وانا احرر هذا الجزء، كانت الثورات والاحتجاجات في اندلاع في العالم العربي.
اذ تواجه هذه الاحداث، قبل اي شيء اخر، العامل والفعال الشيوعي في ايران بالسؤال التالي: اذا اندلعت ثورة غدا في ايران، ماذا يحل بالطبقة العاملة؟
أستشارك الطبقة العاملة في ايران بنفس التنظيم والوعي الذي شاركت به الطبقة العاملة في مصر، تونس، ليبيا، اليمن وسورية؟ أتعرف الطبقة العاملة مقدما اي راية سياسية او اي بديل سياسي مخبئان لها؟ هل تتمتع الطبقة العاملة بالاقتدار الذي تمارس سلطتها بوصفها طبقة في سياسة ايران وفي الثورة المقبلة في ايران، وتدفع هذه الثورة، عبر عملية ثورة دائمة، نحو ثورة اشتراكية؟ الن تتمكن البرجوازية من اقناع المجتمع والطبقة العاملة باحد بدائلها المتنوعة والمختلفة؟ أستكون ثورة 1979 في ايران ام ثورة مصر؟ الن تجر ثورة ايران الى مستنقع على غرار ليبيا؟ الا...
في الحقيقة، ليس بوسع احد ما اعطاء جواب مضمون لهذه الاسئلة. بيد ان ثمة حكم قاطع. باي درجة تجمع الراية الشيوعية قواها في الطبقة العاملة، وباي درجة يغدوا النشاط الشيوعي محملاً لتوحيد ونضال بروليتاريا ايران، تتعاظم بالحد ذاته فرصة الطبقة العاملة. ليس بوسعنا ان نخلق ثورة. الثورة ظاهرة اعقد من ان يكون اندلاعها بيد ارادة احد. لكن بوسعنا ان نؤمن مسالة وهي" متى ما اندلعت الثورة، ان تكون الطبقة العاملة متحلية بالخلاقية والابداع، على استعداد ان تعبيء طيف واسع من عمال المجتمع وكادحيه حول مطلب الثورة العمالية وتنظم الانتفاضة المظفرة على سلطة البرجوازية. ان الفعال الشيوعي الذي ليس منهمكا اليوم بهذا العمل، يعيش بالاحلام، ليس منهمكا بعمل شيوعي.
ان ثورات البلدان العربية تطرح امامنا قبل كل شيء فورية التنظيم الشيوعي للطبقة العاملة. وهو الامر الذي عجز عنه كل يسار ايران.
كورش مدرسي
8 نيسان 2011
ان موضوع سلسلة الجلسات يختلف عن البحث والنقاش فيما يخص المباديء التنظيمية او مايخص النظام الداخلي. ان بحث النظام الداخلي والمباديء التنظيمية مرتبط بتعريف وتوضيح الهيئات، الحقوق، المهام، صلاحيات المؤسسات الحزبية. وهي دون شك ابحاث مهمة. بيد ان موضوع هذه الجلسات ذا صلة بجانب اخر، جانب اكثر بنيوية واساسية من النشاط الشيوعي. لقد نوقش هذا الموضوع وتم بحثه مرات عدة في الادبيات الماركسية. على سبيل المثال، وبوصفها مراجع ومصادر، ادعوكم الى الرجوع للكتابات ادناه:
ينبغي هنا توضيح مسالة ان في نية الحزب اصدار كراس كامل حول مباديء الفعالية الشيوعية. املاً ان يقوم الحزب بهذا العمل سريعاً. على اية حال، ليس بوسعي في هذا المجال المحدود ان اتطرق الى جميع النقاط التي ستورد في مثل هذا الكراس والوثيقة. وعليه، ينبغي النظر الى سلسلة الابحاث هذه بوصفها اداة عون تعليمية في اشاعة مباديء النشاط الشيوعي اكثر منها شرحاً كاملاً وتفصيلياً. بالاضافة الى ذلك، ان قراءة كتابات لينين ومنصور حكمت اعلاه هي امراً لاغنى عنه لكل فعال شيوعي للطبقة العاملة. بدون الوعي والالمام بهذه الابحاث، يحرمه بالضرورة من الرؤية الجلية والشفافة للنظريات التنظيمية الشيوعية واساليب العمل الشيوعي. تحرمه من اداة لمعرفة حركته والحركة البرجوازية، يكون في وضع لاندحة له من اعادة وتكرار كل اخفاقاته السابقة.
نقوم بنشاطنا الشيوعي في اوضاع خاصة. من زاوية بحثنا الراهن، ان اهم سمة للاوضاع الراهنة هو الضعف التام للنشاط الشيوعي في اكثر اشكاله اساسية وبنيوية . اذ يمكن القول، وبجرأة، ان الشيوعية البرجوازية واسلوب عملها هو التقليد السائد في التيارات التي تسمي نفسها شيوعية سواء في داخل ايران او في البلدان الاخرى.
وعليه، فان اغلب من يخاطبهم هذا البحث هم اناس ليسوا منهمكين في نشاط شيوعي. منهمكين في النشاط في اطار منظمات خاصة. منهمكين مثلا في النشاط مابين الطلاب، المعلمين، النساء، نشاطات فكرية وثقافية، تنظيم مسلح، نشاطات في الخارج وحتى النشاط في اطار المنظمات الجماهيرية العمالية مثل النقابات وغيرها، وللرد على الاسئلة المطروحة المتعلقة بالنشاط في هذه الميادين يمضون لبحث النشاط الشيوعي. يعتبرون النشاط الشيوعي هو الجمع الجبري لمثل هذه الفعاليات. يعتقدون انه اذا وضعت الشيوعيين المنهمكين في نشاطات مثل هذه مع بعض ستبلغ النشاط الشيوعي. ان نقطة الانطلاق هذه خاطئة بصورة تامة. ان النشاط الشيوعي هو نشاط اخر وينبغي بحثه في نفسه.
ان الانفصال التاريخي والعالمي لليسار عن الطبقة العاملة، حوّل معضلات النشاطات الاخرى، ماعدا النشاط الشيوعي بالمعنى الاكثر اسياسية وبنيوية، الى معضلة وانهماك اليسار في العالم. من النشاط مابين المضطهدين بصورة عامة، الى النشاط ضد الدين، ومن النشاط للدفاع عن البيئة الى النضال ضد الامبريالية، من النضال من اجل الاصلاح الى النضال ضد القمع وغيره.
ان هذه الميادين هي ميادين مهمة للنشاط الشيوعي دون شك، بيد انها لاتمثل اطلاقاً هوية ومحتوى النشاط الشيوعي. ان احلال هذه النشاطات محل النشاط الشيوعي مثل تبديل استراتيجية شيوعية بمجموعة من التكتيكات الثورية والانسانية عموما. بالنسبة لحزب شيوعي، ان هذه ميادين خاصة ومهمة بيد انها لاتعرّف النشاط الشيوعي.
زد على ذلك، جوبهت الاحزاب الشيوعية دوماً بالتنظيم في اوضاع غير عادية او "خاصة"، وتحتم عليها ان ترد عليها. ان اوضاع عادية، وكاي تعريف اخر، هي مفهوم مجرد، ليس ثمة اي مكان حقيقي في العالم دون خصوصيات. وعليه، اذا لم نعرف الاساس والاطار السياسي للنشاط الشيوعي ، ولانميزهما عن الاشكال المحددة للنشاط في كل مرحلة او مكان، سنقع عملياً في اعمال هامشية، جماعة ضغط، وعملياً في اطار اليسار التقليدي والشعبوي.
وعليه، نظرا للتصور العام السائد في اليسار، بين الشيوعيين في اوربا وايران وسائر بقاع العالم، ينبغي ان نحسم قبل اي شيء اخر امر: حول اي شيء ليس له صله بالنشاط الشيوعي.
لتوضيح الامر اكثر، اسمحوا لي ان استعير. اذا اردت تعلم علم العمارة، لاتبدء من توضيح اسلوب بناء وتصميم باب وشباك العمارة. فمهما وضحت كل مايتعلق بالباب والشباك وتحل مسائلهما، يبقى قاصرا عن تغطية بحث العمارة. على من ينشد بناء عمارة ان يبدء من موضوعة العمارة ذاتها ، من تاسيسها، من هيكليتها وغير ذلك. ان ذلك المهندس المعماري الذي هو مختص فقط بتشييد الابواب والشبابيك، بوسعه ان يكون اي شيء الا مهندس عمارة. للعمارة باب وشباك ورواق وشرفة دون شك. بيد ان العمارة ليست عبارة عن باب وشباك، بل انها اجزاء مكملة للعمارة ولاتوضح لنا شيئاً بعد حول العمارة.
فيما يخص النشاط الشيوعي تصح العلاقة ذاتها كذلك. من المؤكد ان الشيوعيين يعملون في اوساط الطلبة، الفلاحين، النساء وغيره. بيد انه ليس الجمع العددي لهذه النشاطات. انها نوعية او ظاهرة اخرى مختلفة. اذا ما استخدمنا استعارتنا السابقة، ان هذه النشاطات هي جزء من باب وشباك عمارة النشاط الشيوعي، وليست نظرية او النشاط الشيوعي ذاته.
في الجدالات بين الشيوعيين حول النشاط الشيوعي واسلوب العمل الشيوعي، كان الاختلاف في الحقيقة حول الاختلاف نفسه في تعريف النشاط الشيوعي. ان التيارات التي تعرّف هذه الاشكال الخاصة والثانوية لنشاط الشيوعيين بوصفها هويتها وانهماكها، تحتاج بصورة لامناص لها "طرق" الماركسية، علم النشاط الشيوعي، كي تتطابق مع اهدافها وانهماكاتها الطبقية والسياسية. ولهذا، اجمالاً، بالاضافة الى مبررات اخرى، يصلون مثلا الى اليسار الجديد، الاشتراكية-الفيمنستية، الجيفارية، الكاستروية وغيرها. ومن هنا، يتم تحويل النشاط الشيوعي بنحو ما الى النشاط بين "الجماهير"، علم تنظيم الجماهير او المضطهدين، نظرية النضال ضد الامبريالية وغيرها. ومن هناك، تقتضي الحاجة الى النظريات الشعبوية، الشعبية، وانواع الحركات البرجوازية، "بنظرة طيبة وحسنة للطبقة العاملة". يقولون الحاجة ام الاختراع. ان الحاجة لتعريف النفس بوصفها منظم "ديمقراطي" هي اختراع اشكال الشيوعيين غير العماليين والديمقراطيين.
ان بحث النشاط الشيوعي، بحث تنظيم طبقة محددة ، الطبقة العاملة في محيط عملها ومعيشتها للثورة البروليتارية .
ان الطبقة العاملة، محيط العمل، محيط المعيشة والثورة البروليتارية هي مفاهيم محورية وبنيوية تحدد وتعرّف النشاط الشيوعي. اذا ما تم تجاهل اي منها او احلال شيء اخر محلها، ستطأ اقدامنا شيوعية برجوازية. وعليه، ينبغي الالتفات الى النقاط ادناه:
ان بحث تنظيم الطبقة العاملة هو في محيط عملها وحياتها. ليس النشاط الشيوعي بحثاً حول تنظيم الجماهير على العموم، الشعب، النساء، الاطفال، الفقراء، المرضى ومظلومي المجتمع. ان جميع هذه هي اجزاء مكملة للنشاط الشيوعي، بيد انها ليست هذا النشاط. باب وشباك عمارة الحزب الشيوعي وليس العمارة نفسها. ان التيار والحزب الذي ليس مركز نشاطه في عمق الطبقة العاملة والبروليتاريا الصناعية لايران، والذين هم ليسوا بالضرورة افقر اقسام المجتمع واكثرهم حرماناً، هو اي شيء ممكن ان يكون، بيد انه لاشيوعي ولاعمالي.
ان التأ كيد على محل العمل ومحل المعيشة هو تأكيد على واقع ان العامل ليس فقط عامل في المعمل او المصنع. انه بحث حول طبقة تعد العائلة العمالية جزء مهم منها. ان الطبقة العاملة ليست فقط عامل يشتغل او فرد عامل. ان كل هذه الطبقة تشمل العامل والعاطل، الشريك والابناء الى العائلة الاوسع. ان العامل في محيط العمل ينتج فائض القيمة. ولكنه في محل المعيشة، العامل هو من يعيد انتاج قوة العمل هذه. ان المحلة العمالية ومايجري فيها هو جزء من الجغرافيا والتفاعلات التي تؤمن عملية الانتاج واعادة الانتاج الراسمالي. يتناول العامل في محل معيشته الغذاء، يرتاح، وينجب الجيل المقبل من العمال ويكبرهم كي يؤمن الجيش الحاضر دوما للعمل للاستغلال الراسمالي. تتجاهل هذه الحقيقة لا التيارات البرجوازية فحسب، بل الميل الاقتصادوي والصنفي داخل الطبقة العاملة. من وجهة نظر كلا التقليدين، العامل هو صنف، مثل بقال. الاختلاف يتمثل فقط بان البقال يبيع بضاعة، اما العامل فيبيع قوة عمله. ولهذا، من وجهة نظر مجمل هذه التيارات، يعد محل العمل، مثل الدكان، هو فقط محل تحقق عماليه او صنفية العامل.
ان هدف النشاط الشيوعي هو تنظيم الثورة البروليتارية، لا الحركة القومية، الحركة النسوية، حركة الارتقاء الثقافي واي حركة اخرى.
ليس هدف النشاط الشيوعي هو الارتقاء بثقافة او مثلا بعقل واحساس الطبقة العاملة. ان النشاط الثقافي والنضال ضد الخرافات يتمتع باهمية حياتية كبيرة في النضال الشيوعي، بيد انه ليس هدف بذاته. اذ يمكن اقامة مؤسسات ومنظمات كثيرة تخدم الارتقاء الثقافي للطبقة العاملة، وحتى ان تقوم الاحزاب الشيوعية باقامتها. بيد ان النشاط الشيوعي ليس بحثاً يتعلق بالارتقاء الثقافي للطبقة العاملة، بل تنظيم الثورة البروليتارية. ان استبدال السعي المتواصل لتنظيم الطبقة العاملة من اجل الثورة البروليتارية باي مسعى اخر، فان ذلك المسعى يحيلها الى تقليد برجوازي يرتبط في خاتمة اسلوب عمله وهدفه، الان وحتى مستقبل منظور، بادامة الاستغلال البرجوازي.
تتمثل معضلة اخرى بان في اغلب الاحيان، حتى في التيارات الشيوعية، حين يتم الحديث عن النشاط الشيوعي، يتمركز البحث اغلب الاحيان حول الهيكلية او التنظيم. اذ يختزل النشاط الشيوعي الى مجموعة من النقاط او الطروحات وخطط عمل فنية-تنظيمية.
وفق هذه الرؤية، يتم تفسير النشاط، التنظيم ونظرية التنظيم بوصفها امراً فنياً. البرجوازية بايديها المجتمع، وان هذه المكانة الخاصة تطرح اساليب عملية في هضم وجود العلاقة الراسمالية. اذا قلبت كتب علم الادارة، سترى ان التنظيم يتم تناوله بوصفه تكنيك اكثر من اي شيء اخر. ان باعث وهدف التنظيم، مايحفز البشر، اطار النشاط التنظيمي هي امور معطاة ومفروضة مسبقاً؟
ان فلسفة النشاط الشيوعي هي من الاساس ضد المعطيات الاجتماعية القائمة، والادهى من هذا، ان فلسفة النشاط الشيوعي هي دوما تحت الضغط الطبقي والعملي للبرجوازية عبر الثقافة، التقليد، والمعطيات "الطبيعية" للمجتمع والحركات والتصورات البرجوازية. بهذا الخصوص يمكن الاشارة الى النقاط ادناه:
ان مايميز النشاط الشيوعي عن مجمل اشكال النشاط الاجتماعي والسياسي هو هدفه. ان هذا الهدف يستلزم وسيلة، نمط فعالية وموضوع فعالية يختلف. ان اسلوب واداة النشاط الشيوعي تختلف عن اسلوب واداة النشاط البرجوازي بقدر اختلاف اهداف كلا الحركتين.
لايمكن عبر اسلوب نشاط الاحزاب والتيارات البرجوازية ان نبلغ اهداف النشاط الشيوعي. ان عدم الانتباه الى هذا الحكم البديهي هو احد سمات الانتهازية والشيوعية البرجوازية. ان الهدف والوسيلة هما ظاهرة واحدة، متطابقان. اذا جمعت مجموعة من اجل "الثورة على العموم" او "الاطاحة بالنظام "على العموم"، عندها يتحقق الهدف عبر تسليم السلطة بين الاطراف من فوق، الانقلاب، او حصار المدن عن طريق الريف او ممارسة الضغوطات على النظام الحاكم، التعايش عبر الاستفادة من الاختلافات بين الدول، او النضال المسلح (1). ان هذه الاساليب ليست خاطئة بالنسبة للحركات البرجوازية. اذ بلغت هذه الحركات مراراً السلطة عبر الاستفادة من اساليب الفعالية هذه. في هذا الاطار، عندها تتطابق موضوع عملك، مخاطبك، اسلوب نشاطك، افقك وبرنامجك واولوياتك مع هذه الرؤية وهذا الافق. وعليه، السؤال الاساسي هو الى اي امر يحتاج التنظيم والفعالية التنظيمية؟ ومن هنا بالضبط بدء بحث نمط العمل الشيوعي، ومنتقداً لنمط العمل البرجوازي.
تصاعد النقاش حول النشاط الشيوعي مقابل النشاط غير الشيوعي، بصورة منظمة بين الشيوعيين في تاريخ النضال الشيوعي، وجلب معه ردود متنوعة. ان اخفاق الشيوعيين في الدفع باوضاع ثورية او تحولات اجتماعية كبيرة صوب ثورة اشتراكية او فرض التراجع على الحكومات البرجوازية هو ظاهرة معطاة في 60-70 عاماً المنصرمة. لم يتمكن الشيوعيون سواء في ايران او في اي مكان من العالم من لعب هذا الدور. ان السؤال المطروح الذي يعقب كل هزيمة هو: لماذا؟ لماذا وقعت الشيوعية في الوضع الحالي، وذكرت ان اجوبة مختلفة ومتعددة قد طرحت رداً على هذا السؤال.
ان قسم من اليسار يرضي نفسه بان "شيطان" التحريفية والبرجوازية قد تسلل جسد الشيوعيين، وعليه، فان هذا اليسار، حاله حال اي فئة دينية، في حالة كشف اجنة التحريفية، فضح العناصر البرجوازية المتسللة في صفوف البروليتاريا، تزكية النفس، جلد الذات، الجلد الايديولوجي-النفسي للنفس، ومايصطلح عليه النقد والنقد الذاتي ، ويتحول بالتالي الى فرقة شبه دينية.
ان القسم الاكثر راديكالية واكثر اجتماعية، سواء في ايران او سائر البلدان، يفسر على الاغلب هذا العجز بمسميات "العجز عن قيادة الجماهير في الثورة"، وهي دون شك اطروحة اكثر اجتماعية واكثر واقعية وعقلانية من اليسار السوداوي والمكتئب، لكنها بنفس الدرجة برجوازية وغير شيوعية.
ان هذه النقاشات بين شيوعيي ايران قد بدأت في ابحاث المؤتمر الاول لاتحاد المناضلين الشيوعيين عام 1982وقد استخلصت في ابحاث الشيوعية العمالية لمنصور حكمت والتي تلخصت ببحث الشيوعيين ونمط العمل الشعبوي.
في تلك المناقشات، تمركز النقاش بصدد اسلوب العمل الشيوعي حول الاطروحة ذاتها "قيادة الجماهير في الثورة". ان منظروا هذا الخط والمدافعين عنه، حميد تقوائي، اكثر ممثلي الشعبوية في اليسار الايراني صلابة. وهو الخط الذي وضع الحزب الشيوعي العمالي الايراني اليوم نفسه فعلاً في مسار "قيادة الجماهير في الثورة"، وهو السعي الذي تحول بالضرورة من قيادة الجماهير الى الذيلية لها. وهو المال الذي تنبأ به منصور حكمت من المؤتمر الاول لاتحاد المناضلين الشيوعيين.
لتبيان ماهية النشاط الشيوعي واختلافه عن نمط عمل او نشاط الشعبويين، النزعة القومية اليسارية والاشتراكية البرجوازية عموما، ليس امراً مضراً ان اتناول بايجاز اطروحة "قيادة الجماهير في الثورة".
قيل ان على الشيوعيين ان يكونوا "قادة الجماهير في الثورة". وان هذا هو اعتقاد الاغلبية الساحقة من اؤلئك الذي يعدوون انفسهم شيوعيين. ان هذا الاعتقاد البسيط صيغ حول كلمتين. "الجماهير" و"الثورة". بيد ان كلا المفهومان، بوصفهم مفاهيم سياسية، ليسا غير ماركسيين فحسب، بل مضادان للماركسية.
تستند الماركسية والشيوعية قبل اي شيء اخر الى اساس الاقرار بطبقية المجتمع. ان نقطة الانطلاق هذه ليست خاصة بالماركسية. ان اكتشاف المجتمع الطبقي، مثلما يؤكد ماركس في رسالته الى آننكوف، لايرتبط بماركس. ان مايمايز الماركسية عن البرجوازية هو المضي ابعد من هذا الحكم. اذ يؤكد ماركس على ان ماهو من اكتشافه هو ان الية حركة المجتمع المعاصر تستند في اكثر مستوياتها اساسية وبنيوية الى الصراع مابين البروليتاريا والبرجوازية، وان انهاء عبودية العمل الماجور هذه هو فقط عبر الاطاحة بالبرجوازية على يد الطبقة العاملة، هو امرا ممكنا عبر ازالة النظام الراسمالي ومجمل المجتمع الطبقي.
وبالتقابل مع اكتشاف ماركس هذا، تبدء الشيوعية البرجوازية والشعبوية بالضبط من الانكار النظري او العملي لهذه الاحكام. في الحركات البرجوازية، لايتم فصل النواة المحركة لتصادمات وتناقضات المجتمع عن التناقض مابين البروليتاريا والبرجوازية، ليس هذا وحسب، بل يتم اساساً انكار السمة الطبقية للمجتمع ذاتها بصورة علنية او عملية. اذ بدل اصطفاف البروليتاريا والبرجوازية ، يحلّو صراع الجماهير مع النظام، الجماهير ضد معادي الجماهير، الجماهير مع النظام، وبمكان الثورة الاشتراكية، تحل الثورة الوطنية، الثورة بصورة عامة، الثورة الدينية، الثورة المناهضة للامبريالية، الثورة الديمقراطية، الاطاحة بالنظام وغيره.
لفكرة "قيادة الجماهير في الثورات" او "قيادة الشعب في الثورة" مجمل الخصائص هذه. على اي ماركسي او ناشط شيوعي للطبقة العاملة ان يوجه السؤال لهؤلاء الشيوعيين البرجوازيين ولهؤلاء الشعبويين: اي جماهير ؟ وفي اي ثورة ؟
تتمثل الحقيقة بان في اطروحة "الجماهير" هذه ثمة امال غير طبقية كامر مفروغ منها، ذا مصلحة ومحرك واحد، وان "الثورة" هي ظاهرة معطاة وغير طبقية تعكس مصلحة هذه "الجماهير". وحين يكون الصراع في المجتمع غير طبقياً، ستكون الثورة بالضرورة غير طبقية، جماهيرية، انسانية وغير ذلك. ان هذه الاطروحة، الفكرة او الافق، ليست عاجزة عن تبيان منبع العجز المزمن للشيوعية الموجودة في عالمنا المعاصر فحسب، بل على العكس من ذلك، اساسه الفكري واساس وجوده وادامته.
ان الحركة او التحرك الذي يكون هدفه تامين "قيادة الجماهير في الثورة"، يتخذ اسلوب عمل متطابق مع هذا الهدف. اسلوب يحل ويصفي الطبقة العاملة والثورة العمالية في عموم الجماهير، والثورة العمالية في ثورة وطنية، في ثورة الكل، مناهضة للنظام، شعبية وغيره. ان مثل هذه الحركة، وطبقاً للتعريف، لاتحتاج الى نمط النشاط الشيوعي. فبدل الحاجة الى النشاط الشيوعي، تحل الحاجة الى النشاط الديمقراطي، الشعبي، الوطني وغيره والذي لاتتمتع الطبقة العاملة فيه بمكانة خاصة، او في افضل الاحوال عنصر اكثر اصراراً وثورية (اكثر ثورية بماذا؟) من الجماهير نفسها. ان نمط النشاط هذا، طبقا للتعريف، عاجز عن الدفع بالطبقة العاملة صوب الثورة الاشتراكية . ان هذا الافق يوازيه نمط نشاطه الذي يشمل اشكال نشاط، مخاطبه، لهجته الدعائية وانهماكاته. ان سبب عدم وضوح ومفهومية وعصي الدعاية عن الفهم ونمط الفعالية الشيوعية البرجوازية تكمن هنا وليس في ضعف تعليم او المآخذ التنظيمية ومعرفتها.
لقد ذكرنا ان بحث النشاط الشيوعي هو بحث حول صلة الهدف بالوسيلة. اذ يستلزم هدف النشاط الشيوعي نمط هذا النشاط واسلوب النشاط الشيوعي. والفت النظر لحقيقة ان نمط النشاط هو بالنسبة للشيوعي مسالة هوياتية بقدر مبادئه العقائدية. واذا كان نمط نشاط مثل هذا الشيوعي لايتطابق مع المستلزمات النضالية والطبقية للطبقة العاملة لاتمكن المشكلة في مآخذ فنية، تقنية، ايلاء اهمية لامر ما او عدم ايلائه للاهمية. ينبغي الانتباه الى المنبع الحركي (من كلمة حركة) واهداف هذه الشيوعية. ومثلما ان الشيوعية ليست مجموعة من المباديء العقائدية، فانها ليست مجموعة من الهيكليات او الاشكال التنظيمية.
ان مصدر وحذر الشيوعية البروليتارية تستمد من الاحتجاج الاساسي للطبقة العاملة بوجه العمل المأجور. احتجاج، ماعدا الكادحين والاقسام الدنيا جداً من البرجوازية الصغيرة، تصطف كل الطبقات الاخرى بوجهه. وعليه، ينطلق النشاط الشيوعي من الاحتجاج نفسه، وليس من السخط العام، سخط الفلاحين وحتى الفقر او القمع. يدخل دون شك الاحتجاج على الفقر او السخط الديمقراطي اللوحة لاحقاً. ولكن فقط على اساس المؤسسة المحكمة للاحتجاج الشيوعي للطبقة العاملة على وجودها، وبالتالي وجودها البرجوازي، بوسع تحديد التكتيكات اللازمة في هذه الاحتجاجات.
ان الاحتجاج على الفقر، الاحتجاج على الظلم ليس نقطة انطلاق واساس الشيوعية والفعالية الشيوعية، ليس هذا وحسب، بل انه نقطة اشتراك الشيوعية مع العديد من الحركات المناهضة للظلم، الحركات المحبة للبشر، الانسانية لسائر الطبقات والحركات. وحين لايقام هذا الفصل، يتحول النشاط الشيوعي الى نشاط شعبوي على العموم او "عدم ايلاء الاهمية" للطبقة العاملة وايلاء الاهمية على سبيل المثال للفلاحين او الطلبة او الفقراء.
زد على ذلك، تمثل الشيوعية البروليتارية والنشاط الناجم عنها حتى داخل الطبقة العاملة ميل معين. ان اختلاف الميل او الحركة الشيوعية مع الميول الاخرى يحددها البيان الشيوعي على هذه الشاكلة:
"إن الشيوعيين لا يتميزون عن الأحزاب البروليتارية الأخرى إلاّ في أنّهم: من ناحية، يُبرزون ويُغلِّبون المصالح المشتركة في الصراعات القومية المختلف للبروليتاريين، بصرف النظر عن تابعية عموم البروليتاريا، ومن ناحية أخرى، يمثِّلون دائما مصلحة مُجمل الحركة في مختلف أطوار التطور، التي يمر بها الصراع بين البروليتاريا والبرجوازية.
إذن الشيوعيون عمليّا هم الفريق الأكثر حزما من الأحزاب العمالية في جميع البلدان، والدافع دوما إلى الأمام، ونظريا هم متميزون عن سائر جُموع البروليتاريا، بالتبصّر في وضع الحركة البروليتارية، وفي مسيرتها ونتائجها العامّة.
والهدف الأول للشيوعيين هو الهدف نفسه لكل الأحزاب البروليتارية الأخرى: تشكّل البروليتاريا في طبقة، إسقاط هيمنة البرجوازية، واستيلاء البروليتاريا عن السّلطة السياسية.
وطروحات الشيوعيين النظرية لا تقوم قطعا على أفكار، على مبادئ، ابتكرها أو اكتشفها هذا أو ذاك من مُصلحي العالم.
إنّها فقط تعبير عام عن الشروط الحقيقية لصراع طبقيّ قائم عن حركة تاريخية تجري أمام أعيننا. وإلغاء علاقات الملكية القائمة حتى الآن، ليس هو إطلاقا السِّمة المميزة للشيوعية.
وإنّ ما يميّز الشيوعية، ليس القضاء على الملكية بشكل عام، بل إلغاء الملكية البرجوازية.
فهُم (الشيوعيون) يناضلون لتحقيق الأهداف والمصالح المباشرة للطبقة العاملة، لكنهم في الوقت نفسه يمثلون، في الحركة الراهنة، مستقبل الحركة".
اخذين هذه التحديدات الدقيقة للبيان الشيوعي بنظر الاعتبار، اكدنا مراراً على ان الشيوعية ليست حركة داعية للحق. الشيوعية ليس حركة الاناس الطيبين، ولا حركة الاناس حسني الاخلاق. الشيوعية حركة احتجاجية لطبقة خاصة وذلك لمكانتها الطبقية. وان هذا التعريف يشكل اساس النشاط الشيوعي. عندها، واستناداً الى هذا الاساس، بوسع الطبقة العاملة الواعية ان تحدد صلتها بالحركات والاحتجاجات الاخرى.
ان هدف النشاط الشيوعي ليس الثورة على العموم. هدفه ثورة معينة. هدفه ان تعد الطبقة العاملة لهذه الثورة على مجمل البرجوازية . واستناداً الى هذا الاساس، اذا واجهت مسارها ثورات اخرى بوسعها ان تحدد وتتخذ التكتيك المناسب من زاوية الثورة البروليتارية.
ما اسعى الى تاكيده ان النشاط الشيوعي ونقد نمط عمل الشيوعية البرجوازية هو ليس نقداً فنياً. مرتبط بجذر هذه الحركات في المجتمع. ليس بالوسع عبر اي برامج تنظيمية واي هيكيلية تنظيمية تقليص النشاط الشيوعي الى نشاط شعبوي ولايمكن تحويل النشاط الشعبوي الى نشاط شيوعي. ان نمط العمل الشيوعي او مباديء النشاط الشيوعي هما مسالة هوياتية بقدر البرنامج او المبادي الهوياتية لتيار. في عالمنا المعاصر، كيف يعمل حزب او منظمة وماهو انعكاسه على الطبقة العاملة هم اكثر جلاءا وتعبيراً وهوياتية من مجمل الوثائق السياسية والايديولوجية لذلك الحزب او المنظمة.
ان نمط العمل هو امر هوياتي بقدر برنامج الحزب، وهو بنفس درجة المباديء الهوياتية لحزب اساسية وبنيوية. ان نمط العمل بنفس درجة دعايتك مربوط بشيوعيتك. ان نمط العمل لحزب ما يحدد موضوع عمل وهدف نشاط ذلك الحزب. يملي عليك الى من تكتب، من مخاطبك واي نشاط تنظمه.
مثلما يعلن البيان الشيوعي، يمثل الشيوعيين والنشاط الشيوعي مصالح كل الطبقة العاملة. وعليه، من الواضح ان الشيوعية والنشاط الشيوعي هما الاطروحة المضادة للراسمالية وكل البرجوازية.
اما النقطة التي يضيفها ماركس وانجلز، بالاخص بعد تجربة كومونة باريس، هي ضرورة الاطاحة بالبرجوازية، اقامة الحكومة العمالية (ديكتاتورية البروليتاريا) بوصفها الشرط المسبق للسيطرة على الملكية البرجوازية وارساء العلاقات الانتاجية الاشتراكية او الشيوعية. لايمكن للاشتراكية والسلطة العمالية ان تتشكلا مثل اساليب الانتاج السابقة من رحم اسلوب الانتاج القائم.
وارتباطا بالقدرة التي تتمتع بها البرجوازية، ان انتزاع السلطة السياسية هو الشرط المسبق لكسب الجماهير العريضة من الطبقة العاملة وجرها للميدان ضد البرجوازية .
حين تنظر لانتقال المجتمع من العبودية الى الاقطاعية، فان صيرورة تشكل الاقطاعية هي عملية تدريجية وقد جرت خطوة خطوة.
ان الاقطاعيين والاقطاعية نمتا تدريجيا في عملية وصيرورة تصل الى قرن في رحم المجتمع العبودي، حتى انتهت العبودية اجمالاً وسادت الاقطاعية. مثلا في روما، وحتى في ايران، ان عملية انتزاع الارض من قبل مالكي العبيد او دولة مالكي العبيد كانت تدريجية. بيعت الاراضي تدريجياً او انتقلت، والاشخاص الذين يعملون في الارض ليسوا عبيد ولامالكي عبيد. تشكلت الجماهير الفلاحية والطبقة الاقطاعية. يصل الامر لحد ان النظام العبودي لايستطيع بعد صيانة وجوده. تسقط روما دون ان يحتلها احد.
فيما يتعلق بتشكل الراسمالية، كان الامر كذلك. في خضم المجتمع الاقطاعي، مع تطور التكنيك ومع اكتشاف طرق التجارة البحرية وغير ذلك، ظهر تجار مقتدرين تدريجياً، انشئت المعامل، ولدت طبقة عاملة حديثة، وغدت البرجوازية مقتدرة يوما بعد اخر من الناحية المالية، وبالتالي من الناحية السياسية. تطورت المدن، وحين تجري ثورة على غرار الثورة الفرنسية، فان البرجوازية عندها كانت تمسك بالقسم الاغلب من القوة الانتاجية وثروة المجتمع. بل كانت حتى مشاركة في السلطة السياسية في بعض البلدان مثل بريطانيا.
ان هذه العملية لاتتحقق بالنسبة للبروليتاريا او المجتمع الاشتراكي. ليس بوسع البروليتاريا ان تستأصل السلعة والانتاج السلعي في رحم المجتمع الراسمالي، اي تطيح بالية الانتاج من اجل الربح او تزيل الاستغلال. لقد جوبه بالفشل من كان يحمل هذه التصورات (الاشتراكيين الخياليين مثل فورييه او اوين)، فشلت جزرهم الاشتراكية. انهم مضوا لاقامة كومونات يقوم العمال سوية بالانتاج فيها. فشلوا. انهم حتى لم يتمكنوا من الناحية الاقتصادية ان يبقوا. لقد اثبت ان ماركس على حق: انك لاتستطيع ان تستاصل الانتاج من اجل الربح دون ان تسحب السيطرة على المجتمع والتحكم به من ايدي البرجوازية. ان هذا يعني ضرورة الثورة البروليتارية، ضرورة الانتفاضة على الدولة البرجوازية، اي مد اليد لانتزاع السلطة السياسية.
ان الثورة البروليتارية هي اول ثورة في التاريخ ينبغي تحقيقها بصورة واعية وان يخطط لها من قبل. ان ثورة اكتوبر افضل نموذج. بعد ثورة شباط 1917، خطط الحزب البلشفي للثورة ونفذها لانتزاع السلطة بابداع واصرار لينين.
مااود قوله ان النشاط الشيوعي، بالاضافة الى ذلك، هو اعداد الصف الطليعي للطبقة العاملة للقيام بالثورة. ومثلما يذكر البيان الشيوعي، ان النشاط الشيوعي هو من اجل الاطاحة بالحكومة البرجوازية وجعل البروليتاريا السلطة الحاكمة. لايمكن تحقيق الثورة البروليتارية عبر امتطاء موجة ثورات الطبقات الاخرى. ان الطبقات الاخرى (البرجوازية) اكثر وعياً واقتداراً وبالاخص بعد تجربة ثورة اكتوبر، واكثر استعداداً من الناحية السياسية والفكرية والعملية من ان يُسْتَغْفَلوا. بوسع البرجوازية وتقاليد البرجوازية ان تركبا موجة العفوية. اما البروليتاريا ففقط عبر نقد هذه الحركات، بالوسع تشكيل حركة اخرى، حركتها وان تعمم الوعي. ان موضوعي هنا لايتعلق بالتحريض على عدم التدخل في تطورات المجتمع وتحولاته. بل ان موضوعي يتعلق بالسجود لاطار هذه التحولات وعدم اعداد الطبقة العاملة للمعركة الحاسمة والنهائية على جميع اقسام الطبقة البرجوازية.
ان هدف النشاط الشيوعي هو انتزاع السلطة السياسية. ولتحقيق هذا العمل، ينبغي ان تكون البروليتاريا مستعدة لذلك من ناحية الوعي، الوحدة والتنظيم. كي لاتستولي على السلطة فقط، بل ان تكون قادرة على الدفاع عنها. يؤكد ماركس، انجلز ولينين مرات ومرات على ان مقاومة البرجوازية ستتضاعف مئات المرات بعد الاطاحة بسلطتها السياسية. في عالمنا الراهن، ينبغي ان نرى هذه المئات المرات ملايين المرات. ستواجه الحكومة البرجوازية بمقاومة مستميتة من قبل كل اقسام البرجوازية. لانك توجه ضربة الى اصل حياتها، اي ربحها. كلهم يقاومون، من البرجوازية الصغيرة الى البرجوازية الكبيرة. كلما تطال يدك الملكية يشنون عليك جهاداً. وان الطبقة العاملة التي ليست مستعدة، ولاتعد نفسها من اليوم لمثل هذه الاوضاع، ستلحق بها الهزيمة.
ان هذا اختلاف ماركس مع الفوضويين، وان هذا اختلاف ماركس وشيوعية الطبقة العاملة عن بقية الشيوعيين البرجوازيين. وعليه، ان هدف النشاط الشيوعي هو اعداد الطبقة العاملة لهذا الصراع وتوعية القسم الطليعي منها بحقيقة ان الثورة البروليتارية تتم من قبل اقلية الطبقة العاملة ، وهو الامر الذي تناولناه بالتفصيل بالابحاث المتعلقة "الحزب والسلطة السياسية".
على هذا الاساس، هل بوسع الحكومة العمالية ان تستلم السلطة عبر الانقلاب؟ الم نقل ان اقلية هي من تنتزع السلطة؟ الجواب كلا. لايمكن الدفاع عن الثورة البروليتارية وتحقيقها دون دعم قسم بارز وملموس من الطبقة العاملة، وبالاخص البروليتاريا الصناعية.
وبوجه البرجوازية التي ستحارب بكل قواها ضد تطاول الاخير على ملكيتها وستحشد قوى طبقتها، ليس ثمة حظوظ امام الثورة والحكومة العمالية سوى التمتع بدعم القوة المنظمة للطبقة العاملة.
ان الانقلاب، طبقاً للتعريف، هو التخطيط لانقلاب مجموعة، بصورة مفصولة عن صلتهم بالمجتمع والطبقة، السيطرة في توقيت مناسب على القصر والمعسكر الفلاني والاذاعة والتلفزيون. ان هذا هو اختلاف بحث الحزب والسلطة السياسية للشيوعيين عن الفوضويين وسائر التيارات الاخرى التي تتحدث عن انتزاع السلطة السياسية بغياب الدعم والمساندة العمالي. للقيام بالثورة البروليتارية، اي انتزاع السلطة السياسي، تحتاج الى حشد قسم مهم من الطبقة. ودون شك، اذا ارادت الطبقة العاملة ان تنتزع السلطة او تقوم بالثورة، فان اداتها هو التحزب السياسي. ان الحزب السياسي هو اداة هذا العمل، وليس اي تنظيم او منظمة جماهيرية اخرى.
قلنا ان الثورة البروليتارية ثورة مخطط لها ومدروسة ضد مجمل النظام القائم. ليس بوسع الطبقة العاملة وتيارها الشيوعي ان ينتزعا السلطة او يحافظا عليها دون ان يكون لهما حزب، ودون ان يكون واعيين ومنظمين من الناحية السياسية. ينبغي على النشاط الشيوعي ان يغطي هذه المسالة.
وعليه، ينبغي ان اؤكد مرة اخرى ان هذا البحث يتخطى اطار بحث تنظيمي، انه بحث حول النظرية التنظيمية للاحزاب الشيوعية. انه بحث صلة هذه الاحزاب بالطبقة العاملة وبطليعييها.
