافها، ستبقى في عبودية العمل الماجور. يعرفون انه ينبغي المضي الى اي حرب بسلاح تلك الحرب، مثلما لا يمكن المضي لصراع البندقية بالقلم او لايمكن بترتيبات كرة السلة ان تمضي لبطولة كرة قدم، لايمكن ايضا بالنقابة المضي لحرب اسقاط الحكومة الطبقية والبرجوازية. ينبغي الرد على السياسة باداة سياسية، والحزب السياسي اداة الطبقة العاملة للاطاحة بالبرجوازية. ان امرء يعتقد ان لا ضرورة للحزب، او انه ليس ضرورياً او حياتياً في هذه المرحلة، فانه، وعلى الرغم من النية الطيبة التي قد يتحلى بها، يبقى دون تاثير في سياسة مرحلته. لايتعلق الموضوع هنا، وباي شكل من الاشكال، بضرورة الحزب . بل حول كيفيته وما هو عليه .
ب - لايتعلق هذا الموضوع باي حزب خاص. يضع نصب عينيه الاوجه المشتركة للتيارات اليسارية. بيد انه لايتحدث حول اي من هذه الاحزاب والتيارات بصورة خاصة. لا اود في هذا الموضوع، ان تطغي خصائص هذا الحزب اليساري او ذاك على الجانب الاكثر عمومية لصلته بالطبقة العاملة. لايتعلق البحث بالخصوصيات، بل بالسمة والملامح العامة لصلة الاحزاب والمنظمات القائمة (التي تعد نفسها شيوعية باي اعتبار وتصور كان) بالطبقة العاملة. بوسع كل شخص دون شك، ومن زاوية اي حزب او تيار، ان، يجد وينظر لمكانه في هذا الموضوع او لا يجده ولا ينظر له. ان يعد هذا الموضوع ذا صلة به وحزبه ام لايعد.
وبشكل اخص، لايتعلق بحثي بالحزب الحكمتي. ساتناول المكانة الخاصة والمعقدة للحزب الحكمتي في مكان اخر، في حديث حول الشيوعية العمالية ومسار تحولها الحزبي. في ذلك البحث، ساتناول تجربة الشيوعية العمالية من طرح البحث الى تشكيل الحزب، وبالتالي، ساقيّم انشقاق احزابها ومكانة فروعه المعروفة والمشهورة.
جيم - ليس هذا البحث لاستذكار مصيبة اليسار او "ذم اليسار". انه مسعى لتوضيح مكانته الراهنة والحقيقية. انه لايتعلق بالاشتباهات والغموضات. اذ نعتقد بان التاريخ ليس تاريخ الاشتباهات والاخطاء. التاريخ هو قبل كل شيء التاريخ الاثباتي لذلك العمل الذي قمنا به والحيز الذي يملئه هذا العمل في رحم الصراع الطبقي للمجتمع. والاهم من هذا، اننا لسنا عبيد التاريخ. نصنع التاريخ. وبالتالي، بوسعنا تغييره. يتعلق الموضوع بكيفية او سمات هذا التغيير. موضوعي هنا هو مسعى لفتح الابواب امام اناس يشاطرونني مشاهداته. ويُفترض ان لا يكون مخاطب هذا الموضوع امرء ليس همه هذه القضايا.
د - التحزب الشيوعي موضوعة شاملة يمكن ان يشمل، وينبغي ان يشمل، من الدعاية الى التحريض، من التكتيك الى الاستراتيجية، ومن المنظمة الى اسلوب العمل. ولكن يقتصر الموضوع هنا على السمات الاساسية للنشاط الشيوعي والتحزب الشيوعي للطبقة العاملة. بدون الاتفاق على هذه السمات، فان الجدل حول سائر جوانب التحزب الشيوعية هو امر لامعنى له وبدون فائدة. تبين على الاقل تجربة الحزب الشيوعي الايراني وتجربة الحزب الشيوعي العمالي الايراني لاناس من مثلي امراً وهو: بدون الاتفاق على ما يخص السمات الاساسية والدائمية وغير المشروطة للتحزب الشيوعي العمالي، فان الاتفاق، بشكل حالاتي، على التكتيك وسائر جوانب هذا التحزب هو امر عابر، وان اي انعطافة وتقلب واية اوضاع تسمى خاصة تعصف بكل المسعى. ذهب تنامي النزعة القومية الكردية، بعد حملة امريكا الاولى على العراق، بالحزب الشيوعي الايراني، وعصف بالحزب الشيوعي العمالي تنامي نزعة اسقاط النظام تحت الراية القومية الموالية للغرب في ايران المناهضة للتخلف الاسلامي والقمع الثقافي للنظام. في كلا الحزبين المذكورين، من الظاهر ان ما يرد في بحث اليوم قد كان جزء من الاشياء المتفق عليها. ولكن هذين الحزبين على السواء اليوم اكثر الاحزاب المسماة شيوعية في التاريخ السياسي لايران انعدام صلة بالطبقة العاملة، وبسياستها العمالية وثورتها الاشتراكية.
وبالتالي، ينبغي ان تعود نقطة انطلاق موضوعة التحزب الشيوعي للطبقة العاملة، الى السمات الثابتة وغير المتغيرة والدائمية للتحزب الشيوعي للطبقة العاملة، وان نقف هناك الان.
هاء - اود ان اؤكد هنا على ان هذا المبحث، ليس بمبحث "جديد". انه حوار مرة اخرى مع مبحث قديم، بقدم البيان الشيوعي. ان اسس هذا المبحث ترجع الى البيان الشيوعي. سعيت الى ان اتطرق الى اسسه في بحث "اعادة قراءة البيان الشيوعي" وكذلك في مبحث "مباديء النشاط الشيوعي". زد على ذلك، ان الجزء الاساسي من هذا البحث قد وضحه منصور حكمت بالتفصيل في ندوات التعريف بالشيوعية العمالية. اضافة الى ذلك، تطرقت اليه نفسي في مواضيع من مثل تقييم الثورة الروسية "المنشفية والبلشفية واللينينية".
لقد كانت موضوعة "اللجان الشيوعية" انعكاس لهذا التوجه للتحزب الشيوعي للطبقة العاملة، والتي طرحت برايي توجه "غير تقليدي"في التحزب الشيوعي للطبقة العاملة". اليوم، وبعد 5-6 سنوات من الممارسة، يمكن التوصل منه الى نتائج جديد دون شك، ومن بينها موضوع هذه الندوة. بالاضافة الى هذا، يمكن رؤية اسس هذه الموضوعات في موضوعات لينين، وبالاخص كتاباته مثل "مالعمل؟"، "خطوة للامام، خطوتان للوراء"، موضوعات لينين في نقد روزا لوكمسبورغ، واخيراً، اخر موضوعاته حول "اليساروية، والمرض الطفولي"التي تتناول شيوعية غير اجتماعية تحديداَ.
ولكن لماذا لاينطلق هذا الموضوع من موضوعة اللجان الشيوعية او امتداداً لها؟
وذلك لان موضوعة اللجان الشيوعية قد تم طرحها بصورة اثباتية عام 2006، وربما من بين ذلك، وللسبب ذاته، انه قد تم فهمها من قبل كل الموافقين لها تقريبا على انها بحث تنظيمي ويتعلق بالهيكلية التنظيمية، وبلغ نتيجة وهي: الدفع باسلوب العمل والاهداف السابقة نفسهما، وعبر الخلايا المعروفة والشائعة في اليسار، ولكن هذه المرة تحت عنوان لجان شيوعية.
ينبغي دون شك ان لاننكر ان الحزب الحكمتي، وبالاخص خارج نطاق كردستان، قد حقق تقدماً مشهوداً بهذا الخصوص رافقه تجارب ثمينة وقيمة. ولكن حتى مثل هذه الحالات كذلك، لم تتمكن اللجان الشيوعية من ان تطيح بجدار التقليد السائد، وبقت بهذه الحدود.
وعليه، من اجل توضيح الموضوع من الافضل ان نبدء من تقليد صلة اليسار بالطبقة العاملة. كلي امل ان الفت الانتباه الى مضمون موضوعة التحزب الشيوعي للطبقة العاملة اكثر من شكله. لابدأ من الاختلافات. ولكن قبل ان ابدء بالاختلافات، اسمحوا لي ان ابدء من مشاهدتين، وهما نقطة انطلاق الموضوع.
استهل موضوعي بمشاهدتين. لا اعرف كم شخص يشاطرني هذه المشاهدات. ولكن شخصياً، كانت هذه المشاهدات شغلي الشاغل وارى اليوم، واكثر من اي وقت مضى، ان الرفقة او التعايش مع هذا الوضع امراً مستحيلاً.
المشاهدة الاولى تتعلق بصلة الطبقة العاملة باحزاب تعد نفسها شيوعية وتعتبر نفسها التحزب الشيوعي للطبقة العاملة. المشاهدة الثانية فيما يخص مكانة الحركة الشيوعية القائمة في الطبقة العاملة.
المشاهدة الاولى هي ان اليسار الايراني وكل من يسمى نفسه شيوعياً منفصل تماماً عن الطبقة العاملة في ايران، وعديمي الصلة بالحياة والنضال اليومي للبروليتاريا في ايران. ليس لهم دور ولا منهمكين بقضاياها ومعضلاتها ومشكلاتها. ان الاحزاب والمنظمات الشيوعية الموجودة هي، وبدون استثناء، لاصلة لها بالطبقة العاملة.
حين نتحدث عن صلة الاحزاب الشيوعية الموجودة بالطبقة العاملة لا اقصد دون شك ان ليس هناك من هذه الاحزاب من لم يفكر بالعامل، لايدافع عن حقوق العامل، لايهمه همّه او حتى ليس لديه انصار بين العمال. بل ان ليس لهذه الاحزاب دور في الحياة والنضال اليوميين للطبقة العاملة.
اسالكم اي حزب شيوعي او قائد او ناشط له تاثير على حياة عمال المعادن؟ اي حزب شيوعي بوسعه ان يدّعي، في خلوته، على انه له تاثير ولو ذرة على مايجري في المعادن على سبيل المثال.
اسالكم اي حزب شيوعي، جماعة شيوعية، حلقة شيوعية، منظمة شيوعية بوسعها ان تتخذ قرار او سياسة لها تاثير يذكر على مايجري في صناعة الفولاذ او الذرية؟ ايعرفون اساساً بكم عامل تدار الصناعة الذرية في ايران؟
اي من الاحزاب، قادة هذه الاحزاب وشخصياتها بوسعها ان تدعي ان لها تاثير على حياة عمال صناعة السيارات في ايران؟ من بوسع احد منا ان يدّعي ان له تاثير على اوضاع يكبر ويترعرع فيها ابناء الطبقة العاملة، وينظموا الى صف الجيل المقبل من البروليتاريا في ايران؟ من منا بوسعه ان يدّعي انه، ومع كل نضالنا ضد اضطهاد المراة، تمكننا من ان نقلل حتى من التفرقة الجنسية داخل الطبقة العاملة؟ اي من الاحزاب والقيادات الحزبية بوسعها ان تدّعي انها تمكنت من ان تلعب دوراً في تشكيل صف في الطبقة العاملة للدفاع عن معيشتها. بوسعه الادعاء بتحوله الى حائل امام طرد العمال، حائل امام تخفيض الاجور، وتحسين اوضاع حياة هذا القسم او ذاك من الطبقة العاملة؟ ابوسعنا ان نوضح ماهو دورنا في حياة المراة العاملة؟
اي من الاحزاب اليسارية بوسعها الادعاء ان لها دوراً في الاتحاد الطبقي في المحلة الفلانية، وفي وضع ايادي المراة والرجل، الشاب والكهل من الطبقة بايدي بعض، وتخلق اتحاد وتعاون بينهم، اوتضيّق الخناق على الرجعية والبرجوازية؟
ولكن بموازاة هذا يتمثل الواقع في ان بوسع اي من الناشطين العماليين، سواء الشيوعيين او غير الشيوعيين (الذي ينال من اليسار غير العمالي بطاقة حمراء نقابية ونقابية امريكية وغيره) ان يدلنا على دوره في الكثير من الجوانب المذكورة اعلاه من حياة وعمل الطبقة العاملة. ان قمع اي اتحاد، اعتقال اي قائد وناشط عمالي يبرز ويتبين اثره مباشرة في الحياة والنضال اليوميين للطبقة العاملة في منطقة محددة او ببعد عام. ان اي ناشط عمالي مايسمى غير حزبي بوسعه ان يدلك على دوره بالاعداد والارقام. سواء شئنا ام ابينا فان كل قائد عمالي له دور مؤثر في حياة ونضال قسم من الطبقة العاملة. ايمكن اطلاق هذا على الاحزاب اليسارية وقادتها؟ برايي، كلا.
ان هذا الكلام ليس بجديد. مايقارب عشرين سنة خلت، طرح منصور حكمت الشيوعية العمالية في نقد هذه الوضعية. مالذي تغيّر في العشرين سنة الاخيرة؟ برايي، ولاشيء. بل تراجعنا كذلك.
ان جمعية ماركس نفسها تاسست قبل عشرة اعوام. ان عامل كان في وقتها 10 اعوام، هو الان في العشرين من عمره، لديه اطفال، واذا بقى على قيد الحياة، فيكون قد شارك في عشرة اضرابات. يمرر حياته دون ان يكون لليسار دوراً، ولو ذرة، في تلك الحياة وذلك النضال والاضراب. حتى لو قمنا بالف حملة كذلك، وقد قمنا، ولكن لادور لنا.
لقد قمنا بالف حملة للدفاع عن حقوق الاطفال. اثمة شخص يدّعي ان له تاثيراً راسخاً في الواقع على مقدرات حياة ونمو اطفال محلة ما او معمل او جغرافيا معينة؟
تقوم البرجوازية يومياً بشن حملة على معيشة الطبقة العاملة من هذه الزاوية او تلك، اغلاق المعامل قليلة الربحية، استيراد بضائع ارخص من الخارج، الحملة على الدعم الحكومي وغير ذلك. لايقوم اليسار سوى بالدعاية التحريضية على النظام والدعوة للانتفاضة والثورة. وفي افضل الاحوال، ينشد الظهور بحلة متخصص عمالي ويمشي وراء ماتنشده البرجوازية. يدعو الطبقة العاملة يومياً للنضال ضد اخر الحملات البرجوازية، وان مفعول هذا النداء هو فقط حتى الحملة اللاحقة، بعدها يتم نسيانه (أي النداء-م) وتتم الدعوة الى تحرك واكسيون جديد. انها ذيلية تامة للبرجوازية. اليسار عاجز حتى عن صياغة موقف واقعي وعملي بحيث يكون حصناً امام مجمل هذه الهجمات. في العالم الواقعي، لايطلق اليسار سوى نداء النضال والاحتجاج. كما لو ان العامل او اي انسان اخر لايعرف ان حين تكون هناك حملة عليه، عليه ان يدافع عن نفسه وينتظر حتى الرسل عديمي الرسالة ليعلّموه ان يحتج ويناضل. في حقيقة الامر ان اليسار القائم لايعرف اساساً الراسمالية ولا العامل، وليس لديه مايقوله للعامل. يبقى واعظاً حول بديهيات بالية. هذا وفقط هذا.
يثار جدل حول استيراد السلع الاجنبية الرخيصة، تحشد البرجوازية، مع نزعتها القومية، الطبقة العاملة حولها ضد الاجانب والعمال الاجانب، فيما ليس لنا دور يذكر في اقامة سد ومانع عمالي واممي في الطبقة العاملة. نقوم بالدعاية حول مضار النزعة القومية دون ان نلفت الانتباه الى ارتباط النزعة القومية بالبرجوازية او الفرقة مابين العمال حتى.
يجري جدل حول الدعم الحكومي، لايتعدى دور الاحزاب اليسارية النداء من اجل النضال والانتفاضة والاحتجاج. لاينتبه اساساً، ولو ذرة، لاليات نضال الطبقة العاملة ووحدتها ومقاومتها. ولهذا، ترمي هذه السياسة بعواقبها الضارة على معيشة الطبقة العاملة، واليسار منشغل بتنظيم وسياسة لاربط لها بالحياة اليومية للطبقة العاملة. ثمة موجة ساحقة للبطالة، هل لليسار تاثير على نجاعة نضال الطبقة العاملة على هذه المصيبة؟
ان هذا لايخص ايران وحسب. أُغرِقَ العراق بالدماء، قُتِلَ اكثر من مليون انسان، يُعاد هيكلة الطبقة العاملة في العراق، اصبحت اكثر فرقة وتشتتاً. اذا كان سابقاً اما كردي او عربي، فأُلحِقَت اليوم سمة كردي، سني، شيعي، اتراك، تركمان وغيره كذلك. التجأ قسم واسع من العمال للدفاع عن حياتهم في رحم انفلات وانحلال المجتمع في العراق الى احزاب مافوق الرجعية، اصبحوا حملة بنادق مقتدى الصدر والمالكي والحكيم وغيرهم. ماذا كان موقف الشيوعيين للحيلولة دون هذه المصيبة؟
انها مشاهدة تهز الانسان. تهز الانسان. ان اكثر الناس ثورية، اكثرهم يسارية، انسانية، شرفاً واكثرهم ضميراً ووجداناً، وبعد ثلاثين عام، تجدهم بهذا الحد من انعدام التاثير في حياة اناس عصرهم ومقدرات طبقة ينتمون اليها.
