إذاعة برتو: اود ان اتناول الازمة الاقتصادية في ايران من عدة زوايا. احدها، وبصورة اكثر تجريدياً، هي: ماهو المفهوم الاقتصادي لهذه الازمة، وماهي خلفيتها على صعيد ايران والعالم. بعدها نتناول الطبقة الراسمالية، حكام الحمهورية الإسلامية، ومن ثم نتطرق الى الطبقة العاملة ونسلط الضوء عليها.
ابدء من حكم عام. في غضون السنوات الأربعة المنصرمة، استوردت ايران بضائع تصل قيمتها الى 400 مليار دولار، وقد سحب القسم الأعظم من هذه السلع البساط من الإنتاج المحلي. لانه ارخص. ولهذا يجري اقفال أبواب المعامل ويسرح العمال من العمل. تبدو المعادلة بسيطة. يمكن القول انه لايمكن معارضة دخول البضائع، ولكن على الحكومة ان تلجم، على الأقل، دخول البضائع بصورة غير ممنهجة. تبدو هذه الاطروحة جميلة مباشرة، ما هو رايكم بهذا الصدد؟
كورش مدرسي: ان موضوعة تصدير واستيراد البضائع الرخيصة هي قديمة بقدم النظام الراسمالي نفسه. على هذا الأساس تُدار الراسمالية وتعمل. ان الاطروحة البسيطة التي قد طرحت ايضا سابقا من قبل الراسمالية بوجه الطبقة العاملة بهدف ابعاد انظارها عن اصل الأمور والقضايا، وان هذه الموضوعة هي احد مبررات تبرير النزعة القومية. فعبر هذه الاطروحة البسيطة، يطرح قسم من البرجوازية مصلحته الخاصة امام الجميع بوصفها مصلحة المجتمع والطبقة العاملة.
ان راجعت البيان الشيوعي، الذي كتبه ماركس وانجلز، الذي هو من اولى الوثائق لتوضيح المجتمع الراسمالي، سترى هذا الامر كاحد السمات البارزة للمجتمع الراسمالي. اذ يذكر ان السلعة الرخيصة المنتجة في الراسمالية ستخفض من جدار الصين. اذا لم تتمكن أي مدفعية او هجوم جيش جرار من تدمير جدار الصين او أي حصار وطني او اقتصادي، فان الإنتاج الوفير للسلع الزهيدة الثمن للراسمالية سيفك حصون أي حصار اقتصادي. انها حقيقة العالم الراسمالي. انها حقيقة الإنتاج الراسمالي. انها تتطابق مع "العقل في اطار الإنتاج الراسمالي". ستؤلب المجتمع ضدك ان عارضت ذلك. ان المجتمع متعطش لخيرات الحياة، وان الإنتاج الوفير للراسمالية، قبل أي شكل اخر، يجعل هذه الخيرات في متناول يد البشرية، بالضبط جراء وفرته وزهد ثمنه. انها نقطة قوة نمط الإنتاج الراسمالي واقتداره. ان انتاج الربح وازدياد قيمة الربح هو محرك لاي مجتمع يعيش في اطارالعلاقات الراسمالية. انه ليس بعاشق الإنتاج ولا بعاشق التصدير والاستيراد. اذا يجلب له ربحاً اكثر، يستورد سلعة ارخص.
ما اود قوله هو ان هذا هو المنطق المعطى للمجتمع الراسمالي. فالراسمالية، من جهة، مصدر ثروة ورفاه وتوفير إمكانية حصول الجماهير العريضة على خيرات لم تكن هناك إمكانية اساساً في المرحلة الاقطاعية لانتاجها او انها بدرجة من الغلاء بحيث ليس بوسع سوى قسم محدود منها الحصول عليها، ومن ناحية أخرى، فان الراسمالية نفسها مصدر استغلال اشد، مصدر بطالة وكذلك تعميق المنافسة والصراعات الداخلية للبرجوازية نفسها.
ان الراسمالية هي وحدة هاتين العمليتين المتضادتين. مثلما يوضح الراسمال والبيان الشيوعي، يؤمن وفرة الخيرات الخضوع التام للطبقة العاملة ووجود جيش ضخم من العاطلين. ان هذا واقع عالمنا في بريطانيا، أمريكا، الصين، ايران وكل العالم. بوسع غياب فهم ماركسي للنظام الراسمالي ان يدفع كل عامل نحو الخديعه، ويعطيه رؤية خاطئة عن المجتمع والية وكيفية عمله. ان الأساس الذاتي لبقاء خرافات الحركات البرجوازية في ذهن الطبقة العاملة هو من جملة هذه، يعود الى الفهم الخاطيء للراسمالية وكيفية عملها.