ان حزب "جيد"، حزب ثوري، حزب "اناس طيبين"، حزب اناس تقدميين، حزب اناس دعاة مساواة وغير ذلك لايرد على هذه المعضلة. ان نقطة انطلاق النشاط الشيوعي هو طبقة خاصة وحركة خاصة داخل هذه الطبقة.
حين قام الحزب البلشفي بثورة اكتوبر 1917، وحين نظم الانتفاضة، كان معه آنئذ قسم مهم ومحوري من الطبقة العاملة الصناعية. لقد حذر لينين مراراً وتكراراً وناضل ضد تنظيم انتفاضة قبل اوانها او استلام السلطة السياسية قبل كسب قسم مهم من البروليتاريا الصناعية. لم يجلب البلاشفة معهم في يوم الثورة دون شك اغلبية الطبقة العاملة، وان اول ردود الفعل السلبية تجاه استلام السلطة السياسية من قبل الحزب البلشفي قد برز عند عمال المناجم. لكن كان قسم محوري من الطبقة العاملة مع الحزب البلشفي.
ان التاكيد على هذه الحقيقة والمبدأ المهم في النشاط الشيوعي وهو ان مسالة انتزاع الشيوعيون للسلطة السياسية يتم اهمالها وتجاهلها من طرفين وجانبين غير شيوعيين تماماً. احدهما من طرف اناس يفكرون ان الثورة العمالية مسموح بها فقط حين تكون اغلبية الطبقة العاملة معها. وفق هذه الرؤية، ولان مثل هذا العمل محال في مرحلة الحكومة البرجوازية، يُحال امر استلام السلطة السياسية الى المحال. من جانب اخر، ثمة شيوعيين لايولون اهمية تذكر لضرورة وعي وتنظيم ودعم قسم مهم من البروليتاريا الصناعية. وفق هذه الرؤية، ينظر الى استلام السلطة السياسية عملياً على انه عمل حزب (اجتماعي او غير اجتماعي او فدائي)، وبالتالي لايرى هذا النشاط حاجة اساساً لتعريف النشاط الشيوعي بوصفه نشاط طبقي واجتماعي للطبقة العاملة ويتبنى السياسة والممارسة الشعبوية.
ان الحلقة اللاحقة لتوضيح النشاط الشيوعي هي ان نسأل انفسنا ماهي ظروف واوضاع الثورة الاشتراكية؟ لماذا لاتتحقق اليوم، وماهي العوائق امام ذلك؟ ان هذا البحث هو احد نقاط الانشقاق داخل الشيوعية.
ان احد اسس الشعبوية، الليبرالية والقومية اليسارية هو ان تحقيق الثورة الاشتراكية منوط بنمو قوى الانتاج وتطور الراسمالية. وعليه، فان تحقيق الثورة الاشتراكية بالنسبة لهؤلاء ليس مطروحاً على جدول اعمالهم، الاعداد والتحضير لها هو مامطروح على جدول اعمالهم، اي ان تحقيق الثورة مرهون بالنمو المتعاظم للراسمالية.
طبقاً لفلسفة ماركس، يستلزم تحقيق اي تحول اجتماعي سلسلتين من الظروف. اولا الظروف الموضوعية. ان هذه الظروف تشير الى وجود الامكانية المادية، التكنيكية والانتاجية للمجتمع الجديد، ظروف بمعزل عن تفكير الافراد في المجتمع. ثانياً، الظروف الذاتية. ان هذه الظروف تشير الى ذهن وفكر من يقوم بمثل هذا التحول او الثورة. في المجتمع، قد تكون الظروف الموضوعية لتحول انتاجي او اجتماعي موجودة منذ مدة طويلة، بيد ان هذا التحول يتاخر تحقيقه وذلك لعدم استعداد الفاعل بعد. ان مثالاً بارزا على ذلك هو الثورات البرجوازية. ان هذه الثورات عادة تتم وذلك لان المجتمع والنظام الانتاجي للمجتمع جعل ذلك امراً ممكناً منذ مدة.
في مرحلة العبودية او الاقطاعية، لم تكن الظروف الموضوعية للثورة الاشتراكية موجودة. حتى اذا ارادت مجموعة ما تنظيم مجتمعاً اشتراكياً، فان الامكانات العملية لذلك غير موجودة. بالنسبة لماركس، ان الظروف الموضوعية للثورة الاشتراكية هو وجود المجتمع الراسمالي . وفق رؤية ماركس والبيان الشيوعي، مع وجود سلطة الراسمالية على المجتمع، خلقت الظروف الموضوعية للثورة الاشتراكية، ويمكن القيام بالثورة الاشتراكية وينبغي انجازها. ان البيان الشيوعي في الاساس هو اعلان هذه الحقيقة ونداء لانجاز الثورة الاشتراكية من قبل الطبقة العاملة. لايعتبر البيان الشيوعي اختراع والاتساع المتعاظم للقوة المنتجة او انتاج الراسمالية في المجتمعات الراسمالية شرط الثورة الاشتراكية. ان هذا هو احد اختلافات ماركس مع الاصلاحيين البرجوازيين واحد الاختلافات الاساسية للينين مع المناشفة.
ذكرنا مع الظروف الموضوعية لاي تحول اجتماعي (ومن بينه الثورة البروليتارية)، يتحدث ماركس عن الظروف الذاتية. من وجهة نظر ماركس، ثمة فاعل لاي تحول اجتماعي، وان الظرف الذاتي لانجاز ذلك التحول هو وعي ومطلب الفاعل او التغيير و"ذات" منجز التحول او الثورة.
وعليه، من وجهة ماركس، فان العائق الوحيد امام الثورة الاشتراكية هو عدم توفر الاوضاع الذاتية لهذه الثورة، اي عدم استعداد فاعلها، الطبقة العاملة. ان العائق الوحيد امام الثورة الاشتراكية هو التشتت، عدم الوعي ووجود الخرافات البرجوازية داخل صفوف الطبقة العاملة. ان مجمل سياسات البرجوازية تجاه الطبقة العاملة، من بينها القمع، الدين، الحركات والثقافة البرجوازية وغير ذلك، تصب في خدمة ابقاء الطبقة العاملة مشتتة وتبليهها كي تحول دون تحقيق الثورة الاشتراكية.
وعليه، فان النشاط الشيوعي هو مباشرة نشاط للتغلب على عدم الاستعداد هذا. ينبغي ان لانشك ان مجمل مؤسسة القمع الحكومية، مجمل صناعة الدين، مجمل الاكاديمية البرجوازية والفلسفة والثقافة البرجوازية والرجعية تستخدم ضد هذا النشاط الشيوعي. ان هذا النشاط الشيوعي هو ليس نشاط توعوي، بل نشاط سياسي يقف بوجه مجمل مؤسسة القمع والتبليه البرجوازي. وتستمد مجمل تكتيكات ومجمل الاشكال التنظيمية فلسفتها من هدف هذا النشاط. كي تكون الطبقة العاملة اكثر تنظيماً، وحدة، وعياً واقتداراً. ان هذه فلسفة كل التكتيكات في النشاط الشيوعي.
للحركة الشيوعيين للطبقة العاملة اساسين وركنين. احدهما اساس موضوعي ومادي نابع من المكانة الموضوعية للطبقة العاملة في الانتاج، واساس فكري علمي ونظري يتشكل خارج الطبقة العاملة.
ان الاحتجاج التلقائي للطبقة العاملة لايبلغ باحد بصورة تلقائية لنظرية الشيوعية. ان النظرية الشيوعية هي ثمرة اكثر الاشكال العصرية والمتقدمة لنقد المجتمع الراسمالي ومجمل النظريات البرجوازية. ليس بامكان الطبقة العاملة، استنادا الى نفسها وفقط عبر تعميم تجربتها اليومية، ان تبلغ هذه النظرية. اذ ليست نظرية ماركس تعميم لتجربة الحركة النقابية. ومثلما يوضح لينين في المصادر الثلاثة والاقسام الثلاثة للماركسية، نظرية ماركس هي نقد اكثر نظريات البرجوازية تقدماً. في تلك المرحلة، كان نقد فلسفة هيكل والمادية الميكانيكية لفيورباخ، نقد الاشتراكية الخيالية، نقد الاقتصاديين البرجوازيين مثل ادم سميث وريكاردو. غدت اليوم فلسفة علم الاقتصاد، الاشتراكية البرجوازية ومجمل منظومة انتاج الخرافات اكثر تقدماً وتعقيداً الى حد كبير من مرحلة ماركس.
ليس بوسع احد ان يرد على هذه النظريات والحركات والخرافات البرجوازية استناداً الى الاسس الطبقية او الغريزة الطبقية او التجربة اليومية في المعامل والمحلات، او استنادا الى التجربة اليومية للطبقة العاملة، ان يكتب الراسمال، البيان الشيوعي، الايديولوجيا الالمانية، تكتيكان، الامبريالية وغيرها. الابسط من هذا، ان يوضح للطبقة العاملة حتى الحثالة البرجوازي من احمد نجاد وصولاً الى بوش واوباما او الحركات البرجوازية، ويمضي في شن الحرب عليها.
يعد الوعي الشيوعي للطبقة العاملة امراً ممكناً فقط عبر النظرية الشيوعية لماركس. وان كانت هذه النظرية نفسها ثمرة وجود المجتمع الراسمالي، وان اساسها المادي يستمد من وجود الحركة او الغريزة الشيوعية داخل الطبقة العاملة، بيد انها تولد خارج هذه الطبقة. ان النظرية الشيوعية هي من اجل الصراع مع الحركات والنظريات البرجوازية، وهو قسم اساسي من النشاط الشيوعي وضروري للتغلب على الفرقة بين صفوف الطبقة العاملة. ان النظرية-العلم والفكر الشيوعي يستمدان قدرتهما وانسجامهما من الاستناد الى اكثر المكتسبات الفكرية والعملية للانسان. ان الشيوعية علم، وحالها حال سائر العلوم، يعد الالمام بها واستخدامها في المطبات اليومية خارج عن ايدي الطبقة العاملة. وتجعل البرجوازية فقط ذلك القسم وذلك المقدار من العلم والمنجزات الفكرية والمادية للبشرية يمكن ان تناله الطبقة العاملة فقط لماهو ضروري للعمل باداة الانتاج. الاهم من هذا، ان ابعاد الطبقة العاملة عن بلوغ المنجزات الفكرية هو لتامين فعالية الخرافات البرجوازية من الدين الى القومية، ومن الشيوعية البرجوازية الى الليبرالية. بدون نظرية ماركس الشيوعية، يُجعَلْ من امر التحديد السليم والخاطيء في السياسة وامام التكتيكات البرجوازية امراً مستحيلاً. مثل ان تنشد صناعة طيارة دون الالمام بعلم الطيران. او ان تعالج المريض دون معرفة طبية. الماركسية علم تحرر الطبقة العاملة.
لقد ذكرت ان النظرية الشيوعية تصاغ خارج الطبقة الطبقة العاملة وفي ذلك القسم من المجتمع الذي توفر له مكانته الطبقية امكانية الحصول والالمام بهذه النظرية. وان هذا القسم من المجتمع، قسم المتعلمين الاتين من البرجوازية ذوي الاوضاع الجيدة معيشياً. ان قسم من متعلمي البرجوازية، وفي صيرورة تعميق راديكاليته في خضم الصراعات الفكرية والاجتماعية للمجتمع، يبلغ شيوعية الطبقة العاملة. اذ ينتمي ماركس، انجلز، لينين، تروتسكي، منصور حكمت والاغلبية المطلقة من منظري الحركة الشيوعية وتكتيكييها ومحرضيها الى ذلك القسم من المجتمع. ان هذه الوضعية هي انعكاس للمكانة الاجتماعية والاقتصادية للطبقة العاملة. ولكن بجوار المثقفين الماركسيين، فان قسماً اوسع من المتعلمين في مرحلة من حياتهم يعلنون انفسهم او يعدوها تنتمي الى الشيوعية او حركة الطبقة العاملة، سواء جراء تذبذبهم وتيههم اوجراء النزعة الثورية، او جراء اوضاع واحوال العالم. ان امرءاً تعقب تاريخ الحركة القومية في العالم يعلم ان القسم الاعظم من القوميين في الستينات والسبعينات يعلن نفسه اشتراكي او حتى شيوعي.
على اية حال، تَشَكَّلَ النشاط الشيوعي، تاريخياً، فقط من اندغام هذين العنصرين، اي القسم الطليعي العملي للطبقة العاملة والمثقفين الماركسيين، وفقط عبر هذا الاندغام او التمازج تمكن من التشكل. امتزاج الحركة والغريزة الطبقية والشيوعية للطبقة العاملة والنظرية التي تصاغ خارجها. ان النشاط الشيوعي بمعناه الماركسي كان دوما وحدة هاتين الظاهرتين .
وعليه، يواجه النشاط الشيوعي امتزاح هاتين الظاهرتين: ان طبقة ومكانة طبقة في الانتاج يجعلان من الشيوعية ضرورة لها وترتبط بها غريزياً، ومثقفون خارج هذه الطبقة، يكتشفون عبر القناة الفكرية والمنطقية نظريتها ويستخدموها. احدهما تستلزمه حاجته الطبقية والاخر مسار منطقه الفكري . ان هاتين الظاهرتين مرتبطتين ببعض ويشكلان هوية، حركة، افق، تحرك ونشاط واحد.
ان لهذا الامتزاج شقوقه في الوقت ذاته، وتُدمَّرْ هذه الحركة جراء شقيها هذه مرات وعلى الاغلب، يحرفوها ويعطلوها. ان طرف هذا الشق في الطبقة العاملة. ان اساس هذا الشق هو التوهم الذي يرى ان الشيوعية، بوصفها علم، بوصفها امكانية النضال ضد الخرافات البرجوازية بوسعها بصورة تلقائية وعفوية ان تخضر داخل الطبقة العاملة ونشطائها العمليين. ان هذا التيار متخلف ويجعل الشيوعية عملياً بعيدة المنال على الطبقة العاملة.
بيد ان الطرف الاكثر اهمية، وعلى الاغلب الاكثر هلاكاً في هذا الشق، تجده في صف المثقفين.
لتوضيح هذا الشق، والذي استناداً الى سمته المثقفاتية، يجعله اعقد. قبل اي شيء ينبغي ان ندقق بالتفاوت ما بين العامل نفسه والمثقف من وجهة نظر النضال.
بالنسبة للعامل، لايعد النضال امراً اختيارياً. اما للمثقف، فانه اختيارياً. العامل يشرع بعمله من الصباح، وهو مجبر يومياً على القيام بذلك، وان يتجابه بالنظام الراسمالي. احدهم يريد سلب حقوقه، واخر يريد طرده، احدهم ينشد الغاء ضماناته او رفعها، اخر يبغي رفع وتيرة عمله وزيادة ساعة عمله، احدهم لايعطيه اجره وغير ذلك. بالنسبة للعامل، يبدء كل يوم بصراع ونضال ومقاومة. ان الحياة اليومية للعامل ممزوجة بالنضال ولايمكن فصلها عنه. وان هذا هو الصراع الطبقي. حيث يقول ماركس ان الصراع الطبقي ليس فقط اضراب او النزول للشارع والقاء الهتافات. يتحدث ماركس عن الصراع مستتراً مرة وعلنياً مرة اخرى، حتى التذمر الذي يقوم به العامل تجاه الراسمالي والراسمالية ويقول ان هذا ليس حقي هو جزء من الصراع الطبقي. العامل مثل العبد، يجابه يومياً مالك العبد، وعلى حياته ان تشرع يومياً من جديد عبر العمل لدى مالك العبيد.
ما اود قوله ان الحياة اليومية للطبقة العاملة هي هذه. انه ليس مثل الفلاح، حيث يقف لينظر هل يهطل المطر ام لا، او على سبيل المثال ان عمله فصلياً، يناضل فصل ليجلس يستريح بعدها. ان العامل، وحتى حين يعود لبيته، يديم حياته الانتاجية ويديم نضاله. ان الطبقة العاملة ليس العامل كفرد. ان العائلة العمالية مكان اعادة انتاج قوة عمل وهي جزء من اطار يجعل عملية الاستغلال الراسمالي امراً ممكناً. بالنسبة لطفل الطبقة العاملة، اي الجيل القادم من العمال، ومنذ شروع طفولته، ان مفاهيم مثل البطالة، ساعات العمل، الطرد من العمل، الاجور غير المدفوعة، العمل الاضافي، الراسمال، العامل وفي المطاف الاخير الاحتجاج، الاضراب، عمال المعمل هي مفاهيم مفهومة لديه. يكبر معها. وترى المراة، ربة البيت في العائلة العمالية، ان عملها ورسالتها تتمثل باعداد وتهيئة الرجل العامل للغد، وتعد الاطفال للعمل في المستقبل ولاتنال اجر عن عملها، ليس هذا وحسب، بل انها ترسف في الاحتقار والقمع. انها حتى ترزح تحت قمع الرجل العامل غير الواعي والساخط على حياته، وتلوثه الخرافات التي تنتجها البرجوازية. ورغم هذا كله، تكون مجبرة على الاغلب على ان تعمل هي نفسها. ما اود قوله هو بالنسبة للطبقة العاملة، سواء أكان عامل ام عائلة عمالية، عدم النضال هو ليس اختيار. ان الطبقة العاملة تعيش مع النضال ضد الراسمال.
الامر ليس كذلك اساساً بالنسبة للمثقف، الذي يتمتع بنشأة برجوازية او بوسعه ان يعمل في المجتمع بوصفه برجوازياً. بوسع المثقف ان يقرر ان لامزاج له للقيام بالامر الفلاني، انسحب من النضال، اغلق محلي اليوم، اخذ اجازة، لا اعمل مدة، الان اقوم بتغيير نمط حياتي، ادرس وغير ذلك. المهم يتمتع بدرجة من الاختيار . ليس بحثي حول ان هذا الاختيار حسناً او سيئاً. ليت للطبقة العاملة هذا الاختيار كذلك، وبوسعها ان تستريح قليلاً. المثقف، البرجوازي الصغير او البرجوازي يؤسس منظمة ولكن بوسعه ان يقول يوماً ما ساعمل بصورة فردية، ساستريح. او اترك النضال اساساً.
ليس بوسع العامل ان يعفي نفسه من النضال ضد البطالة، ليس بوسعه القول: "مع السلامة!"، لا اشارك بعد في النضال من اجل الضمانات، من اجل زيادة الاجور. ليس بوسعه الانسحاب من النشاط الشيوعي او الحزب الشيوعي الذي يقف في مقدمة مثل هذا النضال. ان حياته تتراجع. ان العمل الفكري عمل فردي على الاغلب، وان المثقف بصورة تلقائية او غريزية ينظر للعالم بصورة فردية. بالنسبة للمثقف وحملة الشهادات، الفرد محور كل شيء. انهم بوحدهم يبلغون شيء ما، شيء يخترعوه او ينتجوه. ان صلة المثقف بثمار عمله مثل صلة البرجوازي الصغير بثمار عمله، وان هذه العقلية ذاتها تنتقل الى العمل المنظم والنشاط السياسي ايضاً.
بالنسبة للعامل، الحياة والنضال امراً جماعياً، البطولة والانضباط جماعي، التقارب والابتعاد ذا معايير جماعية، اي سواء بصورة عمل جماعي او على شكل نضال جماعي. ان حياة الطبقة العاملة ونضالها اجتماعيان. ان اختلافاتها واحتكاكاتها وتصادماتها وشقوقها تولج النشاط الشيوعي كذلك.
ان البرجوازي الصغير والذهنية الفردية تحل ببساطة العصيان الفردي محل النضال الجماعي، تضع البطولة الفردية محل البطولة الجماعية، الانضباط والالتزام في النشاط المنظم هو امر يكبل الايادي. اعلان الموقف محل السعي للاتحاد والانتصار. بالنسبة له الانتصار غير مهم، النضال والبطولة الرومانسية امراً جذاباً. الاستماتة الفردية وانا الاصل، وعليه تغدو النزعة المغامراتية والفردية محور ومركز كل شيء.
مثلما ان العامل غير مصان من النزعة المتخلفة المعادية للمثقف، ان المثقف غير مصان تماماً امام هذه التيارات الفردوية، ويدفع على الاغلب الى تشكيل حركات معادية للعمال الى حد بعيد.
على اية حال، ان هذه الشقاق، كلاهما، تضفي تعقيدات مهمة على النشاط الشيوعي سواء من حيث البعد التنظيمي او البعد السياسي والاجتماعي ينبغي ان تاخذ ردها دوماً وبوعي.
الى هنا تحدثنا عن ان النشاط الشيوعي هو ليس نشاط عاماً وفنياً. انه امر نظري وحركي (من حركة-م). ذكرنا ان الهدف والوسيلة، الاهداف واسلوب العمل ظواهر مندغمة مع بعض ولايمكن وضعها بتناقض مع بعض. ان الهدف والوسيلة، الحركة واسلوب العمل مرتبطين ببعض.
ومثلما يؤكد البيان الشيوعي، ان النشاط الشيوعي ليس نشاط احادي البعد. ان لهذا النشاط سمات عامة واحدة اشرت لها سابقاً؛ ومع التغير في خصائص المجتمع سواء من حيث الزمان او من الناحية التاريخية والجغرافية لاندحة من ان يكون له سمات خاصة ايضا دون شك. ولهذا، فان موضوعنا يتعلق بالخصائص العامة وخصوصية النشاط الشيوعي في اوائل القرن الحادي والعشرين وفي ايران .
من الواضح ان النشاط الشيوعي هو نشاط يرتبط بالتنظيم؛ وان التنظيم يجد معناه فقط عبر منظمة. وعليه، فان السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: على اي معضلات ينبغي ان يرد النشاط الشيوعي في عالمنا المعاصر، وباي سمات ينبغي ان يتمتع.
حين تدخل حرباً ما ينبغي عليك اولاً ان تحدد معنى النصر فيها. في الخطوة اللاحقة، ينبغي ان تقيّم بصورة صحيحة قواك وقوى العدو، واخيراً، ينبغي ان تحدد تنظيمك وتكتيكاتك في هذه الحرب. ان اي امرء شارك في معركة، صراع او حرب ما يعرف ان اي غموض او ابهام في هذه التكتيكات او تحديدها على شكل مرحلي (اي على شكل مراحل عمليا منقطعة ومنفصلة عن بعض ولايربطها رابط-م) (وفق قول لينين، عبر تكتيك مرحلي او هدف مرحلي او تنظيم مرحلي وغيرها) هو امر مميت وقاتل. برايي، ان هذه التشوشات والابهامات هي مصدر الحاق الهزيمة بنا في الحزب الشيوعي الايراني وكوملة امام الجمهورية الاسلامية حين كانت في اضعف اوضاع النظام.
تحدثنا سابقاً عن اهداف حرب البروليتاريا مع البرجوازية. ان السؤال المطروح هو اي تنظيم نحتاج للنصر في هذه الحرب؟ ليس قصدي من التنظيم هو الترتيبات التنظيمية الادارية والهيكل التنظيمي وضوابطه. الاهم من ذلك هو ينبغي توضيح الامكانات اللازمة في الميادين المختلفة لهذه الحرب. ان كل حرب تشمل، دون شك، جملة من المعارك المختلفة، وان ماينبغي ان ننتبه اليه هو ان الانتصار في معركة ما لايعني الانتصار في الحرب. لهذا، فان تحديد الانتصار في كل معركة ينبغي ان يتضمن صلته في الانتصار بالحرب. اذا حددت المعارك بمعزل عن الحرب، ستصل الى مجموعة من النشاطات المعزولة عن بعض، لاتربطها صلة عضوية وبنيوية ببعض، ولذا تقع في نزعة اكسيونيستية (حركية-م). ولهذا فان التنظيم الذي نحدده للنشاط الشيوعي ان يكون قادراً على الانتصار في المعارك وفي الحرب على السواء. لذا، من الواجب ان نحدد بدقة، بالاضافة الى التنظيم بمعناه الفني، مايخص نجاعته وتاثيره، واسلوب عملنا التنظيمي والعوائق التكتيكية والاستراتيجية التي تعترضه؛ ونحدد طرح او خطة عامة لمثل هذا التنظيم بوسعهما ان يلبيا مستلزمات الهدف الاخير للحرب في مرحلتنا. ان الحرب لاتبدء من لحظة انطلاق اول طلقة او ان الحرب لايمكن تصويرها على انها فقط نشاط وفعالية اللحظة في ميدان المعركة. الحرب مجموعة متنوعة جدا من النشاطات والتفاعلات التي تسبق كثيراً الشروع باطلاق النار، بالاضافة الى ان مصير حرب ما يحدده مجموعة واسعة كثيرا من الاعمال في الجبهة وخارج الجبهة قبل الحرب الاخيرة. التدريب، التحضيرات، معرفة العدو، التكتيك الصحيح و..... غيرها ليست سوى نماذج من هذه التفاعلات.
ان حرب الاطاحة يالبرجوازية هي اعقد من اي حرب اخرى، وان الانتصار فيها هي اكثر لامتماثلة (اي لايشبه الطرفين واساليبهم بعض-م) من اي حرب مالوفة، اي ان الطرفين كلاهما يستخدمان امكانات وادوات مختلفة كلياً. ولهذا، يجب التدقيق والانتباه الى مجمل جوانب هذه الحرب. ان امرء يدعي ان الطبقة العاملة ستنزل للشوارع في يوم مشمس وترسي حكومتها اما ساذج او انه يسعى الى جر الطبقة العاملة، مغمضة العينين، الى ميدان لانتصار هذا الطرف او ذاك من البرجوازية. ذكرت ان النشاط الشيوعي للطبقة العاملة لاندحة له من تنظيم الثورة البروليتارية مسبقاً بصورة واعية وتجلب الحكومة العمالية او ديكتاتورية الطبقة العاملة، اي الاطاحة بكل البرجوازية من كرسي السلطة.
اود ان اشير هنا الى تحريف منظم ورثه اليسار من الحركات البرجوازية. يتمثل التحريف باختزال معنى الاطاحة، من وجهة نظر الطبقة العاملة، الى الاطاحة بالحكومة، الاطاحة بـ"النظام"، وحتى بعض الاحيان، بالاطاحة بقسم من النظام او قسم من البرجوازية. من الواضح ان الاطاحة بالبرجوازية يقتضي دون شك الاطاحة بالجمهورية الاسلامية بوصفه شرط مسبق، بيد ان تعريف الثورة البروليتارية بالاطاحة بالجمهورية الاسلامية، يتضمن تصور ان حصيلة هذه الاطاحة هو حكومة اشتراكية. ان الشعبوية تحل بهذا الشكل الطبقة العاملة وتذيبها في الحركات البرجوازية الاوسع. حركات يمثل هدفها لا الاطاحة بالبرجوازية، بل الاطاحة بنوع من سلطة البرجوازية وحكومتها. بوسع الطبقة العاملة ان تنتزع السلطة فقط حين تعرف البرجوازية بكامل قيافتها وهيئتها وتعرّف نفسها على انها بالضد منها وتعرّف حربها بكل هيئتها ضد الراسمالية كي تتمكن من برمجة وصياغة معاركها، ومن ضمنها معاركها من اجل الحقوق الديمقراطية او حتى المطاليب الاقتصادية للطبقة العاملة بدقة.
ان هذا التحريف كان على امتداد التاريخ احد اكثر الادوات تاثيراً في حرف حركة الطبقة العاملة. ان احد اهم اساليب البرجوازية للابقاء على الطبقة العاملة في اطار الحركات البرجوازية هو بالضبط اختزال وتقليل البرجوازية الى النظام او الحكومة السائدة.
ان التيارات الاساسية للبرجوازية تعرّف النظام الحاكم بوصفه النظام او الحكومة السائدة. عبر هذه القناة، تتعقب مجمل الاصلاحية البرجوازية، القومية، الشيوعية البرجوازية والشعبوية، الخط ذاته بوصفها خدمة التيارات الاساسية البرجوازية. عبر اختزال النظام الراسمالي الى النظام او الحكومة القائمة، يتخذ الاحتجاج والبديل السمة غير الاشتراكية نفسها كذلك. تخلي الثورة الاشتراكية مكانها للثورة الشعبية، ثورة الشعب، ثورة انسانية وثورة وطنية وغيرها. وعبر هذا السبيل، يُبتسر نضال الطبقة العاملة، ويُختزل النشاط الشيوعي والمنظمة الشيوعية الى نشاط وتنظيم معادي للنظام والنضال الشيوعي الى نضال ما عام. ان صلة المنظمة الشيوعية غير العمالية بالطبقة العاملة هي اما صلة نشاط وتنظيم معادي للنظام بصورة محض، او لاقل ان غياب صلتها الراهن ناجم عن هذا الافق وليس عن الاخطاء التنظيمية او انعدام المعرفة. بل ان اشكال المعرفة هذه هي التي تحدد وتصيغ عملنا. ان تغيير المعارف هو كنه الشيوعية البرجوازية. ان النقطة المشتركة لمجمل التوجهات والحركات البرجوازية هو افراغ الدولة من محتواها الطبقي. ان الحكومة الراسمالية في ايران يتم تفسيرها والتعبير عنها بمفاهيم من مثل النظام الاسلامي، جمهورية اسلامية ليست راسمالية كثيرا، حكومة احمد نجاد، حكومة سارقي النفط وغيرها. وعلى هذا الاساس، يسعى ذلك القسم من البرجوازية الذي هو خارج الحكومة القائمة او الذي يتعقب مصالحه الخاصة امام الاقسام الاخرى من البرجوازية، عبر هذه النظريات والحركات، الى كسب اعرض القوى وبالاخص من الطبقة العاملة، وفي الوقت ذاته يتستر على المحتوى الراسمالي للنظام الحاكم ويخفيه. ان هذا هي بالاخص قسم من هوية حركة حملة الشهادات المحتجين في بلدان مثل ايران. انهم كلهم لايتخطون نطاق التحول البرجوازي، ليس هذا وحسب، بل ان مجمل سعيهم هو ان لايسمحوا للطبقة العاملة ايضاً ان تخرج من هذا النطاق. وتجد انعكاس هذه الحقيقة في منظمتهم المنشودة او المنظمة والحزب والتحزب الذي يوصون به للطبقة العاملة.
اذا كان هدفك الاخير هو الاطاحة بالنظام او الحكومة، بدون اي محتوى طبقي، فانك تحتاج الى نشاط ومنظمة تتناسب وتتطابق مع هذا النشاط. واذا كان الهدف هو الاطاحة بالبرجوازية، بوصفها طبقة على اية هيئة كانت او شكل من اشكال الحكومة، فانه يستلزم نشاط ومنظمة اخرى.
بوسع النشاط الشيوعي والثورة الشيوعية ان يجلبا، في احسن الاحوال، كادحي المدينة وفقرائها واقسام من البرجوازية الصغيرة للطبقة العاملة والثورة البروليتارية. ولكنه لامر واضح ان بقية اقسام المجتمع التي هي اساساً بمكانة ووضع برجوازي (كبير او صغير) سيتصدون بمجمل قدراتهم العملية، الفكرية والدعائية لهذا النشاط وهذه الثورة، وسيرفعون السلاح بوجهها. ان اي توهم بهذا الخصوص هو امر مميت وقاتل. ان حرب البروليتاريا من اجل الاطاحة بالراسمالية هي حرب طبقية اخيرة. ومثلما يتحدث النشيد الاممي، ان هذا الصراع هو اخر الصراعات واكثرها حسماً. انه اخر صراع طبقتين تقفان بوجه بعض. ان الاقسام الدنيا للبرجوازية التي اشرنا اليها تنضم، بدرجة ما، وفي عملية وصيرورة ما، بالثورة البروليتارية او تتخذ موقف محايد ينبغي ان لايغطي حقيقة وواقع اساسيين و عموميين واوسع. حين يمضي المجتمع صوب الثورة البروليتارية يستقطب بصورة كبيرة وستقف كل البرجوازية بوجه البروليتاريا. اذا غشا البروليتاريا وهماً بهذا الصدد او ان تكون غير مستعدة تجاهه، سيكون مصيرها الهزيمة دون شك.
يستلزم النشاط الشيوعي تنظيم ومنظمة ترد على هذه الحاجة. ان النشاط والمنظمة التي تسعى لتسلم السلطة عبر التناقض مابيد دولتين، نشاط ومنظمة يعتقدان ان بوسعهم اقامة الثورة البروليتارية" خلف الكواليس" وعبر "الشطارة السياسية" الحركة القومية بصورة مباغتة وفورية وبدعم الجماهير، فانهم اما يقوموا بخداع النفس او بالتلاعب بالاخرين وتضليلهم. وعلى الاغلب انه تلاعب وخداع لان الحركات البرجوازية تاريخياً قد "غرسته" في الطبقة العاملة. في السياسة والصراع الطبقي، يقع كل هذا "الذكاء" و"الشيطنة" على راس الطبقة العاملة وحسب.
وكي نتمكن من معرفة القدرات والامكانيات التي تحتاجها منظمة شيوعية، علينا ان نشرع بتبيان وتوضيح قدرات البرجوازية وامكانياتها. لنرى ماهي الادوات الاساسية التي تتمتع بها البرجوازية، وباي قدرات وامكانيات تتمتع الطبقة العاملة وكيف يمكن عبر الاستفادة من هذه الامكانيات ان تمضي لحرب البرجوازية والحاق الهزيمة بها. ساخصص الفصلين المقبلين لهذا الموضوع، واتناول بعدها السمات التنظيمية اللازمة لنشاط شيوعي.
ساشرع بدءا بالحديث عن امكانيات البرجوازية لمجابهة النشاط الشيوعي. تشن البرجوازية حملتها على الطبقة العاملة عبر ادوات متنوعة كثيرة، وتسعى الى التضييق على النشاط الشيوعي او تجعله امراً مستحيلاً.
ثمة مشكلة الا وهي ان اغلبية اليسار وبعض الناشطين الشيوعيين يرون ادوات البرجوازية على الاغلب بشكل يقتصر على القمع والاستبداد. ولهذا يظنون، من جهة، بانه ما ان يزول القمع، يغدو النشاط الشيوعي اسلس وابسط واكثر مباشرة، ومن جهة اخرى، وعبر عدم رؤية كل الادوات الاخرى للبرجوازية التي هي على الاغلب ان لم تكن بقدر القمع تاثيرا، فانها ليست اقل تاثيراً، وبالتالي، يخسرون الحرب مع البرجوازية. من المؤكد ان القمع هو اهم ادوات البرجوازية. بيد ان قصر ادوات البرجوازية على القمع يخلق "معض"تين. اولا، لايمكن توضيح مسالة ان في البلدان الراسمالية التي تتمتع بحريات ديمقراطية، فان الطبقة العاملة مشتتة وان الثورة الاشتراكية خارج ايديها. ثانياً، ان مثل هذا الفهم يقصر نضال الطبقة العاملة والنشاط الشيوعية في اطار النضال الديمقراطي، ويضعهما في خدمة التيارات البرجوازية الاصلاحية او الشيوعية البرجوازية، الشعبوية وغيرها.
وعليه، نسعى هنا ان نشير الى اهم ادوات البرجوازية. ونظراً لمحدويات الوقت لانستطيع ان نشير الى مجمل امكانات البرجوازية، ولكننا نشير الى اهمها.
من بين امكانيات البرجوازية وادواتها نشير الى ثلاث مجاميع من هذه الامكانيات التي تبقي على تبعثر وغياب الوعي لدى الطبقة العاملة، وعلى النشاط الشيوعي احباط اثرها. ان هذه المجاميع الثلاثة هي:
من المؤكد ان هذه المجاميع الثلاثة مرتبطة ومندغمة مع بعض. ولكن فصلها عن بعض يساعد على توضيح جوانب مهمة من نشاط ينبغي تنظيمه.
ان اول مجموعة ينبغي رؤيتها هي في اطار الدولة. ان الدول اداة قمع. يواجه اي نشاط شيوعي او عمالي في الخطوة الاولى العوائق التي تضعها الدولة امامهما. ان اهم هذه العوائق هي القوانين التي تدافع عن ملكية وسائل الانتاج، وعن التضييق على مدى ونطاق عمل التنظيم والنضال العمالي. ان سند ودعم هذه القوانين هي القوة القسرية والقمعية للدولة. ان هذه القوانين لايمكن تطبيقها دون هذه القوة. ان هذا امر يعرفه اي عامل واساساً اي فرد في المجتمع.
القانون في مجمل العالم هو: الملكية الفردية لوسائل الانتاج امراً مقدساً، استغلال العامل هو امر قانوني. وطبقاً للاعراف العامة في المجتمع، للراسمالي حق الربح، واذا لم يربح بوسعه اغلاق المعمل وطرد العمال. ان اي نشاط يتناقض مع هذه القوانين، اي ان اي نضال يومي للطبقة العاملة التي تجابه دوماً هذه القوانين او تكون مبعث حملة العمال وهجومهم، سيجابه بالقوة القمعية للدولة.
الاكثر من هذا، ان البرجوازية دائماً، وباشكال متنوعة، هي في حالة استباق للنشاط العمالي والشيوعي وفي صراع دائم للحيلولة دون تشكل هذه النضالات والتشكيلات. فالنشاط الشيوعي والناشط الشيوعي في حالة مجابهة دائمة مع مؤسسات الدولة والشرطة، تحت اعينها وعند الضرورة يكونا عرضة لحملة مباشرة. ان اي نشاط يوحد الطبقة العاملة، اي يعرض طبقاً للتعريف اركان ربح الراسمال، يجابه برد فعل الدولة. الشرطة، القوة القضائية، قوة القانون، وعند الضرورة، الجيش وسائر القوى المسلحة للدولة. القمع، المطاردة والتعقيب، تحديد الاشخاص والامور، ترهيب النشاط الشيوعي هي اساس القضية. ينبغي على النشاط الشيوعي ان يكون قادراً على ان يديم ويواصل عمله بمجابهة هذه المنظومة ويلحق الهزيمة بها .
زد على الامكانيات القانونية والحكومية، تتمتع البرجوازية دوماً بطيف واسع من الامكانيات مافوق القانونية. بيد ان هذه الامكانيات اتخذت ابعاد واسعة جداً اليوم. فبالاضافة الى الجماعات مافوق القانونية من مثل قوات البسيج وحزب الله وانصار الله وغيرها، نُواجه بطيف واسع من الاحزاب البرجوازية المسلحة التي تبدو في المعارضة، ولكنها على استعداد، اذا ماتمكنت، ان تجابه النشاط الشيوعي بحملة نظامية وترهيبية من قبل العصابات المنتمية لها. ان هذه تشمل من الاحزاب الدينية الى القومية.
ان هذه الظاهرة لاتقتصر على ايران، ففي العديد من بلدان العالم، فان شرطة متقاعدين او ماجورين منظمة على هيئة جماعات مسلحة وتدافع عن مصلحة البرجوازية. في امريكا، يكون عادة العمال الشيوعيين عرضة لقمع وطرد وارهاب الشرطة الخاصة للبرجوازية. في البرازيل، لازال رجالات الشرطة المتقاعدين او المستقيلين والماجورين يستخدمهم الراسماليون لقتل اطفال الشوارع عديمي المعيل والمأوى، يقمعون الاحتجاجات العمالية ويغتالوا الناشطين الشيوعيين ذوي النفوذداخل الطبقة العاملة.
ما اريد قوله هو اننا لانواجه الجماعات المسلحة الحكومية فقط. ان الراسماليين او الاحزاب والتيارات البرجوازية والدينية تشكل نفسها جماعاتها وعصاباتها. يستفادون من المنظمات التي لديها قوى مسلحة، من المافيات الى التيارات القومية التي، بالاضافة الى الدعاية واشاعة الخرافات الدينية والقومية والسياسية، تسعى الى ارهاب العامل والناشط الشيوعي للطبقة العاملة، وبالاخص حيث يناضلان ضد هذه الخرافات، وان يدمروا تنظيمهم وغير ذلك. ان نماذج ممارسات الحزب الديمقراطي الكردستاني في ايران بوجه الحزب الشيوعي واحزاب اليسار، نماذج ممارسات السلفيين وقوى من مثل حماس وحزب الله وغيرها هي فقط غيض من فيض النماذج الموجودة. على النشاط الشيوعي، الزاماً، ان يضع بالحسبان هذه الظاهرة التي اتسعت في قرننا بصورة لامثيل لها، وان يشكل مقابلها قدرة الدفاع عن نفسه .
بيد ان اهم اداة مؤثرة بيد البرجوازية لاخضاع الطبقة العاملة، واهم من القمع، منظومة هائلة لانتاج الخرافة سواء اكانت سياسية، اقتصادية، دينية، قومية، جنسية وغيرها. ان الدولة البرجوازية تديم عمرها استناداً الى الفرقة داخل الطبقة العاملة. وان اهم سمة للخرافات هي صيانة وتامين هذه الفرقة داخل صفوف الطبقة العاملة. ان اهمية النضال ضد هذه الخرافات لايتمثل بالرد العلمي عليها صرفاً، بل في نضالنا مع انفسنا تجاه ماتبثه من فرقة في صفوف الطبقة العاملة.