لتبرير هذه الوضعية، نعلن عادة ان العلة هي الاجواء الاستبدادية والقمع. بيد انها حجة للتستر على الحقيقة المرة الراهنة او تبريرها. من الناحية السياسية، المجتمع الايراني المعاصر ليس اكثر استبدادية من عصر الشاه ولا روسيا القيصرية ولا الصين الحالية، ولا اكثر من مصر، سوريا، باكستان، والاردن ولا اي من بلدان الشرط الاوسط الاخرى. مجتمع ايران، من الناحية السياسية، هو قمعي بقدر بقية البلدان التي تعيش على العمل الرخيص للعامل. ان كان من المقرر ان يقطع القمع هذا النوع من صلة الشيوعية بالطبقة العاملة، لتوجب عندها ان يتاسس الحزب الاشتراكي الديمقراطي لعمال روسيا في الارجنتين. وثانياً، بوسع القمع ان يخل بالصلة التنظيمية ولكن ليس بالصلة الحركية ( حركة، movement بالانكليزية-م). ان تجربة الحزب الحكمتي نفسه تبين ان النشاط الشيوعي في ايران هو ليس امراً ممكناً فحسب، بل ونظراً للتاريخ الاجتماعي الخاص، فتح ذراعيه لنا.
ان تبرير الوضع القائم بوجود القمع والاستبداد هو محمل يستطيع اليسار عبره تبرير عجزه، والا ليس بوسع اجواء القمع هذه ان توضح لنا هذه الظاهرة. ان الجمهورية الاسلامية نظام مستبد متخلف. ولكن ماصلة هذا بعدم صلة الشيوعية الراهنة بحياة ونضال الطبقة العاملة؟ لايتعلق الامر بالصلة التنظيمية . بل يتعلق الامر بالصلة الحركية . ان خصيصة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي في تنظيماته لم تتمثل بوجوده بين العمال، بل كانت خصيصة هذا الحزب هي انه قسماً من الحركة الشيوعية داخل الطبقة العاملة نفسها. أَقُمِعَ الحزب الاشتراكي الديمقراطي لعمال روسيا والنشطاء العماليين في روسيا القيصيرية اقل منا؟
اذا قبلنا بان القمع هو مبعث هذه الوضعية، عندها نصل نتيجة مفادها انه طالما القمع موجود، فان الوضع يبقى على حاله، وان هذا وضع "طبيعي". لانه في المطاف الاخير، في اطار عمر عادي لامرء سمع هذه الابحاث سابقاً من منصور حكمت ولم يتمكن من احداث تغيير، فانه عليه ان يفترض ان ثلاثين عام هي امر طبيعي. "طبيعي" او افتراض ان هذا الوضع هو الوجه الاخر لسياسة الانتظار السائدة على اليسار. من المقرر ان يقوم المهدي بالثورة يوما ما، موسوي (الخضر-م)، امريكا او اوربا تطيح بالجمهورية الاسلامية حتى بعدها تقيم صلة بالطبقة العاملة. انه وهم. انه اي شيء، ولكنه ليس ماركسياً. ليس شيوعياً.
المشاهدة الثانية تخص وضعية الناشطين، القادة والمحرضين البروليتاريين وشبكاتهم.
تتمثل الحقيقة اولاُ، الشيوعية العمالية هي حركة حية وموجودة داخل الطبقة العاملة وذات نشطاء، قادة، محرضين وشبكات حلقية وماقبل حزبية واسعة. الشيوعية والتعاطف مع الشيوعية هما ظاهرة معطاة داخل الطبقة العاملة في ايران. لقد جرت ثلاث ثورات برجوازية في خلال قرن، وبالاخص ثورة 1979 في خضم مجتمع راسمالي متطور بصورة تامة، وبطبقة عاملة متطورة. لم تقم ثورة 1979 بانضاج البرجوازية في ايران، بل كان لها، ولحد كبير، تاثير في بلوغ الغريزة الطبقية والشيوعية للطبقة العاملة في ايران. وضحت في مكان اخر، ان هذه الظاهرة هي خصوصية وسمة ومزية تجعل من مجتمع ايران، وربما على صعيد عالمي، اكثر المجتمعات تهيئاُ واستعداداً للقيام بالثورة الاشتراكية.
انعدام الرؤية الحركية والطبقية لليسار غير العمالي يجد انعكاسه بحقيقة هي ان هذا اليسار يرى الطبقة العاملة دون تنظيم، دون بنية ونسيج داخلي، بدون قيادة، وبدون هيكل وبنية شيوعية، ويرى نفسه منقذاً ومعلماً لها. يفهم اليسار غير العمالي الطبقة العاملة مثل البرجوازية الصغيرة، التي هي من الواضح النقطة المرجعية الوحيدة لتجربة حياة هذا اليسار، يفهمها عديمة التنظيم، مشتتة بصورة مطلقة، عديمة القيادة وغير ذلك. لايرى هذا اليسار الطبقة العاملة بوصفها ظاهرة اجتماعية منظمة بابعد الاشكال في البنية الانتاجية للراسمالية، ولايفهم النسيج الداخلي لها والتنظيم والهيكلية الاجتماعية والنضالية داخلها. قلنا ان الطبقة العاملة، بعكس البرجوازية الصغيرة والفلاحين، ولدت مع التنظيم، وان شبكة القادة، النشطاء، المحرضين البروليتاريين والشيوعيين هي ظاهرة معطاة لهذه الطبقة في ايران. ولكن لاتتمتع هذه الشبكة من الناشطين الشيوعيين، الشيوعية داخل الطبقة العاملة من الانسجام، الوحدة، التنظيم والاقتدار اللازم. ربما لايحتاج هذا الامر الى امثلة.
يكشف هذا الضعف عن نفسه في التبعثر الكبير والعميق للطبقة العاملة امام البرجوازية سواء في ميدان النضال الاقتصادي او في الميدان السياسي. لاتقتصر الفرقة على جماهير الطبقة وبين العمال النساء والرجال، العامل الكردي والتركي والفارسي، العامل العامل والعاطل، عامل الصناعات الاساسية وبقية الصناعات وغيرها. ربما الاهم من هذا، الفرقة في الخط، الافق، او في فهم الاطار والرسالة والمهام الفورية للطبقة العاملة وشيوعية الطبقة العاملة. ان هذه الشبكة معجونة بالخرافات البرجوازية حول العالم والحقوق او عاجزة عن التصدي لها.
ان هذه الوضعية ناجمة عن عاملين، مرتبطين ببعض دون شك:
اولاً- انحباس هذه الحركة في اطار ماطرحة اليسار التقليدي في ايران من حيث الافق والسياسة. لايمكن القفز على هذا. الحركة العمالية، سواء في ايران او اي مكان اخر، عاجزة، في غياب حركة فكرية ماركسية عميقة وشيوعية عمالية على صعيد مثقفي المجتمع في الميدان النظري، السياسي، الثقافي وغيره، عن ان تطرح افق وتقليد شامل بوجه البرجوازية. في غياب المثقفين الماركسيين، تبقى الحركة الشيوعية للطبقة العاملة في هذا الاطار والنطاق بالاساس. تحدثت في بحث اصول النشاط الشيوعي بالتفصيل فيما يخص هذه الوحدة والشق، وساتطرق اليه لاحقاً في هذا البحث. بالاضافة الى هذا، حلل لينين وفصّل بصورة عميقة هذه الحقيقة في كتاب "مالعمل؟!". ان الوضعية الراهنة للحركة الشيوعية للطبقة العاملة هي انعكاس عجز اليسار غير العمالي في ايران .
ثانياً- عدم تحول وانتقال شبكة حلقات الناشطين، القادة والمحرضين الشيوعيين للطبقة العاملة الى فونكسيون حزبي اعلى او اكثر تكاملاً. ساسعى في بحث اليوم لطرح السبيل امام التغلب على هذا الواقع. ساسعى هنا لطرح تفسير وتوضيح للمكانة الراهنة، واطرح سبيل اثبتت، برايي، الايام صحته سواء من الناحية النظرية او التاريخية.
يشمل عنوان الموضوع ثلاثة كلمات. تحزب ، شيوعي ، طبقة عاملة . نستخدم مجمل هذه الكلمات ونتحدث عنها بغزارة. ولكن حين ندقق بعمق المواضيع، ننتبه الى ان هناك اختلاف هائل في الفهم، في التصوير والرؤية، ودون شك، في الممارسة التي نستقيها من هذه المفاهيم.
حين نسال انفسنا: ماهو التحزب اساساً؟ ماهو تصورنا للشيوعية والامر الشيوعي؟ او ماهي الطبقة العاملة اساساً؟ نعطي اجوبة مختلفة كثيراً على هذه الاسئلة. لقد اعتدنا على عدم رؤية هذه الاختلافات عملياً واحالة الامر الى جزئيات تنظيمية او تكتيكية. من الضروري ان نتحدث عن اختلاف تصور اليسار غير العمالي لهذه الكلمات او المفاهيم الثلاثة عن تصور ماركس، التصور الشيوعي العمالي، وحتى عن تصور التيارات العمالية غير الشيوعية بعض الاحيان.
يوجز مجمل اليسار البرجوازي الصغير التحزب ويختزله الى شكله التنظيمي او يفهمه، مبدئياً، بهذا الشكل فقط. وفق رؤية هذا اليسار، المرء المتحزب ويقبل بالتحزب السياسي ويمارسه هو في صلة تنظيمية مع احد الاحزاب القائمة.
تنطلق رؤية اليسار للتحزب، من حيث الاساس والمحتوى، من الصلة التنظيمية، وليس من صلة اجتماعية. ان فهم اليسار البرجوازي للتحزب هو فهم غير اجتماعي. يفهم من التحزب اساساً انضباط، نفوذ وتاثير، عضو، مؤيد، وغيرها. انا رئيسك، وانت معاوني، انت مؤيد، وانا اصدر لك التعليمات، وانت تنفذها، هذه صلاحياتي، وتلك حدود صلاحياتك وغير ذلك. صلة القائد بالجماهير هي صلة المعلم بالتلميذ، صلة الآمر بالجندي، صلة الرئيس والمرؤوس، صلة المرشد والمريد وغير ذلك. "الاسفل" يفتقد دوماً قدرة القيام بالعمل الى ان يتم تعليمه طلاسم، لايكلف احد نفسه عناء ادراجها على الورق. انها ليست صلة تستند الى المساواة. لايتمثل قصدي بالمساواة المساواة الحقوقية فقط. انها ليست صلة تستند الى تقسيم العمل داخل قيادة الطبقة والمجتمع. القائد العمالي ليس قائداً حزبياً، وان العمل الذي يؤمل من القائد الحزبي ان يقوم به لاياتي على يد قائد عمالي اساساً. القائد الحزبي هو، في افضل الاحوال، امرء قادر على ادارة تنظيمات غير اجتماعية. ان الناس الذين هم موضوع العمل التحزبي لليسار هم ليسوا القادة الموجودين لاي من طبقات المجتمع. ليس من المقرر ان يقوموا بعمل القادة الموجودين في المجتمع. القائد اليساري هو انسان مشهور وبطل في افضل الاحوال.
في العالم الواقعي، القادة العمليين والمحرضين الشيوعيين للطبقة العاملة، القادة المحليين الموجودين هم قادرين افضل من اي شخص اخر على القيادة المحلية. بهذا البعد، اذا لم تكن كفائتهم افضل من قادة الاحزاب السياسية، فانها ليست اقل منهم. ومن هذه الزاوية بالضبط، وعلى وجه الصحة، في التحزب الشيوعي للطبقة العاملة، فان صلاحيات اللجان اوسع كثيرا، في الوقت الذي فيه التنظيمات اليسارية، طبقاً للتعريف، بهيئة شبه نظامية متمركزة وهرمية. لا تُستَمَدْ فلسفة اللجان الجغرافية في التحزب الشيوعي من الجغرافيا فقط، ولهذا، بمعزل عن هذا التنظيم الاجتماعي، تجمع الاحزاب اليسارية اناس لادور لهم في المجتمع على الاغلب، وينشد الحزب ان يجعلهم "ناشطين".
من الواضح ان التحزب هو مفهوم تنظيمي ايضاً، بيد ان انطلاق موضوعة التحزب من البعد التنظيمي، والاسوأ من هذا، تقليصه الى امور تنظيمية هو حصيلة التقليد البرجوازي الصغير في المجتمع. البرجوازية الصغيرة فئة من البرجوازية التي بوسع الضبط والربط التنظيمي ان يربطهم ببعض. ان حياة البرجوازي الصغير ووجوده فردياً مثل الفلاح وصاحب الدكان. ليس ثمة اي ممارسة اجتماعية وجمعية ان تربط البرجوازيين الصغار مع بعض. ولهذا، لتنظيم عمل مشترك من جماهير البرجوازية الصغيرة، تكون مجبراً على ان تقفز على العامل الاجتماعي وتنطلق من الهيكلية والتنظيم.
لا البرجوازية كذلك ولا الطبقة العاملة. البرجوازية والطبقة العاملة على السواء عجنتا بتفاعلات الانتاج في المجتمع. التحزب بالنسبة للطبقة العاملة وبالنسبة للبرجوازية هو ارتقاء بوظيفة او صراع منظم واجتماعي قائمين مقدماً .
اذا انتزعت من البرجوازية تحزبها، تتعرض منظمتها وممارستها السياسية الى ضربة، ولكن لاتزول . الامر كذلك بالنسبة للطبقة العاملة. التحزب والتنظيم هو ارتقاء تشكل ووحدة وصلات موجودة اساساً. مع القمع والاستبداد، يتعرض التنظيم والتشكل في الطبقة العاملة الى ضربة، ولكنه لايمحى .
ليس الامر كذلك بالنسبة للبرجوازي الصغير. مع غياب المنظمة، حتى كفرد، يصبح سلبياً ومنكفئاً. البرجوازي الصغير، مع المنظمة مناضل، وبدونها، يذرع شوارع الانترنيت. ليست المنظمة والحزب لدى البرجوازي الصغير ارتقاء وحدة ونضال قائمين، بل منطلق ومجمل تعريف وتحديد النضال. بالنسبة للبرجوازي الصغير، المنظمة نقطة انطلاق ونقطة نهاية النشاط والنضال. ولهذا، بالنسبة للبرجوازي الصغير، تحتل المنظمة والحزب مكان المجتمع. تعيش الاحزاب البرجوازية الصغيرة في عالمها، وبالتالي، لاندحة لها من ان تعيش بصورة فئوية (غير اجتماعية). تيارات بوسعها ان تتصرف تماماً بصورة غير مقيدة او متحررة من اي عرف الاجتماعي.
ان هذا النوع من التحزب، برايي، هو سائد في يسار ايران والعالم. تحزب تتمثل بوصلته بانه ليست هناك اي مصلحة اجتماعية سوى الايديولوجيا او مكانة الفرد وصلة قبول النفوذ والاعتبار والمكانة الفردية.لايمكن لمثل هذه الاحزاب، وطبقاً للتعريف، جذب البرجوازيين بوصفها اطارهم لنضال اجتماعي موجود قائم اساساً ، ولا العمال.
بالنسبة للبرجوازي الصغير، الذي هو فردي طبقاً للتعريف، النشاط الاجتماعي هو امر غير مفهوم. يحل محل المجتمع امر غير طبقي، وبالتالي، غير تنظيمي، ولايعني الاجتماعي الحضور في تفاعلات اجتماعية، وبالتالي، طبقية في المجتمع، بل الحضور في المنظمة، وفي افضل الحالات، ان يصبح مشهوراً. وحين يُطرَح المجتمع من الطبقة، تتحول الاجتماعية الى غير الطبقية ومستقلة عن الحياة اليومية، وتغدوا اشكال النضال الاجتماعي غير مفهومة اساساً، ويعكس التحزب الحقيقة ذاتها كذلك.
ولهذا، يتحتم علي القول في الخطوة الاولى ان التحزب الذي اتحدث عنه يتعلق قبل اي شيء اخر بالارتقاء بحركة او نضال اجتماعي قائم مسبقاً لاحد الطبقات الاساسية للمجتمع، وهنا الطبقة العاملة وليس تنظيم افراد خارج هذه الحركة. الحركة والنشاط الاجتماعي هو نقطة انطلاق التحزب. ان هذه الحركة والنشاط هما قبل اي شيء اخر، ليسا امراً فكرياً ومعنوياً، بل واقعاً موضوعياً وقائماً في المجتمع.
ينبغي ان اشير هنا كذلك الى امر الا وهو وجود اشكال فهم مشوهة كثيرا لنفس كلمة اجتماعي. مثل "اشتباه" اليسار بالادعاء بالاجتماعية عبر تصور الاجتماعية ان يكون المرء معروفاً او مشهوراً وينظر اليهما على انهما امر واحد. ان رؤية العالم من زاوية التجربة الاجتماعية للبرجوازية الصغيرة، فان حتى كلمة اجتماعي يهبطوا بها الى مفهوم غير اجتماعي. ينفض مفهوم اجتماعي من الية التفاعلات الانتاجية في المجتمع. يرون الية الاجتماعية بالالية ذاتها لاجتماعية فنان و لاعب كرة قدم ومطرب. ساعبر هذا الموضوع الان. تناولت هذا الموضوع قبل سنوات في بحث باسم "الحزب الشيوعي العمالي العراقي، تحديات وافاق"(1)، وساتناوله في فرصة اخرى.
على اية حال، التحزب في اول خطوة هو ارتقاء بنضال اجتماعي قائم وبفونكسيون اجتماعي وليس ارساء تنظيم وهيكلية تنظيمية . التحزب هو نشاط اجتماعي قبل اي شيء اخر، بمعنى ايض وميتابوليزم اجتماعي وليس مشهور او فنان . التحزب عجين بالية التفاعلات الاجتماعية والانتاجية في المجتمع. اي تعبير عن نضال اجتماعي قائم للطبقة ذاتها، وليس ممثليها الفكريين، وعلى الاغلب المُنَصَّبين، او ايديولوجيها. بالانطلاق من هذا البعد الاجتماعي والطبقي يمكن المضي صوب الاشكال التنظيمية اوالتكتيكية.