إذاعة برتو: ولكن اذا نظرنا الى تاريخ الراسمالية، سنرى ان الدفاع عن السوق المحلية امام السوق الخارجية او هجوم السلع الخارجية كان مبعث تنامي الصناعة في البلدان المختلفة. الم يكن الامر كذلك؟ الا يعطي احقية وصحة لهذه المسالة؟
كورش مدرسي: هل نحن وكلاء تنمية الصناعة عموماً لتنمية الصناعة بذاتها؟ هناك عدة طرق لتنامي الصناعة. اننا مدافعي الرفاه وضد البطالة والاستغلال. في اطار الراسمالية، لا يمكن تنامي الصناعة بدون وجود جيش هائل من العاطلين وبدون اخضاع الطبقة العاملة. ليس بوسع الراسمالية ان تنمو بدون عرق الطبقة العاملة وكدحها ودمها. بالنسبة للبرجوازي، يحسن تطور الصناعة وضعه بصورة تلقائية. ان تطوير الصناعة وامنية التصنيع هما هدف بحد ذاتهما ولهما جاذبية. ولكن بالنسبة للعامل لا يشكل تنامي الصناعة في اطار الراسمالية، اهمية له، بل موضوع استغلال الراسمالي هو اصل القضية. فما مزية ذلك بالنسبة له؟
زد على هذا، ليس ثمة مجتمع راسمالي تمكن من فرض جدار عازل على نفسه وطوقها وحمي إنتاجه المحلي قليل الربحية لمدة ملحوظة، وحتى لو تمكن من القيام بهذا العمل، فان ليس بوسعه تحقيق نمو ونجاح مهم. انظر الى الكتلة الشرقية ونماذج الراسمالية الحكومية او راسمالية الدولة، سترى تبعات هذا العمل وعواقبه. تحدثت عن الازمة. ان كانت الازمة في مجتمع ايران ذات شكل معين، فانها تتخذ في أمريكا شكلاً اخراً. وان تكن هناك ازمة عالمية، فان ثمة ازمة ناجمة عن الجمهورية الإسلامية. بيد انها اشكال واوجه مختلفة للازمة في الراسمالية. ينبغي ان نوضح لانفسنا امراً: ماهو أساس هذه الازمة، وماهي النواة الأساسية التي تشترك فيها كل أزمات الراسمالية. ان لم نقم بهذا العمل، لن ندرك الية عمل الراسمالية، ليس هذا وحسب، سنقع فريسة الاحكام الأخلاقية فيما يخص راسمالية جيدة وراسمالية سيئة.
ان مايشكل ماهية الازمة في عالم الراسمالية هو ازمة ربحية الراسمال. وهو ما يسمية ماركس الميل التنازلي لنسبة الربح. ان هذا الميل هو حصيلة عناصر متنوعة ومعقدة ومتشابكة جدا للإنتاج ودورة الراسمال. بيد ان هبوط نسبة الربح لايتجسد بصورة مستمرة. ان للراسمالية اليات متنوعة للحيلولة دون ذلك. ولكن بالنتيجة، وبصورة دورية ومن الواضح فجائية، فان الميل التنازلي المتراكم يهب مثل تيار جارف او بحيرة خلف سد ما، يحطم السدود، ويتدفق ويحدث هبوط نسبة الربح بكل قوته. تهبط ربحية الراسمال، وتغدو مواصلة الإنتاج وتدويره في الاطار القائم عاجزاً عن تحقيق ربحية الراسمال. لايستطيع الراسمالي ان يحقق الربح اللازم او الكافي، لذلك لا تباع السلع بالاثمان القائمة و بنسبة الربح القائمة. وبالتالي، وفي قمة تراكم البضائع، يصعب ان يكون في متناول القسم الأعظم من المجتمع وذلك لانهم لايكونوا قادرين على شرائها، لايملكوا امكانيات الشراء. وحتى في اوج وجود راسمال إضافي، فانه يضيق على إمكانية حصول قسم مهم من البرجوازية على الراسمال والنقد. لذلك تدب الازمة في البنوك.