ان صناعة الدين، صناعة القومية، مؤسسة انتاج واعادة انتاج الثقافة البرجوازية السائدة، الافكار، الثقافة، الاعلام والاكاديميين المنهمكين بـ"قلب الحقائق"، النظريات والعقائد التي تبرر للنظام القائم التي يروج لها صباح مساء عبر التلفاز ووسائل الاعلام، المدارس والتربية والتعليم، عبر الثقافة السائدة، عبر خلق الاساطير، الابطال واللا ابطال، القيم واللاقيم، عبر صياغة النظريات السياسية والفلسفية والاقتصادية، ينتجوها لكي يمرروا عالماً مقلوباً على المجتمع وبالاخص الطبقة العاملة. عالم تقبل فيه الطبقة العاملة ان قانون العالم هو هذا بالاساس، وان تبقى مبعثرة كطبقة امام البرجوازية.
في عالمنا، ومنذ اليوم الاول الذي يولد فيه الانسان، تعمل عليه هذه المنظومة الهائلة لغسل الدماغ. لو انك تقوم بالف دعاية شيوعية لطفلك، فانه ياخذ بدءاً مَعْلَمْ الحسن والسيء من المجتمع ومن الثقافة السائدة في المجتمع ومن التلفاز والاطراف المحيطة به.
الاعلام والصحافة ومنظومة الترفيه والشهرة والاستعراض، الاثراء والنجاح قد هيمنت على عالمنا المعاصر. ففيما يخص تبليه البشر، فان الصحافة تلعب الدور ذاته الذي قامت به الكنيسة في اوج العصر المظلم للقرون الوسطى. اذ تنقل اليوم بي بي سي وسي ان ان وقناة سكاي وشبكات التلفاز المختلفة كل شيء في عالمنا هذا بصورة مباشرة وحية وبتحليل وتوضيح مبرمج للصحافة الخانعة والذليلة الى بيتك وتلقنه لك ولاطفالك. لم يكن الوضع كذلك في مرحلة ماركس ولينين وحتى اواخر القرن العشرين.
تتمتع البرجوازية اليوم اكثر من اي وقت مضى بمؤسسة هائلة لانتاج الخرافات وتبليه الناس بحيث لاتحتاج الى القمع المباشر على الاغلب. التربية والتعليم، المدارس والجامعات وقبل ان تكون مراكز لانتاج الفكر، فانها مؤسسات لانتاج الاوهام والخرافة. والى الحد الذي تحتاج فيه البرجوازية الى العلم بمعناه الفيزيقي في عملية الانتاج الراسمالي، فان مصلحتها تستلزم ان تبقى موضوعية. ولكن بمحض ما تبلغ ميدان المجتمع، تكون المنظومة كلها مؤسسة لانتاج الخرافة والاوهام، مؤسسة يؤمل منها قولبة النظام القائم. مثلاً، مديرية تدرسكم في الجامعة استناداً الى فرضية "بديهية"، وهي ان احد يعمل لدى الاخر، وان ذلك الشخص يؤمن معيشته عبر هذه القناة؛ وان الاجر ونيل الاجر اساس حقيقة عالمية. تنشأ وتترعرع امام انواع واشكال من هذه الحقائق.
اذا سالت اي امرء يدرس في مدرسة او جامعة هل ان نيل الاجر واعطاء الاجر هو امر طبيعي ام لا؟ لاحظ ماهي النسبة المئوية التي تقول: حسناً، انه لامر معروف ان الانسان يعمل، وفي المطاف الاخير، وينال اجرا واخر يعطي اجراً. ان الانسان في المجتمع البرجوازية يعتبر وبصورة طبيعية هذا امرا طبيعياً ولايحتاج الى سؤال اساساً. لايعتبر المجتمع الاستغلال امراً سخيفاً. الدين كذلك هو خالق مبررات الحقيقة ذاتها وترياق لنسيانها. ان نظام المدرسة ونظام المسجد، نظام الجامعات والحوزة العملية هي اشكال مختلفة لالية التبليه.
لايُرد على هذه المنظومة بالنشاط الصحفي ونشر الحقائق الشيوعية. ومن ضمن انه ينبغي عليه ان يستفاد من هذه الاليات، يستلزم النشاط الشيوعي سبيل عمل والياته الخاصة به.
انه حكم المادية التاريخية لماركس الذي يقول "الثقافة السائدة في المجتمع هي ثقافة الطبقة السائدة على المجتمع". وعليه، فان مايتم تقديسه بوصفه ثقافة الجماهير، ثقافة الشعب، هو ليس شيئاً سوى التعبير عن احاسيس واشكال فهم وقيم في اطار ثقافة الطبقة الحاكمة. وحتى اكثر الصلات خصوصية بين الناس، مثل صلة المراة والرجل، التعامل مع الاطفال، التطلع من الحياة هو امراً تابعاً لثقافة الطبقة السائدة في المجتمع.
وان هذه الثقافة تعيد انتاجها بصورة منظمة المؤسسة البرجوازية الهائلة، بالدولة والحركات السياسية والاجتماعية والحركات الفنية والفكرية. وتعتبرها المنظومة الانتاجية للمجتمع امراً طبيعياً. ونظراَ لامكانيتها المحدودة في الحصول على المكاسب الفكرية والثقافية والعلمية للمجتمع، تبقى الطبقات الكادحة للمجتمع عادة في اوضاع اكثر تخلفاً. ويعاد انتاج هذه الثقافة في المجتمع بصورة منتظمة من قبل مجمل الاعلام، الدولة، الدين، الجامعات، الحركات القومية والتيارات البرجوازية الاخرى، واخيراً التربية والتعليم وتضعها امام المجتمع ككل بوصفها بديهيات. ان هذه المؤسسة الضخمة هي بهدف اقناع العامل والكادح ان تغيير العالم هو فقط في اطار هذه المعطيات "الطبيعية".
اليوم في اوربا، وفي بعض الاحيان في العالم كله، يُمَثَّلْ سبيل السعادة بان تكون معروفاً، مطرباً، لاعب كرة قدم او فنان. اليوم، وحتى مثل المرحلة السابقة للمجتمع البرجوازي لايُقتدى بشخص يكتشف علاجاً للسرطان، او شخص ذا فائدة للمجتمع او اشياء من هذا القبيل. اذ يتم تعقب السعادة علنياً خارج العلاقات الانتاجية للمجتمع.
ان الاتحاد الداخلي للطبقة العاملة والنضال ضد التشرذم و الفرقة التي يعيد انتاجها مجمل هذا النظام تحول الى امر نضالي سياسي معقد، وهو امر ممكن فقط عبر وضوح الرؤية الماركسية و اطلاق المحك الطبقي على كل شيء. في هذا السياق، تجعل هذه المنظومة النشاط الشيوعي عرضة للهجوم والحملات كي تؤمن تشرذم الطبقة العاملة وسلطة طبقة الراسمال.
ان التحرر التام للمجتمع، ومن ضمنه تحرر الطبقة العاملة، منوط بزوال الصلة الانتاجية التي تجعل هذه الثقافة وهذه القيم امراً ضرورياً وتعيد انتاجهما. سنوضح في مكان اخر كيف ان بوسع الطبقة العاملة، في خضم نضالها اليومي، وتجد البرجوازية وجها لوجه معها باوجه واشكال مختلفة، ان تخلّص نفسها من هذه المنظومة.
من هذا الجانب، ومن هذه الزاوية، على النضال المناهض للدين، النضال ضد اضطهاد المراة، النضال ضد القومية، النضال ضد مجمل اوجه الثقافة السائدة التي تضيق الخناق وتشوش الاتحاد الشامل، العام والطبقي للطبقة العاملة، وبالاخص ناشطيها وقادتها، ينبغي المضي ابعد من النقد المنطقي، الانساني والديمقراطي، وان ترتقي الى نقد اشتراكي، ان الصلة بينها هو انتاج واعادة الانتاج الراسمالي وتامين تشرذم الطبقة العاملة. ان النشاط الاقتصادي ليس موضوعا يتعلق بالاجر والنضال الاقتصادي فحسب، بل ان النشاط الشيوعي يجعل من هذا النضال اساس لفرض التراجع على كل هذه الخرافة. تستند درجة الاتحاد الداخلي للطبقة العاملة بصورة مباشرة بدرجة وعيها بالسمة الطبقية للثقافة السائدة.
ان فرق الطبقة العاملة عن سائر الكادحين والمحرومين يتمثل بان هذه الطبقة تتجابه في كل لحظة من حياتها بالنظام السائد، تتجابه بحقيقة عماليتها وبرجوازية الطرف المقابل، وتجربهما. ان حقيقة دورها الجمعي في الانتاج وحقيقة نضالها اليومي يوفران الاساس المادي لفرض التراجع على الثقافة البرجوازية. ان هذا الواضع لايتمتع به الفلاح ولا البرجوازي الصغير حتى ..... اذا اراد العامل تحسين حياته، ان يرفع من اجره وغير ذلك ان يقول ان هذا ليس حق، الاستغلال ليس نصيبي، الاستغلال ليس نصيب اي احد. ساتناول هذا لاحقاً. اود ان اؤكد هنا ان ليس بوسع النشاط الشيوعي ان لايولي بالاً لهذه الجوانب، وان لايفتح ميداناً واسعاً ضد البرجوازية، وان لايعد هذا جزء لايتجزء من نضاله.
وعليه، يعود النشاط الشيوعي الى امر هو يجب ان لاتكون قادراً على الرد على الشرطة والمؤسسة القمعية للبرجوازية، بل ان تنقد الثقافة والسياسة الحاكمة، ان ترد على الجامعة والمدرسة، ترد على الدين، وعلى الصحافة الخانعة الذليلة ليس من زاوية المنطق والحجج والبراهين والنزعة الانسانية، بل من زاوية المصلحة المباشرة للبرجوازية والطبقة العاملة. وان هذا ليس نشاطاً توضيحياً (توضيح الحقائق والامور-م). انه حرب. حرب على جميع الاصعدة، على صعيد المعمل، في المحلة وفي ميدان سيادة افكارها وتصوراتها على اذهان الطبقة العاملة وبالاخص طليعييها وقادتها وناشطيها.
اذا كانت الثورة الاشتراكية ثورة واعية ومبرمجة، واذا كان العائق امام هذه الثورة هو العامل الذاتي واستعداد فاعل هذه القضية، عندها الحرب من زاوية المصلحة اليومية للطبقة العاملة مع هذا النظام هو جزء لايتجزء من النشاط الشيوعي.
تحدثنا، في القسم السابق، عن امكانيات البرجوازية التي تبدوا مرعبة جداً. حين تنظر الى البرجوازية، تجد كل هذه الامكانات الهائلة التي تتمتع بها؛ دولة، برلمان، قانون، محاكم، معتقلات، وزارة استخبارات، جوامع، كنائس، قساوسة وملالي، ايات الله، حماس، حزب الله، فاشيين وليبراليين وكل انواع الناس والمؤسسات. كما ذكرنا ان النشاط الشيوعي لايبلغ غايته دون حساب امكانيات العدو. في الموضوع السابق، تركز الموضوع حول امكانات العدو، امكانات البرجوازية لقمع النضال الطبقي للطبقة العاملة، سواء من حيث ابعاد القمع الفيزيقي او من حيث ميدان مؤسستها التبليهية.
السؤال المطروح هو: ماهي امكانيات الطبقة العاملة والنشاط الشيوعي بوجه هذه الامكانيات الهائلة للبرجوازية؟ على اي شيء وعلى اي اليات بوسعهما وبمقدورهما الاتكاء؟ في الحقيقة ، وامام هذه الامكانات الهائلة للبرجوازية، الطبقة العاملة كذلك تتمتع بامكانيات هائلة، من نوع اخر. على الطبقة العاملة ان يكون لديها امكانيات مماثلة لامكانيات البرجوازية مثل جرائد، وسائل اعلام جماعية، امكانيات انترنيتية وغيرها. ولكن حتى لو استخدمت كل هذه، فانه ليس بوسعها ان يكون في متناولها واحد من مليون من امكانيات البرجوازية. اذا نظرنا للامر من زاوية اخرى، فان امكانيات الطبقة العاملة وامكانيات النشاط الشيوعي هي هائلة و البرجوازية عاجزة عن مجابهتها. اذا عرفنا المجتمع البرجوازي، اذا عرفنا ان هذه الحرب هي حرب غير متماثلة، اي ان كل طرف يدخل باسلحته الخاصة، ليس بوسع الطبقة العاملة والنشاط الشيوعي الانتصار في المنافسة والسباق مع البرجوازية والتيارات البرجوازية.
لتسليط الضوء على هذه الامكانيات، يمكن ربما تصنيف امكانيات الطبقة العاملة بالشكل التالي:
لتبيان اهمية تنظيم الانتاج في نضال الطبقة العاملة، قد لايكون امراً ضاراً ان ننظر بدقة الى طبقة اخرى مثلاً؟ اذا كنت برجوازي صغير، لاتتمتع في الحياة الواقعية بمكانة مناسبة لمجابهة البرجوازية. ماذا تعمل؟ تغلق دكانك؟ سيكون الامر ان دكاناً قد اغلق، لا اكثر. اغلق دكانين او عشرة! وماذا بعد؟! في الحقيقة ان البرجوازية الصغيرة هي جمع متذرر (من ذرات-م) وفردي. وان كل شخص يوجد بصورة فردية في عملية الانتاج او التوزيع تكون قدرة مجابهته الجمعية للنظام ضعيفة. لايمكن للمزارع او الفلاح وحتى الموظفين ان يقوموا بهذا العمل. فمن الناحية الذاتية، ومن ناحية المكانة الموضوعية في تنظيم الانتاج، اذا لم يكن هذا مستحيلاً، فانه امراً غير محتمل الى حد كبير. يستحيل على الفلاح والبرجوازي الصغير ان يوقفا عجلات المجتمع. ليس الطلبة ايضاً بقادرين على القيام بذلك العمل. ليس بوسع اي قسم في المجتمع ايقاف عجلات المجتمع بهذه الصورة المباشرة والبسيطة، وحتى البرجوازي الصغير بهيئته تلك هو عاجز عن ان يقوم بهذا العمل. يكفي في بلد مثل ايران ان يسحب عمال النفط والكهرباء اياديهم من العمل. ستنشل ماكنة القمع الهائلة للبرجوازية. ليس للدراجات النارية لجماعات البسيج (قوات مليشياتية تابعة للنظام-م) بنزين، ليس بوسعهم اخراج سياراتهم من مرآبها، ستكف دباباتهم عن الحركة، ولاتُنتَجْ حتى تجهيزاتهم ومعداتهم كذلك. من الواضح ان لديهم احتياطي، الا انه يُصرف كذلك. وبعدها لايبقى لديهم شيء. او لنفترض ان عمال شركة واحد للسيارات قد قرروا يوماً ما ان يتوقفوا عن العمل، لو نفترض ان يوما ما في طهران يتوقف عمال الحافلات والمترو عن العمل ولايذهبوا للعمل، ستنشل المدينة، سيعم حد من ازدحام واكتضاض مروري، وحدّ من الشلل يعم كل شيء، بحيث لا تبقى امكانية لذهاب احد للمدرسة، ولا للعمل ولا تسير الحياة في ذلك المجتمع اساساً. ان هذه هي القدرة الهائلة التي تتمتع بها الطبقة العاملة، وان هذه القدرة الهائلة التي لاتدركها الحركات الاخرى، وبالاخص الحركات البرجوازية الصغيرة.
ولهذا، يصعب على للبرجوازي الصغير الذي يتمثل اقتداره في بطولته وامكانيته الفردية، ان يفهم ان يتمكن العمال الذين هم بدرجة من النحافة، و لم ياكلوا وجبة غذاء بصورة كافية طيلة حياتهم، ناهيك عن انهم، من الناحية الفردية، هم اقل بطولة من البرجوازي الصغير، ان يوقفوا حركة المجتمع بعمل جماعي بطولي ومشترك.
ان هذه القدرة لهي هائلة. ان العامل الذي تنشد ان يتصدى للبرجوازية استناداً الى هذه القدرة، اي استناداً الى واقع عماليته في المجتمع، في تنظيم الانتاج، وليس في الشوارع، بوسعه ان يتصدى للبرجوازية، وان ينظم النشاط الشيوعي. لايمكن لتنظيم هو اطار تحقيق نشاط شيوعي يستند الى الحياة والشبكات الراهنة في حياة الطبقة العاملة ونضالها، ان لايكون جزء مندغم ولايتجزأ عنهما.
ليس للنضال الشيوعي المعزول والمنفصل عن هذا الوجود الموضوعي معنى او قيمة. لايمكن للنشاط الشيوعي ان يكون منفصلاً عن تفاصيل ودقائق الحياة اليومية للطبقة العاملة. وحتى لو كان المحيط الطلابي والمحيط الفلاحي اكثر عدديا من العمال، فلا يمكن لهما ضمان وتامين ذلك، اي الاقتدار. ليس العامل بعدده، بل بدوره في تنظيم الانتاج في المجتمع. ان اقتدار العامل في الشارع هو فقط في حالات معينة، تتحدد على الاغلب في عملية ثورية، هذا اذا كان للعامل، قبل ذاك، تنظيمه الشيوعي في تنظيم الانتاج، بوسعه الاستفادة من الشارع وان لايتحول الى اطار دفع امال الحركات الاخرى.
من الطبيعي ان على الطبقة العاملة، وفي مقدمة الجماهير الكادحة العريضة، ان تحطم الجيش، قوى القمع ومؤسسة الدولة البرجوازية، وان هذا ممكناً في الشارع وفي خندق الثورة. ولكن الشرط المسبق لهذه الامكانية وهذه اللحظة من نضال الطبقة العاملة هو ان يتمكن العامل من شل البرجوازية ومؤسستها القمعية وجيشها. بايقاف صنابير النفط، بقطع التيار الكهربائي، باغلاق الشوراع، كي تحول هذه الامور دون استفادة البرجوازية من هذه الامكانيات التي تعتمد على الطبقة العاملة، وان تشل الطائرات عن الاقلاع، عبر تعطيل المطارات وتوقف عمال المطارات عن العمل، وعدم فسح المجال امام اقلاع الطائرات الحربية، او اذا اقلعت عشرة منها، تبقى المئات جاثمة على الارض.
ما اود قوله هو انه اذا نظرتم الى هذا الافق، سترون عندها ان الطبقة العاملة تتمتع بحد من ترسانة الاقتدار تبهت مجمل امكانات البرجوازية امامها. ان اقتدار وقدرة الطبقة العاملة لاينضبان. تدرك البرجوازية من زاوية مصالحها الطبقية، والبرجوازية الصغيرة من زاوية عدم فهمها الطبقي، ومجمل الايديولوجية والحركات البرجوازية ومجمل مؤسسة التبليه البرجوازية، التي تحدثت عنها، ضرورة ابعاد الطبقة العاملة من اداة قدرتها هذه، ابعاد ذهنها عن الاهمية الحياتية والمماتية لدور تنظيم الطبقة العاملة بوصفها طبقة في رحم تنظيم انتاج المجتمع. احدها عبر حرمانها من الاستفادة من مكانها الانتاجي، اي الاضراب، باعلان ممنوعية الاضراب، فيما يسعى الاخر لاقناع الطبقة العاملة ان بوسعها فقط في الشارع او اساساً عبر النضال المسلح ان تطيح بالبرجوازية، اي يجب اتباع الاسلوب الجيفاري او اسلوب القومية الكردية (النضال المسلح-م).
تعد البرجوازية ايقاف العمال للعمل اكبر جرماً، وتعلن عن ممنوعية اي حركة ومنظمة عمالية بحاجة الى هذه الاداة. ليس للبرجوازية الصغيرة والحركات البرجوازية اساساً صلة وانتماء لهذه المكانة الانتاجية، ويعتبران امراً غير ضرورياً ان يدرجاها (اي المكانة الانتاجية-م) ضمن استراتيجيتهم. في الحقيقة ان النشاط الشيوعي الذي لايستند اساسه الى تنظيم الطبقة العاملة في الانتاج ليس بوسعه الانتصار في الحرب على البرجوازية مهما ابدى من بطولة وتفاني. لايمكن للمنظمة الشيوعية ان تنتصر عبر اللعب على حبل الشق والخلاف بين الدول او بالاستناد الى البطولة الفردية او عبر التوهم بان بوسعها في عالم النضال الطبقي ان تنتصر عبر "المراوغة".
بوسع اؤلئك الذي يتذكرون الحزب الشيوعي الايراني وحرب كومه له (منظمة كردستان للحزب الشيوعي الايراني-م) والحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب برجوازي قومي كردي- م) ان يتصوروا لو ان الحزب الشيوعي في وقته كان يتمتع بمثل هذه السمة الاساسية لمنظمة شيوعية عمالية، لو استطعنا ايقاف مجتمع كردستان احتجاجاً على الحزب الديمقراطي، لتوارى الحزب الديمقراطي، اذا لم يكن من الناحية العسكرية، فمن الناحية الايديولوجية، السياسية والحركة، لانفجر من داخله. عندها لما بلغ الامر بان يُقتل قسم من افضل شيوعيي كردستان على ايدي البرجوازية الكردية.
ان الية دفاع وحملة منظمة شيوعية للطبقة العاملة تختلف عن الية حملة ودفاع البرجوازية. انها حرب غير متماثلة. ليس بوسع الطبقة العاملة ان تنتصر عبر المنافسة مع المنظمات والاحزاب البرجوازية في ميدانهما. ومهما تقوم البرجوازية من قمع الطبقة العاملة، لاتقدر ان تحلّ او تصفي العامل المنظم حول الانتاج او التوزيع. ان هذا العمل يحل البرجوازية ويصفيها. يكمن سحر قدرة وقوة الطبقة العاملة في ان البرجوازية في عملية توسيع ارباحها، في عملية توسع الراسمال، تزيد من الطبقة العاملة وقدرة الطبقة العاملة في تنظيم الانتاج بصورة مستمرة.
وعليه من الواضح انه حين تشن حرباً فان كل طرف، ومن جملة ذلك الطبقة العاملة، لاندحة له من ان يشارك بهذه الحرب باي وسيلة بيده. يتعلق الامر باي اداة يمكن للطبقة العاملة ان تهزم البرجوازية في حرب مثل هذه؟ لايتعلق الامر بعدم وجود منظمة شيوعية تجذرت في رحم الصلات الانتاجية للمجتمع، فان ذلك لايبقي للطبقة العاملة حظوظاً تذكر. ان منظمة شيوعية في رحم الصلات الانتاجية للمجتمع هي اكبر امكانية واداة اقتدار للطبقة العاملة. ان هذه الصلات اهم واكثر اركان النشاط الشيوعية اساسية ومحورية. صحيح ان النشاط الشيوعي عبارة عن نشاط احد التيارات داخل الطبقة العاملة ، وبالتالي يتعلق بالمجتمع كله، ولكن ينبغي ان يكون اساسه داخل الطبقة العاملة. ان اساس اقتدار واساس عمل المنظمة الشيوعية هو خلف عجلة انتاج المجتمع. يمكن لهذه القدرة وينبغي ان تلقي بضلالها وتنعكس على المجتمع قاطبة، ومنه في الشارع.
ان الشارع ومتاريس الانتفاضة تحسم دون شك مسالة مصير السلطة السياسية. اذ تندلع الانتفاضة في الشارع وليس خلف عجلة المعمل. يُطاح بالبرجوازية عبر الاعمال العنفية للطبقة العاملة، الانتفاضة، وليس عبر الاضراب. ولكن طبقة الشيوعية العمالية تنتصر في هذه الحرب بشرط ان تتنظم وتتوحد في رحم تنظيم انتاج المجتمع وتكون قد اضعفت العدو الى حد كبير. بخلاف هذا، حتى اذا الحقت الثورة الهزيمة بالبرجوازية بهيئة النظام الحاكم، ففي الميدان الاكثر عمومية للمجتمع، فان الحرب قد ال نصرها لقسم اخر من البرجوازية. ان التقاليد والحركات البرجوازية، وطبقاً لسمتهما ومكانتهما وتجربتهما الطبقية، لاتدركان ولاتعتقدان بقدرة الطبقة العاملة. ان القسم الاكبر من مؤسسة التبليه البرجوازي تدرك ان ادراك الطبقة العاملة لهذه القدرة والاقتدار هو هش وعرضة للضربة.
وعليه فان جواب سؤال ماهي امكانيات الطبقة العاملة بوجه البرجوازية؟ ينبغي القول، في الوهلة الاولى، التنظبم الانتاجي للمجتمع. اذ تحيى البرجوازية على التنظيم الجمعي والعام للطبقة العاملة من اجل الانتاج او التوزيع. العامل مندغم في اطار العلاقات الانتاجية، وهو الامر الذي لاتتمتع به اي طبقة اخرى، وان البرجوازية ليست قادرة على انهاء ذلك، ليس هذا وحسب، بل تُمحى بدونه. انه كعب اخيل البرجوازية. ولهذا، لايمكن للنشاط الشيوعي ان لايستند على تنظيم انتاج الطبقة العاملة. لايمكن لحزب شيوعي ان لا يكون مركز اقتداره البروليتاريا الصناعية، وان يكون مرتبطاً اساساً بالجامعة والمدرسة او الفلاحين او الحركات العامة.
لقد ذكرت ان على حزب شيوعي ان يكون مقتدراً في الجامعة وبين الفلاحين وفي جميع اشكال الحركات الداعية للحقوق. لايتعلق الموضوع بعدم ايلاء الاهمية لها. ينبغي ان تكون مقتدراً في مجمل الميادين السياسية والاجتماعية، وينبغي ان يرتهن كل احتجاج تحرري مساواتي في المجتمع بالنشاط والتنظيم الشيوعي، ولكن ينبغي الانتباه ان المنظمة التي لاتستند الى تنظيم انتاج الطبقة العاملة، هي ليست منظمة عمالية، ولاشيوعية، ولو حتى كانت منظمة خيرية اشتراكية، فان حظها ببلوغ ذلك هو امنية. يقمعوها، يلحقون بها الهزيمة ولاتتمتع حتى بنيل المطاليب الرفاهية. لايمكن لنا ان ندخل حرباُ ميدانها الاساسي هو ليس الميدان الاساسي لقوتنا وقدرتنا. ان الصراع المسلح مع البرجوازية، بصورة منفصلة عن هذه الصلة بالطبقة العاملة في رحم العلاقات الانتاجية، يدفعها للحرب في الجبال مع البرجوازية التي تتمتع بامكانات وقدرة اعظم. فعلى الرغم من ابداء البطولة، والحقانية، وعلى الرغم من ان قوى البرجوازية هم على الاغلب من العملاء او المُبَلّهين، وعلى الاغلب كلاهما، ونحن اناس ايديولوجيين ودعاة امال ومساواة الى حد كبير، ولكننا سننهزم.
ذكرت ان الحرب بين البروليتاريا والبرجوازية حرب غير متماثلة الادوات تماماً. الطرفان يشاركان بادوات وتكتيكات تختلف وغير متماثلة كلياً في هذه الحرب. ان المنافسة واستنساخ امكانات الادوات والتكتيكات البرجوازية من قبل الطبقة العاملة هي امراً مهلكاً وذلك لان مثل هذه الامكانات ليست في متناولها وتدخل حرباً غير متكافئة ويلحق بها الهزيمة.
ان الطبقات الاخرى التي هي غير قادرة جراء فلسفة وجودها، وطبقاً لتقليدها وحركاتها، على ان تضع قدرتها في تنظيم انتاج الطبقة العاملة، تجلب بصورة غريزية وتلقائية نظرياتها التي لاتحتاج الى ذلك (تنظيم انتاد الطبقة العاملة-م)، يسالون ماهو المعمل؟ الشارع محل النضال، انا نفسي في الشارع وعامل وانتزع السلطة. ان هذا تصور ساذج او مضلل للثورة العمالية تلقى فيه الطبقة العاملة الهزيمة.
حين تنظر الى الحزب البلشفي بوصفه نموذجاً ناجحاً للتنظيم الشيوعية، حين يتحدث الحزب البلشفي، ترى فيه حديث فايبرغ، حديث اكثر المناطق الصناعية في بطرسبورغ وموسكو، ليس بحديث الفلاحين في المناطق النائية. وان يكن الحزب البلشفي قد كسب اليه الفلاحين الفقراء في المناطق النائية، وان يكن قد جذب اليه اقسام عريضة من الفئات الدنيا للبرجوازية الصغيرة، بيد ان ارضية نفوذه وامكاناته هيئها العامل والبروليتاري الصناعي في روسيا. حين قرر القيصر على ان يعود مع الجيش من الجبهة الى بطرسبورغ لقمع الثورة، غيَّرَ عمال سكك الحديد وارسلو القيصر والقيصرية لقرية مهجورة، ولم يتمكن القيصر وكل الثورة المضادة من معرفة ماذا عليهم ان يعملوا. بدون مثل هذه الارضية والاساس في عمق البروليتاريا الصناعية الروسية، فان حتى طروحات نيسان للينين ستبقى على الرف او في الارشيف.
بيد ان اداة اقتدار الطبقة العاملة والحركة الشيوعية لاتتمثل فقط بوجودهما في رحم الصلات الانتاجية. بموازاة ذلك، مع وجود الطبقة العاملة في صلب هذه الصلات الاجتماعية، يكون لاندحة للطبقة العاملة من ان تصيغ صلاتها الاجتماعية والنضالية الخاصة بها. مثلما ان البرجوازي ليس قادراً باي اداة او شيء كان ان يزيل العامل من الصلات الانتاجية، وان منطق الربح لديه يجبره على توسيع هذه الصلات، وفقاً لذلك لايمكن للبرجوازية ان تستأصل الصلات الاجتماعية والنضالية للطبقة العاملة التي تشكلت بحكم وجودها في مثل هذه الصلات الانتاجية. وبموازاة الصلات الانتاجية الراسمالية، توجد البرجوازية العامل و شبكات اجتماعية ونضالية ، بالاخص بين القادة والناشطين العماليين ولاتفلت رقبتها من ذلك.
يدخل العامل، سواء في محل عمله او في محل معيشته، اي المحلة بصورة تلقائية في مثل هذه الصلات. ذكرت ان العائلة العمالية هي هيئة عمالية. ولهذا، فان المحلة العمالية هي ايضاَ جزء من التنظيم الانتاجي والاجتماعي للطبقة العاملة. انه لخطأ تصور ان العامل هو عامل فقط في محيط العمل. ان هذه التصورات هي احد ابتكارات التيارات البرجوازية والنقابية التي تحرم الطبقة العاملة من تنظيمها الطبقي. في العالم الواقعي، تعد المحلة العمالية والعائلة العمالية مهمة بقدر المعمل.
لايمكن للنشاط الشيوعي الذي يعد توحيد العمال اساسه غض النظر عن هذه الحقيقة. ان حضور الشيوعيين وتواجدهم في هذه الشبكات الاجتماعية والنضالية ووجودهم في التجربة اليومية للعامل والعائلة العمالية وبوجه المجتمع الراسمالي هو اهم ادوات مجابهة البرجوازية وابعاد مجمل مؤسستها التبليهية. وعليه، فلا مناص للتنظيم اللازم للنشاط الشيوعي من ان يستند الى الية الصلات الاجتماعية والسياسية والنضالية للطبقة العاملة. لكل من تنظيم الطالب، الفلاح، البرجوازي الصغير وغيرهم اسلوبه والياته الخاصة. بيد ان تنظيم الطبقة العاملة، وبحكم وجودها في مكانة استثنائية في المجتمع، فان له اسلوبه الاستثنائي. اي الاستناد الى الصلات الاجتماعية والنضالية التي تتمتع بها الطبقة العاملة في تنظيم الانتاج بوصفها طبقة خاصة.
لايمكن للنشاط الشيوعي ان يكون منفصلاً عن هذه الصلات. وان هذا مستهل موضوع تحدثت عنه:النشاط الشيوعي ليس نشاطاً فنياً-تنظيمياً. ينبغي ان يتضمن العمل الشيوعي ويؤمن مكاناً فيه لاليات الطبقة العاملة، ينبغي ان يندغم ويتوحد بها. ساتناول هذه الموضوع بصورة مفصلة لاحقاً.
ان الصلات الاجتماعية والتجربة اليومية هي اهم اليات وعي واحباط الدعاية البرجوازية. تتواجه الطبقة العاملة في صلب علاقاتها الاجتماعية في كل دقيقة بحقيقة عماليتها وراسمالية الطرف المقابل. ان هذا الواقع يوفر للنشاط الشيوعي المجال لاحباط مجمل دعايات البرجوازية سواء على هيئة جامع وملا، او على هيئة القومية والليبرالية او على هيئة الاعلام والاكاديمية الخادمة الذليلة. ان هذه الدعايات تبين في الحياة والتجربة اليومية للطبقة العاملة تهافتها وخرافيتها اكثر من اي شيء اخر. وهنا بمقدور الدعاية والنشاط الشيوعي ان يمضيا لمجابهة البرجوازية بصورة اكثر تاثيراً من اي شيء اخر. اذ يمكن في محل عمل ومعيشة العامل الكردي، وبصورة افضل واكثر من اي مكان اخر، تبيان ماهية القومية الكردية، والبرجوازية الكردية والتاريخ المصطنع وتفنيده. في محل العمل وفي الصراع اليومي افضل من اي مكان اخر يمكن فضح السمة المناهضة للمراة، سمة ومزية العائلة العمالية بالنسبة للبرجوازي ومزية الدين وغيرها. وان هذا هو المكان الذي بوسعنا تعويض نقص الاف وسائل الاعلام والمساجد والاحزاب والحركات البرجوازية. هنا مركز واساس ونقطة قدرة النشاط الشيوعي.
من الضرورة ان نشير هنا الى اداة حياتية جداً اخرى في النشاط الشيوعي. اداة لايمكن لاي نشاط شيوعي راسخ ان يغض النظر عنها. بدون ذلك، لن تكون ثمة اي حظوظ بمجابهة البرجوازية. انها اداة منظمة او شبكة الثوريين الحرفيين.
قلنا ان امكانات البرجوازية ذا بُعدين. بُعد القمع وبُعد التبليه وتعميق الخرافات السياسية والثقافية مثل الدين، القومية، الليبرالية، الفاشية، السنديكاليتية وغيرها. وقلنا ان الطبقة العاملة معرضة للضربة امام هذه البُعدين على السواء. ان ادوات البرجوازية في كلا البعدين تستهدف توجيه الضربة للنضال العمالي، النشاط الشيوعي والمنظمة الشيوعية. اذا اراد النشاط الشيوعي ان يكون له حظوظ ما، فعليه ان يكون قادراً على احباط حملة البرجوازية بكلا البعدين.
خذ بعد القمع بنظر الاعتبار. تستند البرجوازية اليوم الى اكثر الادوات والطرق والاساليب تطوراً. من التنصت الى اختراق والاندساس في الشبكات والمنظمات العمالية والشيوعية. من التحقيقات والاستجوابات الى اعقد اشكال الحرب النفسية، الدعائية والثقافية. من البلطجة السافرة الى بلطجة المثقفين والاعلام والاكاديميات المأجورة للنظام. تستند البرجوازية الى اكثر الامكانات تطوراً.
اذا اردت سابقاً التجسس على الناشطين العماليين، ستكون مجبراً على ارسال جواسيس او مخبرين في هذه النشاطات. اليوم يضعوا في كل مكان كاميرات مراقبة تعمل على مدار الساعة، حتى يستفادون من تعقب والتصنت على الهواتف الجوالة والامكانات المستندة الى الاقمار الصناعية كي يكشفوا العلاقات ويتعقبوها. اذ تعمل اليوم في ايران، في الجامعات، المعامل، المحلات والشوارع كاميرات مراقبة سرية على مدار الساعة. تتم مراقبة الانترنيت، مراقبة المعلومات. ان التحقيقات اليوم في الجمهورية الاسلامية اكثر تطوراً وتعقيداً من اساليب السافاك. بوسعهم اليوم، وحتى بدون اللجوء الى التعذيب البدني، ان يحطموا المتهم.
لمجابهة هذه المؤسسة القمعية والجاسوسية، ولمجابهة مؤسسة انتاج الخرافة والتبليه هذه، على النشاط الشيوعي والمنظمة الشيوعية ان يستندا الى شبكة من الناشطين الحرفيين. حرفي لا بمعنى ان يؤمن سائر الناشطون الشيوعيون معيشته او ينال امكانات مالية من الحزب. حرفي بمعنى ملّم بعلم وطريقة وتكنيك مجابهة الشرطة والمؤسسة القمعية ومجابهة مجمل مؤسسة انتاج الجهل البرجوازي باعلى مستوى واكثر الاساليب تاثيراً. حرفي مثل اي ميكانيكي حرفي ملّم بعمله وبوسعه ان يصلح ويعمر اخر موديل من العربات العصرية.
بغياب هذه الشبكة من الشيوعيين الحرفيين، يكون مجمل النشاط الشيوعي قليل التاثير ومؤقتاً. ان شبكة لاتستند الى منظمة من الثوريين الحرفيين، لاتتمتع بقدرة مجابهة سيل الخرافة والتبليه، ولايمكن لها ان تقاوم المؤسسة البوليسية للبرجوازية. لن يكون لها ببساطة قدرة التاثير المستمر والدائم وديمومة العمل. تحطمها البرجوازية بصورة منظمة وتجبر الطبقة العاملة والنشاط الشيوعي على البدء من جديد. في الكثير من الحالات، ينبغي ان ينال هؤلاء الثوريون دعماً مادياً من قبل المنظمة الشيوعية دون شك. بيد ان تقليد اليسار حوّل الثوري الحرفي الى امرء يعيش على الاخرين.
تناول لينين في كتاب "مالعمل؟" هذه الموضوع بالتفصيل بوجه الاقتصادويين. حيث يوضح ان النشاط الشيوعي بدون وجود شبكة الثوريين الحرفيين هو امراً غير ممكن. شبكة ملمة بحرفتها. ليس مهماً ان تنال دعماً مالياً من المنظمة او الحزب ام لا. حرفي لانه ملم بمجابهة الشرطة، ملم باحباط المنظومة، ملم باخذ موازين القوى بنظر الاعتبار، ملم بموأمة العمل السري والعلني، ملم بالقاء الخطاب والرد على خزعبلات بي بي سي وتلفزيون ايران والجمهورية الاسلامية وغيرها.
ينبغي ان يلم الثوريون الحرفيون بهذه. على اي منهم ان يكون مختصاً في ميدان معين من الميادين. الالمام بهذا يستلزم وقت. ان اعداد هؤلاء الثوريون يستلزم طاقة، ولهفة ووقت. لايولد اي كان بصورة تلقائية ومن رحم امه ملما بهذه المواضيع. انها علم. ينبغي تعلم التكنيك وينبغي تجربته دون شك. ان وجود مثل هذه الشبكة فقط يوفر امكانية النصر للنشاط الشيوعي. وهنا يبرز امر الا وهو اهمية جذب وكسب الشيوعيين الذين هم من خلفيات غير عمالية والذين يتحلون في اغلب الاحيان بفرصة اكبر من العمال بعلم وتكنيك عصرهم. وهنا نرى ايضاَ كم ان الطبقة العاملة معرضة للضربة عملياً بالاستناد فقط الى العامل وبغياب المثقفين والمتخصصين البرجوازيين.
ساتناول في هذا القسم السمات العامة للتنظيم اللازم للنشاط الشيوعي. في الفصول اللاحقة، ساتطرق بتفصيل اكبر الى بعض من هذه السمات. وندرج هنا السمات الاساسية لتنظيم شيوعي للتحلي بامكانية مجابهة البرجوازية.
لقد ذكرنا ان النشاط الشيوعي هو نشاطاً لتنظيم الثورة الاجتماعية للطبقة العاملة. وقلنا ان هذه الثورة، ومثلما يتحدث عنها النشيد الاممي، هي الحرب الاخيرة والنهائية، وهي الحرب التي تضع البرجوازية امكاناتها لاخر قطرة دم واخر ريال. ستوظف كل امكاناتها ضدنا. وستكون هذه المقاومة وهذه المجابهة البرجوازية في مرحلة الحكومة البرجوازية، وكذلك بوجه الانتفاضة البروليتارية، والاهم من هذا كله، بعد ذلك في مرحلة الحكومة العمالية.
تعلمنا الماركسية، وفي الحقيقة العقل السليم، ان تشكل الازمة الثورية والثورة نفسها، التي تعد الانتفاضة نقطة منها، هي ليست امراً بيد احد وتحكمه. الثورة، مثل هزة ارضية اوبركان، مرهونة بعوامل متنوعة ومعقدة جدا وخارج تحكمنا.