اذا تسال اليوم من هو الشيوعي، يحدد الشيوعي بقبول مجموعة من المباديء الايدلوجية والفكرية. ان امرء يؤمن بهذه المباديء هو شيوعي، ومن لايؤمن بها، فهو غير شيوعي. مثل دين بالضبط. وهنا يغيب ايضاً عامل المجتمع. للشيوعية دون شك، مباديء عقائدية وبرنامجية، بيد انها قبل هذا حركة اجتماعية قائمة في الطبقة العاملة .
لقد وُلِدَتْ الشيوعية بوصفها حركة اجتماعية، وان شيوعية قطعت صلتها بالمجتمع، تصبح سلسلة عقائد لاصلة لها بموضوعة التحزب الشيوعي للطبقة العاملة. الشيوعية العمالية، بدءاً، انعكاس ممارسة حركة حية شيوعية داخل الطبقة العاملة.
مهما كانت اعتقاداتنا، اذا لم تكن مرتبطة بحركة موجودة في المجتمع، فان موضوعنا سيكون عديم الصلة. اناس كثر في المجتمع هم شيوعيين من زاوية العقيدة. بيد ان النشاط الشيوعي والتحزب الشيوعي ليس موضوعاً حول هؤلاء الناس. في عبارة "التحزب الشيوعي"، كلمة شيوعي لاتتعلق باعتقادات الافراد، بل بالصلة الموضوعية لهم بالنضال الشيوعي للطبقة العاملة . وانه ليس لامر غريب ان اليسار، وبالتصنيف الفكري للاحزاب، ليس بوسعه اساساً فهم الدور والمكانة الموضوعية للتيارات العمالية المختلفة.
اذا انتزعنا هذا الجانب من الشيوعية، نصل كذلك الى جموع جيدة لاناس يتشاطرون التفكير. ممكن ان يكونوا مركزاً ثقافياً، من الممكن ان يشكلوا قسم في جامعة، ولكنهم ليسوا جزء من الحركة الشيوعية للطبقة العاملة، بالشكل الذي يعرّفه ماركس. ليسوا بجموع بشر تخلق تغييرا خاصاً. لاتتعلق موضوعة التحزب الشيوعي بتنظيم الحلقات الفكرية او النظرية. بل تتعلق ببث التحزب بنشاط اجتماعي قائم في الطبقة العاملة. والتي بدون القادة العمليين والمحرضين الشيوعيين للطبقة العاملة يغدوا (أي التحزب-م) عديم المعنى وتناقضاً في المحتوى.
حين نمعن النظر بتعامل يسار العالم مع الشيوعية، يلفت انتباهنا الى امر وهو: بانتزاع هذا البعد الاجتماعي للشيوعية، تحولت هذه الشيوعية الى دين. اذ تُقطع في هذا النوع من الشيوعية مكانة المجتمع، الممارسة الاجتماعية وصلتها بالنشاط الشيوعي داخل الطبقة العاملة. ان اشكال البعد والقرب لاربط لها بالممارسة الواقعية للطرفين في العالم الواقعي، بل تستند الى مدى كون اعتقاداتنا شبيهة ببعض من عدمه.
حين تُخلى صلة الشيوعية من مفهومها الاجتماعي، اي بوصفها حركة داخل الطبقة العاملة، تتحول الشيوعية الى اسلوب حياة. مثلما بالنسبة للقسم الاعظم من يسار ايران والعالم: يستقيظ صباحاً للاطلاع على السايتات. وفي افضل الاحوال، يرسل "مقالة" الى هذا السايت او ذاك. يفصل الشيوعية من بعدها الاجتماعي. يرى "المقال" مَنْ وفي اي زاوية تم وضعه. انها نمط حياة. يذهب صباحاً ليضع "مقال"ه على السايت، وبعدها يرد على مقال احد اخر. بعد هذا لايهمه ان قرأ احد ما "مقال"ه ام لا او هل انه ترك تاثيرا على حياة احد ما، أغير شخص ما ام لا وغير ذلك. ينهض اليوم الذي يليه، وباحساس اكبر بالبطولة وكونه على حق، ويكتب "مقال" لاحق.
حين يُفرغ المجتمع، في اكثر فونكسيوناته أساسية، من الية الانتاج الراسمالي، تُفرغ الطبقة العاملة كذلك من المحتوى الاجتماعي (ارتباطها بالمجتمع والنظام الراسمالي).
بالنسبة لماركس، المجتمع الراسمالي هو امر مفروغ منه، ومندغم في مجمل المفاهيم الاجتماعية لماركس. لايمكنكم حذف المجتمع الراسمالي من اي من مفاهيم ماركس. من السلعة الى العامل، من الدولة الى الثورة هي كلها مفاهيم اجتماعية، وبالتالي، طبقية، وليست مفاهيم مجردة، اكاديمية و"استنباطية". مثلما هو الامر مع ماركس، التحزب مفهوم اجتماعي مرتبط بالمجتمع الراسمالي، مثلما هو الحال بالنسبة لماركس الشيوعية مرتبطة بحركة محددة في المجتمع الراسمالي ، مثلما هو الحال مع ماركس، السلعة هي ظاهرة اجتماعية، فان الطبقة العاملة كذلك هي مفوم اجتماعي في اطار المجتمع الراسمالي.
العامل بالنسبة لماركس هو ليس امرء رآه فقيرا ومحروماً ومضطهداً، كما انه ليس بامرء ينتج فائض القيمة صرفاً. في كتاب الراسمال وفي كتابات ماركس، الطبقة العاملة ليست مفهوماً اقتصادياً بصورة صرف. بل مفهوماً اجتماعيا عجين بمكانة اقتصادية معينة. في الماركسية، ليس كل من ينتج فائض القيمة هو عامل، واي امرء لاينتج فائض القيمة (مثل عمال الاقسام غير المنتجة في الراسمالية) هو ليس بعامل.
هناك اناس في صلب البرجوازية الصغيرة او البرجوازية ينتجون فائض قيمة. مهندسون، تقنيون، مصممون صناعيون، او مايسمى العمال الفكريين ينتجون ثروة اكثر من قيمة قوة عملهم، ولهم فائض قيمة انتاجية، دع عنك بدرجة استغلال اقل كثيراً من العامل الصناعي.
بالنسبة لماركس، العامل هو ليس فقط امرء ينتج فائض قيمة. العامل العامل ينتج فائض قيمة، ولكن يقف في مكانة اجتماعية خاصة . في مكانة اجتماعية بحيث يكون مجبراً يومياً على ان يلعب دوره من جديد في الانتاج .
المثقف، المهندس، المصمم ينتج في الكثير من الحالات فائض قيمة، ولكنه ليس في هذه المكانة الاجتماعية. انهم ذوو ثروة، امكانيات احتياطية، بوسعه ان لايعمل لفترة وغير ذلك. الطبقة العاملة جزء من المجتمع مجبر يومياً على ان يدخل هذه الصلة. ناهيك عن عمال قسم "الخدمات" او قسم "غير المنتج" في الراسمالية لاينتج اساساً فائض قيمة. بيد ان مكانتهما في المجتمع ودورهما في خلق فائض القيمة وتقسيمه بين الراسماليين يجعلهما جزء لايتجزء من الطبقة العاملة. وللسبب ذاته بالضبط يعتبر ماركس القسم الادنى من المعلمين الفقراء جزء من الطبقة العاملة. ليس من زاوية فقرهم، بل من من زاوية ان اطار حياة هذا القسم مثل فراش ومنظف المدرسة وحارسها في الاطار ذاته لحياة العامل.
زد على ذلك، من وجهة نظر ماركس، الفقر ليس اساس تعريف العامل. ان مستوى معيشة وحياة الطبقة العاملة في الكثير من الحالات، وبالاخص فيما يتعلق بالبروليتاريا الصناعية، افضل من قسم واسع من البرجوازية الصغيرة للمجتمع، ومن ضمنهم الفلاحين، بيد ان مكانتهم الاجتماعية هي ذاتها التي ذكرتها.
ايجازاً، العامل عند ماركس هو ظاهرة موضوعية اجتماعية-اقتصادية . اذا انتزعنا منها بعدها الاجتماعي، تتحول الماركسية الى حركة الفقراء والمثقفين الساخطين. ان فتح باب هذه الموضوع هو احد المحتويات المهمة لكتاب راسمال ماركس واحد المحاور المهمة لاعادة قراءة راسمال ماركس من قبل منصور حكمت، وبوسع المهتمين ان يعودوا اليه.
ان نظرة اليسار التقليدي وغير الطبقي للعامل، في افضل احوالها، هو اناس منكوب وعديم الحيلة في المجتمع. ولهذا، فان هذه الطبقة، بوصفها ظاهرة اجتماعية موضوعية هي ليست موضوع تحزب اليسار. اليسار، دون شك، مهموم بحال هذه الجماهير الفقيرة التي تسمى عامل، يخلص له، يحمل همه، ولكن اياديه بعيدة عن الطبقة العاملة، يمثل الانسانوية غير الطبقية والشعبية والشعبوية. في هذه المنظومة، يذوب العامل في صف الجماهير، في صف الشعب، في صف اناس جيدين، او حتى الكادحين. وحيث يعود للطبقة العاملة، فانه يرتبط بقسمها الاكثر هامشية والتي لايتحقق علي ايديه شيء، قسم ملوث كثيرا بالثقافة البرجوازية الصغيرة.
ان حزباً وتحزباً قطعا صلاتهما بالطبقة العاملة وبالبروليتاريا الصناعية لايران، يمكن ان يكون حزب افضل الناس وملائكة العالم، بيد ان لاصلة له بتحزب الطبقة العاملة وشيوعيتها. ان هذا واقع حال عالمنا.
ان هذه جميعاً تمثل أساساً على الاقل في منظومتي. اعتقد انهن اساس في الماركسية. بدون هذه المفاهيم، برايي، وفي سياقها الاجتماعي، وبالتالي، الطبقي، لايمكن فهم ماذا يجري، ويلقي بضلال على صف الاصدقاء والاعداء، والاهم من هذا يبقي سبيل التغيير غير واضح المعالم.
قبل دخول موضوعة التحزب في الطبقة العاملة، ارى من الضروري ان نمحص، بدءاً، صلة البرجوازية بالطبقة العاملة ونوضح قسم من مسلمات اليسار بهذا الصدد.
ان تصور اليسار للبرجوازية هو ان البرجوازي فقط يستغل العامل، وتصون البرجوازية نفسها باخضاع هذه الطبقة بالقمع. ان القمع والاستبداد ادوات مهمة في اخضاع الطبقة العاملة. ليس هناك شك في هذا. بيد ان القمع لايكون له مفعول لمدة طويلة، في ظل غياب نفوذ وسيادة افق، وقيم ورؤية البرجوازية داخل الطبقة العاملة. اذ ان وقائع تاريخنا تبين: حيث ان سلطة القمع لاتكون قائمة هناك او الحقت بها الهزيمة جراء الثورة او التمرد الجماهيري، فان الطبقة العاملة على حالها مشتتة وخاضعة للبرجوازية. ان مكانة الطبقة العاملة في البلدان التي لايسودها القمع او ماتبينه تجربة ثورة 1979 هو حين يكون المجتمع وبالاخص الطبقة العاملة ويسار المجتمع باقياً في اطار المعطيات البرجوازية، فان خضوع الطبقة العاملة باق على حاله حتى في حالة غياب القمع.
ان هذا الخضوع، وقبل اي شيء اخر، هو حصيلة الخضوع الحركي لليسار للمعطيات البرجوازية وعدم قدرته في النضال ضد الهجوم المتواصل للبرجوازية بقوالب مختلفة. يمكن القول ان عجز اليسار هذا يبدء من تصور انه هو وحده من يخاطب الطبقة العاملة، يلتسع قلبه لها ويحدد لها افق ما وامال ما وسياسة ما.
ان هذا التصور، وبغض النظر عن كونه ساذج، لهو في تناقض من الوقائع. ان هذا التصور هو انعكاس للتعامل البرجوازي لهذا اليسار نفسه مع الطبقة العاملة وقسم مهم من البرجوازية. في العالم الذاتي، وامال اليسار البرجوازي فانه فقط "اكثر راديكالية" من الناحية المليتانتية (المكافحة-م) من المسار البرجوازي الاساسي. ، وليس له نقد اساساً على الاسس الاجتماعية والطبقية للبرجوازية، وبالاخص فيما يخص وضع الطبقة العاملة، هدف هجومها. ولهذا، يبقي يسار عالمنا الطبقة العاملة امام الهجوم الأيديولوجي، السياسي والطبقي للبرجوازية دون اي كلام او دفاع. تمعنوا في ادبيات اليسار، ينتقد الظواهر البرجوازية من مثل النزعة القومية، التعصب الاثني، اضطهاد المراة والدين وغيره فقط من زاوية اومانستية انسانوية ومنطقية، وليس من خصلتها البرجوازية، وعلينا، بمواجهة هذه التفرقة، ندعو للوحدة ولنضال الطبقة العاملة من اجل التحرر والخلاص.
ولكن على خلاف تصور اليسار، فان ايلاء الانتباه للطبقة العاملة والمجتمع ككل هو احد الاركان الفكرية-العملية لسياسة، ومبدئياً، كل البنية الفوقية الطبقية للمجتمع. اذ بدون كسب او ارضاء البروليتاريا بافق برجوازي، تصبح السلطة والحكم الطبقي للراسمالية امراً مستحيلاً. لايستمر اي قمع بدون مثل هذا الحضور الحركي، القيمي والآمالي. اشرت الى ان واقع المجتمع يشير الى: حتى لو مُحِيَ القمع، فان بوسع البرجوازية، وبالاتكاء على حركاتها الاجتماعية، ان تبقي الطبقة العاملة نفسها حبيسة اطار العلاقات القائمة، وان تكون عائق امام الوحدة الطبقية للبروليتاريا والاطاحة بالحكومة البرجوازية. ان اليسار البرجوازي نفسه هو جزء من حركة الطبقة البرجوازية هذه، ولهذا، فانه عاجز عن رؤية هذه الحركات وفهمها ويفتقد الى نقد عميق لها. ان مايبقى له هو ان القمع هو العامل الوحيد او العامل الاساسي لخضوع الطبقة العاملة، ويقلل النضال الشيوعي والتحزب الشيوعي الى نضال ديمقراطي ضد القمع والاستبداد والظلم على العموم بقالب غير طبقي .
ينبغي ان نُذَكِّر ان اكتشاف وجود المجتمع الطبقي ووجود الطبقة الراسمالية والعامل لايخص ماركس. ومثلما يعلن ماركس، اكتشف منظرون ومفكرون برجوازيون قبل ماركس وجود الطبقة العاملة. ولهذا، فان محض قبول وجود الراسمالي والعامل لايدلل على الانتماء السياسي للطبقة العاملة، بل انه احد الاركان الفكرية والحركة للبرجوازية ككل.
ان النواة الاساسية لاختلاف ماركس والتقليد الشيوعي عن كل التيارات البرجوازية تتمثل بالتالي:
الف - تنكر الحركات البرجوازية، رسمياً او عملياً، المصلحة المتمايزة والمتناقضة للطبقة العاملة مع سائر الطبقات، وتقر بوجود مصلحة مافوق طبقية في المجتمع الطبقي باسم البلد، الامة، المجتمع المدني، الشعب، الجماهير وغيرها، وبالتالي، تُصَفّي الطبقة العاملة وتحلها في المجتمع، البلد، الامة، صف الشعب، الجماهير وغيره.
ب - يعتبر ماركس وجود الطبقات مشروط بمرحلة معينة من تاريخ الانسان، والاهم من هذا، يعتقد ان المهمة الفورية والمباشرة اليوم للبروليتاريا هي الاطاحة بالحكومة الراسمالية وارساء ديكتاتورية البروليتاريا. ويقدم اليسار هنا الف مقولة ومقولة على الاطاحة البرجوازية: حل المسالة القومية، اسقاط النظام، تطور قوى الانتاج، هل أوضاع الراسمالية في ايران عادية ام لا و.....
النواة الاساسية للهجوم السياسي والثقافي للبرجوازية، الذي هو بالضبط بالضد من اطروحة ماركس هذه، وتستند الى اساس ان عالم افضل هو امر ممكن بدون الحكومة العمالية او في خضم العلاقات القائمة. انه الحلم الذي يتشاطر به اليسار الشعبوي، وبالتالي، عاجز عن نقده.
ومن اجل سلطتها وحكمها، البرجوازية بحاجة الى كسب الحماهير العريضة من البروليتاريا لافقها هذا ولرؤيتها لعالم افضل بنوع برجوازي. الجنة، الحكومة الوطنية، وحكومة المصلحة العامة هي فقط ابسط اشكال هذه الرؤيا. في هذه المعركة، المفكرون، المثقفون، حملة الشهادات، المحرضين والدعاة البرجوازيون، واخيراً، المؤسسة العنكبوتية لوسائل الاعلام العامة وصناعة الدين هم عناصر هذا الهجوم، والبرجوازية الصغيرة التي يراودها حلم الهروب من البلترة (من ان تتحول الى بروليتاريا-م) والانضمام للبرجوازية، هو السياق العام لهذا التوهم.
ان ماوراء تصوير المصلحة العامة وغير الطبقية في مجتمع طبقي هو افق تحرك اجتماعي معين. فوفقاً له، في المجتمع القائم، بوسع اي امرء ان تكون له فرصة انقاذ نفسه من ان يكون عامل، ان يغتني، ويقف رسمياً او عملياً بوضع ومكانة برجوازي في المجتمع، ان ينعم بالحد ذاته من ثروة المجتمع. ان هذا الافق او التصوير هو النواة الاساسية للحلم الامريكي (American Dream).