في ازمة الراسمالية، لايعني الامر على سبيل المثال ان يكون الانسان جائع وبحاجة للخبز والملبس وتغيب سائر خيرات الحياة. لايعني عدم وجود بضائع. بل يعني ان بيع هذه السلع وانتاجها لايجلب الربح اللازم. وعليه، لاينتج الراسمالي خبزا او ان الخبز الذي انتجه يكون "باهض الثمن" ولايباع، لايحقق ربحا.
ما اود قوله ان نواة ازمة الراسمالية، في كل مكان، هي ازمة ربحية الراسمال. وان يكن هذا الصراع بين الأقسام المختلفة للبرجوازية هو حول تقاسم القيمة الزائدة او تقاسم الربح بينهم هو جزء لايتجزأ من النظام الراسمالي، ولكن في مراحل الازمات يشتد هذا الصراع بشكل كبير، ويغدو سياسياً الى حد كبير. ويسعى أي قسم من البرجوازية في هذا النزاع الى ان يجر ورائه اوسع مايمكن من اقسام المجتمع وبالأخص الطبقة العاملة والكادحين.
اذ تريد اقسام من الراسمالية ان تقيم اشكال حصار، وتبقي على الأسعار ونسبة الربح عالية وتصون نفسها. ان من أشكال الحصار هذه، هي تلك التي تقام تحت يافطة "الصناعة الوطنية" وتنشد ان تضيّق على الاستيراد كي تؤمن وتضمن ارباحها في الاطار القائم واخضاع الطبقة العاملة غير المشروط وتضحيات هذه الطبقة لتطور الصناعة الوطنية. اذ تُخفض هذه السياسة مباشرة من حصة الطبقة العاملة من مجمل ثروة المجتمع، وتفرض الفقر، غياب الأمان والاستغلال المتعاظم للطبقة العاملة وكادحي المجتمع.
لقد اضعفت العولمة الواسعة للراسمالية ذاتها خلال الربع الأخير من القرن الحادي والعشرين هذا الميل دون شك. فالجميع يعلم ان خارج السوق العالمية للراسمالية لايمكن ان يكون هناك اي مستقبل يذكر لاي نظام راسمالي. اذ تحتاج البرجوازية في جميع انحاء العالم الى الراسمال، حيث اصبح تصدير الرساميل في القرن العشرين ولحد الان نمط عادي لعمل الراسمال في مجمل العالم. وهي الظاهرة التي وضحها لينين بالتفصيل في موضوعة الامبريالية اعلى مراحل الراسمالية. عالمنا عالم سلطة الراسمال المالي. لندع جانباً ان دخل مدراء المؤسسات الراسمالية هو غالبا مستقل عن ربح تلك المؤسسة، بوسع راسمالي صناعة ما ان يبيع في غضون دقائق اسهم هذه الصناعة القليلة الربحية، ويشترى اسهم صناعة اكثر ربحية في ذلك الطرف من العالم. الراسمالي، سواء اكان ايرانياً ام غير إيراني، لاينتمي ولايرتبط بصناعة خاصة سوى الربح.
في الصراع مابين الأقسام المختلفة للراسمالية، يتبنى الراسماليون سياسات مختلفة. بعضهم انصار فتح الأبواب امام البضائع، والاقسام عديمة الربح تريد ان تقلل من إمكانية المنافسة، يتحولون الى انصار التضييق على دخول البضائع. وعبر تغليف هذه القضية في هذا التصنيف، تخفي البرجوازية نزاعاتها الداخلية حول سبيل حل ازمة الراسمالية وإعادة تقسيم الربح وفائض القيمة بينهم وحقيقة وواقع ان الانتاج الهائل للخيرات في المجتمع هو امر ممكن يرافقه اخضاع الجماهير ومصائبها، تلقي ستار على هذه النزاعات وتخفيها. احدهم يقول ان التقصير يكمن في ان البضاعة تاتي من الخارج، واخر يقول لا ان ما ياتي من الخارج هو ارخص. ان النضال ضد هذا الوضع ومجابهته ليس امرا ممكناً بدون تشخيص هذه الحقائق. بدون تفسير ماركسي عميق لالية عمل الراسمالية وأزمتها، يبقي سبيل الخروج من الازمة، وحتى تحديد سبيل الدفاع عن النفس امام هذه الازمة بعيدة عن انظار الطبقة العاملة، وتصبح الطبقة العاملة بسهولة ضحية اشكال الخداع المبرمجة والتاريخية لهذا القسم او ذاك من اقسام البرجوازية.