لكن، وان هذه لكن مهمة، مصير ثورة ما، وبالاخص سيرها صوب ثورة بروليتارية، مرهون تماماً بالدور الذي يلعبه فيها الشيوعيون والطبقة العاملة. السؤال هو باي درجة من الوعي والتنظيم، او باي درجة من التبعثر وعدم الوعي تدخل الطبقة العاملة مثل هذه الثورة؟
ستكون حظوظ الطبقة العاملة قليلة ان دخلت مثل هذه الثورة بدون وجود منظمتها الشيوعية ومبعثرة، وبالاخص وهنا نحن نرى البرجوازية وقد ارتقت بمجابهة الثورات ودخول الطبقة العاملة الميدان الى فن.
بهذا الخصوص، يمكن ان تكون هناك استراتيجيتين: الاولى، ان تنتظر لحين اندلاع الثورة، وبعدها تأمل ان تتمكن الطبقة العاملة من ان تنسجم. اي استراتيجية الانتظار واستراتيجية "التحضير" للثورة البروليتارية. الثانية، السعي باسرع مايمكن لاعداد الطبقة العاملة باكثر الدرجات انسجاماً، وتنظيماً وتحزباً في اي تحول او ثورة تحدث في المجتمع. اي استراتيجية تنظيم الثورة البروليتارية وعدم احالتها الى لوتري (يانصيب) سياسي. اي يعني سياسة شيوعية. من الجلي ان الطبقة العاملة، في الاوضاع الثورية، تتعلم يومياً بقدر مئة عام. بيد ان هذا يصح على البرجوازية كذلك. تتمثل المسالة بان البرجوازية اليوم تدخل مثل هذه الثورة وهي اكثر تجربة من اي مرحلة اخرى. السؤال ببساطة هو: باي استراتيجية تكون حظوظ الطبقة العاملة اكبر؟ بالانتظار ام اعداد النفس لدخول الثورة والدفع بها صوب الثورة البروليتارية؟ مهما تكن الشيوعية فهي ليست علم الانتظار. ان فن ومجمل الفسلفة التنظيمية للنشاط الشيوعي هما كيف تدفع الطبقة العاملة والمجتمع صوب هذه المواجهة الاخيرة، وتؤمن، مع تشكل المرحلة الثورية، ان تكون الطبقة العاملة في مكانة اكثر اقتداراً والبرجوازية في مكانة اضعف. اي فن التنظيم الشيوعي والتحزب، على الاقل، على صعيد الطليعيين والناشطين الشيوعيين في المرحلة اللاثورية . ان نشاطاً لم يعد الطبقة العاملة لهذه المجابهة، سيدفع، في الحياة الواقعية، العامل الى حرب تكون امكانية النصر فيها محدودة وقليلة.
في عملية توحيد واعداد الطبقة العاملة هذه، ينبغي ان يرد النشاط والمنظمة الشيوعيين على التهديدات والمعضلات والتعقيدات التي تخلقها البرجوازية وامكانياتها.
لايمكن لمنظمة شيوعية ان تكون تنظيماً لايتحلى بامكانية وقدرة تنظيم نضال الطبقة العاملة خندقاً بخندق في مجابهة البرجوازية وقدرة توحيد شبكة قادة وناشطي الطبقة العاملة على الاقل. على المنظمة الشيوعية ان تكون قادرة على اخراج الطبقة العاملة في نضالها اليومي وفي صلب الصلة الانتاجية والشبكات الاجتماعية خندقاً بخندق من اللاوعي والتبعثر.
ان النضال اليومي والخنادق هي ليست في المعامل فقط، بل يتشكلان في كل ميدان للمجتمع ويتضمنا من النضال من اجل الحرية الى النضال ضد الحرب، من النضال من اجل تحرر المراة الى النضال الاقتصادي. بالاضافة الى ميدان المعمل، الطبقة العاملة منهمكة في نضال بابعاد اوسع في ميدان المجتمع. ان عملية اعداد الطبقة العاملة ودفعها نحو تلك الحرب الاخيرة هي ظاهرة جارية. ساتناول لاحقاً صلة النضال من اجل الاصلاحات والنضال من اجل الثورة البروليتارية بصورة اوسع. ينبغي ان اؤكد هنا على ان ليس بوسع المنظمة الشيوعية ان تنجح في تحقيق اهدافها، الا ان تمزج بصورة ماهرة وماركسية النضال من اجل الاصلاحات، من المطاليب اليومية الى تلك الاكثر عمومية، بالنضال من اجل الثورة العمالية.
اشرت سابقاً، وساوضح لاحقاً بصورة اوسع ان هذا النشاط الشيوعي ليس عملية تعليمية وتوضيحية صرفاً، بل ان اكثر منها واهمها هو نضال سياسي وعملي. ان الطبقة العاملة، وقبل اي شيء اخر، بحاجة الى منظمة بوسعها ان تتحلى بالاعداد الذاتي والعملي، العقل والدراية والتدبير، قدرة اتخاذ القرار، امكانية المناورة وقدرة تطابقها مع الاوضاع.
وعليه، ان احد السمات الاساسية للنشاط الشيوعي والتنظيم الشيوعي هي قدرة تنظيم النضال خندق بخندق وقدرة دفع الطبقة العاملة نحو الثورة وقدرة تنظيم الانتفاضة البروليتارية.
لقد تغير عالمنا عن عالم القرن 19 و20 في جميع الاصعدة. مثلما ان النضال بصورة عشائرية ليس بوسعه ان يكون له حظوظ في التصر على البرجوازية، ليس للنشاط الشيوعي اليوم كذلك، وبدون الاستفادة من التكنولوجيا المعاصرة، حظاً في النصر على البرجوازية.
في اوائل القرن العشرين، كانت ادوات البرجوازية، ولذا ادوات البروليتارية، متخلفة مقارنة باليوم. اذ عدت الكتابة، وتوزيع النشريات، الكراريس والكتب والاستفادة من التلفون اعلى اشكال الاستفادة من التكنولوجيا المعاصرة. واستفاد منها الشيوعيين بكثرة.
وان كانت الاستفادة اليوم من تلك الادوات، سواء بالنسبة للبرجوازية ام بالنسبة للشيوعيين كذلك، هي اساس ومبدأ، ولكنها بذاتها لاترد على الامر. اذ لاتستفاد البرجوازية اليوم من اخر التقنيات في وسائل الاتصالات العامة، في التمركز والاستفادة من المعلومات والتربية والاعداد فحسب، بل انها ايضا وبصورة لامناص منها في متناول الطبقة العاملة والشيوعيين كذلك. بدون الاستفادة من هذه الادوات، لايمكن للنشاط الشيوعي ان يوصل صوته الى مسامع احد ولا حتى يستطيع ان يصل لسائر الناشطين الشيوعيين والطبقة العاملة.
ولكن حين نتحدث عن ضرورة تحديث النشاط الشيوعي وجعله مواكباً للعصر، ينبغي ان لانقصر الامر على الابعاد التقنية للموضوع. التحديث في مسالة التنظيم والاساليب، التحديث في كسب ونيل وعكس اشكال التقدم الثقافي والعملي للبشرية، القدرة والرد على المعضلات الجديدة التي يضعها المجتمع البرجوازي امام النشاط الشيوعي، مثلاً خطر السيناريو المظلم، وتغيير ابعاد صلة التحزب الشيوعي بالسلطة وغير ذلك بموازاة اهمية فهم عالمنا المعاصر.
ينبغي ان اؤكد على نقطة هنا. حين تصبح المطبوعات في متناول يد المجتمع بابعاد جماهيرية، وتبدء الادبيات الثورية بتاثيرها الواسع في المجتمع، تصوروا طبقاً للعادة ان هذه سمة الجريدة. مثلما تصوروا ان النظارات تجلب المعرفة. اليوم كذلك، وبالاخص بين الاوساط السطحية البرجوازية الصغيرة، التصور هو ان التكنولوجيا المعاصرة، التلفزيون، الانترنيت، الفيسبوك وغيرها تخلق الثورة. ينبغي القول لهذه الجماعة ان النظارات لاتجلب المعرفة. ان مزية هذه الادوات، حين تتوضح في النشاط الشيوعي هي حمالة او شريط ناقل لسياسة شيوعية. ان جزء من ذلك النشاط وادوات النشاط في المجتمع، في صلب الصلات الانتاجية وفي رحم الصلات الاجتماعية للطبقة العاملة.
نؤكد هنا على ان النشاط الشيوعي، ومثل اي نشاط اخر، ان يكون تابعاً لادوات انتاج وتوزيع عصره. لايمكن لهذا النشاط ان لايستفاد من اكثر الامكانيات والاساليب الجارية في المجتمع تطوراً، ليس بوسعك ان تمضي لحرب البرجوازية باسلوب القرن المنصرم. ينبغي ان تتحلى بقدرة الاستفادة من الامكانات الجديدة والاساليب التنظيمية الجديدة. ينبغي ان يصل صوتك في القرن الحادي والعشرين الى مسامع الطبقة العاملة، ايصال صوت الطبقة العاملة لمسامع طبقتها، تنظمهم وتوحدهم.
ينبغي ان يكون بوسع النشاط الشيوعي ان يكسب شيوعيين يتحلون بهذه الامكانيات. كسب المراكز الفكرية، الثقافية والاجتماعية حول النشاط الشيوعي هي احد اساليب ادغام هذه الامكانيات في النشاط الشيوعي. ان الاقتصار على المحيط العمالي، معاداة المثقفين وعدم القدرة على جذب وكسب اكثر العناصر الفكرية والثقافية في المجتمع هي نسخة تحجر النشاط الشيوعي وهزيمته.
على المنظمة الشيوعية ان تكون قادرة على القيام بالنضال من اجل الاصلاحات والنضالات من اجل الثورة بصورة متوازية مع بعض. وان هذا ليس بعمل سهل، وبالاخص بالنسبة لتيار اخذ تقليده النضالي من البرجوازية الصغيرة.
ان تحسين ظروف عمل ومعيشة العمال، سواء من زاوية البعد الاقتصادي او السياسي والثقافي، وليس تحسين اوضاع الطبقة فحسب، وهو منطق اي تيار عمالي، بل ان تحول سمة الاتحاد الى جزء من وعي الطبقة العاملة وتعمق من امكانية النضال، التنظيم والوعي داخل الطبقة العاملة.
ان هذا يناقض ويقف بوجه التصور البرجوازي الصغير الذي يعد الفقر والمصائب هما مصدر الثورية، ويتصور كلما كان المجتمع اكثر قمعية وفقراً تصبح معه الثورة العمالية امراً ممكناً. ولقد ذكرنا ان النضال من اجل توحيد وتوعية الطبقة العاملة هو نشاط نضالي سياسي وعملي، وليس نشاط تثقيفي صرفاً. ولهذا، فان عملية النضال من اجل الاصلاحات هو مسار اساسي في عملية انضاج وعي الطبقة العاملة وتنظيمها. ان عملية ربط شيوعية الطبقة العاملة بحياة ونضال جماهير الطبقة وقادتها هي عملية تربية واعداد وتطوير القادة العمليين والناشطين الشيوعيين داخل الطبقة العاملة.
ومقابل التصور والفهم البرجوازي الصغير للنضال من اجل الاصلاح، هناك فهم سنديكاليستي واصلاحي لهذا النضال، فهم يعد النضال من اجل الاصلاحات هو هدفه النهائي وغايته. وفق هذه المنظومة، العامل دوماً عامل وبائع قوى عمل ورسالة النضال العمالي هي فقط تحسين ظروف عمل العامل وليس استئصال عبودية الاجر والمجتمع الراسمالي.
انه النشاط الشيوعي والمنظمة الشيوعية من بوسعهما فقط ان يدغما هاتين الظاهرتين، و يحولان في الحياة الواقعية، لا اي اضراب عمالي فحسب، بل اي نضال عمالي الى مدرسة الثورة البروليتارية، وان اي انتصار في النضال من اجل الاصلاح يكون تحوله الى عتلة دافعة في امكانية نضال الطبقة ووعيها واتحادها من اجل الثورة البروليتارية.
لقد ذكرنا مسالة الا وهي: وان يكن النضال الجماهيري للطبقة العاملة هو علني دوما، ولكن، ومن اجل صيانة النشاط الشيوعي والمنظمة الشيوعية انفسهما امام مؤسسة القمع البرجوازية، فانهما بحاجة الى السرية والاستفادة من اكثر الاساليب تاثيرا لمجابهة شرطة البرجوازية.
السرية والامنية هما موضوع واسع كثيرا وذو جوانب عدة، لايمكن تناولها كلها هنا. ربما ان اهم اسس الوضع الامني التي ينبغي ان نؤكد عليها هنا هو مبدأ الحد الادنى من المعلومات. وفق هذا المبدأ، كل امرء ينبغي ان يحصل على المعلومات بالحد الذي يحتاجه للدفع بمهامه .
يبدوا ان هذا المبدأ بسيطاً، ولكن الامر ليس كذلك. ان اهم اساس لحصول الشرطة على المعلومات هي تسرب هذه المعلومات من قنوات محفلية . في هذه المنظومة، ليس المندس فقط بوسعه ان تصل اياديه لكل المعلومات، وان خطأ ما في قبول عضوية احد يؤدي الى كارثة، بل بالنتيجة ان تسرب المعلومات هذه، يجعل بمقدور كل شخص تعتقله الشرطة ان يبوح بكل المعلومات. وان هذا الواقع يضع المعتقل كذلك في وضعية في غاية السوء (الشخص الذي ليس لديه معلومات كثيرة ليس بوسعه ان يعترف كثيراً) ويدمر تنظيمه كذلك.
في الحقيقة ان المحفل والحلقة، ووفقاً للتعريف، يتشكلا على اساس الثقة الفردية، وان هذا امر طبيعي. ولكن المشكلة، من الناحية الامنية، هي ان في هذه الشبكة التي تعتمد على الثقة الفردية، تتحول مسالة عدم البوح بالمعلومات وافشائها الى معيار ثقة او عدم ثقة. اذا لم تعطي معلومات لاحد ما، يُنظر الى هذا العمل على انه دلالة على عدم الثقة بالشخص المذكور. ان احد علامات عدم استمرار وديمومة عمل الشبكات المحفلية امام الشرطة او عدم قدرتها على توسيع نشاطها هو هذا السبب.
اذا كانت الشبكات المحفلية تحمل معها موازين وصلات ماقبل حزبية، فان الفضول هي سمة برجوازية صغيرة. البرجوازي الصغير مبعث انعدام امان وفقاً للتعريف. الفضولية هي الية البرجوازي الصغير للاحساس بالامان. الاسوأ من هذا، تسريب المعلومات هو الية البرجوازي الصغير او العامل قليل التجربة والنفوذ، يرى فيها نفسه مهماً، وان تكون لديه معلومات، فان ذلك يدلل على انه مهم جداً.
ذهب النشاط الشيوعي والتنظيم الشيوعي مرات ومرات وببساطة ضحية هذه الصلات المحفلية، وانعدام التجربة هذه والاخلاقيات البرجوازية الصغيرة هذه.
ان الانضباط هو احد المفاهيم المحورية في حياة الطبقة العاملة وفي نضالها، وبالاخص احد علائم النضج السياسي والطبقي للعامل والناشط الشيوعي. اشرت سابقاً الى ان الحياة اليومية للعامل في محيط العمل هي حياة جماعية. فعلى العكس من البرجوازي الصغير الذي يعيش على عمله وابداعه الفردي، يعيش العامل على العمل والابداع الجماعي. ان اي شيء تنتجه الطبقة العاملة، تصنعه او تعمله هو حصيلة عمل جماعي. يعيش ويعمل البرجوازي الصغير بمنافسة مع اقرانه، يعيش العامل عبر التعاون ومساعدة بعض. ان هذه الحقيقة تعطي سمتين مختلفتين تماماً الى هاتين الطبقتين.
بالنسبة لعامل انضم تواً الى صف هذه الطبقة، وانضم عادة من خلفية فلاحية او برجوازية صغيرة الى هذه الطبقة، فان هضم هذه الوضعية وهذا الوجود الجمعي هو عملية، وعملية طويلة بعض الاحيان. يقولون اعتبر ماركس جيل من الحياة العمالية ولينين شيء بحدود ثلاثة سنوات كاساس (هضم هذه الوضعية-م). ليس موضوعنا كم ان هذه التخمينات دقيقة وكم هي مرتبطة بالاوضاع التي ابديت بها الاراء في وقتها. بيد ان ماهو موجوداً هو اذا كان العامل ينتبه اسرع الى ان الانضباط والتعهد بالقيام بعمل مشترك هو شرط البقاء، فان كسب هذا الوعي ستغرق عملية اطول في النضال الذي يتخطى او خارج حدود المعمل. تعميق ضرورة النضال الجماعي، امام وقبالة الاحتجاج الفردي او تخريب ادوات العمل، تعميق على سبيل المثال ضرورة النضال ضد البطالة من قبل العامل العامل وامثاله هي احد التحديات المهمة التي يجابهها اي ناشط عمالي في تنظيم النضال في اجواء العمل. ان المنبع الطبقي لعامل يلج المحيط العمالي حديثاً هو عائق امام سبيل تنظيم العامل.
في النشاط الشيوعي، التحلي بالانضباط واللانضباط هو فرق الحياة والموت. لايمكن تنظيم النشاط الشيوعي اذا قام اي امرء باي عمل يراه هو صحيحاً. انها حرب، وان لم تتحلى في هذه الحرب بالانضباط والنشاط المشترك ولاتقوم بهما وفق خطة واحدة وسياسة واحدة، سيكون من السهولة جداً الحاق الهزيمة بك. لايمكن ان يقوم احد بالاضراب في يوم الاضراب ولايقوم به اخر، وينتفض احد يوم الانتفاضة ولاينتفض اخر. انها نسخة مندحرة ومهزومة.
الانضباط ليس سوى ارادة واحدة. وحدة الارادة اساس الحياة والنضال المؤثر للعامل. بيد ان هذا الانضباط في الممارسة ليس انضباطاً انتقائياً كذلك. بوسع هذا الانضباط فقط ان يكون عملياً حين يكون واعياً ومستنداً الى عملية نقاش وقرار جماعي .
الواقع هو ان في الحياة اليومية يعتبر الناس سياسات، اساليب وتكتيكات مختلفة على انها صحيحة او يبدو لهم كذلك. السؤال هو كيف يمكن لتنوع الاراء هذه ان تتحول الى وحدة ارادة او انضباط في تنفيذ اساليب وسياسات وتكتيكات واحدة؟ ان سبيل البرجوازي الصغير هو سبيل شبه ديني، يكون فيه ضرورياً ان يفكر الجميع بالطريقة ذاتها، وان تكون تحليلاتهم واعتقادهم واحد. ان هذا الاسلوب يؤدي الى خلق فرق وفئات ايديولوجية وشبه دينية يكون اساس اتحادهم ليس الوجود الاجتماعي في النضال، بل اعتقاداتهم المشتركة.
لايمكن للتنظيم اللازم للنشاط الشيوعي ان يستفاد من هذه الاساليب، ينبغي ان تكون هناك الية سياسية وغير ايديولوجية وفرقوية وفئوية لتحويل تعدد الاراء الى وحدة ارادة. اليات، يطرح من خلالها جميع الاطراف المنهمكة في الجدل ارائهم خلال مدة معينة ومحددة، وبعدها يصوتون اويقررون على ماينبغي القيام به. وبعد اتخاذ القرار، يتعهد الجميع بنتيجة التصويت والقرار الجماعي. وان يحترم الجميع مسؤولية وحقوق المسؤولين لتنسيق والدفع بهذا القرار، الخطة او العمل المتفق عليه. انها الالية ذاتها التي يعمل على اساسها كل تجمع عام واي تنظيم اجتماعي.
من الواضح ان لايمكن ادارة وتسيير تنظيم شيوعي على شكل تجمع عام. انه، من جهة، تنظيم خاص، ومن جهة اخرى، لايمكن تسيير هذه العملية تحت ضغط البرجوازية. بيد ان فلسفة تعدد الاراء واتخاذ القرار، وبعد ذلك وحدة الارادة في تنفيذ السياسة هي واحدة: تعهدنا حين نناقش امر ما، ونبلغ نتيجة ما، نتيجة يتم معرفتها بالتصويت ومعرفة الاراء، نمضي سوية لتنفيذه . نطلق عليه وحدة اركان، وحدة اصدار القرار. لايمكن في الحرب ان يكون لديك 5 امرين وكل منهم يقول شيء ما. ينبغي الانتباه هنا الى تعقيد وعقدة الا وهي حين يكون التنظيم الشيوعي سرياً، حيث ينبغي ان يتحول القرار الذي يتم اتخاذه الى قرار جميع الناشطين والقادة العماليين خارج التنظيم كذلك. ان هذا العمل ذا عملية اكثر تعقيداً، بالاخص في اوضاع القمع وسيادة البرجوازية.
تتمثل النقطة بان لايمكن للنشاط الشيوعي ان تقوم له قائمة دون الانضباط. اذ بدون تامين وحدة الامرية والاركان في الحرب، تخسر. ذكرت لايمكن حين توجه نداءاً بالاضراب، يقول احد ما لنضرب، فيما يقول الاخر كلا. ان مثل هذا الاضراب يندحر من اليوم الاول. لايمكن تنظيم الطبقة العاملة والنشاط الشيوعي وفق معايير البرجوازية الصغيرة، اصحاب الدكاكين والفلاحين. ينبغي ان يتطابق مع حياة الطبقة العاملة. عمل جماعي وتنفيذ خطة واحدة.
اذا تتذكرون، قلت ان اقتدار الطبقة العاملة في تنظيمها في الانتاج. ليس للعامل من معنى بدون العامل الذي يقف بجنبه. صاحب المحل والفلاح وسائر اقسام البرجوازية الصغيرة، لهم معنى بدون الذي بجنبهم، ليس هذا وحسب، بل ان حياتهم تمر عبر المنافسة مع صاحب الدكان او البرجوازي الصغير الاخر. ولهذا يختلف تنظيم النضال العمالي وثقافة النضال العمالي عن سائر الطبقات، وبالاخص البرجوازية الصغيرة. اذا كان الانضباط الجماعي بالنسبة للبرجوازي الصغير هو امر استثنائي وغير عادي، فان حياة العامل اليومية توأم مع الانضباط. ينبغي ان يكون حاضراً العمل صباحاً في الساعة والدقيقة الفلانية، وفي عملية العمل، ينبغي ان يُنفذ كل شيء طبق القرارات بصورة جماعية ومنسقة. بخلاف ذلك، اما يستحيل انجاز العمل، او تتعرض يد رفيقه للخطر والاذى. الانضباط هو ليس امراً استثنائياً بالنسبة للعامل. انه منطق حياته اليومية.
لقد ذكرت ان احد شقوق النشاط الشيوعي هو التناقض بين النزعة الفردية للمثقفين مع الانضباط اللازم في النشاط الجماعي للطبقة العاملة. ان احد هذه الشقوق بوسعه ان يخل بالانضباط، مراعاة الامور الامنية، ديمومة العمل واستمراريته، العمل المشترك والجماعي. العامل يعيش مع الانضباط ويولد مع الانضباط، ومع الانضباط يموت. الانضباط جزء من حياة العامل، ومنطق الانضباط بالنسبة له ليس امراً غريباً.
لقد ذكرنا ان سمة واحد خصائص النشاط والتنظيم الشيوعي هي وجود شبكة الثوريين الحرفيين. ان هيكل هذا النشاط يتضمن اناس مُلّمين بعملهم. اناس ليسوا ملّمين بالنضال ضد الشرطة فحسب، بل بوسعهم الرد على الدعايات الدينية، الدعايات القومية والرد على البرجوازية باي شكل وهيئة كانت. اناس بوسعهم اقناع الاخرين، توحيدهم وتنظيم مجمل جوانب نشاطهم. كما اكدنا انه ليس ثمة شخص مُلّماً وذا خبرة بكل هذا. ان هذه السمة يؤمنها جمع من المتخصصين الذين توفرهم هذه الشبكات وهذه اللجان والنشاط الشيوعي. نطلق على هؤلاء الثوريين الحرفيين اسم كادر. ان اساس اي عمل واي نشاط يقع على كاهل كوادره.
ان هذا الطيف ياتي بصعوبة وعدده قليل. بيد ان النشاط الشيوعي لايقتصر على هذا المستوى من الناشطين. ثمة جماهير عريضة من العمال وغير العمال الشيوعيين، وينبغي اعادة انتاجهم دوماً، يكونون حمالة القيام بالنشاط الشيوعي.
نبلغ هنا نوع اخر من الناشطين الشيوعيين، اناس لامعنى للنشاط الشيوعي بدونهم. بدونهم تتحول شبكات الثوريين الحرفيين او الكوادر الى امرين بدون جيش، يمكن فقط لهم ان يفتخروا بمداليتهم. ان هذه الجماهير العريضة من الناشطين الشيوعيين في الحقيقة، تتمايز عن الكوادر والثوريين الحرفيين، هم اعضاء منظمة شيوعية.
ينبغي ان تكون المنظمة الشيوعية منظمة جماهيرية. ينبغي ان يلتف حول شبكة الكوادر اعضائها، مثلما ينبغي ان يلتف حول اعضائها طيف واسع من اصدقاء وناشطين مستعدين. مبدئياً، ان مَعْلَمْ كادر جيد هو ان يكون قادر على ان يكون موحداً ومبعث اعتماد وثقة جماهيريين.
الاهم من هذا، وعلى النقيض من صلة الامر والجندي، النفوذ والصلة بين الكوادر والاعضاء يكونا على اساس نفوذ الكوادر ومكانتهم مما على اساس رتبتهم ومكانتهم في الهيكل التنظيمي. وعلى هذا الاساس، لايتمتع الكوادر في النظام الداخلي للحزب الحكمتي بحقوق وامتيازات وصلاحيات خاصة مقارنة بالاعضاء. لديهم مهمات اوسع واكثر تعقيداً. حين ينتخب هيكل منظمة شيوعية، للكل حق متساوي ومماثل في التصويت. كيف يعطى هذا الصوت والى اي جهة يمضي مرهون بدرجة كبيرة بالاعتبار والنفوذ المعنوي للكوادر.
ولهذا، مَعْلَمْ اي منظمة شيوعية هي ان تنتظم جماهير عريضة من الشيوعيين حول هيكل من الكوادر. بدون هيكل الكوادر هذا، يغدو التنظيم الحزبي مثل جماهير على شكل جلاتين عديمة الملامح والحدود على الارض، وبدون جماهير الاعضاء، يصبح هيكل الكوادر مثل هيكل عظمي للانسان، لاياتي على ايديه الكثير. واؤكد على ان الفرق بيم الكوادر (الثوريين الحرفيين) والاعضاء هو ليس فرقاً بين الجيد والافضل او المهم والاهم. انه تقسيم عمل وخطة وخارطة تنظيمية على اساس واقعنا القائم. بدون تقسيم العمل هذا لايمكن تنظيم عمل ما مبدئياً. لايمكن القيام بهذا النشاط الشيوعي دون فصل ووحدة هذين المستويين في ان واحد.
بدون هذا الفصل والمزج، يؤول النشاط الشيوعي الى: اما كوادر حرفية بدون نفوذ، او اعضاء لاياتي على ايديهم شيئاً او كلاهما. عندها تعجز المنظمة الشيوعية عن الرد على البرجوازية، ولابوسعها ان تدافع عن نفسها امام الشرطة، ولا تستطيع مبدئياً تنظيم نضال مؤثر وناجح.
الصلة المحفلية او الحلقية اساس تشكل اي شبكة نضالية ويصاب اي تنظيم شيوعي بالشلل اذا لم يلف حوله طيف واسع من الشبكات الحلقية.
بيد ان البقاء في اطار هذه الصلات وادامة هذه الصلات والمعايير المحفلية والحلقية الى عمل منظمة شيوعية هو امر مميت وقاتل. تحدث لينين بالتفصيل في "مالعمل؟" و"خطوة للامام خطوتان للوراء" بهذا الخصوص. نستطيع هنا فقط الاشارة الى جوانب منها.
يتشكل المحفل والحلقة استناداً الى الثقة الشخصية، قرب وتقارب الطباع، الاشتراك في مدينة او مقاطعة واحدة، الثقافة المتماثلة، الارتياح الشخصي وغير ذلك، وان هذه الصفات والعلاقات هي امر طبيعي كذلك. ولكن الانتقال من محفل الى منظمة شيوعية ينبغي ان يرافقه تحول من هذه المعايير الى معايير سياسية واجتماعية. والا فان امكانية تنظيم النشاط الشيوعي الذي اشرت له يغدو مستحيلاً. ان للمحفل امكانية توسع محدودة، وبوسع تنظيم شيوعي فقطا، يكسر هذه العراقيل المُضيّقة.
ينبغي ان تكون مجمل الصلات في المنظمة الشيوعية مستندة الى اسس وموازين وقرارات متفق عليها. ينبغي ان تتخذ القرارات وتنفذ وفق نمط وعملية ومقررات مدونة وواضحة. ان هذا الحال يعكس موازين وصلات المجتمع والطبقة العاملة كذلك. ان الطبقة العاملة وتنظيمها في المجتمع يستندان الى الصلات الانتاجية والاجتماعية وليس الصداقات واشكال التقارب الفردي. ان العمال الذي ينتجون ويصنعون السيارات او الحديد او حتى عمال يعملون في فرن للصمون هم شيء وكتلة واحدة في حين ان سلوكياتهم وسماتهم الفردية ليست متماثلة على الاغلب.
ان النضال العمالي هو نضال غير شخصي كلياً؛ نضال طبقي. وبمجرد ان تدخل عنصر القومية، الامة، الدين، الجنس، الصنف، السلوكيات والثقافة تخلق التفرقة فيما بينهم. ان المنظمة الشيوعية هي منظمة لانهاء التبعثر والفرقة داخل الطبقة العاملة وليس تابيدها او اضفاء الصفة الرسمية عليها. ان وجود الطبقة العاملة، وبمعزل عن الدين، القومية، الاثنية، الصنف والسلوكيات، هو اساس قدرة الطبقة العاملة؛ وان القسم الاعظم من الخرافة التي تنتجها البرجوازية لتعميق هذه الفرقة القومية، الجنسية، الصنفية، السلوكية والثقافية وغيرها.
لقد ذكرت ان اساس النشاط الشيوعي هو السعي للوحدة الطبقية للطبقة العاملة. وقلنا ان هذا السعي هو امر نضالي، وليس تعليمي او توضيحي محض. يعد التوضيح الصحيح في هذا النضال للصلات الاقتصادية والسياسية للطبقات والحركات المختلفة امراً حياتياً. بدون مثل هذا التحليل او وضوح رؤية عميق لايمكن اتخاذ سياسة وتكتيك واستراتيجية صحيحة. لايستطيع ان يدخل احد هذه الحرب باعين معصوبة، وباوهام، وبتحليلات سطحية او خيالية، ويحدوه الامل بالنصر.
كما ذكرنا ان احد الاركان المهمة للسعي من اجل توحيد الطبقة العاملة هو احباط الدعايات والتفسيرات البرجوازية لاوضاع المجتمع، ومن بينها اوضاع الطبقة العاملة. اذ يسعى الدين، القومية، الليبرالية، الفاشية ومجمل التقاليد والتيارات البرجوازية لطرح تفسير مقلوب ليمرره على المجتمع والطبقة العاملة. تفسيرات تؤبد الخرافات والفرقة داخل صف الطبقة العاملة. كما ذكرنا ان البرجوازية في هذا المسار تصيغ اكثر نظرياتها ودعاياتها تعقيداً والتواءاً كي تخلق تيه وتشوش فكري. تقوم بعصب الاعين، وتجعل الابيض اسوداً والاسود ابيضاً. اذ تقوم بهذه الحملة الفكرية والثقافية كل يوم وكل لحظة حول اي مسالة كانت، حتى فيما يتعلق باكثر صلات الانسان خصوصية تتضمن من صلة العشق الى صلة الزواج والصلة بالاطفال، تصويرها عن نفسها، صلة العمال في المجتمع. تعرف للمجتمع الدين، القومية، الليبرالية البرجوازية، ماهو سيء وماهو حسن. انظر الى اماني وامال اي شخص، حتى اي طفل، ستجد عمق نفوذ ثقافة الطبقة الحاكمة (البرجوازية) بهذا الشكل او ذاك. يعلمنا ماركس ان الثقافة السائدة في اي مجتمع هي ثقافة الطبقة السائدة وثقافة العلاقات السائدة.
ان المشاركة في هذا النضال، سواء من حيث البعد العملي او السياسي والثقافي، بدون نظرية واضحة، بدون ماركسية شفافة هي ليست امراً عملياً.
بدون تحلي النشاط الشيوعي، المنظمة الشيوعية، والشيوعيون الذين اتوا للميدان هذا، بخط ماركسي واضح، سيعملوا بصورة عمياء. وعليه، ينبغي الارتقاء بالفكر الماركسي، ويعتبر الانتباه للخرافات والخزعبلات التي تطرح لاستهلاك المجتمع والطبقة العاملة باسم الدين، القومية، الليبرالية، الفاشية، النزعة الرجولية وغيرها، ناهيك عن باسم الماركسية هو امراً حياتياً. ان النضال ضدها هو حياتياً بقدر النضال في اي ميدان اخر. ولهذا، فان مَعْلَمْ بارز للنشاط الشيوعي هو وجوب الاهتمام بالنظرية الماركسية، ينبغي مركزة السعي لفضح مجمل جوانب الحياة الانسانية وفق وجهة نظر البرجوازية. وذكرنا انه ينبغي في اغلب الاوقات انجاز هذا العمل بصورة صبورة، دؤوبة وفي مجرى النضال والتجربة اليومية للطبقة العاملة.
سنعود في هذا القسم لتناول الجوانب المختلفة للنشاط الشيوعي. بدءاً، اؤكد مرة اخرى على نقاط تتعلق بهدف النشاط الشيوعي، بوصفه استهلالاً للموضوعات اللاحقة. بعدها ساتطرق الى ثلاثة مواضيع. احدها، الاشرطة الناقلة للنشاط الشيوعي، والثاني اساس وارضية تنامي النشاط الشيوعي، واخيراً الثالث العمل الاساسي لتنظيم شيوعي او حزب شيوعي.
لقد ذكرنا ان الهدف من النشاط الشيوعي هو توعية، توحيد وقيادة الطبقة العاملة نحو الثورة العمالية. كما ذكرنا ان العائق اليوم امام الثورة العمالية هي عوائق ذاتية، وليس الشروط الموضوعية. العائق الذاتي يعني عدم الاستعداد الذاتي لفاعل مثل هذه الثورة، اي الطبقة العاملة.
اننا نرى انعكاس هذه العوائق الذاتية في بُعدين. احدهما في وحدة الطبقة العاملة، والاخر في وعي هذه الطبقة. وان كلاهما مرتبطان ومعجونان في بعض بلا شك. ان الوحدة هي انعكاس للوعي الى حد كبير، ولكن هذا الانعكاس ليس مباشر وبالضبط. اي ان بوسع اتحاد او وحدة ما ان يعكسا درجات مختلفة من الوعي. على سبيل المثال، في الاوضاع القمعية، قبل ان يعكس اتحاد العمال في نقابة محدوديات في درجة وعيهم، بوسعه ان يعكس توازن القوى وبالعكس، واذا شكل عمال معمل ما تجمع عام، احد اكثر معالم وشواخص اشكال الاتحاد، فانه ليس انعكاساً لوعيهم الشامل بمكانة الطبقة العاملة. قد يكون هؤلاء العمال المشاركين لازالوا غير واعين، قد يكونوا غير واعين بعد لمسالة تعقب الثورة العمالية، وضرورة انتزاع السلطة السياسية وغيرها. ينبغي الانتباه لهذه النقطة، والا تدفعنا عملياً نحو اتخاذ موقف يساروي او يميني تجاه المنظمات العمالية القائمة.
لقد ذكرنا ان ذلك الشيء الذي يشير قبل اي شيء غيره الى عدم الاستعداد هو عدم وحدة الطبقة العاملة وتشتتها وتبعثرها. ان قسم من هذا التبعثر والتشتت تفرضه البرجوازية عبر القمع والاستبداد، والقسم الاخر، وهو اهم من القمع، يتم تامينه عبر موجة التبليه او فرض اللاوعي على الطبقة العاملة. للبرجوازية هاتين الاداتين اللتين تحدثت عنها في الاقسام السابقة.
ينبغي ان نمحص نقطة وهي ان لاوعي الطبقة العاملة ليس علامة غياب الوعي. بل يعني وجود الوعي البرجوازي، اي الايمان بالخرافات البرجوازية فيما يخص الحياة والمجتمع. علامة وجود مناهضة ومضاد الوعي. ان ذهن الطبقة العاملة ليس مثل ذهن طفل اتى للعالم تواً، صفحة بيضاء ودون محتوى. لديه محتوى وملطخ. ملطخ بالخرافات والتبليه البرجوازي. تشكل ثقافة الطبقة الحاكمة ذهن الطبقة العاملة ايضاً.
كمقدمة، اود ان اتحدث هنا فيما يتعلق بمفهوم الصلة بالطبقة العاملة في النشاط الشيوعي.
حين توجه السؤال التالي للعديد من الاحزاب اليسارية: ماهو دوركم في الطبقة العاملة؟ يردون "ان لدينا صلة جيدة بالطبقة العاملة". قد يكون مايقولونه صحيحاً، ولديهم ارتباط جيد معها. بيد ان موضوعة النشاط الشيوعية ليست مقتصرة على موضوعة ارتباط الحزب بالعمال. لندع جانباً ان القسم الاغلب من اليسار ليس لديه صلة بالطبقة العاملة اساساً. ولكن موضوعة النشاط الشيوعي لاتقتصر على ذلك.
ليست قلة هي الاحزاب البرجوازية التي ذا صلة بالطبقة العاملة. القوميون لهم صلة وارتباط قليل بالعمال، ولكن نفوذهم ليس قليلاً داخل الطبقة العاملة.
في النشاط الشيوعي، يُنظم العمال بوصفهم عامل . ان هذا النشاط يرتبط بالحياة والنضال اليومي للطبقة العاملة ومرهون بها، من لحظة ذهاب العامل للعمل وحتى لحظة عودته، ومن لحظة استيقاظه حتى لحظة نومه. النشاط الشيوعي ليس امراً يخص جمع العمال عموماً. ليس حول تنظيمهم خلف هوية قومية، دينية، جنسية، صنفية وغيرها. ان النضال اليومي للعامل ضد الراسمالي، بغض النظر عن قوميته، جنسه، دينه وفرعه الانتاجي ليس امراً لخدمة النضال من اجل امر قومي او ديني، بل جزءاً من النشاط الشيوعي. حتى النضال من اجل الاطاحة بالحكومة يتم تصويرها عبر هذه القناة، وعبر هذه القناة تجد معناها. اذا قطعت هذه القناة او الصلة، تصل الى الصلة او التنظيم البرجوازي للطبقة العاملة. البرجوازية تنظم العامل ايضاً، ولكن ليس بوصفه عامل او ارتباطاً بصراعه مع الراسمالية، بل بوصفه احد فئات المجتمع واصنافه ولخدمة الحركات البرجوازية.
ما اود قوله ان الحزب والاتحاد الشيوعي للطبقة العاملة يتخطى عقد الصلة مع العمال، انه حزب الطبقة العاملة. يمكن لحزب ذا صلة بالعمال ان يكون يكون حزباً مناهضاً للنظام صرفاً ( مناهض للنظام كنظام وليس لطبقته-م). يمكن ان يكون قومياُ، جماعة الخضر (جماعة موسوي) او محافظاً او ملكياً.
ان حزب الطبقة العاملة هو حزباً له وجود ومعنى في مجمل لحظات حياة تلك الطبقة، في حياتها اليومية. ماذا يحل باجري؟ ماذا يحل بعملي الاضافي؟ لماذا ليس لدي مدرسة؟ لماذا يعيش طفلي في هذه الاوضاع؟ وصولاً الى لماذا يجثم الراسمال وحكومته على صدري اساساً؟ له (اي الحزب-م) حضور وتواجد ومعنى في كل هذه الاسئلة. ان النشاط الشيوعي هو جزء من الحياة اليومية للطبقة العاملة. مثلما ان النشاط النقابي هو جزء من حياة الطبقة العاملة. مثلما انه لايمكنك ان تشكل نقابة فرع ما في اوربا وتشكله خارج شركة الفرع هذا، مثلما انك لايمكنك ان تشكل نقابة عمال الحديد في النفط. ان التحزب الشيوعي في شركة الحديد هو تحزب شيوعي في شركة الحديد.
اود ان اؤكد ان العامل ظاهرة ملموسة. ليست تحليلية وايديولوجية. العامل هو ليس امرء يقبل بايديولوجيتي. العامل عامل. الموضوعة هي ان الشرط الناقل للنشاط الشيوعي هي الطبقة العاملة نفسها، لا اناس يعتبروا انفسهم عمالاً او عمالاً استناداً الى ايديولوجيتهم. ان الطبقة العاملة وتنظيمها من شبكة العمال المناضلين الى الحزب الشيوعي هي جميعها ظواهر ملموسة وموضوعية، وليس ذاتية. وان هذه الظاهرة الموضوعية هي الشريط الناقل للنشاط الشيوعي.