في عالمنا، ان الحجم الاساسي للنقد موجه للامساواة الذي تنتجه البرجوازية. بيد ان الطريق الذي يُطرح هو طريق غير طبقي. ولهذا، ليس فيه ضرورة لحشد الطبقة العاملة للاطاحة بالبرجوازية. يقبلوا بما تتحفه بهم البرجوازية بان هذا المجتمع والعلاقات ذاتهما يعطيان فرصة كافية للفرد كي ينقذ نفسه من الفقر والانقياد الاقتصادي. ويتمثل هنا مجمل جذابية الراسمالية وحلم الحكومة الغربية.
تتحدث البرجوازية اكثر بكثير من يساريي العالم حول الطبقة العاملة. اذ يلتسع قلب القوميين الكرد على العامل الكردي اكثر من قسم كبير من شيوعيين يعتبروا كردستان نطاق وميدان عملهم. اذ النزعة القومية تقصف ذهن العامل دوما بان العامل في مصفى طهران يستلم كذا اجور وانت في معمل طابوق نائي في مدينة مريوان تستلم هذا الحد الزهيد من الاجر، وان معضلة مجتمع كردستان هي تخلفها الاقتصادي والصناعي، وبوسع النزعة القومية الكردية، عبر إيجاد حل لهذا التخلف، ان تستاصل الفقر والاستغلال. حتى شعبويون مخادعون مثل احمد نجاد وحماس وحزب الله يتحدثون اكثر عن العامل وفقراء المجتمع ومنكوبيه ويلتسع قلبهم له اكثر من تيارات تطلق على نفسها شيوعية. انظروا الى فلسطين والمصير الماسوف عليه لجماهيرها وصف المناضلين من اجل الخلاص من نير النظام العنصري الديني-القومي لاسرائيل حتى تدرك حجم المصيبة التي جلبها العجز الماهوي لليسار الشعبوي.
تمعن بالحركة المناهضة للعولمة. ان رسالة هذه الحركة هي ليست الدفاع عن المعيشة او النضال ضد الاستغلال، بل النضال ضد الراسمالية من وجهة نظر برجوازي صغير وبرجوازي تحت الضغط، وان يكن بدرجة عالية نسبياً من الميلتانتية (الكفاحية-م). يحطمون في احتجاجهم زجاج نوافذ مطاعم مكدونالد ويفترضوا ان محلات الكباب التركي والايراني والعربي في صف الشعب، اناس جيدين وغير ذلك. في وقت ان مكدونالد تمنح اجور واوضاع عمل افضل كثيرا، وان مطاعم الكباب الفلاني تستغل العامل باسلوب القرون الوسطى والنموذج الفرعوني لمصر. انه تصوير يسار، يطلق على نفسه يسار، شيوعي او فوضوي.
البرجوازية تقبل ان المجتمع طبقي، ولكنها تعلن ان احزابها هي احزاب غير طبقية تضع نصب عينها المصلحة العامة للجماهير، للشعب، للامة. ان هذا ممكن فقط في سياق الهروب من حلقة الخضوع الاقتصادي في اطار النظام القائم. انه تصور مفاده: اذا سعيت، بوسعك ان تكون ثرياً، بوسعك ان تنقذ نفسك من وضعية عامل وتتحسن حياتك.
ان النموذج اليساري لهذا التصوير هو نفسه الذي تراه في مجمل اليسار الايراني فيما يتعلق بالجمهورية الاسلامية. انها حكومة غير طبقية. انها نظام، حكومة دينية، حكومة الفرس. انها نظام متخلف وغير ذلك. ولذا، فان البديل الذي يطرحوه هو غير طبقي بالدرجة ذاتها. ان حكومة الجمهورية الاسلامية بالطبع هي كل هذه، ولكن قبل هذا كله، والاهم من هذا كله ان تدرك الطبقة العاملة ان هذه الدولة والحكومة هي دولة وحكومة كل البرجوازية في ايران وتصون مصلحة الراسمالية امام العامل. ومن هنا تنبع مبدئيا ضرورة وعي ووحدة الطبقة العاملة امام مجمل البرجوازية، اي التحزب الشيوعي للطبقة العاملة. يرى اليسار في صلة البرجوازية بالطبقة العاملة القمع فقط. وبالتالي، في الحقيقة مسالة النضال ضد هذا القمع وبنفس التقاليد الشائعة للبرجوازية هو امر يكفي ولايحتاج الى تحزب شيوعي للطبقة العاملة.
ان جانب اخر من الامر هو النزعة الاصلاحية. حين اتحدث عن الاصلاحية، فلا اقصد اناس يناضلون من اجل الاصلاح. ان النضال من اجل الاصلاح هو جزء لايتجزأ من النضال الشيوعي للطبقة العاملة. قصدي هو تلك الحركة التي تبقي، بصورة واعية او غير واعية، الطبقة العاملة اسير هذا النطاق. حركة لاترى الاصلاح بوصفه جزء من عملية اتحاد وحث الخطى صوب الثورة الاشتراكية. تقليد او اناس تتخلى تماماً او عملاً عن النضال الثوري للطبقة العاملة من اجل الاطاحة بالبرجوازية. ان هذه الاصلاحية تشمل كم هائل من الدعم الفكري والحركي للبرجوازية بدءاً من مخلصي الفقراء او المخلصين لحال المضطهدين، من جماعات الاعمال الخيرية الاجتماعية الى المنتقدين الديمقراطيين للراسمالية. ان سجل اعمال اليسار في النضال ضد هذه الاصلاحية ليست اكثر ثمراً من الميادين الاخرى. اما لايفهم اليسار البرجوازي الصغير اساساً النضال من اجل الاصلاح ومكانته في نضال البروليتاريا من اجل الاتحاد وفي الاطاحة بالنظام الراسمالي، او حين ينتبه الى هذا النضال، اما يحله اويصفيه في الاطار ذاته للتقليد الاصلاحي البرجوازي، وان يكن بصورة مليتانتية اكثر.
لايتعلق موضوعي اطلاقاً بدوافع هؤلاء الافراد او تلك التيارات. ليس التاريخ بتاريخ الدوافع. ان تاريخ عملنا قي خضم وسياق الواقع الطبقي للمجتمع. ان التحزب الذي لايوفر للطبقة العاملة هذه الاداة، لايختلف عن الاحزاب البرجوازية الاخرى. مثلما قلت ان الدافع ليس بارومترا نستطيع ان نقيس عبره دورنا في التاريخ. وكيف لي ولك ان نعرف ماذا كان دافع ستالين وان لديه دافع سيء اساساً. من اين لنا ان نعرف ماذا كانت دوافع هتلر في خلوته؟ أ من المؤكد كان يريد ان يضرم النار في الناس ويحرق عشرات الاف الناس؟ لقد جرّت الدعاية الشعبوية و"المناهضة للراسمالية" للنازية في المانيا قسم عريض من البروليتاريا الصناعية في المانيا. تركوا الحزب الاشتراكي الديمقراطي وانضموا الى النازيين، القوميين الاشتراكيين. هتلر مثل احمد نجاد كان يحرض دفاعاً عن الطبقة العاملة ضد الراسماليين. ما اود قوله ان للبرجوازية عمل ما في الطبقة العاملة، وليس عملاً ما، بل انها قضيتها وان مجمل سعيها اليومي هو ان تؤمن وتضمن ان لاتخرج الطبقة العاملة، من حيث الافق، من بين اياديها، وتقع في راحة يد الشيوعيين الحقيقيين للمجتمع.
وعليه، الطبقة العاملة، وقبل ان تكون تحت ضغط القمع، فانها تحت ضغط هجوم افاق وتقاليد ومعطيات الحركات البرجوازية، وان دورها هذا اعظم من القمع في اخضاع الطبقة العاملة واستغلالها وتوظيفها لمصالح هذه الحركات.
ان النشاط والمحرض والقائد الشيوعي في الطبقة العاملة، وقبل القمع، هم تحت ضغط هذه الحركات البرجوازية. ان هذا الضغط اكثر فعالية ومضياً في بث الفرقة وخلق الياس داخل ناشطي الطبقة العاملة اكثر من تعذيب سجون النظام. وان اليسار غائب تماماً في هذه الحرب.
انطلق لبدء موضوعة التحزب من البيان الشيوعي، الذي هو اول برنامج حزب شيوعي. يطرح الفصل الثاني من البيان، وهو تحت عنوان "البروليتاريون والشيوعيون" تصويراً شاملاً وجامعاً ودقيقاً الى حد كبير لمعنى التحزب السياسي في الطبقة العاملة وصلة الشيوعيين والحركة الشيوعية بهذا التحزب.
اذ يوجة البيان سؤالاً: هل للشيوعيون والبروليتاريا صلة مع بعض؟ بعدها يتناول اختلاف الحزب الشيوعي عن سائر الاحزاب العمالية . قلة من انتبه الى نقطة وهي ان البيان الشيوعي لايعتبر التحزب الشيوعي الشكل الوحيد للتحزب العمالي، وان هذه النقطة محورية في بحث ماركس وكل مكانة التحزب الشيوعي.
يتحدث ماركس وانجلز عن الحزب الشيوعي وسائر الاحزاب العمالية . واود هنا ان اتوقف عند مفهوم التحزب العمالي ولكن غير الشيوعي، وذلك لان هذه النقطة ذاتها هي اساس البلبلة الفكري والانفصال الاجتماعي العميق لليسار عن الطبقة العاملة. من زاوية نظرة اليسار، الناشط العمالي هو اما شيوعي (باعتبار هذا اليسار شيوعي) او نقابي ينتمي لصف البرجوازية او الحركات البرجوازية. ان الابتعاد السياسي، العاطفي والحركي لليسار عن الطبقة العاملة والناشطين العماليين هو اساس هذه البلبلة والتشوش الفكري الذي ساتناوله.
يضع البيان الشيوعي الاحزاب العمالية غير الشيوعية من الاساس في مكان اخر. يعتبر البيان الشيوعيين احد الاحزاب العمالية، ويحدد للشيوعيين الصلة الوثيقة مع سائر الاحزاب العمالية. في الوقت ذاته، ثمة نقطة ذا درجة كبيرة من الاهمية الا وهي ان البيان الشيوعي لايضع الاشتراكيين الخياليين والشعبويين رديفاً للاحزاب العمالية . انه يصنفها بتصنيف اخر الا وهي انها جزء من "الاشتراكية الرجعية"، "الاشتراكية الحقيقية"، "الاشتراكية البرجوازية" و"الاشتراكية الاقطاعية".
يتحدث البيان عن الصلة بهذه الاحزاب العمالية بـ:"الشيوعيون ليسوا حزباً خاصاً بمجابهة الاحزاب العمالية الاخرى". انتبهوا الى البيان يتحدث عن ان الشيوعيين بمجابهة هذه الاحزاب.
ان اختلاف الشيوعيين عن الاحزاب العمالية الاخرى لايتمثل في الشكل ودرجة المليتانتية (الكفاحية-م). يتحدث البيان عن ان التحزب الشيوعي يغطي جوانب وافاق تعجز سائر الاحزاب العمالية عن تغطيتها، وبالتالي، لاتستطيع ان تفتح ابواب سبيل الاتحاد والظفر امام الطبقة العاملة. يتحدث البيان عن "ان ليس لهم مصالح خاصة منفصلة عن مصالح مجمل البروليتاريا. ولايطرحون مباديء خاصة يريدون قولبة الحركة البروليتارية بقالبها .... وان الشيوعيين لايتميزون عن الاحزاب البروليتارية الاخرى الا في انهم: من ناحية، يُبرزون ويُغلِّبون في الصراعات القومية المختلفة المصالح المشتركة للبروليتاريين بغض النظر عن مصالحهم الوطنية، ومن ناحية اخرى، يمثلون دائماً مصلحة مجمل الحركة في مختلف اطوار التطور التي يمر بها الصراع بين البروليتاريا والبرجوازية.... اذن الشيوعيون عملياً هم الفريق الاكثر حزماً من الاحزاب العمالية في جميع البلدان، والدافع دوماً الى الامام، ونظرياً هم متميزون عن سائر جموع البروليتاريا بالتبصر في وضع الحركة البروليتارية وفي مسيرتها ونتائجها العامة، والهدف الاول للشيوعيين هو الهدف نفسه لكل الاحزاب البروليتارية الاخرى: تشكل البروليتاريا في طبقة، اسقاط هيمنة البرجوازية، واستيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية" (2)
ان الاختلاف مابين منهج البيان ومنهج اليسار هو بالضبط في تقييم الظواهر الاجتماعية استناداً الى دورها الاجتماعي والدور الذي تلعبه في الطبقة العاملة في نضال اجتماعي. يفهم اليسار من السياسة الأيديولوجيا فقط، وان يكن بالمعنى غير الاجتماعي والفقهي. وبالتالي، كما هو الحال مع تقييم اي خط او حركة او تحرك ينطلق من الايديولوجيا وينتهي بها، يتعامل بنفس الطريقة مع الحركات، التشكيلات، والاحزاب داخل الطبقة العاملة.
بهذا المنهج، ليس بوسع اليسار ان يفهم لماذا في وقته الفوضويون، الناشطون النقابيون والنقابات التي لم تكن اساساً شيوعية، ناهيك عن مثل باكونين، المخالفين لصيغة الشيوعية وماركس يتم تصنيفهم جزء من الاحزاب العمالية، ويظهروا بجوار الشيوعيين في الاممية الاولى، والاشتراكيون الخياليون، الاشتراكيون الحقيقيون، الاشتراكية الالمانية وغيرها في صف الاحزاب البرجوازية والرجعية.
ان هذا التصنيف في البيان الشيوعي يعود بصورة تامة الى الاساس الطبقي والاجتماعي لهذه الاحزاب، وليس الى منظومتهم الفكري. وذلك لسبب بسيط الا وهو ان العامل تشكَّل من هنا. يبدء من تجربة حياته اليومية بمواجهة اصحاب العمل، يبدء بصورة صنفية للتشكيل والنضال، جزء من نضال الطبقة العاملة ضد البرجوازية. في الوقت الذي ليس هناك صلة للاشتراكية البرجوازية، الخيالية، الالمانية وغيرها، بالضبط مثل الشعبوية السائدة على اليسار، بالنضال اليومي والتخندق الطبقي للعامل بوجه الراسمالي. ان الشعبوية هي حركة لتصفية الطبقة العاملة في قالب اجتماعي باسم الجماهير، الشعب، وغيرها. التيارات التي يتناولها البيان هي حركات بالضبط مثل اليسار غير العمالي تفهم العامل في خارج سياق الانتاج الاجتماعي في المجتمع وخارج التنظيم الاجتماعي الناجم عنه، يدعوه النضال ويمجد له الافق.
لقد ذكرت ان اليسار القائم، وقبل ان يكون له اساس حركي، فانه تيار ايديولوجي. وبالتالي، فان مكانة الاحزاب لاتنبع من اساس دورها في المجتمع وفي سياق اوضاع محددة، بل من الافكار والايديولوجيا. مثل الدينيين بالضبط. اما بالنسبة لماركس وانجلز ولينين، فان هذه هي ظواهر اجتماعية وينبغي تقييمها في سياق المجتمع وفي خضم الصراع الطبقي. الافكار هي، وقبل اي شيء اخر، هي وعي او لاوعي، وضوح او تشوش، وعلى قول ماركس في الثامن عشر من برومبير، تبين التحديدات او عدم التحديد في الاهداف. بالبارومتر الايديولوجي الذي لدى اليسار لايمكن فهم وجود الاحزاب العمالية ولكن غير الاشتراكية، ليس هذا وحسب، بل يقلل اليسار التاريخ اساساً الى تاريخ فكري.
ينظر ماركس، انجلز وبعدها لينين الى التنظيم السياسي داخل الطبقة العاملة بهدف انهاء مصيبة ان يكون المرء عاملاً، لا حول مايقوله كل منهم عن نفسه. ينطلقون من الحياة والنضال اليوميين للطبقة العاملة. في هذا السياق، يمكن بسهولة فهم ماهو المقصود حين الحديث عن صلة الشيوعيين بسائر الاحزاب العمالية . يتحدثون عن احزاب ليست بالضرورة شيوعية ولكن عمالية. اي ان حياة ونضال العامل محور وجودهم. كم يتحلوا برؤية واضحة، وكم هي حدودهم، باي حد يرون والى اين بوسعهم ان يمضوا هي امور ثانوية. كل ماموجود رسمياً او في بلدان في ظل اجواء قمعية مثل ايران، يشكلوا عملياً احزاب وصلات ذات ماهية حزبية-سياسية.