إذاعة برتو: ماهو تقييمكم لموضوعة "الاستيراد غير المنظم" والأوضاع المتازمة الراهنة للجمهورية الإسلامية؟
كورش مدرسي: لقد ذكرت توضيحي بهذا الشأن. ان مجتمع ايران هو مجتمع راسمالي. اذ يتم تامين معيشتنا وامكاناتنا جميعاً عبر قناة السوق. أي منا يشتري ماهو ارخص، ان هذا يتطابق مع نمط المجتمع الراسمالي. اين صنعت هذه البضاعة، واي عامل في أي مكان من العالم قد صنعها لا يعد امرا مهما. ليس مهما ان كتب عليها "صنع في ايران" او "صنع في الصين". ان قدرة الراسمالية تكمن في انتاجها بضاعة رخيصة، وان أي امرء في مجتمع راسمالي، وفق "العقل السليم"، يريد بضائع ارخص كي يعيش افضل. يشتري العامل ايضاً في السوق على هذا الغرار. يسعى للحصول على بضاعة ارخص.
ان هذه الالية، وبصورة منظمة سواء في داخل بلد او على صعيد السوق العالمي، تُطرد الصناعات التي لايمكن ان تنتج بضائع رخيصة، ومايسمى (المنافسة)، من الميدان. ويرافق هذا الامر موجة بطالة دون شك تمسك بخناق عمال هذه الصناعات. ان الضغط ذاته على الطبقة العاملة هو احد اليات تشديد درجة الاستغلال وجعل الإنتاج اكثر ربحية. على سبيل المثال، اندحرت اغلب صناعات النسيج في ايران والهند امام صناعة النسيج الإنكليزية، لقد وضح ماركس هذا بالتفصيل. مثلما دحرت صناعات النسيج الصينية اليوم جميع صناعات النسيج في العالم. أي حين يكون رخيصاً، نمضي انا وانت لشراءه، وان هذا منطق العالم، ولايمكن ان نهاجم هذا "المنطق". سيقف كل المجتمع وحتى الطبقة العاملة بوجه انصار بقاء سعر البضائع عالية.
ان نزاع الراسماليين حول استيراد البضائع او عدم استيرادها ليس من اجل تحسين حياة الطبقة العاملة. بل يتعلق الامر اساساً بتقاسم الربح. انه نزاع حول مفاهيم هامشية في المجتمع الراسمالي، تسعى من خلاله الاقسام المختلفة للبرجوازية ان تلفت انتباه الطبقة العاملة لها، وان تحشدها وتعبئها خلف ظهرها. ينبغي فصل هذه المناورات السياسية وهذه النزاعات عن واقع الراسمالية نفسها.
يمكن وبدقة، توضيح لماذا يعد الانجرار وراء فرض محدوديات على الاستيراد او حماية الصناعة الوطنية يرمي، عملياً، الطبقة العاملة وهي مغلولة الايدي في أحضان الراسمالية، ويجعل أوضاع هذه الطبقة اكثر مأساوية.
إذاعة برتو: لنتطرق الى الجمهورية الإسلامية، ونوضح هذه المفاهيم اكثر. اذ تشكل اليوم شق كبير في الجمهورية الإسلامية. ثمة جناح، يمكن ان يُطلق عليه إصلاحي، يوالي نوعاً ما الطبقة العاملة والكادحين، يورد مسالة التشغيل ويحمل راية وجوب التصدي للاستيراد غير المنظم. وقد نشر ارقام مؤثرة بهذا الصدد. ونشر مقالات في صفحة "خانة كاركر"-بيت العامل- (المنظمة العمالية التابعة للجمهورية الإسلامية-م) شرحت فيها بدقة الأوضاع الوخيمة للطبقة العاملة. وينبغي ايضا إضافة ان طيف أوسع من هذا الاستيراد يتم ربطه بـ"سادة" يوجهوا ضربة للصناعة المحلية ويجنوا اموالاً طائلة. واخيراً، في البرلمان، نشر مئة وستة عشر مندوباً احتجاجاً بهذا الصدد. لقد عُليت راية ينبغي التصدي للاستيراد غير الممنهج والدفاع عن رفع مستوى التشغيل. كم تمثل هذه الادعائات مصلحة الطبقة العاملة؟
كورش مدرسي: لاتمثل أي منها مصلحة الطبقة العاملة. انهم يمثلون نزاعاتهم الداخلية. فيما يتعلق بجناح الخضر، يعد هذا الامر مناورة سياسية صرف لجر الطبقة العاملة نحوه.