اذا نظرت الى هذه الظاهرة بصورة موضوعية، بوسعك عندها ان تعمل على حل معضلاتها. ان جزء مهم من تصوير اليسار هو ان ليس للطبقة العاملة تنظيم. ان هذا التصور ينجم من الفهم الذاتي للعامل. اذا كان معنى العامل اعضاء او مناصري تنظيمي، عندها لان العمال معي، فان قلة تنظر الى الطبقة العاملة على انها بدون تنظيم. من وجهة نظر 99% من اليساريين ان ليس للطبقة العاملة تنظيم اطلاقاً. اذا تنظر للعامل بصورة موضوعية لعماليته في صلب المجتمع الراسمالي، ستدرك ان ليس بوسع العامل ان يبقى غير منظم.
بالنسبة لاي عامل، العمالية مفهوم معطى. النضال اليومي ظاهرة معطاة. ان النضال يجلب بصورة تلقائية نوع من التنظيم والوحدة. ليس بالضرورة ان يكون التنظيم شيوعياً. بيد انه تنظيم وطبقي. ان هذه الظواهر مفهومة للعامل الذي يعمل بقدر كونها مفهومة لاطفال عائلة عمالية. مثلما ان ابناء العائلة الفلاحية تعرف ظاهرة مثل الجفاف، حصة المالك، الاغا او العمدة، وغيرها، في العائلة العمالية، ما ان ترى اعين الاطفال النور، يتعرفوا على البطالة، خطر البطالة، الطرد من العمل، اجور زهيدة، نضال من اجل الاجور وساعات العمل، راسمالي، اضراب، عمال المعمل، قادة عماليين وغير ذلك. ويكبرون معها. ويعرفونها كلها. مع قلق الاضراب، ماذا جرى كي يتم اخراج فلان، هل بلغ الاضراب هدفه ام لا؟ يعرفون تكتيكات الراسمالي ومديرية العمل.
لقد ذكرنا ان الطبقة العاملة في مجابهة مع البرجوازية في حياتها اليومية، وان حياتها اليومية هذه تدفعها صوب التنظيم. تتنظم في العمل والنضال. وفي المطاف الاخير، انا وانت وحسن وحسين ومريم وتقي نعمل سوية في معمل ما. ليس وضعنا مماثلاً لوضع مالك دكان، حيث ان ما عليه هو ان يذهب لعمله فقط، وان افلاس الدكان الذي جنبه يخلق لعمله الازدهار. نعمل سوية، وطرد اي عامل، او تقليص اجور اي عامل، او زيادة ساعات عمل اي عامل يجعل وضعنا اسوأ جميعاً. وفي هذا السياق، ان شرط بقائنا واكثر غرائزنا البدائية مرهونة ومعجونة ببعض. نعود ونقول لحسن او مريم، على سبيل المثال، تتحدثون بصورة جيدة، انتم تدافعون بصورة جيدة، امضوا للامام ونلتف حولهم وتلعب مريم او حسن دور القائد، وفي الاغلب يلعبون هذا الدور، وبهذا السياق، يجذبون بصورة تلقائية سائر القادة وغير ذلك. ان هذه الظاهرة تخلق تنظيماً يومياً داخل الطبقة العاملة. اذا يحدث هذا بالنسبة للفلاح مرة واحدة في السنة وعلى شكل فردي، اي وقت جمع المحصول، فانها بالنسبة للعامل ظاهرة يومية وجماعية.
وعليه، تخلق الطبقة العاملة بصورة لاندحة عنها تنظيماً داخلها. ويتشكل التنظيم الداخلي للطبقة العاملة اساساً حول شبكة من العمال الطليعيين. اطلقنا على هذا الطيف او الفئة من الناشطين العماليين اسم شبكة المحرضين البروليتاريين.
ان الطبقة العاملة مجبرة على خلق نوع من تنظيم المقاومة والنضال داخلها. وحتى في اسوأ اوضاع القمع يكون لها نوع من الهيكلة والتنظيم كذلك. في اسوأ واكثر اشكال القمع حلكة في المعمل او في المحلة العمالية، هناك عمال طليعيين، يثق بهم سائر العمال ويلتفوا حولهم. اذا لم يكن هناك ماء في المحلة، يمضوا للالتفاف حولهم ويذهبوا لبيوتهم ليعقدوا اجتماعاً معهم هناك. انهم مبعث ثقتهم. ويشكلون شبكة من اصحاب الثقة داخل الطبقة العاملة. انهم في المطاف الاخير ليسوا اصحاب ثقة الاغوات والملالي في القرى، انهم اساساً عمال يساريين وشبكة من العمال الاشتراكيين.
ما اريد قوله هو ان الشريط الناقل للنشاط الشيوعي وتنظيم الطبقة العاملة لابد ان يبدأ من هذه الشبكة من العمال المناضلين. ان هذا واقع جميع المنظمات العمالية. تستند مجمل التيارات داخل الطبقة العاملة الى هذه الشبكات. ان الحرب من اجل كسب الريادة الحركية للطبقة العاملة، يتوقف على كسب الريادة الحركية لهذا القسم من العمال. لايمكن للنشاط الشيوعي داخل الطبقة العاملة ان يجري بمعزل عن هذه الشبكات. ان هذه الشبكات هي الشريط الناقل للنشاط الشيوعي. وبين صفوف العمال هناك، تلوثات دينية، قومية، رجولية، تخلف ثقافي وغيره دون شك. ان التغلب على اشكال التلوث هذه، مجابهة معضلاتهم من حيث البعد السياسي، الفكري، النظري والعملي، وبالاخص في خضم التجربة اليومية، هو ماينبغي ان يكون مادة عمل النشاط الشيوعي.
موضوع اخر اتطرق اليه هنا هو محل تنامي وعرقلة النشاط الشيوعي.
اجمالاً، في اوساط اؤلئك الذين يعتبرون انفسهم شيوعيين، ثمة فهم شائع وهو ان الطبقة العاملة بالنسبة لهم ليست شيء ذا وجود موضوعي، بل مفهوماً ايديولوجياً. اذا تسال العديد منهم: لماذا تعتبر نفسك عاملاً؟ لايكون الرد مرتبطاً بمكانته في تنظيم انتاج المجتمع. يردون: اني عامل لان ايديولوجيتي شيوعية، لان ايديولوجيتي عمالية.
وفق هذا الرؤية، الطبقة العاملة ليست ذلك الشيء الكائن الموضوعي في المجتمع. من الواضح انك تشير الى فيل موجود هناك لايمكن ان تكون فيلاً! اذا كان من المقرر ان تقوم الطبقة العاملة بعمل ما، ينبغي ان تقوم به الطبقة العاملة التي هي كائن موجود بصورة موضوعية في المجتمع، وليس اناساً يعتبرون انفسهم عمالاً استناداً الى عقيدتهم.
ان قسم كبير من اؤلئك الذين يتحدثون باسم الطبقة العاملة ينشدون ثورة طبقات اخرى. انهم يريدون الطبقة العاملة لتلك الثورة وليس لانجاز الثورة التي ينشدها العامل، والذي عليه ان يضع امر انجازها على كاهله. وبهذا، يستطيعون ان يفلتوا من شر معضلات النضال اليومي للعامل في البعد السياسي، الثقافي، المعيشة اليومية ومجمل الميادين التي يمسك العامل يومياً من خلالها بخناق البرجوازية. في الحقيقة انهم برجوازيين، وليس لهذه المسائل اي مكان عندهم اساساً.
الحالة المفرطة منهم هو ان يقول اني عامل لان ايديولوجيتي حسنة. كل ما اقوله هو للطبقة العاملة وخير الطبقة العاملة. في تنظيم انتاج المجتمع، لست عاملاً، ولكن هذا ليس مهماً. انا عامل! ولهذا لاحاجة لي بتنظيم الطبقة العاملة، اني منظم، ولهذا الطبقة العاملة منظمة. ما اود قوله هو انهم يضفون فهماً وسمة دينية على العامل كي يتمكنوا من التخلي عن العامل الحقيقي في منظومتهم. وعليه، من وجهة نظرهم، بوسع التنظيم الشيوعي ان يكون تنظيماً لاصلة موضوعية له بالطبقة الموجودة في المجتمع.
من وجهة نظر الماركسية، ومن وجهة نظر النشاط الشيوعي، الطبقة العاملة هي كائن اقتصادي-اجتماعي موضوعي. ان هذه الطبقة لاتشمل كل من يستلم اجراً. اذ يستلم الكثيرون اجوراً. بل حتى ينتجون فائض قيمة. ان الطبقة العاملة ليست ذلك القسم من المجتمع الذي لايستلم اجراً فحسب، ولاينتج فائض قيمة فحسب، بل بالاضافة الى ذلك هو قسم من المجتمع عليه ان يقوم بهذا العمل يومياً. والا فليس لديه معاش. انه مجبر على يبيع يوميا قوى عمله. ان قسماً كبيراً من اؤلئك الذي يستلمون اجراً او حتى ينتجون فائض قيمة ، مثل المهندسين، الموظفين الاداريين وغيرهم على شكل مدخرات واملاك بوسعهم ان يعيشوا بدون عمل لفترة على الاقل. ان النشاط الشيوعي هو ليس لتنظيم هذا القسم بالاساس. والثورة التي ينشدها هي ليست الثورة التي ينشدها هذا القسم.
يعرف كتاب الراسمال الطبقة العاملة. الطبقة العاملة هو كائن اقتصادي-اجتماعي وليس اقتصادي فقط. اقتصاديه هو انه يبيع قوة عمله وينتج فائض قيمة. واجتماعيه هو ان مالك الراسمال لايماثله. ولهذا فان القناة الوحيدة لامرار معيشته هو بيع قوة عمله.
ان محل تمركز وتنامي النشاط الشيوعي هو داخل الطبقة العاملة هذه وليس بين الطلبة والموظفين او اصحاب المحلات والفلاحين وغيرهم.
ذكرنا ان بالاضافة الى محل العمل، يعد محل معيشة الطبقة العاملة ايضاً جزء من مكان انتاج واعادة انتاج الراسمال. صحيح ان قدرة الطبقة العاملة تبرز بايقاف عجلات الانتاج في المعمل. بيد ان الحياة في المحلة هي قسم من الوجود الاجتماعي للطبقة العاملة.
المحلة والمعمل مراكز استقرار الطبقة العاملة، وانها مراكز نشاط شيوعي. ساشير لاحقاً الى ان علينا دون شك ان ننشط في الاجواء الاخرى، مثل الجامعات، بين الكادحين، في الحركة النسوية، والكثير من الاجواء الاخرى. اذا اردت ان اعود الى الاستفادة من الاستعارة التي استخدمتها في بداية هذا الموضوع واقول انها ابواب وشبابيك النشاط الشيوعي. ان بناية النشاط الشيوعي هو المنظمة والتنظيم الشيوعي داخل الطبقة العاملة. اذا لم تكن لدينا هذه البناية، فان بقية الميادين مثل ابواب وشبابيك ليس لهن ربط ببناية خاصة وتنهار.
للنشاط الشيوعي اعمال متنوعة ومختلفة كثيرة. من النشاط النظامي (المسلح-م) في الاوضاع الخاصة الى النشاط في خارج البلد او اي ميدان اخر يقتضيه. ولكن من بين هذه الاعمال، هناك احد منها ليست اساس فحسب، بل تعطي معنى وجهة لمجمل الاعمال الاخرى، وقد يكون من الضرورة القول انها تضعهم في سياق صحيح. بدون هذا العمل الاساس، تبقى الانشطة الاخرى بدون مرسى، بدون مقود وبدون بوصلة.
استخدم هنا بعض الاحيان كلمة حزبي بدل من النشاط الشيوعي، لان النشاط الشيوعي بالاساس هو نشاط حزبي برايي، ليس نشاطاً محفلياً او حلقياً نقابياً او مجالسياً او اي نوع اخر مثلاً. النشاط الشيوعي بالاساس هو نشاط سياسي، وان اداة النشاط السياسي هي الحزب. ولهذا، فانا استخدمهما بدل بعض.
قلنا ان النشاط الشيوعي لاينطلق من هيكلة التنظيم بالاساس. الهيكل تابع للهيئات والمهام (فونكسيون) او العمل وتابع للاوضاع. بيد ان عمله الاساسي هو نشاط يقوم به جمع، حزب او منظمة شيوعية بمعزل عن الزمان والمكان. اي افعال وتفاعلات ينبغي ان تنفذ باي حال من الاحوال. الهيكلة التنظيمية تعتمد على الظروف والاوضاع. مثلاً، في اوضاع استبدادية، هناك تركيبة وهيكلية ضرورية، وفي اوضاع ديمقراطية هيكلية وترتيبات اخرى. في اوضاع الازمة الثورية، تبرز الهيكلية التنظيمية والمهام، وفي الاوضاع غير الثورية هيكلية ومهام اخرى. وغير ذلك. ولكن على اية حال، ثمة اعمال اساسية ومشتركة. الموضوع يتعلق بهذا العمل الاساس. يتعلق الموضوع بذلك المقياس او بصورة اقرب للشاقول الذي يبقى النشاط الشيوعي عمودياً.
ان العمل الاساسي هذا كامناً في هدف النشاط الشيوعي. لقد ذكرنا ان هدف النشاط الشيوعي هو تنظيم وتوحيد الطبقة العاملة من اجل القيام بالثورة الاشتراكية. في هذه الحالة ان العمل الاساس ناجم ونابع من هذا الهدف، وسيكون عبارة عن التوعية والتوحيد والقيادة. انها اساس النشاط الشيوعي ومرتبطات ببعض ولايمكن فصلها عن بعض وناجمات بصورة مباشرة عن هدف النشاط الشيوعي.
ان الجمع الذي ليس لديه هذا النشاط الاساس، لا يكون قد قام بنشاط شيوعي مهما قام بنشاط اخر. ان سمة وخصيصة التحزب الشيوعي للطبقة العاملة موجودة بهذه الحركات والتفاعلات المتقابلة. اما بالنسبة للهيكلة والترتيبات التنظيمية فهو موضوع جانبي في هذا المستوى من البحث.
المنظمات الشيوعية، في جغرافيا واوضاع مختلفة، ذات هيكليات ومهام مختلفة. بيد ان هذا الفونكسيون الاساس هو مشترك في جميعها. ان ماهو متماثل وواحد، قبل اي شيء اخر، في نشاط المنظمات في جميع البلدان والعالم كله هو اشتراكهم في هذا النشاط الاساس. ان شكل التنظيم والمهام والاعمال من صلة النشاط الشيوعي والمنظمة الشيوعية تتاثر بالدولة، المجتمع، بتاريخ ذلك المجتمع والف عامل اخر. ولكن في المطاف الاخير ان العمل الاساس للنشاط الشيوعي والعمل الاساس لحزب شيوعي هو توحيد، قيادة وتوعية الطبقة العاملة للثورة الاشتراكية.
اتناول هنا الخطوط الاساسية لهذا العناصر من النشاط الشيوعي والتي قلت عنها انها معجونة ببعض ولايمكن فصلها عن بعض.
في اغلب الاوقات يتم اختزال التوعية والوعي الى اعلان موقف او اصدار بيان او وثيقة. لا اتطرق الان الى المحتوى الشائع، واقصر لفت الانظار الى الاطار الشامل ولهذا العمل. وباتضاح هذا الاطار، عندها يمكن الانتباه الى ان اشكال التوعية السائدة هي لايمكن ان تكون خالقة للوعي فعلاً في اغلب الاوقات. انها تبدوا اقرب الى الفتاوي.
ينبغي الانتباه، في الخطوة الاولى، الى ان القصد من التوعية هو ليس فقط توضيح الحقيقة من زاوية منطقية، فلسفية او ايديولوجية توضيحية. التوعية هي عمل سياسي. الصراع حول حقيقة صراع سياسي. شن الحرب لجر الطبقة العاملة لتفسير صحيح وطبقي لكل الاحداث، التيارات، الشخصيات، والبنى الثقافية والسياسية والايديولوجية السائدة.
ان هذه التوعية هي ليست جدلاً او موضوعة حول الظلم، الظالم والمظلوم. اذ تتحدث جميع الحركات السياسية والاجتماعية بهذا الخصوص. والاهم من ذلك ان اساس مجمل الحركات غير العمالية، البرجوازية الصغيرة، الدينية للاشتراكية الرجعية وغيرها هو اساس تصوير المجتمع استناداً الى الظالم والمظلوم.
ان العمل التوعوي يعني تحديد كل هذه الاقطاب الثلاثة: الظالم، الظلم، والمظلوم في قالب الراسمالي، الاستغلال والعامل. ان هذا هو بالذات اختلاف الشيوعية عن الشعبوية. الشعبوية ايضاً هي ظاهرة توضح نفسها في قالب فضح الظالم والدفاع عن حق المظلوم. ان الشعبوية وكل الحركات الاخرى التي اشرت اليها اعلاه، وعبر ابعاد هذه الظاهرة الملموسة الراسمالي-العامل والاستغلال الراسمالي وصبها في قالب الظلم والظالم والمظلوم، تبعد الراسمالية من الطبقة العاملة. ان هذه نشاطات مناهضة للوعي، خرافات، وهي حركات برجوازية في المطاف الاخير. حركات تنشد ايجاد سبيل حل لمصائب ومآسي الصلات الاستغلالية والخضوع الاقتصادي والسياسي للطبقة العاملة في اطار الراسمالية.
لندع جانباً اؤلئك الشعبويين غير العماليين والمناهضيين للعمال على الاغلب، نرى نوع من عمل توعوي ليس معاديا للعمال فحسب، بل غير سياسي. في هذا التقليد، نرى عمل توعوي هو تبيان الحقيقة من زاوية منطقية ومدرسية. في هذه المنظومة، العمل التوعوي هو عمل نشر الحقيقة وليس نضالاً سياسياً. ان الطرف المُخاطًب في هذه العملية هو ليس قوة سياسية من اجل قضية سياسية (اي الطبقة العاملة من اجل الثورة الاشتراكية). بل ليس جزء من مشروع سياسي معين ومحدد. ذر بذور الوعي عسى ان تاتي بثمر يوماً ما، في اخرة ما.
وبالطبع ان طيف اوسع من هذه النشاطات التوعوية هي خليط او مزيج من هذين التوجهين. على اية حال، ساسعى لاحقاً، من خلال البحث، توضيح هذا الامر اكثر.
نعود الى موضوعة العمل التوعوي، علينا ان نسأل انفسنا التوعية حول اي شيء؟ ومن اجل اي شيء؟ في العالم ثمة الاف وملايين المواضيع يمكن الوعية بشانها. من النظام الفيزيقي للعالم الى النضال ضد انواع الميتافيزيقيا، من التربية حول السلامة والصحة الى تطور التاريخ والتاريخ. السؤال هو على اي مواضيع يتمركز الوعي بوصفه اساس النشاط الشيوعي، وماهو هدفه السياسي (اي العمل التوعوي-م)؟ من اي زاوية ينبغي ان نتوجه لموضوع العمل التوعوي؟ من هم الاشخاص الذين ينبغي مخاطبتهم؟ ماهو معيار نجاح هذا العمل التوعوي؟
في اكثر المستويات اساسية، العمل التوعوي هو لخدمة توعية الطبقة العاملة بضرورة وامكانية الاطاحة بالبرجوازية والنظام الراسمالي. على العمل التوعوي، بالاضافة الى وجوب نقده لاكثر مستويات الخرافات اساسية، الخرافات التي تبرر لوجود النظام الراسمالي، ومن اجل تحقيق هدفه، عليه ان يجعل المبررات الذاتية للتشتت داخل الطبقة العاملة هدف عمله. ومن هذه الزاوية، عليه ان يضع على سبيل المثال هدف عمله هو الشقاقات الدينية، الجنسية، القومية، الاثنية، الفئوية والصنفية وغيرها. ينبغي ان يجعل موضوع نقده النظريات، التصورات، والمعطيات الفكرية للحركة والتقليد الذي له تاثير على اذهان الطبقة العاملة، وتبيان كيف ان هذه تؤبد وتؤزل عبودية الاجر. كيف تبقي الراسمالي جاثماً على صدر العامل. ينبغي من زاوية هذا الموقف وهذا الهدف المضي صوب المسك بخناق الدين، القومية، الليبرالية، القدرية، مكتب فرانكفورت وانواع المنظرين البرجوازيين وغيره.
ان مثل هذا التوجه يحدد مخاطب العمل التوعوي هذا ويرسم كذلك اطاره للحزب السياسي للطبقة العاملة على السواء. لقد كتب البيان الشيوعي، عالم افضل، مجمل كتابات ماركس وانجلز ولينين، وكان هذا الهدف وهذا الاطار نصب اعينها.
لقد سعينا، على سبيل المثال، في وثيقة "ماينبغي تعلمه"، التاكيد على هذا الجانب من العمل التوعوي. لقد اكدنا على ان مجتمعنا مجتمع طبقي. لايمكن تفسير وتوضيح اسس صراعات المجتمع ونزاعاته وتلاطماته على اساس تقسيم المجتمع الى انسان وحيوان، الى مراة ورجل، الى كرد وفرس، الى جيد وسيء و غيرها من هذه التصنيفات. وضحنا ان المجتمع يدور حول مجابهة وصلة العمل الراسمال، وليس حول الانسانية واللاانسانية، نزعات الخير والشر، الكرد والفرس والترك والعرب والعجم او اناس جيدين واخرين سيئين، النظام وغير النظام وغيرها. الكثير من البرجوازيين ليسوا اناس سيئين. ولكنهم يرون صلة ان يستلم احد اجراً ويعطي اخر اجراً وياخذ الربح هو امراً طبيعياً. هم اناس خيريين وقد يساعدوا الفقراء كذلك.
لقد تمثل سعينا بلفت انتباه الطبقة العاملة الى ان ليس لدينا برجوازيين تقدميين وديمقراطيين. ان من يقوم بدعاية تخالف ذلك، يكذب عليكم. ان مصلحة الطبقة العاملة تقف بالضد من مصلحة البرجوازية ككل. حين تمد الطبقة العاملة ايديها للسلطة بهدف انتزاعها، فان اي امرء يمكن تسميته برجوازي، امرء يعيش على قوة عمل جمع اخر، سيشهر السلاح بوجه الطبقة العامل. اذا يقوموا اليوم بهذا العمل على هيئة حكومة وشرطة وقوى المسلحة، فانهم سيهبون ذلك اليوم جميعا على الطبقة العاملة.
لاندحة للعمل التوعوي هذا من ان يجعل جميع اعضاء واطراف الحركات البرجوازية وقنواتهم ومنطقهم وبحثهم والياتهم التي يؤثرون من خلالها على ذهن الطبقة العاملة موضوع نقده، ويحبطها ويبين ان مجمل الحركات البرجوازية تمصل مصلحة الطبقة البرجوازية. في النشاط التوعوي، ينبغي ان تكون هذه الحقيقة ماهية فضح التيارات البرجوازية. سواء اكان هذا التيار هو انواع القومية الكردية، القومية الايرانية، سواء الحزب الديمقراطي او الملكيين ام الشيوعية البرجوازية وغيرها.
ينبغي ان نكشف للطبقة العاملة، في هذه العملية، ونثبت لها انهم يمثلون مصالح البرجوازية، لا ان نكشف انهم تخطوا اصولاً ما، او انهم غدوا كفرة او تحريفيين او انهم قوميين صرف مثلاً. اذا اردت ان تعري في كردستان الحزب الديمقراطي او القوميين، لايمكن ان تمضي للمسالة من زاوية المنطق العام بوصفهم دمويين وغيره. ولكن عليك، في كل خطوة، وفي كل لحظة، ان تبين انهم يمثلون مصالح البرجوازية الكردية بوجه الطبقة العاملة. بخلاف هذا، ستبقى مقتصراً على نقد نزعتها المساومة مع الدولة او عدم صراعها بصورة جيدة او غير ذلك، والذي هو على اية حال ليس بامر دقيق، ولاعميق، ولاطبقي ولامؤثر في قضيتك.
او مثلاً فضح وتعرية فكرة ان الدولة والحكومة ليست ممثلة للطبقة البرجوازية او ممثل مجمل المجتمع او اساساً ممثلة لجماعات وعصابات، او ممثلة للفرس وغيره. ان مثل هذا التوجه يغير من مجمل الدعاية من اللهجة الى المضمون والمحتوى.
او ان فكرة الثورة العمالية تزيل الملكية الخاصة من وسائل الانتاج، وتزيل الانتاج من اجل الربح، وتطيح بالنقد وكل اشكال الاستغلال. واخيراً، ان الثورة العمالية هي امراً ممكناً وضرورياً اليوم. اذا كانت الرؤوس النقاط هذه قد قبلتها 10% من الطبقة العاملة في ايران، ستكون الثورة العمالية امراً عملياً اليوم. بوسع الطبقة العاملة ان تستلم السلطة السياسية اليوم بصورة فورية. يمكن اعلان قرار الانتفاضة العمالية. ان مثل هذه الثورة لايمكن توضيحها بالتحريض ضد الظلم والنهب، ناهيك عن الدعاية لها.
ينبغي على العمل التوعوي ان يجعل من المعضلات الحقيقية في العقلية والتقليد السياسي السائد على الطبقة العاملة هدفه. مثلاً افكار من مثل ان الثورة العمالية ليست ممكنة الان، ولكن ينبغي الارتقاء بالتصنيع الان! الثورة العمالية هي امراً ممكناً، ولكن ينبغي الارتقاء بثقافتنا الان! الثورة العمالية هي امراً ممكناً، ولكن الاوضاع ليست ثورية الان! الثورة العمالية مهمة ولكن ليس وقت الصراع الان مع جماعة الخضر (جماعة موسوي)، الثورة العمالية مهمة، ولكننا نحن الان كرد، او ايرانيين، اتراك او عرب وغيره، اولاً ينبغي ان نحل مسالة الظلم القومي او ضغط الامبريالية، الثورة العمالية امراً ممكناً، ولكن علينا ان نفكر باجورنا الان، وان نبتعد عن السياسة وغير ذلك. ان مثل هذه الافكار تثقل، بصورة واعية او غير واعية، على ذهن الجماهير العريضة للطبقة العاملة، وفقط عبر صراع دؤوب ومستمر، وفي صلب التجربة اليومية للطبقة العاملة، يمكن القيام بنضال مؤثر ضدها.
ان قسماً مهماً من العمل التوعوي هو النضال ضد العمل المشوش على الوعي او النضال ضد التبليه. انه ليس بامر سهل وبسيط. انه وعي حولته البرجوازية على شكل دين، ثقافة، وتربية وتعليم، تلفاز وسائر وسائل الاعلام الجمعية الى معطيات معروفة و"طبيعية" الى حد كبير في ذهن الطبقة. ان مجمل المنظومة التي تبله وخلقت للتبليه. ان مجمل مؤسسة التربية والتعليم، من الصف الاول الى الثانوية، الى مستوى الدكتوراه وبعده، وحيث يرتبط الامر بالبعد الاجتماعي هو تبليه بالاساس. وحيث ان البعد الكيميائي والفيزيائي ومن هذا القبيل، فان البرجوازية في المطاف الاخير، ومن اجل مصالحها، ينبغي ان تتحلى بفيزيائيين وكيميائيين، وتركن لاسسهم العملية. ولكن هذا الشيء الذي تعلمه وتدرسه بوصفه علم المجتمع، علم الصلات بين الناس (سواء القديم بوصفه تاريخ او اليوم بوصفه علوم اجتماعية وسياسية) هو تبليه، ولخدمة صيانة الوضع الراهن. بكلمة ما، ان الثقافة، السياسة والعلوم الاجتماعية تصوغها الطبقة السائدة.
ما اود قوله ان الثقافة السائدة في المجتمع هي ثقافة الطبقة السائدة. لو نقرأ الف دعاء اشتراكي في اذان اطفالنا، فانهم في المطاف الاخير يجلسون امام التلفاز ويذهبون للمدرسة ويتعلمون الجيد والسيء اوالمهم وغير المهم من هذه القنوات. اذا كنت فتاة ولاتلبسي مثل "مد اليوم"، سينظر لك وكانك شاذة او هوجاء. ولهذا، وكي تكون لك صلات اجتماعية يمكن تحملها، عليك ان تقبل بالمعايير. من بين مئة الف فتاة، يمكن ان نجد واحدة تقول لا. هذا هو واقع الحال مع الاولاد ايضاً. اذا كنت واسع البال والصبر، ولست عنيفاً ولاتستهين وتهين المراة ولاتتحدث بصورة مصطنعة، فانك تعلن عن نفسك بوصفك "انسان مختلق"، وفي المطاف الاخير، تعاني الوحدة والانزواء.
ان حملة الشهادات الساخطين وحركة حملة الشهادات الساخطين هم انفسهما منبع قسم كبير من منظومة التبليه القائم. لا استخدم كلمة مثقف لهؤلاء، وذلك لان هناك جانب ايجابي في كلمة مثقف. اذا كان الامر كذلك في عصر الاقطاعية، فانه ليس صحيحاً الان قط. ولهذا ينبغي تسميتهم بحملة الشهادات فقط. لديهم شهادة دراسية. بيد ان ماهية ماتعلموه هو خرافة وتبليه كلياً. انهم ادوات ترسيخ الثقافة السائدة قبل اي شيء اخر. لايتمتعون بالثقافة اساساً، بل انهم عامل بث ونشر الخرافة. انهم ينظمون حركات ويصيغون نظريات لحركتهم يعد فيها صيانة عبودية الاجر ومنظومة الاستغلال الراسمالي معطى. تمكنت البرجوازية عبر قدرة وقوة هذه الشهادات والتخصصات ان تنتج منظرين ووعي مضاد بابعاد "جماهيرية". انهم قسم من مؤسسة انتاج الوعي المضاد والشيوعية البرجوازية. الشيوعية البرجوازية هي مؤسسة انتاج الخرافة من الناحية الفكرية. انها مؤسسة تبليه الطبقة العاملة.
اذا لم يلج العمل التوعوي من هذه الزاوية وفي هذا السياق الصراع مع الحركات والسياسات والنظريات البرجوازية، لن يتمكن من تحصين الطبقة العاملة منها وصياغة وتشكيل وتوظيف الوحدة الداخلية للطبقة العاملة امام البرجوازية. اذا لم يلج العمل التوعوي الصراع بهذا السياق، سيكون نقده شعبوياً للبرجوازية. سيحل النضال وتبيان الامور ضد الفقر والماسي بدل النضال وتبيان الامور ضد الراسمالية والبرجوازية، وهو المكان الذي ينتمي اليه كل الشعبويين من احمد نجاد الى شعبويي اليسار.
اذا لم ينطلق العمل التوعوي من نقطة انطلاق ماركسية وشيوعية، لايمكن ان يوضح اختلاف نزعة حداثة وعصرانية الطبقة العاملة عن حداثة وعصرانية البرجوازية، او الاختلاف مابين الفيمنستية والاشتراكية، اما مناهض للحداثة والعصرانية والميل للنزعة الرجولية او يسلم الطبقة العاملة مكبلة الايادي للنزعة القومية الايرانية المفعمة بالشعور بالعظمة والمناهضة للاسلامية. ان هذا هو بالضبط اختلافنا مع الشيوعية البرجوازية في نقدها الوسطي لتيار الخضر. لقد كان هذا الاختلاف هو بوصلتنا في الصراعات السياسية والاجتماعية مع التيارات البرجوازية المناصرة والمعارضة للخضر في سياسة ايران. لم نكن التيار الوحيد المعارض للخضر. ان قسماً من البرجوازية، سواء اؤلئك الذين اصطفوا مع احمد نجاد ام قسم من القومية الايرانية والقومية الكردية، لم يمضوا مع الخضر او فصلوا بعقيدتهم صف "الجماهير" عن صف الخضر. لقد كنا تياراً ماركسياً وشيوعياً معارضاً للخضر، تيار ينظر من زاوية الطبقة العاملة ويعرّف ويبين للطبقة العاملة الخضر ومناصريهم ومعارضيهم وفق هذه الرؤية. لم نكن منتقدين للخضر فقط. بل كنا منتقدين المعارضين البرجوازيين للخضر كذلك.
يصح هذا كذلك على التعامل مع النزعة الاصلاحية. ان الاصلاحية التي تستند الى قصر النظر داخل الطبقة العاملة هي ذات نفوذ عملي كبير جدا على اذهان الطبقة العاملة. نفوذ يلقي ستاراً على اهمية الوحدة الطبقية. تصويراً يوصل الطبقة العاملة الى قناعة مفادها ان علينا ان نثبت اقدامنا ونرفع اجورنا وانشاء الله تحدث ثورة (اية ثورة؟) يوماً ما.
اذا لم يستطيع العمل التوعوي الشيوعي ان يدخل هذه المسائل من السياق الذي اشرت اليه، اما ينجم عن ذلك موقف مناهض للاصلاحات وناشطيه، وهو الذي يعني بالضد من الطبقة العاملة، او يصبح اصلاحياً. ان بوسع العمل التوعوي، من زاوية وموقف شيوعي للطبقة العاملة فقط، ان يكون مطالباً بالاصلاحات ويتقدم صفوف النضال من اجلها ومطالباً بالثورة العمالية ويقف في مقدمة صفوفها على السواء. عبر هذه الزاوية فقط يمكن تشكيل وصياغة الوحدة داخل الطبقة العاملة، وهو الامر الذي يتمتع بمثل هذه المزية كذلك. ان النضال من اجل الاصلاحات والنضال من اجل الثورة العمالية كلاهما بوصفهما سياسة او وعي وموقف واحد.
ان جانباً اخر يتمتع باهمية في النشاط التوعوي الا وهو شن الحملة او النضال ضد الوعي المعوج او الوعي المضاد. يمكن ان اتناول هذا لاحقاً في اطار جوانب اخرى اشرت لها سابقاً. ولكن اود ان اؤكد على بعض النقاط هنا. وذلك لاني ساشير اليها بشكل مستقل ومنفصل. ثمة تيارات كثيرة داخل الحركة العمالية نفسها تنتج هذا الوعي المعوج. في الحقيقة ينبغي التصريح بحقيقة ان الوعي العفوي والتلقائي للطبقة العاملة بمكانتها هي معوج الى حد ما، ونظراً لهذا الاعوجاج تغدوا النظرية الماركسية والالمام بها امراً ضرورياً.
مثلاً هناك ميل او تيار يعتبر النزعة النقابية (سنديكاليسم) ظاهرة معطاة وعفوية داخل الحركة العمالية تنتجها بصورة عفوية وتلقائية المكانة الاقتصادية للعمال والمصائب الناجمة عنها والنضال الاقتصادي اليومي. البعد والهروب من التدخل في السياسة من زاوية مصلحة الطبقة العاملة، الصنفية، القسمية (من القسم الانتاجي-م) والفرعية (من الفرع الانتاجي-م) من بين ماتنتجه. وبالاخص، وعلى الاغلب، في توازن قوى سياسي في المجتمع في اوضاع غير ثورية، فان التشكيلات الصنفية او المحدودة هي الامر الممكن. ينبغي الاستفادة دون شك من هذه الامكانية، وبدونها يستحيل العمل العلني او "القانوني" اساساً. ولكن يمكن ان يتحول هذا الاطار الى نزعة وعقلية الرضا بما موجود وتقديسه اي البقاء مقتصراً على الامكانية وتقديس الواقع القائم وامكانياته وتقديس المنظمات العمالية المشتتة والمبعثرة.
بوسع البرجوازية، وطبقاً للاوضاع والظروف، ان تركن الى اشكال وانواع من المنظمات العمالية الاصلاحية التي هي نفسها محدودة بهذا النوع من الامكانيات. ان مزية الناشط والقائد العمالي هي ان لايعرف فحسب ان هذه المنظمات ينبغي ان لاتقدس، بل وان لايسمح في كل خطوة ان يترسخ ويتعمق مثل هذا التصوير في ذهن الطبقة العاملة. ان هذا بالضبط هو احد الاختلافات التي يتحدث عنها البيان الشيوعي بين الشيوعيين وسائر الاحزاب العمالية. ان الشيوعيين هم ممثلين مصلحة مجمل الطبقة العاملة اليوم وغداً.
يسعى النشطاء الملطخون بهذه الميول الصنفية او النقابية على الاغلب لايجاد نوع من الاتحاد داخل صف الطبقة العاملة، ويوجدوه. ولكن في الوقت ذاته، ينجم عن هذه التيارات ان ضيق رؤيتهم تخلق وترسخ شقاً او فصلاً في صف الطبقة العاملة في الوقت ذاته. لقد اكدنا على ان الناشط الشيوعي يشد على ايدي اي امرء يخلق اي درجة من الاتحاد داخل صف الطبقة العاملة ويمد يده له. ولكن يوضح في الوقت ذاته بصورة مخلصة محدوديات هذه المساعي. اذا لم يكن في هذه المساعي وعي طبقي وشيوعي عميق سائداً، تؤدي هذه المساعي الى تاسيس الفرقة بين العمال.
ينبغي ان نميز هنا مابين تاسيس نقابة او منظمة صنفية مع النزعة النقابية والنزعة الصنفية. ان تشكيل نقابة، صناديق التعاون، اتحادات صنفية وغيرها هي دون شك خطوة مهمة في خلق الاتحاد مابين الطبقة العاملة، والذي على الشيوعيين ان يكونوا في مقدمة صفوف النضال من اجل ذلك. ولكن اذا اصبح هذا العمل هدفاً بحد ذاته، ولم يتحول الى خطوة صوب توحيد مجمل العمال، عندها نقع في النزعة النقابية والصنفية والاصلاحية.
يمكن رؤية حصيلة سيادة مثل هذا التيار في البلدان الغربية او البلدان التي فيها نشاط الاتحادات حر او حر نسبياً. لقد قسموا العمال الى اصناف مختلفة، قوميات مختلفة وبعض الاحيان جنس مختلف، وابّدوا هذا التقسيم. جمع عمال يعملون على السيارات، جمع سواق، جمع في نقابة النقل، اخرين سواق مترو وحافلات، جمع بائعي تذاكر النقل، عمال مراقبة التقاطعات وغيرها. السواق مضربون، بائعوا تذاكر النقل يعملون، عمال المخرطة في احتجاج، ليس السواق متدخلين وغير ذلك. ان هذا النمط من التنظيم يضيق بشدة عملياً قدرة الطبقة العاملة. جعل من الفرقة امراً ابدياً.
لايمكن للنشاط التوعوي الشيوعي ان لايجعل من هذا الوعي المعوج موضوع عمله، وعي معوج يُنتَجْ بصورة عفوية داخل الطبقة العاملة وتعمقه البرجوازية باية هيئة او شكل كانت.
ثمة جانب مهم اخر يخلق اعوجاجاً في وعي صف القادة والمحرضين البروليتاريين على وجه الخصوص، وربما يجب ان يتم تعريف وتحديد جانباً اخراً من النزعة الصنفية الا وهو عدم ايلاء اهمية لتعلم الماركسية بوصفها علم تحرر الطبقة العاملة. وكاي علم اخر، ينبغي تعلم الماركسية. لايمكن لاي شخص ان يتعلم اي علم، ومنه الماركسية، بصورة عفوية وتلقائية وغريزياً. بقدر الالمام بعلم الطيران ضرورياً لبناء طائرة، يعد الالمام بالماركسية هو امراً ضرورياً لتحرر البروليتاريا. وبالقدر الذي يستطيع امرء ما ذا صلة بالطيران ان يصنع طائرة بصورة غريزية، بالقدر ذاته بوسع الفرد المهتم بتحرر البروليتاريا ان يستخلص سياسة صحيحة لتحرر الطبقة العاملة عبر الغريزة. عدم الاهتمام بالنظرية الماركسية، عدم الاهتمام بالاهمية الحياتية لتعلمها يبلغ بعض الاحيان الى تعميق التضاد مع المثقفين الشيوعيين حتى.
ليست قليلة هي التيارات التي ليس لها صلة رسمياً وعملياً بتعلم الماركسية، بل ترفع راية مناهضة المثقفين الشيوعيين. في مرحلة الثورة الايرانية، اطلق عليهم اسم عامل عامل (تيار التشدق اللفظي الفارغ باسم العامل والمناهض له-م). وان كل منظريهم كانو مثقفين! ان هذا الميل يبرر سياسة وتقاليد غير عمالية ومناهضة للعامل سائدة على اذهان اغلبية مثقفي المجتمع وتتغذى منها. مثلما ان القمع يقوي النزعة الصنفية. على اية حال، ان هذا التشوش والاعوجاج يحرم الطبقة العاملة وقادتها من الالمام بعلم تحررها.