التحزب العمالي، مثل اي اشكال التنظيم والاتحاد الاخرى في الطبقة العاملة يستند الى حقيقة وجود الطبقة العاملة وتنظيمها في الانتاج والمجتمع. ان واقع حياة العامل تجره الى الاتحاد، اما اية اشكال يتخذه هذا الاتحاد، وكيف ان هذا التحزب يرتبط برد فعل على الحياة اليومية للعامل فهو مسالة ثانوية. العامل والعائلة العمالية، من كبارها حتى اطفالها ويافعيها، وحسب القول المعروف "من يوم يحلّوا فيه على الارض الى اليوم الذي يُدفنوا فيه"، يواجهوا كل لحظة من حياتهم ومعيشتهم وافراحهم واتراحهم الراسمالي واصحاب العمل ويخبروهم. مثلما هو الحال مع الفلاح، اذ يتواجه في النظام الاقطاعي مع الاقطاعي، او العبد مع مالك العبيد. بيد ان اختلاف العامل عن الفلاح هو ان الفلاح منفرد ووحيد في الحياة والانتاج، ولهذا فان رده فعله الطبيعي على "الظلم" يقوم به بصورة فردية كذلك. على عكسه، العامل هم منظم في المجتمع، في الانتاج وفي حياته. الانتاج الفردي في حياة الطبقة العاملة هو امر عديم الصلة وعديم المعنى. ولهذا، فان الرد الفعل الطبيعي للعامل على الاستغلال هو جماعياً ومنظماً بالضرورة كذلك. اذ من النادر ان يهرع فلاح لمد يد العون لفلاح اخر، بيد ان العامل هو في حالة تعاون وتنسيق مع الاخرين في عمله اليومي، ويجترح البطولات يومياً من اجل جر رفيقه من تحت اثار الحديد، ولسحب يد رفيقه من تحت اسنان المنشار. البطولة، التضحية، الانضباط، العمل الجماعي هي حياة يومية للعامل، في الوقت الذي هي، بالنسبة للبرجوازي الصغير، نشاطات بطولية فردية ضد الظلم. ان هذه هي حياة العامل. بالنسبة لليافع والطفل، فان العامل العاطل، ضمان البطالة، العمل الاضافي، العمل الليلي، الطرد من العمل، العمل التعاوني، اصدقاء ورفاق العامل ومعاضدي الام او الاب، رفاق العمل، القادة العماليين وغيرها هي واقعية ومعروفة بالقدر ذاته الذي فيه الرعد، والمطر والثلج والرياح واصحاب العمل والاقطاعي والاغا بالنسبة لابن الفلاح. اذ يكبر الابن اليافع وطفل العامل من البداية على النقابة، سنديكا، المجلس، الصلات السرية بين القادة العماليين، وكلها ظواهر معروفة بالنسبة لهم.
على هذا الاساس، حين يتحدث ماركس عن الاحزاب العمالية، فانه يتحدث بالمناسبة عن الفوضويين، عن اؤلئك الذين يؤسسون نقابات. بيد ان تتخذ لاحقاً في البلدان الامبريالية، مع تشكل ارستقراطية عمالية، الحركة النقابية وتضع على عاتقها الدور السابق للتيارات البرجوازية، فانه ليس له صلة بالمكانة الراهنة لحركة الطبقة العاملة في ايران.
النزعة السنديكاليستية ليست سلسلة معتقدات، بل انها حركة برجوازية معها الارستقراطية العمالية في البلدان المتروبولية الراسمالية. السنديكالستية في البلدان المتروبولية هي ليست محمل وحدة الطبقة العاملة. بل محمل خضوعها واستسلامها وتشتتها.
ان امرء لايدرك هذه الحقائق ويعتبر اي حزب عمالي غير شيوعي هو نقابي، يدلل على ان لا ربط له بالحياة اليومية للعامل برايي. ومثلما ذكرت سابقاً، الاحزاب، الصلات، الحلقات والتشكلات العمالية هي ملطخة بالمعطيات البرجوازية، ومن بينها النقابية. ولكن، اولاً، ان هذا التلطخ هو انعكاس عدم الوضوح، الاهداف المشوشة والخرافات السياسية والثقافية البرجوازية، وثانياً، ومع كل اشكال اللطخ هذه، فان هذه الاحزاب والتشكيلات هي احزاب وتشكيلات عمالية، في الوقت الذي فيه اليسار، قاضينا، في الحقيقة، وفي بعض الأحيان، نفسه مصدر وجزء من الفايروس الناقل لاشكال التلطخ هذه.
يظلل هذه التشكيلات وهؤلاء الفعالين والشبكات وهذه الاحزاب الكثير من الخرافات البرجوازية ، بيد ان النقابات والاتحادات والفوضويين اعضاء الاممية الاولى، هي تيارات يسميها ماركس وانجلز في البيان الشيوعي باسم احزاب عمالية غير شيوعية، هي اكثر عمالية، واقرب للشيوعية واكثر تقدماً. اختلق اليسار شبح النقابية في ايران كي يبرر انعدام صلته بحقيقة وجود الطبقة العاملة.
اذا كان تصويرنا اجتماعي وطبقي بهذا الحد للتحزب العمالي، ومن بينه التحزب الشيوعي للطبقة العاملة، عندها يمكننا من ادراك مكانة احزاب ومنظمات هي بالاساس رافعة تشكل الخريجين، المثقفين، الطلبة، حملة الشهادات الساخطين، اناس هامشيين. للسبب ذاته بالضبط، يُصنّف قسم كبير من القادة والناشطين العماليين في صف العدو، في صف النزعة النقابية وفي الصف المعارض وفق منظومة اليسار القائم. في الوقت الذي، بالنسبة لعامل دخل ميدان العمل ولو ليوم واحد، ان هؤلاء القادة والناشطين، رغم كل اشكال عدم وضوحهم وغياب البوصلة في معرفة اهداف نضال الطبقة العاملة، ليس هم انفسهم، بل اكثر من صف القسم الاعظم من قادة الاحزاب اليسارية، هم قائد الطبقة العاملة.
اذا ارد امرء ان يفهم التحزب العمالي والشيوعي من البيان الشيوعي، ويتخذه اساساً، فان البيان يعرّفهم كذلك، وانا من هذه الزاوية كذلك ادخل الى التحزب الشيوعي.
التحزب الشيوعي ليس بمجابهة بقية الاحزاب العمالية من وجهة نظري. بل بمجابهة الاحزاب البرجوازية، بمجابهة الشعبوية، القوميين، الليبراليين والمحافظين. بمجابهة القوميين، لا لانهم من الناحية الاومانستية (النزعة الانسانوية-م) والمنطقية هم قوميين وشعبيين، ليس هذا وحسب، بل ان اي من اشكال وجودهم يبث الفرقة القومية، الدينية، الجنسية والطبقية بين العمال ويؤمن ادامة هيمنة البرجوازية، لانه يؤبد الفرقة بين الطبقة العاملة.
ينبغي ان لايغيب عن البال ان الاطروحة المحورية والاساسية للبيان الشيوعي هي ان الفرقة بين الطبقة العاملة هي مصدر ادامة السلطة البرجوازية. وان اليسار لاينطلق من هنا في نقده للقومية، للدين، لاضطهاد المراة، ولهذا، لايجد له اذان صاغية في الطبقة العاملة، ليس هذا وحسب، بل سيبقى نقده محدوداً ومقتصراً على نقد ديمقراطي واومانستي للراسمالية وحركاتها، وعملياً، سيظهر شعبوياً في افضل الاحوال. ان التيارات غير الشيوعية داخل الطبقة العاملة هي اكثر من اغلب الأحزاب اليسارية من حيث التحزب العمالي. ان الاحزاب العمالية في ايران، واستناداً الى المحدوديات في افقها، والاهم من هذا، استناداً الى سمتها العلنية، لايمكنها ان تعرف نفسها بوصفها حزب، ولكن اذا لم تكن التسمية نقطة انطلاقنا، وتكون التفاعلات في المجتمع وفي الطبقة العاملة محمل تعريفها، عندها، ان لم تكن حزباً اكثر من اي حزب يساري موجود في المجتمع، فانها ليست اقل منه. ان موضوعتي هي التالي: لايمكن للتحزب الشيوعي للطبقة العاملة، وفقاً لتعريف ماركس وانجلز في البيان، ان يكون بمجابهة هذه الاحزاب او يعرف نفسه بمجابهتهم. ان التحزب الشيوعي هو ذلك النوع من التحزب الذي تجد في الاحزاب العمالية الاخرى، رفقة نضال، رفقة طبقة ومتحد، وليس عدو. لاندحة للتحزب الشيوعي للطبقة العاملة في سياق مثل هذا ان يبين لقادة الطبقة العاملة وناشطيها وجماهيرها انها فقط من بوسعها ان يتغلب على اشكال محدودية الرؤية، تشوش سائر الاحزاب العمالية وان يعبد سبيل النصر امام الطبقة العاملة.
حزباً بوسعه ان ينظم اعمال ما، يجعل النصر امراً ممكناً، وهو الامر الذي لاتستطيعه سائر الاحزاب العمالية الاخرى. بوسع التحزب الشيوعي ان يصيغ نشاط في رحم الطبقة العاملة وفي النضال اليومي لهذه الطبقة، نشاط تعجز الاحزاب الاخرى عن القيام به.
موضوعتي هي ان لاوجود في ايران لحركة نقابية بالشكل الذي كانت عليه في الغرب. لاتوجد نقابة اساساً. ان واقع الحال هو ان اول مقاومة واعية للطبقة العاملة انطلقت مع تنظيم التشكيلات الصنفية والنقابية. ان امرء يعرّف قادة مثل هذه المقاومة والتنظيم بوصفهم نقابيين كعدو للعامل، فانه يحطم ظهر الطبقة العاملة. انه يدلل على عدم صلته بالطبقة العاملة برايي.
ان تاكيدي هو: وفقاً لشهادة وقول البيان، ووفقاً الى واقع الطبقة العاملة وكل ما يمكن ان تاخذه بنظر الاعتبار، فان اغلبية الاحزاب العمالية في عصرنا، بالمناسبة، ليست شيوعية، وذلك لان نظرية الشيوعية ليست ظاهرة عفوية وتلقائية وذاتية داخل الطبقة العاملة فحسب، بل انها حركة مناهضة للمعطيات الطبيعية التي تغرسها الثقافة البرجوازية في اذهان المجتمع، ومن بينه الطبقة العاملة. ينبغي بذل الجهود من اجل سيادة الشيوعية على اذهان واعمال القادة العماليين، ينبغي، من زاوية المصلحة المباشرة للطبقة العاملة، نقد اي معطى او دعايات للخرافات البرجوازية التي هي مصدر بث الفرقة داخل الطبقة العاملة، وينبغي ان يكون معروفاً ومعلوماً ان ابواب المكانة الموضوعية للطبقة العاملة في المجتمع تُفتح عبر قناة استلهام الدروس والعبر من تجربة النضال والحياة اليومية، اكثر من أي قناة اخرى. بيد ان يسارنا غائب ولا وجود له في هذه التجربة سواء فكراً، عقلياً، تقليداً، شعوراً أومن ناحية التجربة الاجتماعية.
اود ان اتطرق بصورة موجزة هنا الى لينين وتعامله مع التحزب الشيوعي كذلك.
ان اختلاف لينين عن ماركس وانجلز في ان لينين كان منهمكاً بتنظيم الثورة البروليتارية في مجتمع اكثر استبدادية وتخلفاً من اوربا الغربية. ان هذين العاملين، كلاهما، عجينان ببعض ولايمكن فصلهما في مجمل مواضيع لينين. اشرت بالتفصيل في مكان اخر (3) الى هذين العاملين، واشير اليها هنا على شكل نقاط سريعة.
1 - ينطلق لينين في موضوعاته من الانضباط، ومنظمة الثوريين الحرفيين، وهو يعكس اكثر من اي شيء اخر وجود الاستبداد والقمع ويطرح سبيل لتامين استمرارية عمل المنظمات والتشكيلات العمالية والشيوعية تحت ضغط الدولة القيصرية والاستبدادية. ولكن قبل ان اتطرق الى مدى صحة سريان حكم لينين هذا على الوضعية الراهنة لمجتمع ايران، ينبغي ان اشير الى نقطة مهمة جدا لاياخذها اليسار دوماً بنظر الاعتبار. ان اختلاف بحث المنظمة والانضباط والثوريين الحرفيين ومقولة الطليعة في ادبيات لينين عن ادبيات اليسار، والتي تتضائل يوما بعد اخر، هو ان مخاطب لينين كان الاحزاب العمالية داخل الطبقة العاملة الروسية، وليس مجتمع المثقفين والبرجوازيين الصغار المتفرقين. الاقرار بوجود احزاب عمالية غير شيوعية في الطبقة العاملة الروسية والتعامل معها بوصفها متحد هي نقطة انطلاق الموضوع. ان الاشتراكية الديمقراطية الروسية نفسها ولدت بوصفها تيار داخل الطبقة العاملة، وان جدال لينين مع الاقتصادويين من نوع الجدال الداخلي للحركة العمالية الروسية وليس جدل تيار عديم الجذور تماماُ داخل الطبقة العاملة مع تيار اخر داخل الطبقة. الاشتراكيون الديمقراطيون هم من بين طليعيي ومنظمي النضال اليومي للطبقة العاملة، مثلما يصور البيان الشيوعي الشيوعيين بالضبط.
ان "مالعمل؟" هو اول الموضوعات التنظيمية للينين، كان في نقد الاقتصادوية. بيد ان تعامل لينين مع الاقتصادويين يختلف تماماً عن تعامل لينين اللاحق مع المناشفة او الناردويين. بالضبط مثل اختلاف تعامل ماركس وانجلز مع التيارات النقابية والاتحادات وحتى الفوضوية مقارنة بتعاملهم مع الاشتراكية البرجوازية والشعبية والفلاحية والحقيقية وغيرها.
ينتقد لينين الاقتصادويين في كل مكان بوصفهم تيار عمالي، ينتقد ذيليتهم وتكتيكهم الماهوي، تكتيك-صيرورة او (تدريجي-م)، بهدف اقناعهم بالانضمام الى التحزب الشيوعي. ان تعامل لينين، حتى بعد ثورة اكتوبر، مع النزعة الاتحادية والاقتصادوية يختلف كلياً عن تعامله مع المنشفية.
بهذا السياق، انفق لينين بعد ذلك وقتاً طويلاً في الجدال مع الشيوعيين الالمان والانكليز بتوضيح مكانة الاحزاب العمالية غير الشيوعية والتيارات الاتحادية. (4)
ولكن ثمة بعد مهم في موضوعة لينين هو تامين ديمومة العمل واستمراريته، اهمية التحلي بقدرة الدفاع عن النفس امام الدولة والشرطة في البلدان الاستبدادية. وتنبثق من هنا موضوعة منظمة الثوريين الحرفيين ومكانة تنظيم طليعة البروليتاريا. يناقش لينين سمات التحزب الشيوعي للطبقة العاملة في مرحلة الاستبداد واهمية المام الناشطين الشيوعيين للطبقة العاملة بعلم وتقنية النضال ضد الشرطة والعمل السري والتنظيم المنضبط، وهي كلها تتمتع اليوم بضرورتها مئة مرة.
ان التحزب الشيوعي للطبقة العاملة اليوم، واكثر من اوائل القرن العشرين، يستلزم خاصية قدرة مقاومة الشرطة. العمل السري، التوفيق بين العمل العلني وغير العلني، الالمام باساليب احباط الشرطة وغيره هو شرط حياتي لامكانية بقاء هذا النوع من التحزب.
وقبل ان اتطرق الى النقطة الثانية في نظرية لينين حول التحزب، من الضروري ان اشير الى مصير موضوعة الطليعة البروليتارية عند اليسار. ان موضوعة لينين حول الطليعة البروليتارية، بالضبط مثل موضوعات ماركس وانجلز، هي موضوعة اجتماعية وطبقية. ان مايعده لينين طليعة بروليتارية هم الناشطين، القادة، والمحرضين الشيوعيين داخل الطبقة العاملة. اليسار غير العمالي هو، قبل اي شيء اخر، مفهوم تم افراغه من حيث ماهيته الاجتماعية والطبقية، وتحول الطليعي الى مقولة ايديولوجية تماماً وانتقائية بوسع كل امرء ان يفسرها حسب رغبته. من هذه الزاوية، اي فدائي، اي فدائي شعب او فدائي طبقة، اي مؤمن اشتراكي بوسعه ان يعرّف نفسه بوصفه طليعة، ومنظمته بوصفها منظمة طليعيين.
2 - العنصر الثاني الذي له مكانة بارزة في موضوعات لينين فيما يخص تكتيك البروليتاريا في التحولات الديمقراطية للمجتمع. وان يكن ماركس وانجلز قد تناولا هذا الامر بالاخص فيما يتعلق بالثورة في المانيا، بيد ان هذه المسالة في نقاشات لينين قد تم تناولها بتفصيل اكبر وذلك للوضعية السياسية للمجتمع في روسيا.
ان محور موضوعة لينين، مثلما يقول ماركس وانجلز، هي لايمكن ولاينبغي على الطبقة العاملة ان تقف مكتوفة الايدي تجاه التحولات الديمقراطية للمجتمع. بيد اختلاف انجلز ولينين مع الشيوعية البرجوازية في هدف واطار هذا التدخل في السياسة. بالنسبة لماركس ولينين، ان الظروف الموضوعية للثورة الاشتراكية مساعدة. ان العائق امام هذه الثورة هو الظروف الذاتية للبروليتاريا التي تبين عن نفسها اساساً في الفرقة داخل هذه الطبقة. وبالتالي، الثورة الاشتراكية هي الهدف المباشر لنضال الطبقة العاملة وان هدف التدخل في هذه التحولات تتمثل بالتالي:
الف - التغلب على الفرقة داخل الطبقة العاملة
باء - وضع الطبقة العاملة في افضل الاوضاع لمد اليد على مسالة السلطة السياسية وتنظيم الثورة الاشتراكية امتداداً مباشراً لهذه التحولات.
ان جدل لينين متمركز بالاخص حول مسالة ان وجود حركة ديمقراطية مافوق طبقية في المجتمع يوفر افضل امكانية للبرجوازية لتضفي تصوير غير طبقي او مافوق طبقي لاهداف مثل هذه الحركات واصطفافها الداخلي للطبقة العاملة، وبالتالي، تؤمن امتداداً لهذه التحولات ان لاتتعقب الطبقة العاملة امر اخر وهدف اخر.