ينبغي ان يواجهوا بالسؤال التالي: لماذا سعر البضاعة التي تُنتج في الصين ارخص من نظيرتها في ايران؟ والاهم من هذا كيف تنشد ان ترسل البضاعة المحلية بالسعر (أي السعر المستورد الرخيص) الى السوق المحلية؟ او تريد زيادة أسعار البضائع كي تدير صناعة محلية "صرف"؟
ان ردوا على هذه الأسئلة، ستدرك عندها ان تعقب مصلحة الطبقة العاملة من ثقب هذه النزاعات ما هو الا رمي العامل باوضاع تيه.
ان وضع المحدوديات والعوائق امام الاستيراد يحسن وضع البرجوازية المحلية التي لاتجلب صناعاتها الربح، ولكن هذا "التحسين" يتم تامينه من المائدة البائسة للطبقة العاملة اولا، وثانياً ان هذا الامر لايدوم. انه مرحلة عابرة لانتزاع كلفة اكبر على حساب الطبقة العاملة.
الأهم من هذا ان هذا الوضع لايمكن ان يكتب له الاستمرار. في المطاف الأخير، لأيمكن ان يكون سعر كيلو الرز في البلد المجاور بالف تومان (3 دولارات تقريباً-م) على سبيل المثال، وسعره في ايران ثلاثة الاف تومان (10 دولارات تقريباً-م). ان السلع الارخص تحطم هذه السدود. ستتنامى ظاهرة تهريب البضائع، سيتصاعد الاحتجاج على هذا التباين في الأسعار. لا يمكن في العراق، باكستان، دبي، روسية، أذربيجان، تركيا وفي كل مكان ان يكون الرز بسعر السوق العالمي، مثلاً الف تومان للكيلو، ويكون سعره في ايران ثلاثة الاف تومان للكيلوغرام. او مثلا ان يكون سعر كيلو غرام من السكر الف تومان وهنا أربعة الاف تومان. ستهب الطبقة العاملة ضد هذا التباين في الأسعار. اذا استطعت اليوم شراء كيلو غرام من الرز او السكر، فمع تصاعد الأسعار، سيختفي الرز والشكر من سلة تسوق العمال. وستلاقي جميع البضائع الأخرى المصير ذاته. تبقى الصناعات المحلية، الا ان مائدة الطبقة العاملة والجماهير الكادحة للمجتمع ستكون اكثر بؤساً مما هو عليه الحال الان.
ان الية السوق توازن الأسعار في المطاف الأخير. لايمكن بالراسمالية المضي لشن الحرب على الراسمالية. ان هذا هو اهم درس على الطبقة العاملة ان تتعلمه من ماركس. ان شكلاً وطابعاً ظاهريا و يريدوه ان يكون مقبولا بإيرادهم مفهوم الطبقة العاملة والجماهير الكادحة واضفاءه على هذه النزاعات والسياسات لكي يجبروك على شراء السكر بقيمة تبلغ أربعة اضعافه. ان العامل الذي يعمل في معمل السكر مجبر على القيام بالعمل ذاته. حين يرتفع سعر السكر والرز، ترتفع اسعار جميع السلع يرتفع سعر النفط، يرتفع سعر كل شيء. ان عامل يعمل في معمل للرز وظاهرياً يبدو انه صان عمله، بيد ان الرز واغلب احتياجات الحياة تحذف من مائدته. ان من يربح هو صاحب مصنع الرز. لانه هو من يضع في جيبه الثلاثة الاف تومان، أي الفرق ( بين السعر المحلي و سعر البضاعة المستوردة). وان العمال الذي بلغ بهم السيل الزبى يقولون لماذا سعر الرز رخيص هناك وغال هنا؟ عندها، ولتخفيض أسعار الرز، يجبروه على تخفيض اجوره، إطالة ساعات عمله، يغضوا النظر عن الضمانات والدواء والتقاعد، المدرسة والصيدلية والماء والشوارع وغيرها. ان هذا هو مايحدث يومياً في كل مكان.