على اية حال، ينبغي ان يكون النشاط الشيوعي التوعوي حساساً تجاه هذا التيار، ويحصن الطبقة العاملة منه.
ان العمل الاساس الثاني للنشاط الشيوعي هو توحيد صفوف الطبقة العاملة. بهذا الخصوص ايضاً، السؤال الاساس هو لاي شيء ينبغي توحيدهم؟ لماذا ينبغي توحيد الطبقة العاملة وباي صفة؟
اشرت الى انه من الممكن توحيد العمال من اجل القيام بثورة قومية. او تنظيم العامل حول هوية قومية، دينية، لنيل حقوق الايرانيين، الكرد وغيرها. لاتقصّر القومية والقوميون في سعيهم بهذا الخصوص. او يمكن توحيد العامل من اجل الديمقراطية واسقاط النظام. اذ تقوم بهذا العمل مجمل الشيوعية البرجوازية، الشعبويين. او يمكن توحيد العامل من اجل تحسين ظروف بيع قوة عمله فقط، وهو العمل الذي يقوم به النقابيون.
ان النشاط الشيوعي، طبقاً للتعريف وفي اكثر مستوياته اساسية، يوحد العامل بوصفه عامل في جميع الابعاد وضد البرجوازية بجميع الاشكال ويجره للميدان. اي بوصفه كائن مناهض للبرجوازية، طبقة تتصدى للبرجوازية. طبقة تريد انتزاع السلطة السياسية من ايدي البرجوازية وتطيح بمجمل النظام الراسمالي.
اذا لم تكن لدينا هذه البوصلة في النشاط الشيوعي، سنقع عملياً في الذيلية للمسار العفوي والحركات البرجوازية. في عالمنا، ليس للاحزاب القومية، الدينية والنقابية من امثال الاشتراكية الديمقراطية او حزب العمال البريطاني ارتباط وصلة ونفوذ قليلين بين الطبقة العاملة. كل منهم يسعى لتوحيد الطبقة العاملة طبقاً لحاجات ومقتضيات حركته. يمكن توحيد العامل بوصفه قوة للاطاحة بالنظام. اقلة هم العمال الذين جرهم الخميني والتيار الاسلامي بهذا الاطار للميدان؟ انه جر العمال للميدان او الاتحاد في صلب الصراع بين التيارات البرجوازية، وليس في سياق مجابهة العامل لمجمل الراسمال. يصح الامر كذلك على الثورية البرجوازية الصغيرة والشعبوية كذلك، والشيوعية البرجوازية ايضاً.
ان مجمل هؤلاء اساساً يوحدون العامل خارج عن وجوده الاجتماعي-الطبقي، بوصفه صنف، قوة ضرورية لاقتدار حركتهم .
اود ان اؤكد على وجوب التحلي في كل لحظة وكل مرحلة وكل تكتيك في النشاط الشيوعي بهذه البوصلة التي ينبغي ان تخرج الطبقة العاملة في هذا السياق وبهذا الهدف اكثر توحداً في تلك اللحظة والمرحلة او نتيجة لذلك التكتيك الفلاني. وعليه، حين نتحدث عن العمل الاساس للنشاط الشيوعي هو العمل التوحيدي، ينبغي ان يكون واضحاً لنا ان قصدنا هو توحيدها بوصفها طبقة امام طبقة اخرى. ينبغي ان يتجسد هذا السعي من اجل الاتحاد في الابعاد الاقتصادية، السياسية والثقافية وغيره.
انه لخطأ مميت ان نعتقد ان الشيوعيين والاحزاب العمالية لديهم عمل داخل الطبقة العاملة، يعملون عليها ويخلقون فيها منظماتهم. ان مجمل التيارات البرجوازية من الليبرالية الى القومية والفاشية، من الاسلامية الى المسيحية واليهودية، من النقابية الى اي متوحش سياسي برجوازي يتجهون للطبقة العاملة. حين يندلع صراع سياسي حاد بين التيارات (سواء في الشوارع ام امام صناديق الاقتراع) تحتاج البرجوازية الى القوة الكبيرة عددياً للطبقة العاملة وكادحي المجتمع. ليس ثمة حرب يخوضها البرجوازيين وحدهم، ولايوصلون بها لنتيجة وحدهم.
على اية حال، اذا كان الاتحاد يعنى الاتحاد بوصفها طبقة، عندها لايمكن ان يقام هذا السعي خارج عملية عمل الطبقة العاملة ومعيشتها. ان الشيوعيين في وضع مناسب دون شك لجر الطبقة العاملة الى الشوارع ومتاريس الانتفاضة والحرب المسلحة. ولكن تتوقف درجة نجاح هذا العمل على كون الطبقة العاملة قد جُلبت للميدان وصفها طبقة منظمة.
ان هذه البوصلة والتوجه في تشكيل منظمات عمالية متنوعة لتوسيع اتحاد الطبقة العاملة هو امراً حياتياً. ينبغي على الشيوعيين ان يكونوا في طليعة تاسيس اي نوع من التنظيم يزيد من الاتحاد الداخلي للطبقة العاملة. من هيئة الممثلين الى الاجتماع العام، من النقابة الى الاتحادات، ومن الصندوق التعاوني الى صندوق الاضراب وفريق كرة القدم وغيرها. ولكن ينبغي ان يسود عليها كلها افقاً عاماً وهو توحيد الطبقة العاملة ضد البرجوازية ومن اجل الاطاحة بالنظام الراسمالي. لقد اشرنا الى ان جميع هذه التشكيلات هي متاريس. النقابة، الاتحاد وغيرها هي متاريس وخنادق للدفاع والمقاومة بوجه البرجوازية. بيد ان المرء الذي يقدس هذه ويضفي صفة مثالية عليها ويفصلها عن سياق السعي للتوحيد الطبقي للعامل هو نقابي وليس شيوعي. نقابية تاتي من داخل حكومة توني بلير في بريطانيا والاشتراكية الديمقراطية في السويد هي اكثر يمينية من الاحزاب المحافظة.
ان تنظيم الطبقة العاملة هو ليس تنظيم الفقراء. يسعى النشاط الشيوعي دون شك الى لف الفقراء والمعدمين والمحرومين حوله، بيد انه ليس تنظيم الفقراء. ان وضع العامل في اغلب الاحيان افضل من فقراء المجتمع والكثير من الفلاحين. ان الثورية والاتحاد الطبقي للعامل لاتنجم عن فقر العامل. تنجم عن مكانته في الانتاج وصلته بالراسمال. ان هذا خطأ يرتكبه الكثير من الشعبويون والخيريون. انهم ينظمون حركة الفقراء، والتي في المطاف الاخير تتموضع في صلب حركات برجوازية. ان حركة توحيد العامل هي اساساً توحيد البروليتاريا الصناعية من اجل اقامة الثورة البروليتارية.
ينبغي الفصل بصورة كلية وتامة مابين مقولات ومفاهيم من مثل التوحيد كطبقة عاملة والتوحيد كقوة حازمة وراسخة لحركة اخرى. ينبغي ان يكون واضحاً ان الطبقة العاملة تريد عدم بقاء النظام الراسمالي، وتعرف ان اول خطوة في هذا السبيل هو الاطاحة الثورية بالجمهورية الاسلامية. ولكن يستطيع العامل ان يلعب هذا الدور فقط بدخوله الصراع والانهماك به بوصفه عامل وبهدف الثورة البروليتارية وان يعرف تمايزه مع مجمل التيارات والتقاليد البرجوازية.
لقد ذكرنا ان الطبقة العاملة ليست ظاهرة تحليلية، بل حقيقة موضوعية. انها ليست مقولة ايديولوجية ثمرة الوحدة العمالية، وان يكون موضوع السعي الموحد في النشاط الشيوعي هو اتحاد الطبقة العاملة نفسها. وعليه، لايمكن لمركز سعي النشاط الشيوعي والمنظمة الشيوعي من اجل وحدة الطبقة العاملة ان لايكون مراكز نشاط البروليتاريا الصناعية. لايمكن ان يحل اي قسم من المجتمع محل الطبقة العاملة. لايمكن ان يكون الحزب الشيوعي العمالي للطبقة العاملة الايرانية في فنلندا. ليس بحثي وموضوعتي هي نقطة انطلاق نشاط شيوعي. محل تمركز نشاطه في عملية تطوره. ينبغي ان تكون المنظمة الشيوعية منظمة العمال.
ان الطبقة العاملة في ايران تعمل في مكان معين، وفي مكان معين تجدد قوى عملها، وان المكان الذي تعمل فيه هو المعمل ويطلق على المكان الذي تجدد فيه قواها اسم محلة. وان هذين المركزين هما ارضية توحيد الطبقة العاملة. ان اتحاد البروليتاريا هو هذا الشكل من الاتحاد، لقد كان البلاشفة هكذا. هذا كان حال الاحزاب العمالية.
مع مصادرة حركات برجوازية للشيوعية، تكشف وتبين تدريحياً ان النشاط الشيوعي والحزب الشيوعي ليسا بحاجة الى العامل اساساً. من الطبيعي ان يبلغ المرء ماهو عليه الحال الان. ان ماهية الحركات البرجوازية اوصلت الحال الى هذا المكان. في ستينات القرن المنصرم، كانت نظرية اليسار الجديد هي ان الطالب والشاب هما القوى المحركة للمجتمع اساساً، وليس العامل. وان ذلك تحت مبرر ان العمال ليسوا ثوريين بقدر الطلبة اساساً، او انهم لم يبقوا بعد بوصفهم اغلبية المجتمع اساساً.
ان كتاب "عشرة ايام هزت العالم" يزود المرء بتصوير حي لشكل الاتحاد الذي خلقه البلاشفة داخل الطبقة العاملة الروسية. ان الساحة التي يصورها جان ريد في هذا الكتاب هي مثيرة للاهتمام. في محطة قطار، يتجادل منشفي مع عامل. يقول المنشفي للاشتراكية شروط ويشرع بايراد نظريات عجيبة وغريبة لاثبات ان البلاشفة مخطئين. يرد العامل البلشفي: انك متعلم كثيرا بدرجة لا استطيع ان ارد عليك، ولكن بلغت في المطاف الاخير نتيجة وهي ان المجتمع طبقتين: برجوازية وبروليتارية والبلاشفة انصار البروليتاريا. يعود الطرف الاخر مرة اخرى للتوضيح بالحديث عن الاقتصاد والتطور التاريخي وان هناك ظروف وشروط مسبقة للاشتراكية، ويديم حديثه لعشر دقائق. يرد العامل الشيوعي مرة اخرى ويقول : انك انسان ذا اطلاع فعلاً، ولكن في المجتمع هناك طبقتين فقط: البرجوازية والطبقة العاملة. والانسان اما مدافعاً عن هذا او مدافعاً عن ذاك. ولكثرة ماردد منطقه هذا، شرع الطرف الاخر بتوجيه الشتائم واللعنات للعامل البلشفي متهماً اياه بالتخلف. ان قصدي هو ان ذلك العامل وعى هويته وماهيته الطبقية امام البرجوازي.
او ان عاملاَ في كردستان يقول ان الحزب الديمقراطي هو حزب برجوازي. سواء اكان متشدداً ام لا، فيدرالي النزعة ام لا، يود ان يحارب جيداً ام ...ام. انه حزب برجوازي. انه حزب صاحب عملي. اذا كنت اعمل في كورة طابوق، فانه حزب صاحب الكورة، واذا اعمل في معمل ما، فانه حزب صاحب المعمل. ان هذه الحكومة، ورغم اختلافاتها مع الحزب الديمقراطي، فانهما سوية حماة مصالح الراسمال وممثلة الحزب الديمقراطي في الدفاع عن صاحب عملنا، حتى لو كانت الحكومة ليست حكومة الحزب الديمقراطي او القوميين الاخرين، فانها تضع مهمة هذا الدفاع على كاهلها. ولبلوغ هذا الهدف، لابد من نشاطنا التوعوي والتوحيدي.
توحيد الطبقة العاملة بوصفها طبقة امام البرجوازية. في الميدان السياسي، في الميدان الاقتصادي، الثقافي، في ميدان الحركة وفي اي ميدان يمكن تصوره. انه مفتاح توحيد الطبقة العاملة ووعيها.
ذكرنا انه بمحض ان يتوحد 10% من الطبقة العاملة في ايران وتتحلى بهذا الوعي، ستكون الثورة العمالية امر اليوم وغدا. ان هذا الاتحاد يخلق المعجزات. في اوضاع مثل هذه، تصبح الثورة البروليتارية والاعداد للانتفاضة هو امر على جدول اعمال اليوم. وذلك لان البرجوازية عاجزة امام هذه المقاومة.
لقد ذكرنا ان النشاط الشيوعي هو، في اكثر مستوياته بنيوية، نشاطاً توعوياً، موحِّداً وقيادياً. كما ذكرنا ان هذه الاوجه من النشاط الشيوعي هي ليست جوانب تكنيكية فحسب، بل متعلقة بهويته ولايمكن استنتاجها من اي كتاب، منطق، او من علم الادارة.
لقد تحدثنا عن الاوجه التوعوية والتوحيدية للنشاط الشيوعي. نصل هنا الى جانب اخر الا وهو الجانب القيادي. لتوضيح هذا الجانب من النشاط الشيوعي، علينا، مرة اخرى، ان نتبع اشكال المنطق الطبقي التي تعقبناها في الجوانب الاخرى.
لقد ذكرنا ان خصيصة النشاط الشيوعي، والتي سنتحدث عنها لاحقاً بصورة اوسع، هو ان النشاط الشيوعي ليس نشاطاً فكريا او ثقافياً او دعائياً فحسب. انه صراع سياسي كبير. في الحرب، تغدو القيادة امراً محورياً. بدون التحلي بمفهوم القيادة، وبدون التعريف الدقيق لهذا المفهوم في سياق حرب ما، لايمكن الحديث عن النصر في تلك الحرب. وعليه، ثمة حقيقة وهي اننا لانواجه في نشاطنا الشيوعي، اي حين نكون في انهماك بحرب كبيرة، الجيوش المسلحة للراسمالية، الشرطة والمعتقلات، بل بالاضافة الى هذا، بجيوش اكبر واكبر، ثقافية وفكرية للبرجوازية، وهي، اي الحقيقة، توصلنا الى الحاجة الى تحديد الخصائص الاساسية لقيادة شيوعية في هذه الحرب.
ثمة اسئلة كنا قد طرحناها على انفسنا، ومن الضروري هنا تكرارها فيما يخص جوانب اخرى. قيادة في اي حرب وقيادة لاي شيء؟ وباي هدف؟ للرد على هذا السؤال، يمكن ايراد قائمة طويلة، ساتناول هنا بعضها.
القيادة في تعميق الوعي الطبقي : ان تعميق الوعي الطبقي هي حرب. ومثل اي حرب اخرى، هناك مجموعة غير محدودة من المعارك الكبيرة والصغيرة. لايمكن للنشاط الشيوعي ان يكون موفقاً في هدفه هذا ان لم يشارك في كل معركة وفي المعارك كلها، ويعمق خطوة خطوة الوعي الطبقي للطبقة العاملة، والاستفادة من اي تجربة في تعميق هذا الوعي. لايحل شيء محل التجربة في حياة الطبقة العاملة ونضالها. ينبغي الدخول في هذه المعركة في خضم مجمل القضايا والتحركات السياسية، الاقتصادية والثقافية وغيرها، ووضع تلك المعطيات التي تلطخ ذهن العامل نصب العين وبلوغ النصر في هذه المعارك. قد تلحق بك الهزيمة في النضال المحدد حول مطلب محدد، بيد ان دروسها هي خطوة مهمة في الارتقاء بوعي الطبقة العاملة. على القائد الشيوعي، من بين ذلك، ان يكون قادراً على تحويل حتى الهزيمة الى تعميق للوعي الطبقي للعمال. مثلما قام ماركس بهذا العمل فيما يخص هزيمة كبيرة مثل كومونة باريس.
القيادة في توسيع الوحدة الطبقية : ان المعطيات البرجوازية هي مثل عصب الاعين، تقلل من الرؤية الطبقية للعامل فيما يخص المصلحة المشتركة للطبقة العاملة امام البرجوازية. ثمة حكم اساسي للبيان الشيوعي الا وهو اعلان الحرب على الثقافة والتفكير والمعطيات البرجوازية هذه. ان الجملة الاخيرة للبيان الشيوعي هي: ياعمال العالم اتحدوا. هي اثبات ان ليس فقط عمال الاقسام المختلفة في ايران منخرطة في حرب واحدة مع البرجوازية، وينبغي ان تكون في صف واحد، بل ان العامل الكردي، الفارسي، التركي، الافغاني، العربي، الامريكي، الاسرائيلي وغيرهم، وان عمال العالم منخرطين في حرب واحدة ضد الراسمالية في كل العالم. انهم بامس الحاجة لقوى بعض، وينبغي ان يضعوا اياديهم بايدي بعض سوية امام البرجوازية، وان الكل بحاجة لنشاط متمركز، وبقيادة القوى الموجودة في جميع ميادين هذه الحرب.
القيادة في حث الخطى صوب السلطة والاقتدار السياسيين : النشاط الشيوعي هو نشاط سياسي من حيث الماهية والمحتوى. نشاط من اجل استلام البروليتاريا الثورية للسلطة السياسية. ان موضوعة الحزب والسلطة والاقتدار السياسيين اجمالاً تنضوي في هذا الهدف. اي بمعنى ان البروليتاريا الثورية تستلم السلطة بحزبها. اما فيما يخص كيف تتم هذه الخطوة، وفي اية اوضاع وظروف، ومن قبل اي نوع من الحزب، وباية ابعاد، فاننا قد تحدثنا عن هذا في اماكن اخرى بالتفصيل، وهو ليس موضع بحثنا الان. ان ماهو موضوع بحثنا هو المضمون الاساسي لهذا التفاعل المتبادل. ساوضح لاحقاً مكانة اليات من مثل "حرس الحرية" (اسم القوى المسلحه التي شكلها الحزب الحكمتي-م) في اتخاذ خطوة صوب السلطة والاقتدار السياسيين.
اود ان اؤكد هنا على ان النشاط الشيوعي هو نشاط في ميدان النضال السياسي. النشاط الشيوعي ليس نشاطاً يخص قضايا معمل ما فقط. ذكرنا ان اداة الثورة العمالية هي التحزب السياسي قبل اي شيء اخر. يمكن الاشارة الى الكثير من المحاور في هذا الاطار. بيد ان مضمون جميعها هو وضع الطبقة العاملة في مكانة اكثر مناسبة للقيام بالثورة البروليتارية. اذا لم نتحلى بهذه البوصلة، سنقع فريسة الصنفية عمل اجتماعي خيري وغيرها، وبغض النظر عن كونها جيدة ام سيئة، فانها تبقي على صيانة الممجتمع الراسمالي على اية حال. بهذا السياق، يمكن توجيه النضال في الميادين المختلفة واعطائها مكانتها الصحيحة.
القيادة في تحسين ظروف المعيشة والعمل : كلما تحسن وضع العامل، كلما تحسنت امكانية نضاله من اجل الاشتراكية. على النقيض من تصورات انصار الفقراء واشتراكية الفقر الذين يعتقدون انه كلما كان الانسان افقر ويغط في المصائب اكثر، يصبح نضاله اكثر اشتراكية، بيد انه كلما كان العامل اكثر رفاهاً، كلما ازداد مستوى تطلعاته.
حين يعود عامل يعمل ثمانية ساعات في اليوم بدل من خمسة عشر ساعة الى بيته، وبدلاً من يتصبب كل جسمه عرقاً، وليس لديه امكانيه على اللحاق باوضاع عائلته وماتحتاجه، بوسعه ان يخلص عائلته من الجهنم الذي ترسف به، بوسعه ان يتابع متطلبات طفله، ان يقرأ كتاباً، ان يعقد اجتماعاً مع رفاقه، بوسعه ان ينظم نضاله وغير ذلك.
ان هذه ظاهرة لايفهمها البرجوازي الصغير. انه يعتقد انه كلما يكون الانسان افقر، يكون اكثر ثورية. ان الفقير امرء يرسف بالجزع والقنوط. وان الانسان الجازع والقانط لاتطال ايديه شيء. انه مجبر على القيام بهذا العمل. عملياً وفي الحياة الواقعية، ليس لديه اختيار. يمكن ببساطة ان تجذبه اكثر الافكار رجعية. ويمكن ببساطة ان يساوره شعور بالرضا والقناعة بالقليل.
لا اعرف كم مقابلة شاهدتم او قراتم لعمال تبعوا شخص مثل احمد نجاد ولاينتمون الى سياسته، لماذا اعطوا صوتهم له؟ تحدثت مع احد منهم وقلت له: لماذا يصوت بعض العمال لاحمد نجاد؟ قال "اولاً علي ان انظر الى بطون اولادي كي اتمكن لاحقاً من النضال. اني لست مناصر للخضر، ولكن هذا (وقصده نجاد-م) يعطيني معونة ودعماً ولايطردوني من بيتي". ان هذا الجزع التام ناجم عن الفقر. ان هذا التصويت لنجاد او دفاعه الضمني هذا امام الخضر ليس نابعاً من ارتياحه لاحمد نجاد او يعرف الخضر جيداً. بل من زاوية انه لايريد ان يطرد من البيت مع اطفاله الاربعة او الخمسة.
ولهذا فان القيادة في تحسين ظروف العمل، القيادة في النضال ضد الجزع الذي فرض على القسم الاكبر من الطبقة العاملة، ليس نضالاً انسانياً وطبيعياً، بل انه ذا صلة مباشرة بالنضال من اجل الاشتراكية. بشرط ان يتحلى المرء بالبوصلة التي تحدثت عنها. بدون هذه البوصلة، فان النتيجة العملية هو السقوط في الدفاع العلني او الضمني لهذا الجناح او ذاك من البرجوازية.
القيادة في بث قدرة الدفاع عن النفس : قلنا ان النشاط الشيوعي هو ليس نشاط تنويري، انه نشاط اجتماعي، وموضوع عمله اناس محددين ومعينين في المجتمع. اذا كان الامر كذلك، عندها ينبغي ان يكون معلم تقدم ونجاحه، وكاي نشاط اجتماعي اخر، هو معلماً موضوعياً اجتماعياً.
ان هذا الشاخص والمعلم بسيط. ينبغي على النشاط الشيوعي، وباي مستوى من مستوياته، ان يترجم في المطاف الاخير الى ان الطبقة العاملة تكون اكثر قدرة في الدفاع عن نفسها. ينبغي ان يكون العامل الذي انجذب للنشاط الشيوعي او السياسة الشيوعية او انه موضوع عمل النشاط الشيوعي، في وضع افضل واكثر قوة واقتدار فيما يخص الدفاع عن النفس من عامل ليس في الظروف ذاتها. مثلما ان انضمام عامل الى نقابة او اتحاد سيجعله اكثر قوة واقتدار من عامل غير منظم في تنظيم.
ولهذا فان الشاخص الموضوعي لنجاح النشاط الشيوعي هو ان يمنح الطبقة العاملة في الحياة الواقعية امكانية مقاومة وهجوم اكبر امام البرجوازية سواء في الميدان الاقتصادي، السياسي، الثقافي او اي ميدان اخر.
اذا لم نتمكن من الاشارة بهذه الشواخص ان التوفيق قد حالفنا، فان اي عمل استثنائي وبطولي قمنا به لايكون ناجحاً، ولابد ان هناك خطأ ما فيه.
حتى اذا كان اغلب العمال معك، ولكن حين تعجز بهذه الاغلبية ان تمنح قدرة الدفاع عن النفس، فانك لست منهمكاً بنشاط شيوعي. انك لاتقوم بتلك القيادة التي يستلزمها نشاط شيوعي. انك تقوم بعمل اخر. لا احكم على جودة ورداءة العمل الذي تقوم به، ومن المؤكد انه عمل حسن. ولكنك في المطاف الاخير، في الصراع بين الطبقة العاملة والراسمالية، كانك تطرق الماء في هاون.
ان النشاط والتنظيم الشيوعي هما نمط من النشاط والتنظيم العمالي. ومثل سائر التشكيلات العمالية، ينبغي حساب نجاحه من عدمه بصورة قياسية موضوعية بالمتر الموضوعي للتغيير في العالم المحيط لصالح اعطاء القدرة والاقتدار للطبقة العاملة، وليس بالاقوال والاعمال العامة.
قيادة النضال الطبقي للبروليتاريا بوصفها طبقة معينة وطبقة عالمية في مجمل اوجهها : تسعى البرجوازية، وعبر الاستناد والاتكاء على القومية، ان تضع الطبقة العاملة في بلد ما بمواجهة الطبقة العاملة في البلدان الاخرى. مع موضوعة "الدخول اللامنظم للبضائع الاجنبية" وان " مطلب وضع العراقيل او منعها" هي امراً معروفاً. مع فكرة ان العمال الافغان يسرقون عمل العمال الايرانيين او ان العمال الايرانيين ياخذون عمل العمال السويديين، او العمال الاتراك و العمال الالمان، العمال النساء تجاه العمال الرجال وغيرها هي معروفة دون شك، وهل تعرفون مدى نفوذ مثل هذه الخرافات البرجوازية عند الطبقة العاملة؟
اوردت لكم مثالاُ وقلت في بريطانيا، قرر مالك شركة بي ام دبليو، وهو مالك مصنع سيارات روفر كذلك، اغلاق المصنع لانه لايدر ربحية مناسبة. وجه ممثل الجناح اليساري، ومايسمى بالراديكالي، لاتحادات بريطانيا نداءاً لمقاطعة شراء سيارات بي ام دبليو حتى يرمى عمال المصنع في البطالة كي يفهم "الالمان" اي بلاء ومصيبة هي البطالة!
من وجهة نظر القائد النقابي الالماني، الالماني الماني سواء كان عامل ام راسمالي، والبريطاني بريطاني سواء اكان عامل ام راسمالي. ان هذا القائد النقابي هو في الحقيقة ممثل البرجوازية التي ليس لها قدرة المنافسة مع بي ام دبليو مثلاً. انه يضع راسماله في العرق القومي بالدفاع عن العامل، وبهذه القناة يحول العامل البريطاني الى جنود البرجوازية في حالة افلاس بريطانيا. بدل ان يطرح ضمان بطالة كافي، بدل ان يطرح زيادة اجور العمال القليلي الاجور في سائر بقاع العالم، يلجأ الى رمي العمال الالمان الى البطالة. ان هذا يسمونه قومية.
ومثلما يعلن البيان الشيوعي، القيادة الشيوعية هي قيادة السعي لتوحيد الطبقة العاملة عالمياً. قيادة السعي لاثبات المصير المشترك للعامل، سواء اكان امراة او رجل، كرد، فرس، بلوش، افغان الى سويدي والماني وبريطاني. قيادة السعي ضد الخرافات البرجوازية التي تضع العامل والراسمال في سلة امة واحدة.
القيادة في مجمل الميادين والقضايا المتنوعة لحياة ونضال الطبقة العاملة . ذكرنا ان النضال والنشاط الشيوعي ليسا نقاشاً وجدلاً فيما يخص القضايا النظرية والسياسية، وبالاخص الاقتصار على اعلان موقف فيما يتعلق بالمسائل المتنوعة. ان اعلان الموقف هذا ضروري دون شك، بيد انه ليس كافٍ بشكل تام. ينبغي ان يكون النضال الشيوعي منهمك ومنخرط بقضايا متنوعة تواجهها سواء من الناحية الذهنية والعملية الطبقة العاملة والمجتمع وبابعاد اكثر عمومية. وبالاخص، ينبغي على النشاط الشيوعي ان يخص خلق الوحدة في صف الطبقة العاملة على ارض الواقع في المجتمع وخلق الاقتدار في صف الطبقة العاملة. تستلزم هذه الاهداف ان يعتبر النشاط الشيوعي قيادة مجمل اوجه النضال وجميع القضايا التي تواجه الطبقة العاملة مهمته. سواء من حيث الابعاد السياسية، الاقتصادية، الايديولوجية والثقافية وغيرها. يستلزم النشاط الشيوعي ذلك قيادة لاتقصر افقها السياسي للعمل ومهامها جراء الضغوطات المرحلية للحركة.
ثمة واقع الا وهو حين تطرح الكثير من المسائل اليومية على طاولة قائد عملي، يمكن لها ان تبعد الكثير من الامور الاكثر اساسية عن اعينه. تتمثل مزية النشاط والقيادة الشيوعية في ان لايدعا هذا يحدث. بخلاف ذلك، سيظهر ميل العفوية. ينبغي ان يؤمن النشاط الشيوعي مجمل هذه الاوجه في كل لحظة.
لاندحة للقيادة الشيوعية من ان تجابه بصورة حاسمة كل ميل او تيار يضع العراقيل امام الحركة العملية او يدعو ويوعظ بنفض اليد عن هذه المباديء تحت مبررات خصائص هذه المرحلة او تلك. اي ان لاتكون مساومة.
القيادة هي، في المرتبة الاولى، قيادة سياسية وليست قيادة نظرية. لقد تحدثنا عن دور النظرية في النشاط الشيوعي، بيد ان المعرفة النظرية لمسائل النضال الطبقي هي امراً نسبياً. لاينتظر النضال لحين اكمال مطالعاتي. اذ يُجبر القائد الشيوعي، وكاي قائد اخر، على ان يعمل في اي صراع استناداً الى معرفته. اذا تطلب الامر ان يدعو اخصائياً ويتشاور معه، بيد ان عليه، على اية حال، ان يتخذ قراراً حين تكون الحرب جارية، مثل اي قائد وآمر اخر.
اشرت الى وجوب ان ننظر للقضايا من زاوية موقف عامل منهمك في هذه الحرب. لايمكن ان تقول في وسط الاضراب: لا اعرف ماينبغي عمله، علي ان اقرأ انتي دوهيرنغ اولاً او انني بحاجة الى التفكير او الراحة لسنوات. لاندحة لنا من تعلم الماركسية في سياق الحرب واثنائها. ليس لدينا امتياز الضباط والجنرالات والمنظرين البرجوازيين، اذ يرسلوهم اولاً للجامعات وبعدها الى الحرب. اتمنى ان ياتي يوماً يكون الامر فيه هكذا لنا. ولكن الى ان ياتي ذلك اليوم، نحن مجبرين على تعلم الماركسية والنظرية ابان الحرب. بيد ان لهذا الجدار جانبين دون شك. يمكن ان يظهر احد من طرف ويقول ليس لدي وقت اساساً للنظرية الان، ويدخل هذه الحرب معصوب العينين، او اخر يقول لن امضي للحرب طالما لم اكمل النظرية. على القيادة الشيوعية ان تكون قادرة في اوضاع ما على صيانة هذا التوازن.
وبهذا السياق، نصل الى ان القيادة الشيوعية ليست قيادة تاخذ اوسط الامور، انها قيادة منحازة وذات موقف. ليست قيادة مصلحية، تتحدث بوضوح وتتخذ موقف بوضوح. قيادة بعيدة الرؤية وتتلقف المسائل الطارئة.
قيادة تعريف وتحديد نصر الطبقة العاملة في كل معركة : الحرب هي مجموعة من المعارك. الحرب الطبقية للبروليتاريا هي ايضاً مجموعة من المعارك المختلفة في جبهات مختلفة واوقات مختلفة تجري في اغلب الاحيان بعيدة عن ارادتنا.
على القيادة الشيوعية ان تعرف وتحدد بصورة موضوعية في كل من هذه المعارك النصر الذي من الممكن ان تحققه الطبقة العاملة بالاستناد الى قواها. على سبيل المثال في موضوع اسقاط الجمهورية الاسلامية، علينا ان نحدد ماذا يعني ذلك من زاوية الطبقة العاملة في كل مرحلة ارتباطاً بالقوى الموجودة في الساحة. اذا كانت مايجري هو ثورة ديمقراطية، فماذا يعني انتصار الطبقة العاملة في هذه الثورة الديمقراطية؟
ان تحديد وتعريف الانتصار ليس بمعنى اعلان موقفنا فيما يخص امانينا. ينبغي تحديد معنى النصر ارتباطأ بالقوى الموجودة. مثل جنرال بالضبط، اذ يحسب قوى العدو وقواه، ويحدد معنى النصر في كل معركة. من جمع هذه المعارك في حرب ما يمكن الخروج منتصراً. لايمكن جعل شعار اسقاط الجمهورية الاسلامية شعار اضراب حول مطلب معين، وبعدها تعلن اننا انهزمنا. ينبغي تعريف وتحديد النصر في كل مكان وفي كل معركة، من اضراب الى ثورة استناداً الى القوة التي بوسعها تحقيق ذلك. تبيان العوائق العملية والذاتية لتحقيق هذا النصر وطرح السبيل العملي وليس الاماني والاحلام والسعي لتحقيقه.
الصراع ضد تيار الخضر( تيار موسوي)، ضد مليشيات الباسداران، من اجل الاجور، حول العمل الاضافي، الصراع في سياق مسالة قومية، الصراع حول اي شيء اخر، ينبغي تحديد انتصار البروليتاريا في هذه الصراعات بوجه انتصار الحركات البرجوازية، والعمل من اجل تحقيق الانتصار كاي قائد وجنرال اي معركة. ان هذا يوصلنا لنقطة اخرى بعدها.
القيادة في تحقيق نصر اي نضال : القيادة ليست اطلاق الشعارات فقط. كما انها ليست كتابة المقالات والبيانات فقط. انها قيادة عملية لحرب او صراع. ان قيادة النشاط الشيوعي هي مرشد حرب من اجل تحقيق الانتصار فيها. لايمكن ان تذهب لميدان الحرب وتقول لقد صرحت بمواقف صحيحة. ينبغي تنظيم الانتصار. مثل جنرال عسكري يعرف ان عليه ان يحتل هذا الموضع اوذاك، هذا المرتفع او ذاك، هذه النقطة المحورية او تلك. ان ينظم ويقود الصراع من اجل احتلال هذه المواضع. على القيادة الشيوعية ان تكون جنرال الانتصار خطوة خطوة في تلك المعركة في مجمل الميادين المنخرطة بها.
لقد اشرت الى ان احد عناصر الشق القائمة في الصف الشيوعي هي السمة الفردية والذاتية للمثقفين. بوسع هذه السمة في ميدان الحرب ان تحول القيادة الشيوعية من مسالة عملية-فكرية الى مسالة ذهنية كلياً. في هذه الحالة، تتحول القيادة الى قيادة اعلان موقف. اذا تسال ماذا عملت في الصراع الفلاني الذي جابهته الطبقة العاملة او المجتمع، يكون رده "لقد قلت!!!". لقد كنا مجبرين في الحزب الحكمتي على اقرار قرار ان "ماقلته" ليس تقريراً. قمت بكذا، لم اقم بكذا، يمكن او لايمكن وغيرها هي التقارير.
واخيراً القيادة هي حرفية . ان احد الاركان الثابتة للنشاط الشيوعي هي وجود شبكة من الثوريين الحرفيين. وذكرت ان الحرفية لاتعني اني استلم دعماُ مالياً من الحزب. بل يعني اختصاص ومختص حرفته. واذا يستلم دعماً مالياً من الحزب فذلك يعود لتخصصه.
وبهذا الخصوص، ليس ثمة شيء بقدر قيادة ملمة بفن القيادة. ان هذه سمة اي قائد عملي للعمال. يتعلمها بالتجربة. ولكن يجب تطبيق هذه التجربة وتعميمها والاهم من ذلك ان لاتفارق باله.
تحدثت في الجلسات السابقة عن ان النشاط الشيوعي الاساسي هو عبارة عن توعية البروليتاريا وتوحيدها وقيادتها للثورة البروليتارية، وليس لثورة الطبقات الاخرى. كما تحدثنا عن جوانب من هذا النشاط. واشرنا هنا وهناك الى ان هذا النشاط ليس نشاطاً لتوضيح الامور، بل نضال اساساً.
اتحدث في جلسة اليوم عن موضوعين. نركز احدهم حول هل ان النشاط الشيوعي هو نشاط تنويري وتوضيحي ام نضال، والثاني حول اي تنظيم ضروري لهذا النضال؟
للرد على سؤال: هل ان النشاط الشيوعي هو تنويري ام نضال؟ الرد هو ان هذا النشاط هو تنويري وتوضيحي. ولكن يمكن لتصنيفه بوصفه تنويرياَ وتوضيحياً ان يوصلنا الى نتيجة غير صحيحة. قد يرمي المرء باحضان الاكاديمية. ان توضيح الامور هي احد اوجه النشاط الشيوعي دون شك. ولكن ينبغي فهم هذه التوضيحية في اطار ما، بوصفها جزء في خدمة صراع سياسي معين. اسمحوا لي ان افصِّل بهذا الخصوص. اؤكد مرة اخرة على اني ساتطرق لهذا الموضوع بصورة مفصلة على شكل كراس، واعرض هنا مقدمة فقط لهذا الموضوع.
ان قسم واسع من اناس يعتبرون انفسهم يسار او ماركسيين، يختزلون في اغلب الاحيان النشاط الشيوعي، باي معنى وشكل يفهموه، الى توضيح الامور. يناضلون في افضل الاحوال ضد الخرافة، يوجهون النصح، ينطقون بكلام حكيم وغير ذلك، وفي اغلب الاحيان لايدخلون هذه الحرب حتى، ويكتفون بتبيان واعلان موقف وصدور فتاوي سياسية ونظرية. يختزلون توضيح الامور الى اعلان موقف. ويستفادون دون شك من ادوات هذا التنوير مثل جريدة، كتاب، تلفاز، اذاعة، واليوم الصفحات الالكترونية والانترنيت كذلك. من الواضح ان ذلك القسم من هذا النشاط الذي يقوم بحرب فكرية مع البرجوازية يقوم بعمل مفيد. ان الحرب الفكرية مع البرجوازية هي قسم مهم من النشاط الشيوعي. بيد ان هذا العمل تفصله اشواط عن تغيير العالم المحيط بنا، وهو محتوى وهدف النشاط الشيوعي.
بوسعنا ان نقوم بسنوات وسنوات من التنوير والتوضيح ولانترك تاثير يذكر على عالمنا الخارجي. ان كل شيء في عالمنا يقترن بصراع الطبقات مابين البروليتاريا والبرجوازية. ان هذا الصراع لايرتبط في الاخير، بل يوميا، في السياسة، الصراع السياسي، توازن القوى السياسي، والاهم من هذا المكانة الموضوعية واليومية للطبقة العاملة التي هي موضوع مخاطبة التنوير.
دع جانباً اذا اراد العامل الاستفادة ولو ذرة من هذا التنوير، سيجابه بقوى العنف البرجوازي، بمؤسسة الدين والقومية وغيرها، كي يُحرم اساساً القسم الاعظم من الطبقة العاملة من امكانية وفرصة الاستفادة من التوضيح هذا. البرجوازية ومكانة حياة العامل اليومية تحرمه من هذا.
ان اليسار تاريخياً هو نبي كشف الحقيقة. وضع ابلاغ الجماهير بالحقيقة مهمة له. قد لايكون خاطئاً في مايقول ايضاً، ولكن في ظل غياب نضال سياسي واستناد الى القوى الموضوعية لذلك النضال، سيبقى ابلاغنا للحقيقة عديم او قليل الثمار، وسيبقى موضحنا ومنورنا للحقائق مقتصراً على لعب دور الحكيم او محسناً اجتماعياً في افضل الاحوال.
ان تصورنا لعملية التنوير هذه هي توعية الطبقة العاملة بمجمل الخرافة التي ينتجها المجتمع الراسمالي ومجمل ادوات تبليهه، بالاضافة الى انه تتمتع الاليات التي تجعل امكانية نيل الطبقة العاملة هذا التنوير واتخاذها نتائج عملية منه امراً محدوداً او مستحيلاً، باهمية تضاهي التنوير هذا. ان العوائق تجعل نيل الطبقة العاملة لهذا الوعي امرا مستحيلاً او ان تحقيقه يغدو امراً لاعملياً في كل خطوة. ان طرح السؤال حول ماهي العوائق الموضوعية التي تجابه التنوير او التوعية وكيف يمكن احباطها هي جزء من مسالة النشاط الشيوعي.
لايمكنك ان تفصل تنويراً مؤثراً عن تحطيم الجدار الذي يفرض هذه المحدودية والتضييق. هنا يكمن اختلاف اكاديمي ما عن ناشط شيوعي. حتى اذا منحتك البرجوازية اجازة التنوير، وفي بلد مثل ايران لاتسمح بذلك، فان امكانية تاثيره يصبح محدوداً وذلك للمكانة الاجتماعية للطبقة العاملة. انظروا الى اوربا والبلدان التي ليس فيها قمع واستبداد، ستدركون ما اقصد. ان ماركس من يقول ان الوعي هو جزء من البنية الفوقية للمجتمع ويقترن بالسياسة والسلطة السياسية. اي بلغة بسيطة، لايقترن فقط بمؤسسة السجون والشرطة البرجوازية، بل بكل امكانات البرجوازية وعدم امكانيات البروليتاريا.