يتحدث لينين عن ان في المجتمع الاستبدادي، مجتمع لازال هناك مجال لتحولات ديمقراطية، تتحرك الطبقات الاخرى بصورة عريضة وواسعة، وان قسم من هجوم البرجوازية يتمثل بالاستفادة من هذا الوضع كي تسحب الطبقة العاملة الى نيرها وتبقيها في اطار معين يتمثل بحبسها في اطار اجراء تحولات على النظام البرجوازي. ان وضع اليد على السمة الطبقية لاي تحول ديمقراطي، وتبيان اختلاف اهداف البروليتاريا مع الاقسام المختلفة للبرجوازية في هذه التحولات، اعداد الطبقة العاملة لادارة فوهات بنادقهم صوب "الحلفاء" السابقين، قبل ان يقوم اؤلئك بذلك هو النواة الاساسية لموضوعات لينين ان عبارات من مثل:
"لايمكننا اطلاقاً ان نطرح شعار "اكثر ثورية من الجميع"، ولانطرحه اطلاقاً. كما اننا لانسعى كذلك الى ان نتسابق في الثورية مع الديمقراطية المنتزعة من اساسها الطبقي، ديمقراطية عبارات جميلة ولطيفة وتردف دوما جمل قوالبية وشعارات مبتذلة. على العكس من ذلك، اننا ناقدين دوماً لمثل هذه الثورية. ونفضح المعاني الواقعية للكلمات، الماهية الحقيقية للاحداث الكبيرة التي حضرت بصورة مثال. اننا بحاجة الى تقييم واعي للطبقات والفئات القائمة داخل الطبقات حتى في اكثر لحظات الثورة صعوبة، ونربي بذاك" (5)
ان النواة الاساسية لموضوعات لينين في تكتيكين، في موضوعة الثورة الديمقراطية، وموضوعة الحكومة المؤقتة وغيرها. يقول لينين للطبقة العاملة اننا نقيم مع الفلاحين الديكتاتورية الديمقراطية للفلاحين والعمال، بيد ان الفلاحين انفسهم، سيحملوا الاسلحة برفقة مجمل البرجوازية والقسم الاعظم من البرجوازية الصغيرة بوجهكم وضد الثورة الاشتراكية. ينبغي الاستعداد لمثل هذه المجابهة.
عدت الشيوعية البرجوازية مجمل بحث لينين هذا "تطويراً" من طرفين. اذ تعلن من جهة الثورة مرحلية، وفي "هذه المرحلة"، تُحَلْ الطبقة العاملة في صف الشعب والامة وغيرها، ومن جهة اخرى، بالاخص تُعلن من قبل التروتسكيين، ثورة بدون هوية، غير طبقية وثورة عموم الشعب، وعلى الاغلب، بعناوين مضادة للماركسية مثل الثورة السياسية، الثورة الجارية وعمليا تضع عصابة طبقية على اعين البروليتاريا. بهذه المقدمات، ساتناول موضوعة التحزب العمالي والسبيل للخروج من هذا المازق التقليدي لليسار.
للبحث تتمة
1- كورش مدرسي-رحمن حسين زادة: "الحزب الشيوعي العمالي العراقي، تحديات وافاق -1996 من اصدارات الحزب الشيوعي العمالي الايراني وكذلك على سايت كورش مدرسي. منشور بالعربية من إصدارات الحزب الشيوعي العمالي العراقي، ترجمة فارس محمود، موجود على سايت الحزب الشيوعي العمالي العراقي.
http://www.koorosh-modaresi.com/Arabic/iraqafaq.html
2- يمكن الرجوع الى "المنشفية، البلشفية، اللينينية، التقييم التحليلي لثورة روسيا"
http://www.koorosh-modaresi.com/Farsi/RR.html
3- المصدر السابق
4- يمكن الرجوع الى لينين، مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية
5- لينين- الاشتراكية الديمقراطية والحكومة الثورية المؤقتة
اشرت الى اعتقادي بامر الا وهو اما ليس للمجتمع والمفهوم الاجتماعي عند اليسار في ايران مكان اساساً او يفهمه كشهرة، ومشهور ومعروف مثل فنان، مطرب، رياضي وغيره، وفي كل الاحوال غير طبقي ويتعلق بمجتمع بدون طبقة او شعبي. انظر الى الشخصيات المسماة معروفة، وحسب زعمه اجتماعي، لليسار. ليس لهم حضور ولامنهمكين في الحياة والنضال القائم والموضوعي للطبقة العاملة. ان شهرتهم ناجمة عن اعمال اخرى ومنفصلة عن المجتمع والحياة الاجتماعية للطبقة العاملة.
التحزب العمالي مقولة تربط مفهومين او فونكسيونين اجتماعيين وطبقيين. اولاً اجتماعي وثانياً طبقي .
اجتماعي يعني بالاساس تجمع اناس يتجمعوا بصورة واعية الان بابعاد اجتماعية (بغض النظر عن كبر وصغر نطاق تدخلهم) كي يقوموا بنشاطهم الاجتماعي بصورة اكثر تمركزاً وتنظيماً ويغيروا المحيط الذي هم ناشطين فيه. ان هذا التجمع والتمركز ليس من اجل حملة. بل من اجل تنظيم نشاط سياسي واجتماعي مستمر وشامل.
طبقي لانه يرتبط بالطبقة العاملة. ان موضوع عمله (اي التجمع-م) هو الطبقة العاملة وهدفه تقليص الفرقة داخل صفوف الطبقة العاملة واعدادها وقيادتها لانتزاع السلطة السياسية.
التحزب الشيوعي للطبقة العاملة هو اجتماعي كذلك، ولكن ليس بوصفه اجتماعي على العموم بحيث لايكون معلوماً الصلة الطبقية لهذه الاجتماعية او لايمكن التعبير عنه بصورة تحليلية او ايديولوجية. انه ليس تشكل اناس تتمثل صلتهم الوحيدة بالطبقة العاملة صلة ايديولوجية، ايديولوجية وفق زعمهم. انه تشكل قادة وناشطين موجودين فعلاً في الطبقة العاملة، وساتناول هذا الامر بالتفصيل لاحقاً. ان هذا التشكل او التحزب، ليس تشكل او تحزب طلبة، تجمع اناس طيبين وجيدين، تجمع اناس قليلي التاثير في محيطهم الاجتماعي، تجمع اناس مشهورين او مناصري هذا الحزب او ذاك.
حين يتحدث اليسار عادة عن التحزب الشيوعي، يذهب الى تنظيم مؤيديه ويسعى الى احلالهم كبديل للقادة والناشطين القائمين للطبقة العاملة، وان نتيجة هذا العمل هي ليست عدم النجاح، بل انه يضعف التنظيم داخل الطبقة كذلك. التحزب، مثلما هو متعارف لدى اليسار، هو تجمع اناس لادور لهم في محيط اطرافهم، وبالتالي، لايتمتع بفكرة كيفية تنظيم الجماهير العمالية. ولهذا لايحتاج الى صلاحيات محلية، ليس هذا وحسب، ولكن ليس بوسعه ان يعيش دون ان يغذى بملعقة السياسة والتوصيات التي تاتيه من فوق. اذا لم تاتيه يوماً ما تعليمات، فانه اما يقوم باعمال عجيبة وغريبة او يبقى لايعرف اي عمل ينبغي ان يقوم به.
حين نتحدث عن تحزب الطبقة العاملة، فاننا نتحدث عن التحزب داخل الطبقة العاملة وليس بين البرجوازيين الصغار، الطلبة او المجتمع بصورة عامة. ان اشكال التنظيم بين سائر فئات واقسام المجتمع لها مكانها ومهمة دون شك، بيد ان الموضوع يتعلق هنا باساس التحزب الشيوعي. بوجود مثل هذا التحزب فقط في اكثر الصعد اساسية، يمكن المضي صوب اشكال التنظيم الاخرى ومناقشتها.
ان بحث اللجان الشيوعية (1) كان بالاساس مسعى للرد على معضلات تمسك بصورة مزمنة بخناق التحزب الشيوعي داخل الطبقة العاملة، وقد تناولناها في الاقسام السابقة. في موضوعة اللجان الشيوعية، انطلقنا بضرورة بناء الحزب الشيوعي للطبقة العاملة على اساس فونكسيون اجتماعي وطبقي، وقد وضحنا ان هذا الفونكسيون هو بالاساس ليس سوى نشاط القادة والمحرضين الشيوعيين للطبقة العاملة، ولايمكن ان يكون غير ذلك.
ان مقالات "اللجان الشيوعية" و"تقييم تجربة عامين" الواردتين في اخر الموضوع كملحق، وهنا وبدل ان اكرر تلك المواضيع، ينبغي بدءاً ان اتناول بصورة موجزة النقاط الاساسية، وبعدها، اتناول المكانة الراهنة والخطوات التي ينبغي اتخاذها.
اللجان الشيوعية هي جمع واعي من القادة، المحرضين والناشطين الشيوعيين الموجودين الان في الطبقة العاملة، في منطقة جغرافية محددة بهدف قيادة نضال الطبقة العاملة في مجمل اوجهه. اود ان اؤكد هنا على هذه الخصائص والسمات. سمات تلعب دور محوري في اضفاء هوية على هذه اللجان.
الف - ان هذه اللجان هي ليست جمع اناس طيبين، معارضين للجمهورية الاسلامية، يعتبرون انفسهم شيوعيين، يحبون "ان يقوموا بنشاط"، يتحدثون بكلام جميل، سياسيين اجمالاً، دعاة حقيقة في الانترنيت او صرفاً اعضاء ومؤيدي هذا الحزب السياسي الخاص او ذاك. اللجان الشيوعية هي تجمع قادة وناشطين شيوعيين منهمكين وراسخين للطبقة العاملة ، ناشطين في رحم وسياق الشبكات القائمة للقادة، الناشطين والمحرضين الشيوعيين، وخبروهم الاخرين وجرّبهم ورافعة وحدة ونضال قسم معلوم من الطبقة العاملة في النضال ضد الراسمالي والراسمالية. يمثل هؤلاء "الاشخاص" طيف واسع جداً من القادة والناشطين الحاليين للطبقة العاملة، وهم موجودين اليوم اساساً على شكل حلقات عمال شيوعيين داخل الطبقة العاملة في ايران. ان هذا الطيف هو المادة الاساسية لاي نوع من التحزب الشيوعي للطبقة العاملة .
ب - ان اعضاء هذه اللجان هم اناس يتجمعوا بصورة واعية حول بلاتفورم شيوعي معين ويتعهدوا ان في كل حالة اتخاذ قرار ما، عبر تصويت الاغلبية، بان تقوم مجمل اللجنة بتنفيذه. ان هذا التعهد هو اساس اي نوع من التنظيم الحزبي واساس اختلافه مع سائر الاشكال "المتحولة" او مايسمى الاكثر مطاطية من التنظيم، مثل الحلقات، التي تعد حياتيتها واهميتها امر في مكانه. ت - واختلافاً عن شبكة الحلقات القائمة داخل الطبقة العاملة، ترتبط اللجان الشيوعية بجغرافية معينة معلومة، مثلاً معمل ما، محلة ما (والتي يمكن ان تتضمن معمل او عدة معامل او مصنع ايضاً)، مدينة، او اي نطاق جغرافي اخر. ان هذه اللجان، وفي حالة عدم ارتباطها وانتمائها لجغرافية معلومة، يمكن ان تتحول الى شكل اخر من الحلقات او من المحتمل كثيرا ان تنفصل اقدامها عن الارضية الطبقية التي هي نقطة قدرتها.
ث - ينبغي ان تغطي اللجان الشيوعية مجمل اوجه النضال الطبقي . تشرع الطبقة العاملة بصورة تلقائية من النضال الاقتصادي، والذي هو احد اكثر ركائز اوجه النضال لاي لجنة شيوعية كذلك دون شك. ولكننا اشرنا في الاقسام السابقة الى ان هجوم البرجوازية على الطبقة العاملة، وقبل ان يكون القمع الفيزيقي، يستند الى التبليه السياسي، الثقافي والاجتماعي. وذكرنا ان هذا الافق البرجوازي وحرمان الطبقة العاملة من نيل المكتسبات الفكرية، الثقافية والسياسية للمجتمع هو اساس اكثر اهمية في تامين تشتت الطبقة العاملة وفرقتها وسيادة طبقة الراسمال. ان سمة القمع بالنسبة للبرجوازية هو، قبل كل شيء، يضم ويؤمن سيادة هذه الافق، وهذا الرضا بالعالم القائم داخل الطبقة العاملة.
وعليه، اذا اراد نشاط اللجان الشيوعية ان يخرج عن النطاق المحدود والمفروض على نشاط الشبكات العمالية، ينبغي عليه ان يشمل مجمل اوجه نضال الطبقة العاملة وحياتها. بدون تصفية الحساب مع المعطيات السياسية للبرجوازية، بدون النضال ضد النزعة الرجولية في تفكير وعمل العمال، بدون تبيان دور الدين في بث الفرقة والتشتت بين العمال، بدون النضال ضد المعطيات القومية من اي شكل ونوع كانت، بدون الصراع مع محدودية الرؤية والنزعة المحافظة القائمة داخل الطبقة العاملة وناشطيها، بدون النضال ضد الشعبوية التي يضخها اليسار غير العمالي بصورة مبرمجة داخل الطبقة العاملة، بدون النضال من اجل ان تتعلم الطبقة العاملة امر ان تنظر الى اي ظاهرة، سياسة وتحول اجتماعي وفق محك طبقي، بدون معرفة اختلاف مصلحة الطبقة العاملة عن باقي الطبقات الاخرى وغير ذلك لايمكن تعميم وتوسيع الوعي الذاتي الطبقي داخل الطبقة العاملة، ولايمكن المضي صوب محاربة التفرقة القائمة داخل الطبقة العاملة.
ح - لاتشمل هذه اللجان العمال فقط، وعليها ان لاتكون كذلك. ينبغي ان تتضمن شيوعيين هم في جغرافية معلومة ولهم دور في وحدة الطبقة العاملة ووعيها ونضالها. لقد اشرت سابقاً الى امر وهو: بدون وجود المثقفين الشيوعيين، بدون وجود جمع اناس اخرين بوسعهم ان يغطوا مجمل اوجه النضال الطبقي، لن تكون الطبقة العاملة قادرة على مجابهة البرجوازية.
في بحث اللجان الشيوعية، ذكرنا:
"ان هذه اللجان هي تجمع "انهم كوادر او قادة جماهيريين واجتماعيين او منظمين جماهيريين من الطراز الاول او منظمين حزبيين من الطراز الاول، او مسؤوليين عسكريين من الدرجة الاولى، او استناداً لدور اي لجنة خاصة، متخصصين اخرين ايضاً يمنحون اللجنة امكانية لعب دور سياسي، نضالي، فكري، عملي و تنظيمي اجتماعي و حزبي سوية. انهم اناس ينظمون بصورة متحدة وسوية هذه التحركات. بدون دمج القادة الاجتماعيين والمنظمين الجماهيريين والاجتماعيين مع القادة والمنظمين والمتخصصين التنظيميين الحزبيين في مؤسسة واحدة، سيحيل امر القيادة الاجتماعية الى مماهاة هزيلة واستعراض سياسي وتنظيمي وامر التمركز التنظيمي الى تنظيم غير واقعي وغير اجتماعي بصورة لاندحة عنها.
اننا بحاجة الى تنظيم يكون اساس تمركزه نموذج جديد من تمركز ينطبق مع مجمل ابحاث اسلوب العمل واسلوب تنظيم شيوعيتنا، شيوعية منصور حكمت. تمركز يعد بعده الاجتماعي مَعْلَمِهِ الاساسي. تمركز يعجن المجتمع والحزب سوية ويجعلهما امراً واحداً فيه. تمركز بمقدوره ان يجعل التفاعلات الاجتماعية والجماهيرية وكذلك التفاعلات التنظيمية الحزبية امراً ممكناً معاً، ويخلق فعلاً تمركز حزبي في حيز ما او جغرافية ما ."
وفي تقييم تجربة عامين من نشاط هذه اللجان، اكدنا على:
" ان اختلاف مهم في التحزب الشيوعي هو طبقيته، وفي الوقت ذاته، لاصنفيته. صحيح ان بوسع حزب شيوعي ان يشكل منظمات غير حزبية وبعض الاحيان حزبية ذا صلة بهذا القسم او الفرع او ذاك، بيد ان الحزب نفسه، وارتباطاً بالثورة الشيوعية العمالية، هو ظاهرة اجتماعية بالضبط مثل احزاب الحركات البرجوازية التي هي طبقية ولكنها ليست صنفية. الحزب الشيوعي طبقي كذلك ولكن ليس صنفياً. الحركة الشيوعية العمالية هي رد على مجمل مسائل المجتمع، ومن بينها المسائل الصنفية للطبقة العاملة.
وبالتالي، فان سمة محورية ومهمة لنشاط الشيوعية العمالية هو انه ينظم شيوعيي مكان ما، وليس شيوعيي هذا الصنف او الفرع او ذاك. وعلى هذا الاساس، فان منظمة وتنظيم الحزب الشيوعي ليس صنفياً. وكان هذا جدل قديم مابين الشيوعية العمالية والشيوعية البرجوازية وتصاعد بالاخص في جدالات الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي في اوائل القرن العشرين.