ما اود قوله هو ان صيغة ايصاد الباب او فرض معوقات على الاستيراد لايمد يد العون للعامل وكادح المجتمع، ليس هذا وحسب، بل يعاظم درجة استغلالهم، ينظم هجمة عريضة على معيشتهم، يؤدي الى ان قسم كبير مما ينالوه عليهم ان يعيدوه على شكل دعم للراسمال كي يديم صناعته، والاهم من هذا، تسلب من العامل إمكانية أي شكل من اشكال النضال. ان عاملا وضع صيانة الصناعة الفلانية المنهارة هدفاً له، لاتبقى له أي أداة مقاومة بوجه الراسمال. فما ان يفتح العامل فمه، يعلن الراسمالي "ليس هناك تصريف للبضاعة" وسيغلق الصناعة. سيوظف راسماله في مكان اخر. سينقله لدبي، الصين او أي مكان اخر في ايران.
علينا ان نسال انفسنا، لو انهم حددوا استيراد السكر والرز والقماش وغيرها، ستتصاعد جميع الأسعار اضعاف في غضون يوم واحد. ومثلما هو الامر مع الراسمال في السوق العالمي، ينشد راسمال الصناعات المحلية الربح في المطاف الأخير. وإذ لم يحصل الراسمال العزيز والمحلي على هذا الربح، سينقل راسماله ايضاً، ويشتري اسهم الصناعات المماثلة في الصين والهند وغيرها او ان يضع اساساً أمواله في البنوك ويشارك في نيل حصته من تقسيم الربح هناك. يقوم بالعمل ذاته كل من لديه راسمال. انا وانتم ايضاً اذا كنا أصحاب رساميل، نضعها في مكان يدر ربحية اكثر. لاربط لهذه الالية بالاخلاق، ليس لها صلة بحرص وولع وجشع هذا او ذاك. انها الية الراسمالية. تقوم بهذه العمل او ستندحر.
ان مايريده الراسمالي المحلي المحترم هو تامين ربحية راسماله بمقياس نسبة ودرجة الربح في العالم. يضع العراقيل امام الاستيراد. يضع على الحدود، الشرطة والكمرك، حتى لايكون في متناول أيدينا بضائع زهيدة الثمن، كي ينال ربحه.
اذا أراد احد ما ان يوصد أبواب الحدود، عليه ان يزيد أسعار البضائع بحد يؤمن ربحه. ان ضمانة بقاء هذه الصناعات المسماة المحلية او الوطنية هي بثمن ان تكون تكلفة حياتنا اكثر بمرات حتى ينالوا ربحاً يعادل السوق العالمي. ان شعار "إيراني يشتري البضاعة الإيرانية" يهدف الى حقن هذا الامر. يتعقبوا من شعار تحريم "البضاعة الأجنبية" ان تلوكه الطبقة العاملة.
احكموا بانفسكم هل ان هذا المسار يعكس مصلحة الطبقة العاملة والجماهير الكادحة للمجتمع؟ أيحسن هذا السبيل حياة الطبقة العاملة؟ لا اعتقد. اذا كان عامل قد اطلع على تجربة 40-50 عام لنضال العمال في اوربا، يرى ان جميع هذه الصيغ فرضت بطالة أوسع. لأورد نموذج كبير على ذلك، لدى الكثيرون اطلاع عليه هو نموذج عمال المناجم في بريطانيا في الثمانينات. قامت ماركريت تاتشر، بوصفها ممثلة لمصالح الراسمال، بالاغلاق الواسع للمناجم. احالته الى القطاع الخاص، والغت الدعم. اما ان يغلقوا المناجم او يندحروا. وذلك لسبب بسيط ان الغاز كان ارخص او ان النفط في ايران او بحر شمال المتوسط، يستخرجه عمال النفط او الكهرباء الذي تنتجه المحطات النووية من قبل قسم اخر من الطبقة ينتج او يستخرج ارخص من الفحم.