وعليه، نبلغ سؤال: اية عوائق يجابهها التنوير والتوعية هذه؟
ولكي اوضح لماذا ان التوضيح ونشر الحقيقة هما امراً ليس بكاف. ضعوا في بالكم الحجم الهائل للوعي المضاد او الخرافة التي تنتجها هذه المؤسسة البرجوازية. من الدين الى الجامعات، من المدرسة الى تلفازها وسينماها ومطبوعاتها هي كلها مؤسسات لانتاج الخرافة. انها مؤسسة انتاج وعي مقلوب. مؤسسة تنشد زرق الطبقة العاملة بان هذه هي حياتك. الشيوعية انتهت. النضال من اجل المساواة انتهى، تبين ان السبيل الوحيد هو الراسمالية، وينبغي تعريف وتحديد المساواة والرفاه في اطار هذه المنظومة. للعامل حق ان يناضل، ولكن بشرط ان يكون ذلك في اطار الراسمالية.
وان مصيره الاخفاق هو ذلك العمل التوعوي الذي يعتقد ان بوسعه الوقوف والتصدي لهذه المنظومة العالمية الهائلة عبر عدة جرائد. تصدر جريدة، تصدر البرجوازية عشرة الاف جريدة، تبث برنامج تلفزيوني لمدة ساعة، تفتح البرجوازية مقابل ذلك مئة قناة تلفزيونية. ولايمكن اساساً مقارنة الامكانيات سواء من الناحية الكمية او الجذابية بالمعنى الشائع للكلمة.
البرجوازية عالمية، لديها BBC و CNN وغيرها. اذا تسال اليوم اي شخص ماهو تيار الخضر في ايران، من الارجنتين حتى الصين، من الاحزاب اليسارية الاوربية حتى الايرانية تعطيك جميعها تصوراً ما عنه.
تصيغ مؤسسة الوعي المضاد البرجوازية في غضون 48 ساعة العالم حول مايحدث في ايران من زاوية مصلحة البرجوازية، وتحول هذه الرؤية الى رؤية الجميع، ومن ضمنهم الطبقة العاملة. ليس بوسع اصدار جريدة او تلفاز مجابهة هذه المنظومة اساساً.
وببعد اخر، ان اي مقدم نصح او نبي حقيقة يُجابه فوراً بتكفير مؤسسة الدين من المسجد والكنيسة الى معبد الراهبين. انكم ما ان تبدأو بالنشاط الشيوعي تُجابهون بالملالي والقساوسة والكهنة قبل الشرطة. وفوق هذا، لا على صعيد الجدل والنقاش التوضيحي، بل بالتكفير واللجوء الى قسر المتدينين.
بعد هذا تبلغ قمع الدولة ومحدوديات حرية التعبير وغيرها. حرية التعبير ممنوعة. لايمكن لمقدمي النصح بالحقيقة ان يقولوا كلامهم. انهم اناس جيدين، ولكن ليس بوسع انبياء ابلاغ الحقيقة ان يصرحوا ب99% من كلامهم، والذين اذا لم تحرق المساجد والكنائس والمعابد كتبهم، تقوم الحكومة بهذا العمل.
وبموازاة ذلك، هناك قمع وترهيب العصابات غير الرسمية للبرجوازية. مليشيات البسيج، الجماعات والعصابات البرجوازية المسلحة. أ تتذكرون السنوات السابقة، حين كان العمال في كردستان يقومون باضراب ما، يدافع الحزب الديمقراطي رسميا وعلنياً عن البرجوازية ويقمع العمال؟ في تاريخ الحركة العمالية في امريكا، لعبت وتلعب هذه العصابات المسلحة للبرجوازية دوراً قبل الشرطة في قمع وترهيب وتخويف ناشطي الطبقة العاملة.
تنظم البرجوازية دوماً اناس مسلحين لها. وقبل ان تتدخل الدولة، تقوم هذه العصابات والجماعات المسلحة لمالك العمل بقمع قسم كبير من العمال المناضلين واليسار والشيوعيين.
كل هذا والامر يتعلق بادوات القمع الفكري لحد الان. الخضوع والرضوخ الاقتصادي للطبقة العاملة هما عائق بنفس القدر من الجدية امام التنوير والتوضيح هذا. اذ تضع البرجوازية الطبقة العاملة، من الزاوية الاجتماعية والخضوع الاقتصادي، بمكان بحيث تتحول ضرورة العمل من اجل المعيشة الى عائق امام النشاط التنويري. كيف لك ان تتطلع من عامل يعمل خمسة عشر ساعة ان يقرأ الرأسمال، فمابالك بكتاباتي وكتاباتك؟ يقرأ البيان الشيوعي، ويتعلم الشيوعية بوصفها علم؟
عامل يعمل خمسة عشر ساعة، ويغض النظر عن ساعتين من نومه كي يعقد اجتماع مع رفاقه، يقرأ كتاباً، وينفق فرصة متابعة اطفاله وعائلته للقيام بهذا العمل؟ كم منا يقوم بهذا العمل لو كنا في مثل هذه الوضعية؟ يقوم قسم من القادة الشيوعيين للعمال بهذا دون شك. بيد انهم ابطالنا الحقيقيين والمجهولين لعصرنا، وان عددهم محدود مقارنة بجموع العمال.
ان المحدوديات الثقافية هي بعد اخر من هذه العوائق التي تأسر البرجوازية الطبقة العاملة فيها. يقول ماركس الثقافة السائدة هي ثقافة الطبقة السائدة. الامر هذا يصح على مجمل الانظمة الطبقية. تزرق البرجوازية بكل قواها ثقافتها في جسد المجتمع عبر توظيف اكثر المكتسبات البشرية تقدماً. تحول تصورها للعالم الى تصور كل المجتمع للعالم. الطبقة العاملة ايضاً جزء من هذا المجتمع والثقافة السائدة عليها هي جزء من هذه الثقافة. ان كون هذه الثقافة في تناقض يومي مع حياة الطبقة العاملة وحاجاتها هي مسالة مهمة اخرى ساتناولها لاحقاً بوصفها احد ادوات مجابهة البرجوازية. بيد ان الطبقة العاملة هي الهدف الاساسي والضحية الاساسية للثقافة البرجوازية.
تتمثل مجمل حياة العامل، طبقاً لتعريف ماركس، بامرارها من اليوم لغد. وطبقاً للتعريف ايضاً، على الطبقة العاملة ان تبيع قوة عملها يومياً من جديد، ومن الممكن يومياً ان تحال الى البطالة، ويكبلها عالم العمل المضني والحياة الفردية والعائلية والاجتماعية، تبحث عن افيون قبل اي شيء اخر. الدين والقومية هما جزء من اشكال الافيون هذه، وان كل العالم والتطلع من العالم الذي تضعه البرجوازية امامها هو افيون من هذا القبيل. افيون تستنشقه في التلفاز، المدرسة، ومن وضعيتها في المجتمع.
على سبيل المثال، ان تصور العامل للمراة هو نفسه التصور الذي يزوده به المجتمع الراسمالي. المراة ربة البيت في حياة الطبقة العاملة هي جزء من عملية الانتاج الراسمالي. يحسب الراسمالي قيمة قوة عمل العامل استناداً الى قيمة المواد الخام اللازمة لاعادة انتاج العامل. ان ذلك الشخص الذي ينتج من تلك المواد الخام غذاء او مواد للاستهلاك هو على الاغلب المراة ربة البيت، او يفترض الراسمالي ان هذا هو عمل المراة ربة البيت. وعليه، ومن اجل اعادة انتاج قوة عمله، وكي يتمكن ان يمضي للعمل غداً، العامل بحاجة الى عبد عديم الاجر في البيت، بحاجة الى من يشاطره الفراش لانتاج مثله، عمال الغد، اي ولادة الاطفال.
يضع البرجوازي العامل في هذه الوضعية. في هذا العالم، تخلق الارضية والاجواء لترسيخ او مرغوبية الدعايات الدينية والبرجوازية حول دونية المراة، فكرة المراة الخاضعة، تخلق اجواء القبول بهذه الافكار. انه افيون لتبرير وطأطأة الراس للمكانة الراهنة للحياة. ان هذا مثال فقط. يمكن تعميم وتطبيق الامر ذاته على صلة العامل بنفسه وباطفاله.
ثمة سؤال اخر الا وهو كم تستغرق عملية التوعية هذه او التنوير والتوضيح هذه؟ متى تعطي ثمارها؟ ينبغي الانتباه الى، اولاً، ان الماركسية علم، وعلى كل امرء ان يتعلمه، وثانيا، كم يستغرق من سنوات تعليم هذا النشاط التنويري هذا العلم للعامل؟ كم يستلزم من سنوات التحقيق والتمحيص كي يتمكن العامل من فهم مجمل النظام الراسمالي؟ والرد على مجمل الخرافات التي يزرق بها ذهن الطبقة العاملة يومياً؟
اذا نترجم النشاط الشيوعي الى امر تنويري فقط، عندها، في عالمنا، فان عمر العامل، هذا اذا لم يعدم اويسجن او لم يرمى للبطالة، لايكفي للالمام بهذا العلم.
الماركسية، وكاي علم اخر، يمكن تعلمها . يمكن ان تُنقَل الماركسية شفاهاً وتتوارث بقدر ما يتناقل الطب والصحة والفيزياء شفاها او بالتوريث. الوعي امر يمكن تعلمه، ولكن ليس توارثه. لاينتقل شفاها. مهما قرانا انا وانتم ماركس، لانستطيع نقله شفاها الى ابنائنا او زملائنا في العمل. لانستطيع ان ننقله الى ابنائنا. على كل امرء ان يتعلم هو نفسه الماركسية مثلما ان على الطبيب ان يتعلم الطب. ان عاملاً تعلم الماركسية، حين يرحل عن عالمنا، على الجيل الجديد من العمال ان يبدء مرة اخرى من الصفر.
ما اود قوله هو ان تحويل النضال الشيوعي الى نشاط تعليمي يتضمن مجمل هذه التناقضات. ليس لهذا العمل من نهاية ويحيل الثورة الاشتراكية الى امر محال.
ان هذه دون شك هي زاوية من العوائق التي تواجه التنوير بصورة صرف. وعليه، لايرد نبي الحقيقة على معضلات النشاط الشيوعي. ليس موضوعي ابداً التقليل من اهمية وقدر عمل المثقفين او التنوير. في عالمنا المليء بالحماقات، اشد على يد اي مثقف او عملية تنوير تتصدى للخرافة. ان توضيح الامور هو جزء من النشاط الشيوعي، بيد ان النشاط الشيوعي ليس تفسير وتوضيح المسائل. انه سعي منظم من اجل التغيير .
تتمثل النقطة بانه اذا اردنا توضيح الامور في اطار اهداف النشاط الشيوعي، علينا ان نتحلى بسبيل مجابهة جيش التخلف، ينبغي ان تتحلى بسلطة وثروة.
مقابل مجمل المنظومة البرجوازية المقتدرة لتامين الفرقة والتبعثر في صفوف الطبقة العاملة عبر الاستناد الى الخرافة والقسر، فان هذه المنظومة ذا عقب اخيل ونقطة ضعف يجعلا كل هذه المنظومة عرضة لضربة جدية امام النشاط الشيوعي. ان عقب الاخيل هذا هو عملية الانتاج الراسمالي، وان عمل ومعيشة الطبقة العاملة ذاتهما هما عملية وحياة تجذب حديد الشيوعية مثل المغناطيس وتجعل الراسمالية عرضة للضربة بصورة كبيرة.
ثمة شيء في المجتمع الراسمالي لايمكن ان يتوقف. ان عملية الانتاج الراسمالي هي عملية جني الراسمال للربح والمجابهة المتواصلة لهذه العملية السائدة بين العامل ورب العمل في كل لحظة من عملية الانتاج وتسود على كل لحظة من حياة الطبقة العاملة. صدام باشكال ملموسة كثيرة، حول الاجور، ساعات العمل، مطاليب العمال والسؤال البسيط الذي مفاده لماذا تذهب ثمرة عملي الى جيب شخص ليس له اي دور في انتاج الثروة؟ انه سؤال يمثل نقطة انطلاق الوعي بالمجتمع الطبقي والوعي الاشتراكي. ليس بوسع اي درجة من القمع والاستبداد ان تستاصل هذه المجابهة، هذا النضال السافر والمستتر بعض الاحيان. ان هذا الصراع هو تتمة للراسمالية، وينتهي مع انتهاء الراسمال.
ان نضال الطبقة العاملة ضد البرجوازية في محيط العمل، في محيط اعادة انتاج قوة العمل (محل السكن والمعيشة) هو مجابهة مستمرة لطبقتين في مجمل لحظات الحياة الاجتماعية، وهو منطق مجتمعنا. انه الصراع الطبقي الذي يتحدث عنه البيان الشيوعي. صراع مستمر علنياً احياناً ومستتراً احيانا اخرى. انه يتضمن من صك العامل لاسنانه غضباً على الراسمالي الى الاضراب والانتفاضة البروليتارية.
ان هذا العالم، عالم يعمل فيه العامل، التجربة التي يمر بها العامل في كل لحظة من حياته وعمله والاسئلة التي سواء في ذهنه وسواء في نضاله تتطلب رداً شيوعياً. بشرط ان يكون هناك ناشط شيوعي. بشرط ان يتناول داعيتنا الشيوعي هذه الحياة واسئلة العامل المطروحة هناك. عندها يبعد حياة كل المنظومة الدعائية الهائلة والقمع الراسمالي او يضيق من اثارها وتاثيرها، وتتوفر له افضل امكانية لاحباط الخرافات البرجوازية.
اذا وضعت المؤسسة الصغيرة للدعاية الشيوعية، مقارنة بالمؤسسة الهائلة للبرجوازية، مخاطبها وموضوعها وتمركزها حول هذا العالم العمالي، فسيكون لاي ساعة نفوذاً وتاثيراً يعادل الاف الساعات من الدعاية البرجوازية. بيد ان بوسع مثل هذه المؤسسة الدعائية ان تقوم بمثل هذا العمل فقط حين تستند الى شبكة العمال الشيوعيين. ومهما كان عليه صعيد ومستوى دعايتها، فهي عصارة وارقى الدعايات المحلية وتتغذى منها. بخلاف ذلك، تتحول الدعاية الشيوعية والتنوير والتوضيح الشيوعي الى انشاءات تكتبها في خلوتك حول فوائد شيء ما، حتى اذا لم ترى في حياتك كذلك.
اذا نقوم بنشاطنا في هذا العالم العمالي، عندها اي عامل يشعر بعدم ارتياح ما، سيكون داعية لكم، سيزيد من اصدار جريدتكم، داعية لقناتكم التلفازية وصفحتكم الالكترونية. ستكون اكثر الجرائد انتشارا، واكثر البرامج التلفزيونية مشاهدة واكثر السايتات تردداً. وان هذا هو السبيل الوحيد للتغلب على الامكانات الهائلة للبرجوازية.
ان النشاط الشيوعي عام ومحلي على السواء. لايمكن القيام بمثل هذا النشاط الشيوعي عبر مركز غيبي او محدود. ان هذا النشاط يستند بقوة الى النشاط المحلي. ينبغي ان نكون قادرين في اي اطار جعرافي معين على الرد على اسئلة ومعضلات العمال في ذلك الاطار، نرشد، نطرح تكتيكات النضال، ونبين ان الشيوعية هي الرد على كل مسائل الطبقة العاملة. من الامور الصغيرة حتى الكبيرة. وبخلاف هذا، سيكون اثر دعايتنا محدودا، وتختزل تكتيكاتنا الى عبارات حكيمة عامة.
في مثل هذه العملية، بوسع العامل في يوم واحد ان ينجذب للماركسية بقدر عدة سنوات. في تجربة الحياة والنضال في العالم العمالي، العامل يعرف الشيوعية بسرعة اكبر واكثر من اي مكان اخر، يتحد ويتوعى، يعرف قادتها، ويعتمد عليهم. ويخلق الساحة نفسها التي يصفها كتاب عشرة ايام هزت العالم.
من خلال مثل هذه العملية، تعرف الطبقة العاملة الطبقات الاخرى. لاتتعلم من انتصاراتها، بل من هزائمها كذلك. ترى اهمية الوحدة العامة والشاملة، وتدرك احقية وحقانية الشيوعية. حتى اذا لم تصغي في النضال للسبيل الذي طرحه الناشطون الشيوعيون، وتُلحق بها الهزيمة، ستعود وتقول كانت اللجنة الشيوعية للمعمل على حق. ان هذا انتصار كبير للنشاط الشيوعي.
انه نشاط يختلف عن نشاط حركات واناس يعتقدون ان النشاط الشيوعي يعني نشاطاً مناهضاً للنظام. انه نشاط ضد البرجوازية. ضد رب العمل، من مستوى معمل من عدة عمال الى مستوى مجتمع هي محمل وعي الطبقة العاملة نفسه.
ان احد المراحل المشرقة في نشاط الحزب الشيوعي الايراني اواخر الثمانينات في ايران هو تحول الحزب الى لسان حال قسم عظيم من عمال كردستان. كان كل عامل ناطق بالكردية في تلك السنوات، وفقاً للتعريف، نصيراً للحزب الشيوعي الايراني. ان الرفاق المنخرطين في الامر يعرفون ان الحزب الشيوعي ومنظمة كومه له انئذ يستندوا الى اعمق الصلات مع مجمل مراكز عمل ومعيشة العمال، وان قسم مهم منهم هم العمال الموسميين. ان اختلاف كو مه له قبل المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي (عام 1985-م) والذي طرحت فيه موضوعات الشيوعية العمالية، وكومه له مابعد المؤتمر الثاني في خلق تغيير عميق في نمط النشاط في محل عمل ومعيشة الطبقة العاملة.
في خضم مثل هذه الصلة، في مراحل التحولات الثورية والتصادمات الاجتماعية، يتعلم العامل، حسب قول لينين، يومياً بقدر عشرة اعوام. ان هذا التعلم ذا حقيقة وواقع في المرحلة الثورية ان كان لديك حزب يمثل قسم مندغم بعمل وحياة ونضال الطبقة العاملة. بخلاف ذلك، حتى في المراحل الثورية كذلك، فان نشر الحقيقة لايداوي اي علة.
لقد انقضى شوطاً بعيداً على عصر افلاطون الذي اعتقد انه يمكن ارساء مدينة فاضلة استناداً الى وضوح رؤية الناس وكذلك على الاشتراكية الخيالية التي كانت تعتقد ان بالوسع، عبر الوعظ وتنظيم بديل واضحي الرؤية الخلاص من الفقر والاسر. ولكن لازالت هذه الاوهام باقية على حالها.
لقد اشرت سابقاً الى امر وهو: على المستوى العام، النشاط الشيوعي هو صراع، نضال ونشاط سياسي. وان اداة التدخل في السياسة هي حزب. وذكرنا ان رغم كل اهمية اي شكل من اشكال الاتحاد والتنظيم داخل الطبقة العاملة، فان هذا النشاط الخاص (السياسة-م) تقوم به منظمة خاصة. ان الاتحادات، النقابات، المجالس، التجمعات العامة، الصناديق التعاونية و... غيرها، ورغم كل اهميتها لوحدة الطبقة العاملة، الا ان ليس بوسعها القيام بنشاط يستلزم نوع اخر من الاتحاد داخل الطبقة العاملة. ان هذا الاتحاد هو اتحاد شيوعي. بوسع التحزب الشيوعي ان يوضح ويرسم مصير الراسمالية.
بيد ان هذا هو على المستوى العام. السؤال اللاحق الذي عليك ان توجهه لنفسك هو" ماهو اساس هذا النشاط في المحل؟ هل ان جمع اي جمع ويطلق على نفسه اسم حزب قادر على القيام بهذا العمل؟ هل ان على الحزب الارتباط بفونسكيون (مهمة او وظيفة-م) او عمل اساسي في الطبقة العاملة ويستند عليه؟
يطلق في الثقافة السياسية عادة على هذا الفونكسيون اسم اللبنة او الوحدة الاساسية. ولكن رغم ان هذه التسمية، وان يكن تبين عن ابعاد من الحقيقة في المستوى التنظيمي، الا انها تخلق تشوشاً والتباساً على الصعيد العملي.
يمكن تحديد الخلية على صعيد اللبنة الاساسية للحزب. يمكن تصور ان الخلية الحزبية هي اكثر الاصعدة اساسية وبنيوية يجتمع اعضاء الحزب بها. على اية حال، ان هذا الشكل من التعريف للبنة مرتبط بهيكلية موجودة ايضاً، ويمكن بالطبع ادراج وادخال اشكال اخرى مثل بيت الحزب وغيره لهذه اللوحة. على اية حال، ان هذه اللبنة سواء اكانت خلية ام بيت الحزب. انها اساس تعريف تنظيم الحزب.
بيد ان ايلاء الاهمية للاطار التنظيمي وليس عمل هذا التعريف، فصل تقليدياً التنظيم الحزبي في التاريخ الاخير للشيوعية من فونكسيون اساسي للنشاط الشيوعي والذي هو قيادة الطبقة العاملة وكذلك من اليات هذه القيادة، وتحول الحزب الى جمع اي مجموعة يتمنون وياملون بقيادة الطبقة العاملة، ولكنها تفتقد الى اكثر اللبنات الاساسية لممارسة هذه القيادة.
بوسع خلية الاعضاء، وبالاخص في مراحل، ان تكون قسماً مهماً لاي تنظيم لحزب شيوعي. بيد ان التحزب الشيوعي والنشاط الشيوعي هو امر يتعدى خلية او بيت حزب. النشاط الشيوعي هو مكان جاري ومؤثر، وان هناك نوع اخر من التنظيم للنشاط الشيوعي. تنظيم يعكس اكثر اعمال النشاط الشيوعي اساسية. تمثل الخلية في المطاف الاخير اساس تنظيم جسم اي كائن. ولكن ان جمعت مليون خلية لاتستطيع ان تشكل منها كائناً او احد اعضاء جسد ذلك الكائن. ان وجود كائن ما مرتبط بوجود وظيفة تتمايز عن وظيفة خلية ما. يمكن لهذه المقاربة ان تنطبق على الحزب والنشاط الشيوعي كذلك.
ان فكرة ان تكون الخلية هي اللبنة الاساسية للنشاط الشيوعي تعود الى عملية اتخاذ الحزب البلشفي قالباً وشكلاً نهائياً ومحدداً بعد انتزاع السلطة السياسية، وبعدها الى عملية اتخاذ المنظمات التابعة للاممية الثالثة قالباً معينا. ان كان هذا التصنيف في مستوى معين هو امر صائب، ولكن حين تستبدل الوظيفة الاساسية في النشاط الشيوعي، فانه مؤشر على اول علامات تنظير الانفصال الشيوعي عن الطبقة العاملة. وهو المسار الذي حذر منه لينين في المراحل الاخيرة من حياته.
على اية حال، حين تنظر الى تاريخ الثورة البروليتارية الوحيدة المنتصرة في العالم، اي ثورة اكتوبر، وتتمعن بالحزب الذي نظم هذه الثورة، ستلاحظ انه لم يكن هناك اي موضوع حول الخلايا قبل انتصار الثورة. ان التاريخ التنظيمي للحزب البلشفي يعود الى تاريخ لجانه: لجنة باكو، لجنة فايبرغ، لجنة بوتيليف وغيرها. انها لجان لا تشرف او تدير تنظيم محدد من الاعضاء في مرحلة القمع. ان عمال وشيوعيين كثر هم اعضاء هذه اللجان، ولكن ليس لديهم لبنة اساسية باسم خلية، ولم نستطع ان نجد في مكان ما اثراً حول دور مثل هذه الخلايا.
وبالتالي، ان تحديد الاختلاف مابين اللبنة الاساسية لتنظيم الحزب واللبنة الاساسية للنشاط الشيوعي هو امراً مهماً. لقد تناولنا هذه النقطة كثيرا في طرح فكرة اللجان الشيوعية.
ان اللبنة الاساسية لتنظيم حزبي، اي كيف تربط اعضاء الحزب ببعض. ان هذه اللبنة هي شيئاً مثل خلية او بيت حزب دون شك. بيد ان اللبنة الاساسية لنشاط شيوعي لايمكن ان تكون خلايا او مجموعة اعضاء الحزب في مكان ما. ان اللبنة الاساسية لعمل الحزب، اي توعية، توحيد وقيادة الطبقة العاملة في اطار تحدثنا عنه هنا وفي محيط معين، لايمكن القيام به عبر جمع من الاعضاء.
ينبغي ان تكون العضوية في حزب شيوعي او في النشاط الشيوعي امراً بسيطاً وسهلاً. ينبغي ان يكونا قادرين على توحيد اي عامل واي شيوعي يعتبر نفسه شريكاً في اهداف هذا النشاط وينشد العمل في هذا الاطار. لكن الفونسكيون الاساسي للنشاط الشيوعي لاياتي على ايدي جمع مصطنع.
اذا لم نقر بهذا الفصل، عندها، وبدلاً من تنظيم هذا النشاط الشيوعي، نصل الى تشكيل جموع ونواتات لاتستطيع القيام بهذا العمل. عندها، سيقتصر عملها عملياً على التوعية ونشر الحقيقة، وهي امور ليست سيئة دون شك، ولكن لاترد على مشكلتنا.
ان هذا يعني ان موضوعة اللجان الشيوعي ليست مطروحة بوجه الخلايا الحزبية او اي تنظيم اخر للاعضاء. ان الخلية الحزبية هي جمع اناس شيوعيين. اللجنة الشيوعية هي جمع اؤلئك الشيوعيين الذين بوسعهم تامين تحقيق تلك الوظيفة والمهمة الاساسية للنشاط الشيوعي في مكان ما. ومن اجل تحقيق عملها، اللجان الشيوعية مجبرة على ان تقيم تنظيماتها الاساسية للاعضاء، مثل خلية.
ينبغي ان تنبع موضوعة تنظيم النشاط الشيوعي من موضوعة تنظيم عمله الاساسي، وليس من موضوعة الهيكلية. فيما يخص الهيكلية، يمكن اقامة اشكال متنوعة جداً في المراحل المختلفة ارتباطاً بالاوضاع المحددة. في مكان ما خلية، وفي مكان اخر بيت الحزب، في مكان ما فرع الحزب في الخارج، في مكان ما نواة وغيرها. ان مايجعل وجود هذه الاشكال امراً لاجدال حوله هو وجود وظيفة ومهمة النشاط الشيوعي، اي اللجان الشيوعية. ليس اي من الاشكال المتنوعة للتنظيم الاساسي لاعضاء الحزب خاطيء بذاته. ولكن ما هو خطأ ان ننتظر ان يقوم هذا التنظيم بالنشاط الشيوعي بالابعاد التي تحدثنا عنها هنا.
كي نعرف ان نشاطاً شيوعياً اساسياً يقام في مكان ما ام لا، علينا ان ننظر الى ان اتحاد وتنظيم هذا النشاط، اللجان الشيوعية، هل هي موجودة ام لا؟ ان عدم رؤية هذه الحقيقة وهذا الواقع هو قسم من انعكاس انفصال الشيوعية عن الطبقة العاملة ووظائفها الاساسية. الانعكاس هو اشكالية يغط قسم واسع ممن يسمون انفسهم شيوعيين، اسرى لها او بحاجة اليها. الهيكلية هي كل شيء بالنسبة لهم، والعمل باساس هذا العمل، اي الطبقة العاملة، لايحتاجون له اساساً.
ان اللبنة الاساسية للنشاط الشيوعي هي اللجنة الشيوعية برايي. ان لم توجد لجنة شيوعية في مكان ما، فهذا يعني عدم وجود نشاط شيوعي بشكل منظم بعد. ان وجود اي تجمع للاعضاء مثل كائنات احادية اللبنة او متعددة اللبنات في الاقيانوس عديمة الاذرع والسيقان. لقد قلنا الف مرة ان الشبل شبيه الاسد من الصغر. الشبل ليس شبه كائن احادي الخلية. الشبل هو اسد ولكن صغير.
لاندحة للجان الشيوعية من ان تكون في جغرافية محددة. انها ليست لجنة عامة. اللجنة الشيوعية مرتبطة بمعمل، محلة، مدينة وغير ذلك. اذ ترتبط في المطاف الاخير بجغرافيا معينة. لقد اشرت سابقاً الى مسالة قيادة الطبقة العاملة وتوحيدها، هي امر قيادة محلية في اكثر المستويات اساسية. لايمكن من الارجنتين تحديد تكتيك معين لعمال المعادن. لجنة المعادن او سكك الحديد هي مسؤولة عن تنظيم الطبقة العاملة وتوحديها وقيادتها في ذلك المحيط.
من الواضح ان هناك ابعاد اخرى من النضال تتخطى هذه الجغرافيا، ولايمكن القيام بالثورة بعمال المعادن فقط. عندها ياتي الامر على لجان ذات نطاق جغرافي اوسع وصولاً الى حزب بلد، والذي هو تنظيم جغرافي معين دون شك.
لقد اكدنا منذ بداية بحثنا على ان النشاط الشيوعي يخص تنظيم الطبقة العاملة للثورة البروليتارية. النشاط الشيوعي لايتعلق بتنظيم الجماهير او الطلبة او المثقفين او الساخطين. انه يخص الطبقة العاملة بمعناها الخاص للكلمة، وان هذا اساس هويتنا.
ولكن هل ان هذا التاكيد يعني ان الطبقة العاملة والنشاط الشيوعي ليس لهما ربط بالحركات الاخرى التي تضم جماهير اوسع (وعلى الاغلب العامل جزء منها كذلك) او الحركات التي ليست اشتراكية من حيث المضمون والمحتوى؟ الجواب كلا دون شك. بدون التحديد الدقيق وتدخل الطبقة العاملة والنشاط الشيوعي في هذه الحركات، واذا ما اردنا استخدام الاستعارة التي وردت في بداية هذا الموضوع، يبقى (النشاط الشيوعي-م) بناية دون شبابيك وابواب، بدون ماء وكهرباء، فاما لايمكن العيش فيها او ليست بناية على اية حال. لايتعلق الموضوع ببخس قيمة الحركات الاخرى، بل وضع كل من هذه العناصر في مكانها الواقعي.
ليست الطبقة العاملة في النضال القائم في المجتمع لوحدها ولا الحركة الشيوعية هي الحركة الوحيدة في المجتمع المنهمكة في النضال من اجل حياة افضل او عالم افضل. ان هذه الموضوعة لهي قديمة بقدم البيان الشيوعي الذي خصص فصلاً لتوضيح هذه الحقيقة.
ليست الحركات غير الاشتراكية الداعية للحقوق او للتحرر غير قليلة فقط، بل موجودة بوفرة. اذ تشاطر هذه الحركات في اغلب الاوقات الطبقة العاملة والنشاط الشيوعي في الدعوى للحقوق والمساواة. ان اختلاف الحركة الشيوعية للطبقة العاملة مع هذه الحركات تخص ارتباط الحركة الشيوعية بوجود النظام الراسمالي نفسه.
لايتحرك الناس في المجتمع بالضرورة من اجل مطلب اشتراكي. بل تتشكل حركات اخرى. على سبيل المثال، حركة تحرر المراة، حركة الانعتاق الثقافي ضد التخلف والرجعية، حركة الدفاع عن حقوق الاطفال، حركة الدفاع عن حق اللاجئين، الحركة المناهضة للدين والداعية للالحاد، حركات الدفاع عن الحريات السياسية والثقافية، حركة الفلاحين ضد الاقطاع، حركة مناهضة عقوبة الاعدام، حركة الدفاع عن البيئة، او حتى حركة الاطاحة بالنظام وغيرها.
حين نقول ان هذه حركات غير اشتراكية وحركات ديمقراطية بمعنى ان تحقيقها لايتطلب، من حيث المضمون، الاطاحة بالنظام الراسمالي. انها يمكن تحقيقها في اطار الراسمالية ايضاً. اذا نظرت للمجتمعات الغربية، ترى ان الكثير من هذه المطاليب قد تحقق. ان هذا اختلاف، من حيث الماهية، الحركة الاشتراكية للطبقة العاملة عن هذه الحركات. فيما لايمكن تحقيق الحركة الاشتراكية للطبقة العاملة في اطار الراسمالية.
اذا اخذت موضوع المساواة الحقوقية مابين المراة والرجل. حين نقول انها ليست حركة اشتراكية، ديمقراطية، فان ذلك يعني ان انتصارها لايعني بالضرورة الغاء العمل الماجور. ان لايكون في مصلحة البرجوازية الان تحقيق المساواة، فهذا موضوع اخر. انه ليست حركة بمعنى الغاء العمل الماجور او الغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج. ان قسم مهم من هذه الحركات تخالف الحركة الاشتراكية للطبقة العاملة. انها برجوازية.
اذا اخذنا بنظر الاعتبار الحركة من اجل الحريات السياسية، حق التنظيم وغيرها. انها يمكن ان تتحقق في اطار الراسمالية كذلك. ان الجماهير التي تنجذب الى هذه الحركات قد اتت للميدان لهذا الهدف. ان انتصار هذه الحركات هو لصالح الطبقة العاملة، يجعل من حياتها ونضالها ووحدتها اسهل. ولكنها لاتضع عمالية او برجوازية طرف تحت طائلة السؤال.
ولان موضوع النشاط الشيوعي هو الطبقة العاملة، فهل هذا يعني ان الجامعات، على سبيل المثال، غير مهمة؟ ليس الامر كذلك. لقد قلنا في مكان اخر ان الجامعات، وبالاخص في بلدان مثل ايران، احد الحلقات المهمة في النضال السياسي للطبقة العاملة. الجامعات احد المراكز المهمة التي بوسعها ان تلعب دوراً ضد الطبقة العاملة او بالعكس في خدمة الثورة البروليتارية للطبقة العاملة.
لقد ذكرنا ان المثقفين هم احد العوامل التي تلعب دوراً مهماً في الوعي الشيوعي للطبقة العاملة، وفي الصراع الفكري ضد البرجوازية. اذ يتربى المثقفون في المجتمع في الجامعات اساساً. ليس ثمة حظوظ تذكر لمثل هذا العمل في المعمل. ان كسب هؤلاء المثقفين للشيوعية وتنشيطهم للنضال الشيوعي يعد امراً مهماً.
فيما يخص حركة تحرر المراة، وضحنا ان حركة تحرر المراة جزء لايتجزأ من نضال الطبقة العاملة، ولهذا لاتستطيع ان تتخذ موقف اللامبالاة من هذا الامر. حتى في الحياة والنضال اليوميين للطبقة العاملة، ان الدفاع عن حق المراة بوجه جميع الخرافات التي تعيد انتاجها البرجوازية ضد المراة والتصدي لمجمل منتجات الوعي المضاد الذي تنتجه البرجوازية في المجتمع هو جزء مهم من النضال الشيوعي.
كذلك الحال مع الحركة الداعية للخلاص الثقافي. في المطاف الاخير، الشاب الايراني، سواء اكان عاملاً ام لا، ينشد ان يتمتع بخيرات الحياة الفكرية والمعنوية للعالم بقدر مايتمتع به امرء اخر في اوربا. ان هذا الصراع ضد التخلف هو لصالح الطبقة العاملة، للطبقة العاملة مصلحة فيه.
لايمكن لقائد شيوعي في معمل ان يتخذ موقف اللامبالاة من نشر الخرافة والتخلف الثقافي الذي ضحيته الاولى والمهمة هو الطبقة العاملة، وان يقول ان هذا الامر ليس له ربط بالعامل. لايمكن اتخاذ موقف عدم الاكتراث من ظلم المراة، وتقول ان هذا ليس له صلة بالعامل. ان ظلم المراة هو اساس اهم شق وفرقة داخل الطبقة العاملة. كما لايمكن ان لاتكترث لما يحدث في الجامعات من سيطرة اليمينية والفاشية الفكرية. مثلما ان ليس بالوسع عدم المبالاة تجاه الجماهير العريضة من الكادحين المغلولين، العاطلين، او العمال العاطلين، كادحي المدن، معدمي المدن او القرى.
لقد وضعنا جل تاكيدنا على حقيقة مهمة الا وهي ان مركز وموضوعة النشاط الشيوعي هي اساساً النشاط داخل الطبقة العاملة. ان هذا لايعني انه يمكننا او ينبغي علينا ان نولي ظهرنا لهذه الاقسام من المجتمع واحتجاجاتها. يتمثل اختلاف موضوعنا مع الشيوعية البرجوازية بكونها جالسة خارج الطبقة وتنظر الى ماهي مهامها تجاه الطبقة العاملة. ينبغي ان تنظر الحركة الشيوعية داخل الطبقة العاملة الى مسالة ماهي الصلة التي ينبغي ارسائها بينها وسائر الحركات. ومن هذا المكان والموضع يُلفت الانتباه الى ان على الطبقة العاملة ان تكون طليعة وقيادة مجمل هذه النضالات. وفي المطاف الاخير، ينبغي ان تحدد وتعرّف النصر في اي منها من زاوية مصلحتها نفسها .
فبغض النظر عن ان الاشتراكية هي الخلاص تماماً من اي اشكال الاستغلال والقمع، ولكن حتى لو نظرت للامر من زاوية اقتصادية ايضاً، فان مساواة المراة بالرجل لصالح الطبقة العاملة. وبمبررات واضحة جداً، ان اعلنوا مساواة المراة مع الرجل، وان المراة ربة البيت هي عاملاً او يمنحوها ضمان البطالة، عندها تصبح الحياة مريحة اكثر، ويوفر الفرصة للمراة العاملة، لنصف الطبقة العاملة ان يقوم بنضال اكثر تاثيراً.
حركة الاطاحة بالنظام، ليس موضوعي الان بطريقة ثورية او غير ثورية، بيد ان الاطاحة بالجمهورية الاسلامية، سواء اكان بصورتها الثورية ام غير الثورية، لايعني الثورة الاشتراكية. فجميع الثورات العامة على هذه الشاكلة. مثل عصر الشاه، جراء تلك الثورة، ارسيت حريات ديمقراطية واسعة، حرية التنظيم لمرحلة ما.
وان كانت هذه الحركات وهذه النضالات ليست اشتراكية بصورة مباشرة، ولكنها ذا صلة بنضال الطبقة العاملة، وتترك تاثير على نضال الطبقة العاملة بصورة مباشرة. لاندحة للطبقة العاملة، للشيوعيين والنشاط الشيوعي ان ينخرط بها. ان هذه احد الادوات واحد القنوات المهمة جداً فيما يخص توعية الطبقة العاملة وتوحيدها وقيادتها.
ولهذا، فيما يخص الصلة بهذه الحركات وهذه التحركات، ينبغي ان ناخذ النقاط ادناه بنظر الاعتبار:
1- ماعدا المراحل الثورية، يبرز النضال اليومي للطبقة العاملة في هذه الاشكال والقوالب. النضال من اجل حرية التنظيم، النضال من اجل مساواة المراة والرجل، الاجور، ضد تقليص الخدمات الاجتماعية وغيرها. ان اعلان ان هذه النضالات في المجتمع ليس لها صلة بطبقته العاملة ونشاطه الشيوعي هو ليس سوى اطلاق الرصاص على ساق الطبقة العاملة، ليس هذا وحسب، لايدفع الطبقة العاملة في نضالها اليومي ذاته للنصر.
ذكرنا ان شريطا ناقلاً وقناة مهمة لتوعية وتوحيد الطبقة العاملة هما التجربة، وان بعداً مهما من التجربة، التجربة اليومية للحياة في المعمل بوجه الراسمالي، والبعد الاخر للتجربة هو في الابعاد الاجتماعية. في هذه التجربة تتعرف الطبقة العاملة على اختلافها عن الحركات الديمقراطية.
ينبغي ان يكون النشاط الشيوعي والطبقة العاملة طليعيين، مبتكرين وقائدين هذه النضالات ومنظمي هذه التحركات. لقد تم التاكيد على هذا الحكم من البيان الشيوعي الى خطاب ماركس للجنة المركزية لجمعية الشيوعيين فيما يخص ثورات 1848 ولينين في مالعمل وتكتيكات الى اطروحات نيسان والنزعة اليساروية ومن اول كتابات منصور حكمت الى اخرها.
2- تشرع الحركات والاحتجاجات العامة الابواب امام انواع القومية والشعبوية، من اشكال العلمانية الى الدينية ومن الشرقية الى الغربية. وعبر تبيان المصالح المشتركة للطبقات والحركات المختلفة، تعظ البرجوازية والحركات البرجوازية بالمساومة الطبقية وتصفية الطبقة العاملة في هذه الحركات وتنتج الخرافات حول هذا الامر. ان وجود هذه الحركات نفسها والاحتجاجات العامة وانخراط الطبقة العاملة (على الاغلب على شكل عمال افراد) يجعل الطبقة العاملة غير محصنة وسهلة الضربة في هذا الميدان.