وحسب قول لينين، الحزب الشيوعي في مكان ما ليس مجموعة تنظيمات شيوعية لاصناف وجنسيات او امم مختلفة مثل العمال الرجال، العمال النساء، المستخدمين، الطلبة، بائعات الجنس، الجنود وغيرهم. انها منظمة شيوعيين مكان ما. ان الحزب الشيوعي في مكان ما ينظم ويوظف العامل الشيوعي، الطالب الشيوعي، الجندي الشيوعي، المراة او الرجل الشيوعي، بائعة الجنس الشيوعية، وبكلام محدد الناس الشيوعيين سوية في منظمة واحدة في لجنة شيوعية واحدة.
تكمن قدرة المنظمة الشيوعية هنا بالضبط. الشيوعية حركة اجتماعية تخص كل المجتمع. وعليه، ينبغي على اللجنة الشيوعية لمعمل الحديد او المصفى الفلاني ن تنظم شيوعيي ذلك المحيط (القادة، المنظمين و.... لذلك المحيط) بمعزل عن صنفهم. يمكن وينبغي ان يكون هناك مكاناً في هذه اللجان للعامل، للموظف، الشاب، والمراة "ربة البيت" وغيرها الذين ذا صلة بهذا المحيط. مثلما ان على اللجنة المتعلقة بجامعة طهران ان تشمل الطالب، الاستاذ، الموظف، الحمال، عامل النظافة والتقني الشيوعي وغيره لتلك الجامعة، وتسعى لاطلاق ايديها في هذا المحيط.
وفي الحقيقة ان لجاننا الشيوعية بقيت صنفية في اغلب الاحيان. ويصح هذا بالاخص على اللجان الناشطة بين العمال وكذلك اللجان الناشطة في المحيط الجامعي. توجه هذه المحدودية كثيراً ضربة للسمة الحركية-الاجتماعية ولقدرة وامكانية هذه اللجان. انها في المعامل تسوق هذه اللجان نحو الانحباس في تشكيلات ونشاطات سنديكالستية، وتقصرها في الجامعات في اطار محيط المثقفين وتبث انعدام الثبات فيها. وامتداداً لهذا، تتحول اللجان الشيوعية النشطة بين العمال الى لجنة نقابية واللجنة الناشطة في الجامعة والمدرسة والحلة الى لجان قليلة امكانيات، قليلة تجربة وقليلة التجذر".
لقد تم طرح بحث اللجان الشيوعية بوصفه سياسة تنظيمية للحزب الحكمتي، ولازال لحد الان سياسة رسمية للحزب كذلك. وعليه، يعني بوصفه سياسة تنظيمية لحزب خاص ومعين ، ولهذا فان سمة "ما فوق" واضحة عليها بالضرورة، اي ان هذا الحزب ينظم مثل هذه اللجان بوصفها امتداده التنظيمي.
ان الحزب الحكمتي او اي حزب اخر يعتبر هذه السياسة صحيحة وسعى الى اتخاذها هو امر ايجابي دون شك ويساعد في تنظيم هذه اللجان بوصفها جزء من تنظيم الحزب هو امر ضروري وينبغي الترحيب بذلك.
بيد ان موضوعتي هنا هو ان اقتصار تشكيل اللجان الشيوعية الى نشاط تنظيمي لحزب هو محدودية غير ضرورية. لعدة اسباب:
الف - مثلما وضحنا في القسم الاول من البحث، ان مدى ونطاق وصول الاحزاب اليسارية للطبقة العاملة هو امر محدود جداً. وعليه، فان قصر اللجان الشيوعية على ذلك القسم فقط من الطبقة العاملة الذي للحزب الحكمتي او اي حزب اخر لها صلة معه، يعني عملياً قصر مدى ونطاق تنظيم هذه اللجان وقصر التحزب الشيوعي في الطبقة العاملة على مايمكن ان تقوم به الاحزاب اليسارية في هذه المرحلة.
ب - مرة اخرى، لقد وضحت في الفصل السابق انه بغض النظر عن المحدودية العملية لوصول الاحزاب اليسارية للطبقة العاملة الناجمة عن ضغط "القمع"، فان هذه الاحزاب من زاوية خطها ومن حيث الحركة لديها "معضلة" فيما يخص الارتباط بالطبقة العاملة. ان اغلبية ناشطي الطبقة العاملة متاثرين بالمعطيات، المفاهيم، التقاليد والخرافات البرجوازية. ان قصر مدى ونطاق عمل وتشكيل اللجان الشيوعية والتحزب الشيوعي على محدوديات اليسار على صعيد الحركة والخط هو اطلاق النار على اسفل القدم. ان معلمينا ومنظمينا في اليسار هم بحاجة اكثر من ناشطي الطبقة العاملة للتربية والتغيير.
يستلهم هذا التغيير دون شك من النقاشات، المساعي، والتجارب الداخلية لحزب مثل الحزب الحكمتي. ان هذه المساعي مخلصة وينبغي القيام بها. ان الاداة الاهم في تحقيق مثل هذا التغيير او الانتقالة الطبقية والاجتماعية هو وجود ضغط وواقع قائم من "اسفل" ايضاً. اذا كانت شبكات الحلقات الشيوعية في الطبقة العاملة تتشكل بموازاة هذه المساعي التي "من اعلى"، فان بوسع قفزة وطفرة في احزاب مثل الحزب الحكمتي كذلك ان تعجّل وتسرّع بالامر. وان هذه الطفرة تؤثر بصورة مقابلة على عملية تشكيل وتنامي التحزب الشيوعي للطبقة العاملة.
ت - ثمة عنصر اخر وهو: انها لحقيقة ان التجزء والاصطفاف على صعيد الخط بين الناشطين الشيوعيين للطبقة العاملة لم يجري لحد الان. ان قصر اللجان الشيوعية والتحزب الشيوعي في الطبقة العاملة على مؤيدي هذا الحزب او ذاك او هذا الخط او ذاك يحدد ويضيق من نطاق وجود هذا التحزب الشيوعي في الاوضاع القائمة . في الواقع ان بوسع القادة والناشطين الشيوعيين في الطبقة العاملة في الاوضاع الحالية ان يخلقوا اتحاد اوسع واكثر تركيزاً وعمقاً، بين انفسهم، مثلما يتحدث عن ذلك البيان الشيوعي، ويؤثر مباشرة على اتحاد الطبقة العاملة ووعيها. ان خطّية (أي انتمائها لخط واحد-م) هذه اللجان هي ظاهرة يجب ان تجري وستجري بمعزل عن ارادة اي شخص. بيد ان القفز من زاوية الاوضاع الراهنة ووعدم السماح بتبلور هذا الخط لدى اللجان على اساس نضالها وتجربتها النضالية في خضم نضال سياسي-طبقي في المجتمع هو بضررنا بصورة مباشرة. ان وجود لجان شيوعية، وحتى ببلاتفورم وبرنامج عمل شيوعي منفتح بالنسبة لخط شيوعي فعلاَ يوفر افضل امكانية الى تعميق خطه بوصفه الخط السائد. ينبغي عدم الخوف من هذه الظاهرة.
ث - نظراً لضعف تجربة النضال ضد الشرطة او التوفيق الصحيح بين العمل العلني والسري والقانوني وغير القانوني بين الناشطين الشيوعيين للطبقة العاملة، فان الانتماء الرسمي للجنة شيوعية لحزب خاص هو مكبّل كثيرا لايادي هذه اللجان من الناحية الامنية. ان تاسيس اللجان الشيوعية، بدون الانتماء الرسمي لحزب خاص معين، ونشاط هذه اللجان هي افضل حمالة وخط ناقل للتغلب على نقطة الضعف هذه. ان هذا يوفر المجال للجان ان تتعلم خبايا وفن النضال ضد الشرطة وتوفيق العمل العلني والسري باقل ثمن ممكن.
وبالتالي، فان موضوعتي هنا هي: ينبغي ان يتخطى تشكيل اللجان الشيوعية السياسة التنظيمية لحزب خاص، وتحوله الى نداء واقعي وعملي ويمكن تطبيقه واتخاذه من قبل فئة واسعة من الناشطين الشيوعيين. ينبغي السعي لتنظيم حركة حول مثل هذا النداء. لاينتمي طليعيوا الدفع بحركة اللجان الشيوعية الى حزب خاص بالضرورة.
ثمة سؤال من الطبيعي ان يطرح هنا الا هو: ماهو البلاتفورم والبرنامج الذي تتشكل هذه اللجان حولها؟ هل ينبغي ان تتشكل هذه اللجان عموماً من قبل اناس يعتبرون انفسهم شيوعيين او ان يكون لها برنامجاً محدوداً اكثر؟
نظراً لكون كلمة شيوعي اليوم لها تعاريف مختلفة ومشوشة كثيراً، فان التجمع صرفاً حول كلمة شيوعي لايفيد بشيء. زد على ذلك، ان تشكيل شيوعيين على العموم في قالب شبكة الناشطين الشيوعيين هو موجود الان وان هيكل جديد في اطار القالب نفسه من الصعوبة ان يكون قادراً على ان يتعدى نطاق نشاط هذه الشبكة. ولهذا، ينبغي ان يكون لهذه اللجان بلاتفورم اكثر تحديداً.
ان افضل بلاتفورم يمكن الانطلاق منه هو الذي يحدده البيان الشيوعي نفسه. تشمل هذه اللجان شيوعيين متشكلين من اجل وحدة الطبقة العاملة من زاوية تنظيم الثورة الاشتراكية والاطاحة بحكومة طبقة الراسمال. ومثلما يتحدث البيان الشيوعي، ينبغي ان تتعهد هذه اللجان:
ان مثل هذا البلاتفورم هو منفتح بحد كاف بحيث ان بوسع القسم الطليعي والناشطين الشيوعيين للطبقة العاملة ان يجدوا مكان لهم هناك وان يكون محدداً بصورة وافية بحيث لاتكون هذه اللجان مرنة اكثر من اللازم.
تبقى هذه اللجان محدودة في اطار الشبكات الحلقية ذاتها ان افتقدت للتعهد التنظيمي والانضباطي. يشمل التعهد التالي:
ان التعريف والتحديد الدقيق لمهمة هذه اللجان هو احد المحاور الاساسية لاختلافها عن الشبكات الحلقية. لهذا التعريف والتحديد بعدين:
لهذه اللجان جغرافية معينة لعملها ومسؤولية عامة. ينبغي تحديد هذه الجغرافيا. في خلاف ذلك، ستبقى هذه اللجان عملياً في الاطار ذاته للحلقات، وان نطاق عملها غير المحدد يضعها امام مهام لاتتمتع بالقدرة على الرد عليها، وتقتصر في افضل الاحوال على النقاش المجرد والنشاط في النضال الاقتصادي للطبقة العاملة.
يمكن ان تكون هذه الجغرافيا معمل، محلة او مصنع. في اوضاع خاصة يمكن تحديد اطارات اخرى او اطارات مؤقتة. مثل اطار العمل بين العمال العاطلين في صناعة معينة او....
لاتقتصر مهمة هذه اللجان على نطاق النضال الاقتصادي للطبقة العاملة. وان تكن هذه المهمة حياتية. يمكن ايجاز مهام هذه اللجان بالتالي:
ان شاخص ومَعلَمْ تقدم ونجاح هذه اللجان لايكمن في عدد سايتاتها ومواقعها الالكترونية وبياناتها واجتماعاتها، بل في نجاحها في هذه الميادين المحددة وفي نجاحها في التغلب على الفرقة مابين الطبقة العاملة والوعي والوحدة الداخلية الطبقية بين الطبقة العاملة.
مع هذه المهام للجان الشيوعية لايمكن ان تكون صنفية او متشكلة من العمال فقط.
يحرم المجتمع الراسمالي الطبقة العاملة من نيل المكاسب الفكرية، الثقافية والتكنيكية للمجتمع المعاصر الى حد كبير. من لايعلم ان الفقر المادي يبعث على الفقر العلمي والثقافي؟ بدون وجود المثقفين الشيوعيين للطبقة العاملة، لايكون لها فرصة تذكر في النضال الشامل ضد البرجوازية. لم يكن ماركس عاملاً، ولا لينين، ولا روزا لوكسمبورغ وتروتسكي او منصور حكمت وجيل عريض من المثقفين الشيوعيين في تاريخ النضال الشيوعي للطبقة العاملة. بدون هؤلاء المثقفين، فان هذه النضالات الثورية للطبقة العاملة غير ممكنة بقدر عدم وجود الطبقة العاملة نفسها. لقد تحدثت في بحث مباديء النشاط الشيوعي عن وجود شقوق وفصل ماهويين فيما يخص صلة العامل والمثقف بصورة تفصيلية تقريباً وبوسع المهتمين الرجوع الى تلك المواضيع.
بالاضافة الى ان جعل هذه اللجان صنفية يحول دون وصولها لمجمل الطبقة العاملة، وعملياً يحبسها في اطار التيارات السنديكالستية. وهنا ينبغي الرجوع للينين ايضاً: التنظيمات الشيوعية ليست تنظيمات اصناف او جنس او قوميات مختلفة مثل العمال الرجال، العمال المساء، الموظفين، الطلبة، بائعات الجنس، الجنود وغيره. انه تنظيم شيوعيي محلة معينة. ان حزب شيوعي في محلة معينة ينظم العامل الشيوعي، الطالب الشيوعي، الجندي الشيوعي، المراة والرجل الشيوعي، بائعة الجنس الشيوعية، وبايجاز، الناس الشيوعيين سوية في تنظيم واحد ولجنة شيوعية واحدة ويدفع نشاطه بهم. بهذه التركيبة فقط يمكن المضي في محاربة البرجوازية .
ليست اللجان الشيوعية تنظيمات بمجابهة شبكة الحلقات الشيوعية داخل الطبقة العاملة، ليس هذا وحسب، بل ان اللجان الشيوعية اساساً عاجزة عن القيام بالاعمال التي ينبغي ان تقوم بها دون وجود هذه الشبكات والاستناد الى هذه الشبكات.
لاتلعب هذه الشبكات، في الاوضاع الراهنة، دور جسد حزب بالنسبة لهذه اللجان (وان يكون بدون انضباط حزب)، ليس هذا وحسب، بل انها افضل محيط لكسب القادة والناشطين الشباب الشيوعيين للطبقة العاملة، وهي افضل محيط للتربية الفكرية والعملية لهؤلاء الناشطين وكسبهم للنشاط الشيوعي في مستوى اعلى.
ان اللجان الشيوعية هي شكل اكثر تمركزاً، واكثر تقدماً واكثر تنظيما للفونكسيون ذاته الذي تقوم به شبكة الحلقات. ان مجابهة هذه اللجان لهذه الشبكات وسائر الاشكال التنظيمية للطبقة العاملة لايؤدي الا الى السكتارستية والفئوية التنظيمية وانعزال هذه اللجان. ان هذه الشبكات وسائر التشكيلات العمالية ليست محيط نشاط هذه اللجان فحسب، بل ان دورها كدور الماء بالنسبة للسمكة، بدونها لاتعيش.
ان صلة اللجان الشيوعية بسائر التشكيلات العمالية هي من الشاكلة ذاتها. ان الطبقة العاملة، سواء في محيط عملها او محيط معيشتها، تخلق اشكال مختلفة من التشكيلات لتوسيع وحدتها الداخلية ولاضفاء قدرة على مجابهة البرجوازية او حتى من اجل حياتها اليومية. ان هذه التشكيلات تتضمن من المجالس الى النقابات، من التجمع العام الى التعاونيات، من النوادي الى المراكز الرياضية وغيرها. ان نكون على سبيل المثال مناصري حركة التجمع العام، لاينبغي ان نكون عائق غسل ايادينا من هذا النوع من التشكيل.
ان هذه التشكيلات هي اشكال معينة، وعلى الاغلب تلقائية وعفوية للاتحاد الداخلي للطبقة، اليات ربط الفرد بالعائلة العمالية والطبقة العاملة في لوحة اكثر عمومية. انها رافعة تجعل الطبقة اكثر تشكلاً وتنظيماً ووعياً. ينبغي ان تشد اللجنة الشيوعية على يد اي عامل يخلق اي حد من الاتحاد بين العمال، وتنظر لنفسها بوصفه جزءاً من هذا السعي، وطليعة ذلك الاتحاد، وان على ذلك الناشط العمالي ان يرى اللجنة الشيوعي بوصفها دعماً وسنداً له، عنصر اكثر وعياً وتجربة في طبقته وليس منافساً له .
لايستلزم قسم مهم من هذه التشكيلات اطلاقاً ان تتغير الى شيء اخر، انها جزء حياتي من حياة الطبقة العاملة، طالما هذه الطبقة موجودة. وان ماينبغي تغييره فيمكن ان يتم فقط في عملية الحياة والنضال والاقناع على اساس التجربة والنشاط الفكري للجنة.
ان المحور الحياتي لتامين ديمومة عمل اللجنة هو، اولاً، التربية الدائمة لجيل العمال الشباب، المفعمين بالحماس والشيوعيين للطبقة العاملة، وثانياً، صيانة امان اللجنة والناشطين والقادة الموجودين وقدرة الصراع مع الشرطة.
للنضال ثمن (سجن، اعتقال و....) دون شك. ان كل عامل يعرف هذا. المسالة تتعلق بتقليص هذا الثمن والتحلي باداة لتعويض تبعات هذا الثمن.
تربية وتعليم البدائل والجيل المقبل للقادة والناشطين العماليين. لايستلزم هذا توضيح اكثر. ان هذه العملية هي احد العمليات الجارية في مجمل الحلقات العمالية. على اللجان ان تقوم بهذا العمل كذلك بصورة واعية.
ان ميدان الامان ذا نطاق واسع كثيراً، ولايسعنا هنا ان نتظرق الى جميعها او حتى بعضها. انها مهمة كراريس، كتابات، وسائر الادوات التعليمية ونقل التجارب. ان ماينبغي التاكيد عليه هنا هو الاهمية الحياتية لتامين الامان من قبل لجنة شيوعية. ينبغي على اللجنة الشيوعية ان تكون ملمة بفن الصراع مع الشرطة عبر تقسيم العمل والتربية الداخلية.
لحسن الحظ تعلم التجربة اليومية الكثير من رموز ودهاليز النضال ضد الشرطة وبالاخص فيما ميدان التوفيق بين العمل العلني والسري او العمل القانوني وغير القانوني لاي عامل ناشط. ان اي عامل عركته الايام يعرف كيف يحافظ على الهدف عبر صيغ مايسمى قانونية او كيف انه لايدفع الجماهير العمالية نحو حرب ليست مستعدة لها بعد. بيد ان الوضع الامني والنضال ضد الشرطة ابعد من ذلك ايضاً وينبغي تعلمهما والتعليم بهما بشكل اكثر علمية. ويدرك دوماً ان ليس بوسع اي تربية ان تحل محل التجربة في محيط حي. ان التربية العملية للقادة قليلي التجربة للطبقة عملياً، ومثل اي ميدان اخر، هو امر حياتي.
فيما يخص الوضع الامني، ومن بين مجمل المباديء والفنون، نؤكد على ثلاث مباديء هنا:
ان وجود اللجان الشيوعية او جموع تناضل من اجل وحدة الطبقة العاملة ومناهضة مجمل انواع التفرقة لن تبقى لمدة طويلة بعيدة لا عن انظار الادارة والراسمالي ولا انظار الحكومة والجامع والمؤسسات الحكومية. على اللجان ان لا تقوم بما من شانه، او اذا قامت بنشاط ما، يمكن تخمين وجودهم نتيجة هذا العمل. لا ندحة للجنة من انتاج وتوزيع ادبيات عمالية وشيوعية، لابد ان تكون اللجنة رافعة تشكل انواع تقارب واتحاد بين العمال من ابسط العلاقات العمالية الى الحلقات العمالية ومن الاتحادات والنقابات الى التجمع العام. ينبغي ان تكون هذا اللجان، ان كانت لجان فعلاً، قد انعجنت بالحياة اليومية والنضال اليومي للطبقة العاملة سواء في المعمل والمصنع ام في المحلة. وعليه، فان الاعتقاد والركون الى مسالة انهم لا يعرفوا او لا يتوقعوا وجود لجنة هو خطأ فاحش، يؤدي الى اما الى تعامل انفعالي او التساهل في اخذ موضوعة الوضع الأمني بجدية.
ان ماينبغي ان يبقى سرياً هو اي اناس تشمل اللجنة، كيف تعمل، اين تعقد جلساتها، ماهي صلاتها بسائر اللجان الاخرى سواء في المعامل او المحلات. وطبقاً للتعريف، تتمتع اللجان بحق تنظيم اي شكل من سياسة او توزيع ادبيات او وسائل ارتباط عامة. ولكن كيف، وفي اي قالب واطار، يقام هذا العمل، فانه ينبغي ان يُحال الى التشخيص السليم للجنة.
يصح امر التوفيق بين العمل السري والعلني على اللجنة كذلك. على اللجنة ان تنشر الادبيات، الجرائد، الكتب، الأقراص المدمجة، او اي انواع وسائل الاتصال العامة، بصورة شبه علنية او سرية. من الضروري ان تقيم التجمعات السرية، شبه السرية اوالعلنية، ولكن على اية حال، ينبغي الوضع في الحسبان مبدأ التوفيق بين العمل العلني والسري ومبدء صيانة امان وديمومة عمل اللجنة.
اذا تشكلت مثل هذه اللجان، السؤال الذي سيطرح نفسه هو ماهي صلة هذه اللجان بالخط والخطوط الموجودة فيما يعتبر نفسه شيوعياً في مجتمع ايران؟
يمكن فصل هذه الصلة في صعيدين: الصلة الخطية (الخط السياسي-م)-السياسية والصلة التنظيمية
الصلة الخطية والسياسية
مثلما ذكرنا ان الخط والبلاتفورم (البرنامج-م) السائد على هذه اللجان هو بلاتفورم عام يستند الى احكام لاتتخطى احكام البيان الشيوعي. او بالاحرى ان عبور وتخطي مثل هذا البلاتفورم العام هو امر سابق لاوانه ويبعث على الفرقة بين العمال.
بيد ان الطابع العام لايعني وينبغي ان لايعني انه لاينبغي مناقشة وبحث السياسات والخطوط المختلفة في هذه اللجان، والاسوأ من هذا ان لاينال من يميل لهذا الخط او ذاك امكانية السعي لاقناع الاخرين بصحة خطه. ان سلب هذه الامكانية يقتل اللجنة. يسلب عنها امكانية التطور وتوضيح الرؤى. ليس بوسع اي سد تنظيمي ان يحول، على المدى البعيد، دون نفوذ فكرة او خط. اذا لم يحس اعضاء اللجنة ان بوسعهم في اجواء سالمة ورفاقية ان يجعلوا ممايروه صحيحاً الى عقلية الاخرين، فستتساقط اللجنة مثل اوراق الخريف. تفقد اللجنة امكانية جذب الكثير من افضل الشيوعيين في الطبقة العاملة.
ينبغي ان يقام هذه المسعى بصورة صبورة، بعيدة عن التقليد الشائع لليسار القائم وبتامين توسيع الاتحاد الداخلي للطبقة العاملة. لاشيء يعوض التجربة. ان امرء يعتقد انه على حق، ينبغي ان يكون قادراً على ايراد براهينه في خضم التجربة اليومية، ويبين انه على حق.
سيحدث انشقاق في اللجنة عاجلاً ام اجلاً دون شك، سيبين اليمين واليسار ويكشف عن نفسه دون شك، وسيجري في اللجنة دون شك اصطفاف عاجلاً ام اجلاً. بيد ان مابين هذا الاصطفاف حتى الانفصال او المجابهة مرحلة وشوط كبيرين، ولا ينبغي القفز على الواقع الموضوعي الاجتماعي. ينبغي ان لايفوتنا ان الانفصال التنظيمي للبلاشفة والمناشفة قد حدث بعد الانشقاقات في الابعاد الاجتماعية في خضم تحول سياسي واجتماعي هائل في مجتمع روسيا. وينبغي ان لايغيب عن بالنا كذلك ان احد موضوعات لينين الدائمة في شيوعية مابعد ثورة اكتوبر التي تشكلت في المانيا وبريطانيا هو الصراع ضد فرض مثل هذه الانفصالات قبل اوانها، وبالتالي، انزواء الخط الشيوعي بين جماهير الطبقة العاملة. الاهم من هذا، ينبغي ان لاتكون الاتحادات والانشقاقات في اليسار غير العمالي نموذجاً لهذه اللجان مطلقاً. انها اتحادات وانشقاقات غير اجتماعية وفئوية، وهي افضل مَعْلَمْ على لاعمالية هذه التيارات.
الصلة التنظيمية
الصلة التنظيمية هي مقولة اخرى اجمالاً. من الواضح ان الناشطين والقادة المنظمين في هذه اللجان يقيمون علاقات اوثق مع منظمات او افراد يمثلون خطوطهم. ان هذا امر لامفر منه. ولكن ينبغي النظر بدقة لمسالتين بهذا الخصوص:
الف - ينبغي ان يكون معلوماً ان مثل هذه الصلة، في اوضاع القمع، يمكن ان تكون منفذ تلقي ضربة امنية وتوجيه ضربة للجنة. وعليه، اولاً، على الرفاق ان يتحلوا بوعي كيفية هذه الصلة وعدم سريان الضربة الامنية على الاخرين، وان يعملوا بمسؤولية. ثانياً، على اللجنة نفسها ان تكون واعية وذا انتباه ان لا يواجه اعضائها ذلك لانعدام تجربتهم او امتداداً للنزعة الاكسيونية السائدة على اليسار في نشاطاتها العلنية او النشاط الذي يقام باسم اللجنة، وان لاتجابه مخاطر امنية. في الحقيقة يصعب تحديد ضوابط بهذا الخصوص. ولهذا، لاندحة من احالتها الى العقل السليم للجنة واعضائها.
ب - الصلة الرسمية للجنة ما بحزب او افراد غير قانونيين. من الممكن ومن المؤكد ان تقيم اللجنة في مراحل معينة من حياتها صلة خاصة بحزب او افراد وذلك لقربها من خط ما. ينبغي ان يُراعى اعلى درجات الانضباط الامني في هذه الصلة. ينبغي افتراض ان الشرطة تسعى لوضع الصلات مع هذه الاحزاب والافراد تحت اشد اشكال الرقابة الامنية، بالاضافة الى ان الصلة مع هؤلاء الافراد او الاحزاب ليست مثل الصلة مع الافراد القانونيين في المجتمع. انها ذات عواقب امنية وخيمة جداً. ولهذا ينبغي القيام بهذه الصلات عبر قنوات مبررة وامنه، وسرية بالتاكيد. لتجربة الحزب الحكمتي دروس غنية بهذا الخصوص.
حين نتحدث عن صلة هذه اللجان بالاحزاب اليسارية، فان قصدنا هي الصلة بالاحزاب القائمة . ان هذا الفهم هو محدود ويستند الى اساس وهو ان الشيوعية المتحزبة هي هذه الموجودة الان فقط، وان على العامل الشيوعي ان يحسم مصيره وتحزبه مع ماهو موجود. ان هذا تصور ستاتيكي (غير حركي-م) وثابت ومتاخر. برايي ان الاجواء مفتوحة امام تشكيل احزاب جديدة اخرى في ايران، وبالاخص في سياق لجان شيوعية بطور التشكل. من اعطى حكماً ان الشيوعية هي فقط اناس بوسعهم ان يكونوا متحزبين، وهم حصيلة ثورة ايران 1979، وعلى الاغلب عملياً وذاتياً هم منفيين؟
لقد طرح الحزب الحكمتي، ولحد الان، افضل بلاتفورم لتشكيل حزب شيوعي للطبقة العاملة برايي. وحيثما يبقى فيه خطه وانهماكه على الاقل على الصعيد الرسمي بهذا الشكل، ينبغي ان يكون ذا حظوظ اكبر. ولكن مع الوضع الذي فيه الاحزاب اليسارية، وقد اشرت اليه، فان هذا الميدان مشرع الابواب تماماً. ولهذا، حين نتحدث عن صلة هذه اللجان بالاحزاب اليسارية، فان بوسع بديل مستقل عن ارادة اليسار القائم ان يتشكل، وهو احزاب شيوعية جديدة للطبقة العاملة.
يجب النظر الى صلة اللجان الشيوعية بالاحزاب اليسارية القائمة على انها صلة متحولة وثنائية الاطراف. لقد ذكرت امر وهو ان تشكيل اللجان الشيوعية او اساساً اي شكل لتحزب شيوعي للطبقة العاملة يتمثل بان هذا التحرك ذا وجهين برايي. ان طرف من هذه المسالة، من جهة الحزب الحكمتي مثلاً، وامل ان تنظم احزاب اخرى الى هذا التحرك. والطرف الاخر هو بوسع تبلور خطي للجان ان يحدث على شكل جذب احد من الخطوط القائمة للجنة او تشكيل حزب جديد (او تركيبة من الاثنين).
وفق الدلائل التي ذكرتها، ان حركة جانب، اي من قبل الاحزاب القائمة، ليست كافية، وليست رد اطلاقاً. ينبغي ارساء هذا التحرك في الاساس على صعيد شبكات الناشطين والقادة الشيوعيين للطبقة العاملة. وذكرت ان الصلة التنظيمية او الانتماء الخطي بهذا الحزب او ذاك، سواء في الداخل او في الخارج، لاينبغي ان يكون شرطاً مسبقاً سواء عملياً اورسمياً لتاسيس هذه اللجان. واشرت الى ان توضيح خط وتوجه اللجان هذه، امراً ضرورياً ولايمكن القفز فوقه وعبر عملية سياسية، فكرية واجتماعية وعبر تامين الحد الاكبر من الاتحاد الداخلي للطبقة العاملة. السؤال المطروح هو: اي من الاحزاب اليسارية الحالية يتمتع بحظوظ ان يلفت انتباه هذه اللجان، وتنجذب هي له على الاقل من زاوية الخط؟
ان هذه ليست عملية تحرك هذه اللجان نحو الاحزاب السياسية او الخطوط الموجودة في اليسار الايراني فحسب. بل انها تحرك طرفين، وبرايي الاكثر من طرف اليسار القائم. من الصحيح ايضاً ان هذه اللجان تواجه عملية تغيير او صياغة خطها، ولكن الاحزاب اليسارية تواجه كذلك تحدي تغيير نفسها. ان الحزب الذي يتمتع بحظوظ بهذا الخصوص هو الذي يدرك ضرورة هذا التحول والانتقالة الطبقية والاجتماعية في ميدان المجتمع في ايران، لا بالكلام، بل بالعمل، ويغيّر نفسه. ان هذا الميدان مفتوح برايي. وتنجذب هذه اللجان الشيوعية، وقبل اي طرف اخر، الى حزب ينظر للعالم من زاوية الطبقة العاملة، وانهماكاته، لغته، دعايته، وتحريضه، ونظرياته هي سبيل تضعه امام اقدام الناشطين الشيوعيين وان انضمام هذه اللجان من حيث الخط الى ذلك الحزب الذي يكون ذا صلة بهم يعاظم اقتدارها في ميدان صراع هم ناشطين فيه.
بالاضافة الى ذلك، ينبغي الانتباه الى واقع وحقيقة اخرى كذلك. ان الاحزاب اليسارية القائمة، سواء في الخارج او في الداخل، حصيلة ثورة 1979 لا من حيث الخط، بل حتى من ناحية الافراد. ان القسم الاكبر من هذا اليسار هو في منفى طيلة سنوات، وان متوسط اعمار افراده اعلى بكثير من متوسط اعمار المجتمع في ايران.
ان ظاهرة الثوريين في المنفى (révolutionnaire émigrés)في الحركة الشيوعية، على الاقل من مرحلة كومونة باريس، هي ظاهرة معروفة ، جربّها لاحقاً الثوريون الروس، قبل ثورة 1917، وبعد مجمل الثورات المهزومة وثوريون اخرون.
يترك النفي اثار مخربة على جميع الثوريين. ان مقارنة اجواء الثوريين المنفيين الايرانيين مع الكومونيين المنفيين في بريطانيا والثوريين المنفيين لثورة 1905 الروسية في اوربا، مفعمة بالتجارب. ان التشابه يبعث على الحيرة.
ان قطع الصلة الاجتماعية لهؤلاء الثورين بالمجتمع من قبل الدول الحاكمة، يتحولوا فيه الى اسماك في بحر مغلق امامهم. يتحولوا الى اسماك بركة، اهتماماتهم وانهماكاتهم واتحاداتهم وانشقاقاتهم هي كلها غير اجتماعية ومتخلفة كثيرة عن المجتمع.
لايمكن ان تعالج هذه الظاهرة بالنصيحة او الدعاية. ان وجود عنصر اجتماعي قوي في رحم الطبقة العاملة فقط بوسعه ان يخلق تحول لهؤلاء الثوريين. يزود الاحزاب الثورية بامكانية تجديد القوى ومدها بطاقة شابة وجعلها راهنية. لقد تمثلت المعضلة دوما بان اشكال حصار ذاتية وتقاليد سائدة على ذهنية هؤلاء الثوريين والخوف من التغيير خلقت وتخلق اكبر مقاومة بمجابهة هذا التحول.
ان تاسيس اللجان الشيوعية في الطبقة العاملة يخلق اكبر اداة ضغط فكرية وحركية على الشيوعية القائمة في ايران، تشد ساعد الشيوعيين العماليين الحقيقيين في هذه الاحزاب وتوفر امكانية ان يقوم هؤلاء الذين يتمتعون فعلا باستعداد وقدرة على القيام بهذه الوثبة.
حين كنت اطبع هذه السطور، كانت تنطلق الثورة في مصر. اني على ثقة ان اي عامل شيوعي في ايران قد دخل قلبه الرعب من ان تندلع ثورة في ايران (ومن المؤكد انها ستندلع عاجلاً ام اجلاً) والطبقة العاملة في ايران مشتتة بهذا الحد وعديمة الخط الى هذا الحد تدخل اكبر تحدي تاريخي لها وتتحول الى جيش احتياطي للبرجوازية. حذّر طيب الذكر يد الله خسروشاهي قبل ايام من رحيله فيما يخص حركة الخضر الطبقة العاملة وناشطيها الشيوعيين من تكرار مصيبة ثورة 1979. لايمكن للطبقة العاملة في ايران. ان تدخل الثورة المقبلة لايران بنفس الدرجة من الوعي والتنظيم الشيوعي الذي دخلته في ثورة 1979. سيُلحق بها الهزيمة.
ينبغي التحرك. ينبغي الارتقاء بالوعي والوحدة الداخلية للطبقة العاملة الى حد بحيث لايستطيع الخميني ولا البرادعي والاخوان المسلمين ولا اي حزب وناشط برجوازي اخر ان يفرض نفسه في الثورة المقبلة لايران.
الثورة المقبلة لايران يكون لها حظوظ فقط بوصفها مقدمة للثورة الاشتراكية للطبقة العاملة والتي تقف مجمل البرجوازية والاحزاب البرجوازية الصغيرة والكبيرة منها بصورة واعية ومبرمجة ضدها. انها تتمتع بتجربة جميع الثورات في العالم. ان الحظ الوحيد للطبقة العاملة هو تحليها بتحزبها الشيوعي.
رفاق! ينبغي ان نتحرك. ليس لدينا وقت كثير.
كورش مدرسي فورية 2011