وهذه هي السياسة التي اكد عليها ماركس، انجلز، لينين، وبعدها حكمت، وطرحوها بوصفها ركن اساسي للسياسة الشيوعية. تتمثل هذه السياسة بانه مقابل كل خطوة من النشاط الشيوعي في هذه الميادين، ينبغي، ولمئة مرة، توضيح اختلاف سياسة الطبقة العاملة ومصلحتها عن الطبقات والحركات الاخرى. ينبغي ان يوضع امام الطبقة العاملة دوماً الاختلاف مابين الحركة الشيوعية و سائر الحركات الاخرى. ينبغي تحصين هذه الطبقة من الشعبوية وفكرة وضع مجمل الطبقات في سلة واحدة قومية، نسوية، تركية، كردية، فارسية، عربية. ان المسعى الدائم الذي يقتضيه وجود حركة مافوق طبقية ووجود مصلحة الطبقة العاملة في هذه النضالات يجعله امراً اكثر الحاحاً بالاف المرات.
3- ينبغي تحديد معنى النصر في هذه النضالات وهذه الحركات من زاوية مصلحة الطبقة العاملة. اذ يمكن تحقيق النصر باقتدار وقدرة هذه الحركات ذاتها، وليس عبر قائمة الاماني وتلك الاطروحة الحكيمة وغير الماركسية وغير الاجتماعية التي تجعل النصر امراً ممكناً في الثورة الاشتراكية فقط.
ينبغي تبيان تكتيك نصر هذه النضالات في كل نطاق. ينبغي جعل هذا النصر الخاص رؤية و تصوير الهيكل الاساسي المناضل لهذا النصر. على النشاط الشيوعي ان يسعى ان يكسب، من هذه الزاوية، قيادة هذه النضالات. اي ان هذا يعني سيادة البروليتاريا على هذه النضالات.
ينبغي ان يتم تحديد كل نصر بشكل بحيث تظهر الطبقة العاملة منه اكثر وعياً ووحدة واقتداراً. ان هذه هي معالم وشواخص. ان تهزم الامبريالية او الملالي وغيرها، وهو امر حسن كثيراً ايضاً، الا انها ليست بشواخص.
مثلاً، لنفترض اننا ننشد اعطاء تعريف محدد للنصر في حركة الاطاحة بالجمهورية الاسلامية. فان فرضنا هو ان الاطاحة بالنظام يعني حرية التنظيم، حرية التعبير، ضمان بطالة عام وعدة مطاليب من هذا القبيل اتت في وثيقة "منشور الاطاحة بالجمهورية الاسلامية". انه لامر معروف ان في قلب هذه الوضعية لن تخرج البرجوازية مرة اخرى ولها يد طولى على العامل، بل تضع هذه الظروف الطبقة العاملة في مكانة مساعدة اكثر للاطاحة بالبرجوازية.
في هذه الحالة، يمكن تامين وضمان ان لاتتحول الطبقة العاملة الى جزء من الصراعات الداخلية للبرجوازية وملحقاً لها. اذ تسعى البرجوازية بكل قواها من احل ان تجر الطبقة العاملة للميدان بوصفها جزء من جناحها هذا او ذاك. يعيش العامل في مجتمع، واذا دبت حركة في المجتمع، ستتحرك الطبقة العاملة ايضاً. بيد ان هذه الحركة لاتعني ان الطبقة العاملة دخلت لهذا الميدان برايتها ومطاليبها المستقلة. بل على العكس من ذلك، تدفع الحركات العامة الطبقة العاملة نحو تصفية وحل نفسها في الطبقات الاخرى. هذا الا دفعنا النشاط الشيوعي قدماً على اساس الماركسية.
ينبغي، على سبيل المثال، تحديد الاطاحة بالنظام بشكل بحيث تظهر الطبقة العاملة من رحمه بصورة اكثر وحدة ووعياً، وتكون قد وحدت وجمعت وحشدت حولها جماهير عريضة في المجتمع، من الكادحين وصولاً الى المثقفين اليساريين، من مناضلي تحرر المراة الى النضال من اجل الخلاص الثقافي. اي بلورت واستقطبت هذه الاقسام من المجتمع وهذه الحركات حول مصلحة الطبقة العاملة.
في مثل هذه الحالة، ستدرك الطبقة العاملة وقسم كبير من المجتمع اختلاف الطبقة العاملة مع البرجوازية فيما يخص ظلم المراة مثلاً، وسينتبها الى ان تكون هيلاري كلنتوي رئيساً للجمهورية او ولاية فقيه السيدة خانم رهنورد ليس تقدماً للبشرية. بالنسبة للحركة النسوية الداعية للمكانة والمناصب يعد تقدماً. بيد انه ليس تقدماً للطبقة العاملة والقسم الاعظم من نساء المجتمع. اذ مالفرق ان يستغل العامل امراة برجوازية ام رجل برجوازي؟ ان هذه امثلة. ما اود قوله ان كل هذه هي ميادين مهمة للطبقة العاملة والنشاط الشيوعي وينبغي ان تتواجد فيها، وان تتواجد بقوة.
ان هذه الجلسة هي اخر جلسة لموضوعة النشاط الشيوعي. سعيت لحد الان الى اعطاء صورة عن المنظومة الاساسية لنشاط شيوعي. من بين كل المواضيع التي بقت، وهي مواضيع كثيرة جداً ويمكن تناولها، أفضل ان اتحدث عن مسالتين، وكلا المسالتين مرتبطتين بالعمل في ظروف خاصة. ولكلاهما دور مهم في النشاط الشيوعي، ولكنهما لايتناغما مع القالب العام لمباديء النشاط الشيوعي، وفق الاطار الذي تحدثت فيه. انها تتاثر به دون شك، ولكنها ليست واحدة. الاول العمل في الخارج، وثانيا كارد ازادي (حماة الحرية-م). ان كلا النشاطين مهمين. ولكنها اشكال خاصة من النشاط الشيوعي لايمكن تغطيتها في قالب اسس العمل الشيوعي. ان خلطهما بهذا الصعيد لايجلب سوى تشوشاً فكرياً، حركياً وتنظيمياً.
نظراً لمحدوديات الوقت، ساخصص عشرة دقائق لكل منهما.
باي شيء ينهمك حزب شيوعي او نشاط شيوعي في الخارج؟ ان هذا سؤال مهم، لان نظراً لاوضاع ايران، تحول خارج البلد الى مكان امن او اكثر امناً للنشاط الشيوعي، وان عدد كبير من الشيوعيين في المنفى يعيشون في الخارج. ان تشخيص اهمية هذا الميدان بوصفه مهماً لانه في حاله غيابه، فان امكانات كبيرة ستضيع، وان رفض النشاط في الخارج بوصفه عمل تيارات سياسية حولت العمل الى موضوعة خارج وداخل البلد، تيارات اذا تمعنت بها، ترى انها لاتقوم بعمل على صعيد داخل البلد كذلك.
من جهة اخرى ان احلالها محل النشاط الشيوعي داخل البلد هو ستار اليسار المنفي المفصول عن المجتمع من اجل ادامة الحياة في الخارج وتبرير انعدام الصلة بالمجتمع والطبقة العاملة. ساشير لاحقاً الى ظاهرة الثوريين المنفيين والاوضاع الروحية والفكرية المفروضة عليهم في اغلب الاحيان. يرى الثوريون المنفيون الذين هم منفيين ذهنياً وذاتياً كذلك، خارج البلد عملياً او رسمياً النطاق الوحيد لنشاطهم وميدان بذاته.
يمكن الاشارة الى مستويات مختلفة من النشاط. ان قسماً من هذه النشاطات هي نشاطات داخل البلد ذاتها والتي انتقلت، لاسباب امنية وامكانيات، الى الخارج او يتم تنظيمها هناك. على سبيل المثال، محل اصدار الادبيات، التلفاز، اذاعة، مكتب الاتصالات التنظيمية، قسم من القيادة، التحضيرات واعمال الاعداد وغيرها التي من الضروري ان تكون بعيدة عن متناول ايدي الجمهورية الاسلامية. لا اغطي هذه هنا لان امورها واعمالها معروفة عادة ولاتختلط هذه الميادين على المرء. من المعلوم ان قسم من هذه الاعمال هي في الداخل ايضاً.
ان قسما اخراً من هذه النشاطات مرتبطة بدعايات ونشاطات سياسية تساعد على ابراز راية معينة، خط، سياسة او حزب، وتؤثر على اجواء خارج البلد وغيرها. وان هذا هو القسم الذي ساشير اليه هنا.
ان اول نقطة تلفت انتباهنا فوراً هي اننا نتحدث عن نشطاء ليس موضوع عملهم هو تنظيم الطبقة العاملة في هذا البلدان من اجل الثورة الاشتراكية، او ليس كذلك بصورة مباشرة.
ان اي شيوعي يسعى للانهماك في النشاط السياسي في بريطانيا، السويد، المانيا وغيرها من اجل تنظيم الطبقة العاملة لذلك البلد للثورة البروليتارية، عليه الانضمام الى الحزب الشيوعي او جماعة شيوعية في بريطانيا والسويد والمانيا وغيرها، او يعمل على ارسائها. مثلما هو الحال سابقاً، اذ ان قسما كبيراً من الشيوعيين الروس المنفيين يعملون في اطار احزاب بلدان اوربا الغربية، او شيوعيي المانيا وغيرها يعملون بعد ثورة اكتوبر في اطار الحزب البلشفي. ولهذا السبب، حين تنظر الى حزب مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي او احزاب ذلك الوقت، تجد ان ليس لهم تنظيمات خارج البلد. لديهم منظمات خاصة صغيرة جداً مثل مكتب ادبيات عموم البلد، قسم من القيادة او مدارس حزبية وغيرها في الخارج.
الكثيريون من الشيوعيين الايرانيين المنفيين، ولاسباب مختلفة، مثل اللغة او يميلون الى ادامة عملهم ارتباطاً بالمحيط الذي انخرطوا فيه سابقاً، يقررون العمل ارتباطاً بايران.
ثمة نقطة اخرى يجب ان نوليها انتباهنا الا وهي ان الايرانيين، ولاول مرة في تاريخ ايران، بعد ثورة 1979، شهدنا الهجرة للخارج لاسباب سياسية، اقتصادية وثقافية. ان عواقب ثورة 1979 في ايران شكلت لاول مرة جيل من الايرانيين يطلق عليه مهاجر. لقد شكلته بهذا المستوى على الاقل. قبل ثورة 1979، كان الكثيرين من الايرانيين في الخارج اما طلبة او اثرياء. في ذلك الوقت، حين تبرز في اوربا نفسها جواز سفرك الايراني، يتعاملوا معك مثلما يتعاملوا مع مواطن سعودي او كويتي ثري. حتى ان بعضهم يتعامل مع الايرانيين بصورة اكثر احتراماً من مواطني البلد نفسه، لانهم يعتقدون ان الايرانيين اثرياء واتوا لانفاق الاموال. وحتى الطلبة والسياسيين الايرانيين يتمتعون بدرجة جدية من الرفاه، بحيث انهم ليسوا مجبرين على اعالة انفسهم بالشكل الراهن، واذا لم يكن لهم زمالة دراسية، فان عوائلهم على الاغلب، ولدرجة تمكنها الاقتصادي، بوسعها ان تنجدهم.
لم تبقى هذه الظاهرة. ان المهاجرين الايرانيين في الخارج اليوم هم بالضبط مثل مهاجرين البلدان الاخرى الذين يعيشون في الخارج. الكثير منهم يذهب وياتي من ايران. مثل المهاجرين الايطاليين في امريكا في السنوات السابقة او المهاجرين الافغان في ايران. وان هناك اختلاف بين المهاجرين المنفيين (اللاجئين-م) واؤلئك المهاجرين. ليس للمنفي قدرة السفر لايران لانه تحت ضغط الجمهورية الاسلامية وعملياً هو كالسجين، ساتناول هذا لاحقاً. حياة ومعيشة المهاجر هي في الخارج ولديه اتصالات ويسافر الى ايران. وان كانت هاتين المجموعتين تعيشان في جغرافيا واحدة، ولكنهم يعيشون عالمين مختلفين عملياً.
ان الاجواء السياسية والثقافية لهذه الجماهير العريضة في الخارج تاثير مباشر على الاجواء السياسية والثقافية لايران. ان لاجواء المهاجرين والمنفيين تاثير على اجواء البلد الذي اتوا منه دوماً. بالاضافة الى ذلك، فان عالمنا المعاصر وعولمة الاتصالات السياسية، الاقتصادية والثقافية وغيرها اضفت ابعاد اكبر واكبر على هذا التاثير. في عالمنا، الخارج والداخل مرتبطان ببعض. ليس عالمان منفصلان تماماً. لايشغل احدهما مكان الاخر، ولكنهم يؤثرون على بعض كثيراً. ان السياسة والنشاط اللذان يتصاعدان في ايران يتركا تاثيراً مباشراً على اجواء خارج البلد، وان السياسة والنشاط اللذان ذا راية مميزة في خارج البلد ستجد لها انعكاساً وامتداداً في ايران كذلك.
السؤال هو كيف للنشاط الشيوعي ان يرتبط بهذه الصلة المتبادلة؟
ثمة قائمة طويلة من الاعمال التي يمكن ادراجها. يمكن ان تكون هذه القائمة طويلة او قصيرة ارتباطاً بالقوة التي تسعى لتنفيذها. بيد ان التوجهات او الاسس التي يمكن الاشارة لها والتي على النشاط الشيوعي ان يعتمدها بوصفها بوصلته بغض النظر عن قواه. يمكن الاشارة بهذا الخصوص الى العناصر ادناه:
1- اعلاء راية بديل شيوعي غير مشروط في الاجواء السياسية لايران،
2- الصراع المتواصل مع مجمل سياسات البرجوازية ومجمل التقاليد البرجوازية والخرافات التي تضخها البرجوازية في المجتمع والطبقة العاملة،
3- التحول الى ناطق باسم الاحتجاج العمالي في ايران، بابعاده الحركية والاجتماعية وليس الحزبية، والسعي لتهميش الحركات البرجوازية في الخارج،
4- جلب اكثر اشكال الدعم لنضال الطبقة العاملة في ايران سواء بابعاده الاشتراكية بمعناه الاخص، ام في الابعاد الديمقراطية من اجل الحريات السياسية، اسقاط الجمهورية الاسلامية، الخلاص الثقافي، تحرر المراة، حقوق الطفل وغيره،
5- السعي لسيادة وبروز السياسة الشيوعية على اجواء الايرانيين المهاجرين. التضييق على اجواء نفوذ التيارات الرجعية، مثل الاسلاميين، القومية والفاشية الفارسية والكردية والتركية وغيرها في الخارج
6- عزل وتهميش الجمهورية الاسلامية في الخارج
7- ثمة مستوى اخر من النشاط في الخارج بوصفه شيوعي قاطن في ذلك البلد. اي اذا كنت شيوعي وتقطن في المانيا، فرنسا او بريطانيا لايمكن ان لا تكون لك صلة متينة مع شيوعيي الطبقة العاملة في ذلك البلد. كقاعدة، عليك ان تتعرف على العمال الشيوعيين هناك، ان تقيم صلة معهم، وكقاعدة ان تسعى لان تكون جسراً ضد الخرافة في خارج البلد وفي اوربا وامريكا فيما يخص النشاط الشيوعي، وان تكون مايسمى جسر الصلة الاممية بين الشيوعية في ايران والشيوعية في هذه المجتمعات.
ان هذه النقاط هي ليست اولويات حسب الترتيب. ولكن بوسعها ان تكون اساس النشاط الشيوعي في الخارج. وان بوسع كل تيار، ارتباطاً بتوازن القوى، ان يحدد شواخص تقدمه في كل ميدان دون شك. والاهم من هذا ان يضمن التقدم والاتساع وكسب القوى. ويضيق الاجواء على غيره. ان النشاط الذي ليس بوسعه ان يرى نفسه موفقاً بهذه الشواخص، لن يكون له تاثير على عالمه الخارجي. ساوضح لاحقاً ان ليس لاكثر المنفيين السياسيين عالم موجود خارجه.
ان واقع النشاط الشيوعي في الخارج يواجه قضايا وتعقيدات اخرى، اشير الى بعض منها:
الف: تركيبة المهاجرين
ان التركيبة الطبقية والسياسية للمهاجرين الايرانيين في الخارج لاتماثل مجتمع ايران ولا مجتمع البلدان التي يعيشوا فيها. ان القسم الاعظم من هؤلاء المهاجرين هم ليسوا عمالاً. ان معضلة النشاط بينهم تماثل معضلات النشاط في شمال مدينة طهران او المناطق المرفهة في مدن ايران. ليس قصدي ان اقلل من اهمية العمل بين الايرانيين، بل اشير الى تعقيداته.
علي ان اشير بهذا الخصوص الى قدرة نفوذ القومية والدين الى حد ما بين الايرانيين في الخارج. ان الفصل والهوة الثقافية مع المجتمع الذي يعيشون فيه، وجود العنصرية والخوف من الاجانب في جميع البلدان، يدفع الايرانيين، مثلما هو الحال مع بقية الامم، صوب تامين الامان الروحي، الاجتماعي والاقتصادي عبر تشكيل غيتوات (مناطق معزولة-م) قومية ودينية، وان هذا يوفر افضل مجال للقومية والدين وسائر التصنيفات الرجعية. ان مجابهة هذه الظاهرة والتصدي لها ليست عملية سهلة اساساً. بيد ان على النشاط الشيوعي ان يعد كسر هذا الطوق واشكال الحصار والغيتوات الثقافية والسياسية والاجتماعية هدفاً اساسياً ومهماً له. ان مايجري في هذه الغيتوات يجد انعكاس له في ايران دون شك.
ويتمتع النضال ضد التخلف الثقافي والسياسي، النضال من اجل الدفاع عن الحقوق الانسانية، النضال من اجل الدفاع عن حقوق المراة، حقوق الطفل، ضد الدين وغيره، بالاضافة الى اهميته في ايران نفسها، فانه يتمتع باهمية كبيرة في النشاط في الخارج. كما يتمتع باهمية كبيرة التحول الى ناشط، ناطق ومنظم هذه النضالات في الخارج، وهو بالضبط مثل داخل البلد، يتخطى كثيرا التوعية المجردة، بل نضال عملي وسياسي. باء-الايرانيين العمال في الخارج
ان قسماً واسعاً من المهاجرين الايرانيين هم من حملة الشهادات الساخطين، وعملياً، من الناحية الطبقية، ينتمون الى القسم الاعلى من المجتمع، وحين يقدمون الى خارج البلد، يجبر بعضهم على العمل كعمال. ان المعضلة التي لدى هذا القسم هي شبيهة بالمعضلات السياسية والفكرية للجيل الاول من الفلاحين او البرجوازية الصغيرة التي تنضم يومياً للطبقة العاملة. ينظرون الى حياتهم واحلامهم في مكانتهم الاجتماعية السالفة. يسعون على الاغلب عبثاً للعودة الى الماضي. بالضبط مثل فلاح او برجوازي صغيرة انضم حديثاً لصف الطبقة العاملة. ان هذا القسم، على غرار الجيل الاول للعامل، يظهر في محيط العمل بوصفه عامل متخلف على الاغلب. وفي اغلب الاحيان، وبشعوره بالاغتراب من مكانته الجديدة، يميل للقومية، او يُدفع لها. ينجذبون للاجواء القومية، الاثنية والدينية التي يحسوا في اجوائها بامان اكبر. الغرق في خواطر وذكريات المرحلة السابقة، ويبقى في العالم ذاته ويحرم نفسه حتى من الخيرات الثقافية، الفكرية والمادية التي هي في متناول يده.
ان عدد كبير من العمال الايرانيين يعملون في السويد، فرنسان المانيا، ولكننا من النادر ان نراهم في صف الطليعيين العماليين في محل عملهم. على العكس من ذلك، ليس لهم دور ايجابي في خلق الوحدة الطبقية في محيط عملهم. اذ تدوّر رؤوسهم القومية والدين مثل الافيون ويديموا معيشتهم في عالم خيالي. يعد الكثير منهم انفسهم يسار وشيوعيين قولاً، ولكن في الحياة الواقعية ليس لهم اي دور في نضال الطبقة الذين هم جزء منها، ليس هذا وحسب، ليسوا اداة لاي وحدة ونضال حتى في بعده النقابي. ينضموا، على الاغلب، في مراحل متاخرة عن البقية لصف النضال. ما ان تتحدث مع اي ناشط عمالي في اوربا، حتى ينفجر امامك استياءاً من هذا الوضع. انهم مثل العامل الافغاني في ايران. ان هذاالقسم من العمال الايرانيين في الخارج ليس عنصر اتحاد في اغلب الاحيان، وليسوا ضد الخرافة اساساً، لايعرف لغة البلد بصورة جيدة، ليس اصدقاء لعامل يساري او شيوعي في هذا البلد رغم قلتهم اساساً.
لايمكن للنشاط الشيوعي ان لايولي اهمية للسعي من اجل جر الجماهير العمالية هذه ووضعها بصف الناشطين العماليين لهذا البلد. ان الشيوعيين الايرانيين هم بوضع افضل من الشيوعيين المحليين من بوسعهم ان يتوجهوا لهذه الجماهير العمالية، وعليهم ان يلعبوا دورهم بهذا الخصوص.
ج- ظاهرة الثوريين المنفيين والانفصامية السياسية، الفكرية والاجتماعية
ينبغي الاشارة الى تعقيد اخر اشرت له بصورة عابرة في مرات سابقة.
ان ظاهرة النفي هي مثل المعتقل. تبعد يد الناشط عن مجتمعه. انها ظاهرة اجبارية، كما لو ان المنفي يعيش في سجن. النفي بالضبط مثل السجن يقلص من الصلة العملية والذهنية مع مجتمع ايران، وعلى المدى البعيد، ومثلما ان السجن يتحول الى عالمه، فان اجواء حياة النفي تتحول الى اجواء خيالية ومجازية بذاتها. ان هذا العالم المجازي يتحول الى عالم يحل محل العالم الخارجي. تنفصل انهماكاته ومشغلاته، اتحاداته وانشقاقاته، صداقاته وخصومه تدريجياً عن المجتمع، ويخلي المجتمع الواقعي مكانه لمجتمع منفيين او معتقلين. انها تخلق اجواء انفصاميه لايفهمها امرء يقف خارجها. بالضبط مثل معتقل. اذ يتراجع تدريجياً العالم الخارجي في ذهن وعمل هؤلاء الثوريين المنفيين ويحل محله عالم صغير، ابطال ولا ابطال مزيفيين.
وان يصور المنفي مجمل هذه الانفصامية بقالب عبارات سياسية، وينبغي ان نعود لها دون شك. بيد ان لايمكن للتفسير السياسي لهذه الحقيقة توضيح اغلبية "احداث" هذا العالم. السياسة، الماركسية وغيرها هي موضوعات حول المجتمع. لكن مجتمع المنفيين المفعم بالماليخلويائي هو مفصول عن المجتمع وفقاً للتعريف. عندها يكون الموضوع متعلق بعلم النفس الفردي وعلم النفس الفرقوي.
في هذه الاجواء الانفصامية، يغدوا امر تجديد القوى في الخارج وجعل منظمة خارج البلد شبابية هو امر ليس سهلاً اساساً. هذا الا اذا كانت لديك شيوعية قوية، اجتماعية وملحوظة في داخل البلد.
لقد كانت هذه سمة النفي على امتداد التاريخ. لاتقتصر هذه الظاهرة اساساً على الايرانيين ومرحلتنا كذلك. اننا نشهد، بالاخص بعد التحولات الثورية في بلد ما، ظاهرة "ثوريين في المنفى". لقد تحدث عنها انجلز ولينين في بعض الاحيان. يطلقون عليها اسم الثوريين المهاجرين. لقد واجهت كومونة باريس ذلك، كما واجهت ثورة 1905 في روسيا الثوريون الفارون الذين نفوا الى خارج البلد او هروا انفسهم. واننا نرى هذه الظاهرة في مجمل هذه الاحداث.
بوسع فقط ذلك القسم من المنفيين السياسيين ان يتمكن من الافلات من هذه الاجواء المريضة وذلك بربط مجمل عالمه الذهني برافعات في حياة حقيقية، اي مجتمع ايران. ان مجمل تاكيداتنا في السنوات المنصرمة هو ان نكون اجتماعيين، ينبغي النظر بعين الطبقة العاملة، ناشط شيوعي والعالم الذي خارجك اجمالاً واعتباره مرجعاً ومحكاً، لقد كان سعياً لكي لايجرنا كلنا، نحن في الخارج، مستنقعاً مظلما ذا قدرة جذب هائلة عميقاً نحو قاعه. المجتمع والعالم المحيط بنا يزودنا ببوصلة نهتدي بها. ان موت النشاط الشيوعي يتمثل بحبس النفس في هذا العالم.
ان احد الاشكال الخاصة والمهمة للنشاط الشيوعي هو الذي طرحناه تحت اسم كارد ازادي (حماة الحرية-م). ان هذه الفكرة مهمة لانها تتخذ معنى من صلة النشاط الشيوعي بالسلطة والاقتدار السياسي التي اشرنا لها سابقاً.
ان على الحزب السياسي انتزاع السلطة هي ليست فكرة ماركس ولا منصور حكمت. انه منطق كل نضال سياسي في تاريخ المجتمع البرجوازي. ان مجمل الاحزاب، سواء اكانت يسارية ام يمينية، ماعدا الاحزاب الهامشية والتي هي ي الواقع غير سياسية، لديهم هذه الفكرة بهذا الشكل او ذاك. ان موضوعة حماة الحرية هي ان في عالمنا المعاصر، ومن اجل قرن النشاط او التحزب السياسي بالقدرة والاقتدار لايمكن وينبغي ان لاتنتظر مكانة ووضعية مناسبة في مرحلة ثورية. اذ تسعى البرجوازية ومجمل التيارات الرجعية، سواء اكانت في الحكومة ام خارج الحكومة، عبر القسر ان تحول دون وصول النشاط الشيوعي لتلك المرحلة. لايجابه النشاط الشيوعي والطبقة العاملة اليوم بمؤسسة القمع الرسمية للدولة والحكومة. اذ يجابها اشكال من الجماعات والعصابات الرجعية والبرجوازية، وان يكن بعضها في المعارضة، الا انها بجانب المؤسسة الحكومية تلجأ الى القسر والعنف ضد النشاط الشيوعي والطبقة العاملة.
في حقيقة الامر يواجه النشاط الشيوعي اليوم وضعية تختلف عن المرحلة السابقة. ان افضل نموذج مطروح امامنا هو نموذج الحزب الشيوعي الروسي. لقد كانت البرجوازية المسلحة هي الحكومة انئذ. الحكومة هي من تنفذ وتطبق النظام، وان الحقت بها الهزيمة ستنتصر. مثلما هو الحال مع انتفاضة اكتوبر، وبعدها الحقوا الهزيمة بها في الحرب الاهلية. لقد تغير العالم اليوم كلياً. في ذلك الوقت لم تكن المعارضة مسلحة ولا الحكومة، بالاضافة الى قواها النظامية، تستند الى الزمر المسلحة العريضة وبعض الاحيان اهم من الحكومة نفسها. في تلك المرحلة لم يكن هناك خطر سيناريو مظلم، خطر دمار وانهيار المجتمع على ايدي الجماعات المسلحة الحكومية وغير الحكومية والمناهضة للحكومة. لم تكن هناك ظاهرة مثل التي رايناها في الصومال، لبنان، افغانستان، يوغسلافيا والعراق. ان مجتمعنا على شفا الانهيار دوماً. ان انهيار المجتمع هو اسوأ الاوضاع الممكنة لنشاط شيوعي ولثورة عمالية. العراق نموذج بارز على هذا الواقع.
لم نمر بوضع في روسيا بحيث تقوم المعارضة، اذا اقتضت مصالحها، قبل الاطاحة بالحكومة، بارهاب وقمع الشيوعيين والطبقة العاملة. لم تكن في مرحلة لينين مقولة باسم "بسيج"( مليشيات تابعة للجمهورية الاسلامية-م). ليس هناك بسيج المحلة، ولابسيج المعمل، لا السلفيين ولا المعارضة المسلحة. لم يلغم احد نفسه في ذلك الوقت، ويفجر نفسه وسط اجتماع المجلس. لم يسلح احد طفلاً عمره عشر سنوات بالرمانات اليدوية والسلاسل كي يغتال النساء غير المحجبات او المعارضات. لهذه الاعمال رواجاً كبيراً اليوم. اي يمكن تهديد واغتيال العامل الشيوعي والناشط الشيوعي من قبل الاسلاميين والسلفيين والشيعة، المجاهدين (مجاهدي خلق-م) والحزب الديمقراطي وغيره. يقومون بهذا العمل مع الدولة او بمعزل عنها.
ان هذا الواقع يثقل على ذهن المجتمع وبالاخص على ذهن العامل، وان هذا الثقل نفسه هو مبعث لحذر العامل وسيادة الروح المحافظة. كم عامل وكم انسان تحرري هناك في مجتمع ايران يرسف بهم قلق انه حتى اذا الحقنا الهزيمة بهم في خندق الانتفاضة في طهران، سيمضون بقصف طهران وسائر المدن الاخرى، ولو كان بيدهم اسلحة نووية، لن يترددوا عن استخدامها؟ هل يتردد من يلغم نفسه ويفجرها في المدارس والمستشفيات عن استخدام اسلحة نووية او كيمياوية؟
اننا لم نرى هذه الظاهرة في ثورة 1979 حتى. يمضي الاسلاميون اليوم لقتل الفتيات لا لشيء الا لذهابهن للمدرسة. يلغم نفسه ويفجر نفسه وسطهن. ما اود اقوله ان النشاط الشيوعي يجابه في هذه الحالة وضعية جديدة.
من المؤكد اننا اذا جوبهنا بوضع مثل هذا، ينبغي شن الهجوم عليهم، ونشكل في خضم هذا شيوعية بوسعها ان تقمع مجمل هذه القوى الرجعية. ولكن تتمثل المسالة بوجوب عدم انتظار ان يقوموا بكارثة كي نبدأ. ينبغي ارساء الخنادق من اليوم ضدها. ان هذا التخندق يستلزم، بالاضافة الى الكتابة والتوعية، عملاً محدد ومنظمة ونشاط خاص في المجتمع.
وعليه، يتعلق الامر بعمل او وظيفه جديدة اضيفت الى النشاط الشيوعي اليوم. ان احباط هذه القوى الرجعية المسلحة الى ابعد الحدود، وايديولوجية الى ابعد الحدود، وبلطجية ورجعية حتى نخاع العظم. من هنا تبدأ موضوعة حماة الحرية، وليس من نواة مسلحة. ان فكرة حماة الحرية هي سبيل لمجابهة مؤثرة وفعالة لجيش الرجعية هذه على ايدي النشاط الشيوعي.
ذكرت ان حماة الحرية هي ليست حول ايجاد نواة مسلحة. ان اقامة هذه النواتات هي امر ممكن وجزء من هذا المشروع دون شك. ولكن ليس حماة الحرية حول هذا الامر، ولا حماة الحرية حول تنظيم النضال المسلح ولا حتى حول الشروع الفوري بحمل السلاح. حماة الحرية هي حول اعطاء قدرة الدفاع عن النفس للعامل والجماهير التحررية لذلك المجتمع كي يتمكنوا انفسهم من الدفاع عن انفسهم . ولكن حتى لفترة طويلة، ليس من الضرورة، ولايعد امراً صحيحاً، ان يتسلح حماة الحرية بالمعنى المتعارف للكلمة.
في الواقع، سواء في الحزب الحكمتي الذي هو مبتكر حماة الحرية او خارج هذا الحزب تم فهم وبشكل واسع حماة الحرية بمعنى تشكيل نواتات مسلحة. كما لو ان تجتمع جماعة ما، تؤسس نواة مسلحة سرية، يوزعون بياناً بصورة مسلحة، ويعلنون عن وجودهم وغير ذلك. او اختزال حماة الحرية الى صيانة امكانيات او الهيئة المسلحة للحزب الحكمتي في كردستان. اننا، وبدون فكرة حماة الحرية، سعينا ايضاً الى صيانة الطابع المسلح للحزب في كردستان، لدينا مشروع القادة الشيوعيين بين الناس (زيارة قادة الحزب وكوادره بشكل خاطف وعلني لاوساط الجماهير والتحدث لها حسب الاوضاع الامنية-م) وغيرها. ان القيام بهذا العمل لم ولايستلزم حماة الحرية.
ان موضوعة حماة الحرية هي امر يخص خلق وايجاد عمل ما. وظيفة في المجتمع وفي الطبقة العاملة والكادحة يمنحها امكانية الدفاع عن نفسها.
ان عالمنا مليء بالاشكال البرجوازية والرجعية لاليات ممارسة السلطة المحلية بدون ان تكون لديك اسلحة. من اشكال المقاومة ضد اسرائيل في فلسطين الى على سبيل المثال الجيش الايرلندي الحر والذين 99% منهم ليس لديه اسلحة. عالمنا مليء باشكال التنظيم الجماهيري والسياسي التي تقلص او لاتترك مجالاً عملياً في المحل، وفي توازن قوى قائم، لعمل التيارات المعارضة لها. ان تنامي السلفيين في كردستان والذي يستند الى التهديد المستمر للشيوعيين والناشطين اليسار في هذا المجتمع بالارهاب والتخويف هو نموذج اخر.
ما اود قوله ان حماة الحرية لايساوي النشاط النظامي. حماة الحرية لايساوي نواتات مسلحة. حماة الحرية يختلف عن صيانة الملامح النظامية في كردستان. حماة الحرية نموذج ورمز الاقتدار التدريجي للطبقة العاملة والنشاط الشيوعي في الدفاع عن نفسهما.
ان مكاناً مهماً لهذا النشاط هو المحلة. بوسع حماة الحرية ان تتخذ اي شكل لها من فريق رياضي الى جمع شباب المحلة. بيد ان العمل الذي يقومون به هو ان يضيقوا الخناق خطوة بخطوة على نشاط وحركة القوى الرجعية في محلتهم او يجعلوها تواجه مشاكل جدية. لايسمحوا ان تتحول محلتهم الى مرتع للاستبداد. لايشعر البسيجيون بالامان هناك. ان بوسع انعدام الامان ان يشمل من اطلاق الصفير والسخرية والاستهزاء بهم الى ارعابهم، وهي ليست بالضرورة بشكل مسلح، بل عملياً غير مسلحة في اغلب الاحيان. عبر رمي الحجارة عليهم، الصفير، بشكل يشعر ان الاخرين ينظرون لهم نظرة سيئة. من هذه الاشكال الى يوم ما تشهر بوجههم الاسلحة دون شك. اصل القضية هو ربط هذه الاعمال بنشاط القوى الرجعية من قمع الحرية الى ظلم المراة والطفل الى اي بعد يشمله النشاط الشيوعي.
ان اعتبار حماة الحرية معادلاً لرفع الاسلحة ومعادلاً للنشاط المسلح هو تقليل من شان موضوعة اساسية واستراتيجية الى ابعد الحدود في الاوضاع الراهنة الى نضال فدائي او ادامة النضال المسلح في كردستان.
ان صياغة هذا النشاط هو ظاهرة تدريجية، التوعية، جمع القوى، التجذر في المحل، التحلي بدعم معنوي وعملي في المحل، الاتحاد للدفاع عن النفس، الاتحاد لانتزاع ابتكار خلق الامان في المحل، والشل التدريجي للرجعية والبرجوازية من التدخل في حياة والتحكم بالطبقة العاملة والجماهير الكادحة والمناضلة لمحل ما، وان هذا لايتم في يوم واحد وبنواة واحدة.
يكفي ان يمضي شباب محلة ما لاعتقال ملا اصدر فتوى ضد النساء، في اطار تناسب قوى، يؤدبونه، ويرهبوه. عندها سيحسب ذلك الملا غدا حساباً للهجوم على المراة في ذلك المحل. وسيشعر مجمل النضال من اجل تحرر المراة، على الاقل في تلك المحلة، باقتدار وامان اكبر. اتذكر وقت حين كان يقوم الاسلاميون في شهر رمضان بايقاظ الناس بالطبول في ساعات الفجر الاولى للسحور، ظهرت هناك مجموعة امسكتهم ومزقت طبولهم. لم تكن هناك اسلحة ولا رمانات يديوية كذلك.
ان حماة الحرية هي حول الاقتدار والاتحاد للدفاع عن النفس، لبث الامان في نشاطك ولا امان اجواء الطرف المقابل. ان هذا يشمل من الضغوطات الفيزيقية الى الضغوطات المعنوية والنفسية.
انه لامر معروفاً ان يؤول الامر الى المجابهة المسلحة في المطاف الاخير. يستل الطرف المقابل الاسلحة، ولكننا اذا لم نستل الاسلحة اليوم فذلك فقط لان هذا العمل ليس لصالحنا الان. في ظروف واوضاع مناسبة، سنستل الاسلحة دون شك. ينبغي ان يكون هذا الامر واضحاً لحماة الحرية. ان هذه المجابهة ستؤول الى مجابهة عنفية، وهذه المجابهة العنفية ستقتضي الاسلحة، وهذا اللجوء للسلاح سيؤدي الى اسلحة ثقيلة هي عملية ينبغي طيها في حياة واقعية، والا فان النضال المسلح بصورة فدائية او اسلوب النضال المسلح في كردستان، في اوضاع لا يوجد فيها هذا النضال، سيكون كلاهما نزعة مغامراتية. تستنتج حماة الحرية من موضوعة لاربط لها بالنظريات والتقاليد السائدة فيما يخص النضال المسلح.
من الممكن ان ياتي وضع وظرف ان ينظم حزب شيوعي نضالاً مسلحاً، وعليه ان يقوم بهذا. بيد ان موضوعة حماة الحرية هي موضوع اخر. ان التعامل مع الاثنين كانهم امر واحد يشل عملياً الطبقة العاملة والجماهير الثورية. لانك تشرع بحمل السلاح في وقت يكون للطرف المقابل يد طولى. من جهة اخرى، يتحول النضال اليومي للطبقة العاملة الى ادامة نواتات مسلحة، وهو مايجعل تنظيم الطبقة العاملة هش وسهل ضربه. يستفزون الشرطة به، يبعثر هذه التنظيمات والتشكيلات لان من اتى ليتجمع حول هذا التشكيل لم ياتي للحرب. ليس ثمة اي قائد او مسؤول عاقل يرسل اناس لحرب لم ياتوا للميدان من اجلها.
على اية حال، ينبغي الفصل مابين الاثنين كي يمكن التقدم للامام. ان يوم حماة الحرية هو شيء وغده شيئاً اخراً. ان افضل تعريف له هو رمز الاقتدار التدريجي، من الصفير، وامل ان لايبلغ اشهار الاسلحة يوما ما، من تضييق الاجواء عليهم الى ردع هجماتهم باي درجة يقدر عليها الانسان وبصورة متناسبة مع الظروف والاوضاع.
وعلى هذا الاساس بالضبط، اعلنا اطار وهيئة حماة الحرية من اليوم الاول بوصفها اطاراً محلياً وتابع للجان الشيوعية المحلية.
ثمة نقطة اخرى اود ان الف انتباهكم اليها وهي تبين المنطق والتجربة كلاهما ان فكرة حماة الحرية تستهوي وتجذب اليها الشباب قليلي التجربة بسرعة. اناس ليس لديهم صبر العمل الجماهيري، جمع القوى والنضال المُتَحَكَّمْ به، يحولوا بسرعة حماة الحرية الى نواة فدائية ويضعون على جدول اعمالهم خطوات مغامراتية. يعد التحكم التام للجان الشيوعية هنا بهذه الاشكال التنظيمية وزرق عقل سياسي واجتماعي بها امراً حياتياً.
على اية حال، من اجل توضيح المسائل اكثر، ادعوكم للرجوع الى وثائق ونقاشات الحزب الحكمتي بهذا الصدد.
امل ان يكون مجمل هذا الموضوع قد فتح نافذة على النشاط الشيوعي وعون للناشطين الشيوعيين للطبقة العاملة. ان كان هذا الموضوع مفيداً، اجعله اساس عملك وضعه في متناول العمال والشيوعيين الاخرين.
توضيح: 1- ليس قصدي هنا ان لايستفاد النشاط الشيوعي من النضال المسلح. بالاخص في عالمنا، تعد قدرة الدفاع عن النفس وقدرة قمع البرجوازية قبل اسقاط الحكومة السائدة امراً حياتياً. يتعلق الموضوع هنا بان النضال المسلح والقوى المسلحة بالنسبة للبروليتاريا ذات معنى فقط في سياق الصلة بالتنظيم ونشاطه الاكثر اساسية. ولهذا بالضبط في موضوع حماة الحرية، عرفناها لابوصفها قوة نظامية بالمعنى الشائع للكلمة، بل جزء من النشاط الاساسي والمحلي للجان الشيوعية.