ان النضال البطولي الى حد كبير لعمال المناجم في بريطانيا دفاعاً عن هذه الصناعات، نضالا قام به قسماً عريضاً من هذه الطبقة بعوائلهم وبكل وجودهم لعامين بصورة راديكالية، مليتانت، انسانية وثورية، قد اندحر، ولم يجلب دفاع الأقسام الأخرى من الطبقة العاملة الا قليلاً. اذ من يطالب بكهرباء ونفط بأسعار اغلى؟ حَسَبَ الجميع الامر ورأى ان استيراد النفط او الغاز سيخفض من تكلفه كهرباء بيوتهم الى النصف. وفق هذا المنطق، لم يصطف المجتمع وراء عمال مناجم الفحم. ومنح المجتمع الأصوات لتاتشر انتخابات بعد انتخابات.
ما اود قوله، يستحيل ان تمضي في اطار الراسمالية لمحاربة القوانين المعطاة للمجتمع الراسمالي. مثلما ان تريد من امرء ان يتنفس في جو ليس فيه هواء. لايتعلق النقاش حول استيراد سيارات بورشه او فيراري. بل يتعلق بأكثر الحاجات الأساسية اليومية للعامل والكادح الذين تعد مشكلتهم اليومية هي سعر السكر، الاحذية، الملابس، القماش والمتطلبات اليومية. انه قسم من البرجوازية ينشد زيادة أرباحه، وان هذه هي افضل صيغة يقدمها لهذا الامر. اي ان تمضي الطبقة العاملة نفسها طوعا خلف رفع الأسعار وتخفيض الأجور والهجمة على مجمل مكتسبات الطبقة.
ان عاملا يمضي وراء هذه السياسة يرتكب خطئاً فاحشاً لانه يمضي بأقدامه، لدماره ودماره بيته، ويختار ذلك بارادته، ومن جيبه الخاوي ومائدة عائلته لتامين الربح اللازم للراسمال. انه نزاع حول أي السبل يغدوا معها الراسمال اكثر غنى، عبر جلب الرز من الصين او يقوم بانتاجه هنا.
صحيح، من الممكن ان يحافظ البعض على عمله على المدى القصير، ولكنهم سيُمرغون هم وكذلك بقية الطبقة العاملة وكادحي المجتمع في التراب، يُدمر صف الطبقة العاملة، وسيعبيء قسم كبير من عمال هذه الصناعات ضد انفسهم. وفي اوربا شهدنا، في وضعية مماثلة لهذه، كيف ان الجماهير العمالية العريضة والكادحة دعاة فتح جميع الحدود وإلغاء أي أنواع التعرفة الكمركية وغيرها، وأنجرت وراء اكثر السياسات البرجوازية يمينية. ان هذا واقع يومي يبقى فيه طفلك اكثر جوعاً لان ليس لديك القدرة على الشراء.
إذاعة برتو: قد لاتكون المسالة بهذه البساطة. على سبيل المثال يتم الربط مابين الحيلولة دون الاستيراد غير الممنهج للبضائع ومسالة التعرفات والكمارك، بمسالة دعم الدولة لبعض الأسعار. ان احدى الأمثلة التي حدثت أخيرا هو قيام الدولة بدعم تفاح دماوند حيث تقوم بيعه بثلثي القيمة، أي ان تشتريه بالف ومئة تومان من الفلاحين وتبيعه بالسوق بسعر سبعمئة وخمسين تومان. فيما أعلنت في الوقت ذاته منع استيراد تفاح زهيد الثمن من أمريكا اللاتينية. قد يكون هذا بضرر الدولة فيما يخص الحسابات الاقتصادية، وبشكل ما بضرر الناس. ولكن المحاججة التي يوردوها هنا هي ان 28 الف معيل في منطقة دماوند قد تمكنوا من ان يعيشوا. الا يعد هذا مفيدا من الناحية الإنسانية وذلك لان هناك أناس لم يقعوا فريسة الفقر حتى ولو لعام؟
كورش مدرسي: كلا، ليس مفيداً. وذلك لسبب انه يمكن تامين حياة الناس بضمان بطالة كافِ. زد على هذا، من اين اتى مصدر الدولة بحيث تدعم هذا التفاح؟ في ايران، عبر الضرائب غير المباشرة اساساً. وعليه، تُستل هذه الكلفة من جيوبنا او تستقطع من الخدمات التي أجبرت على منحها للمجتمع، وبالأخص للطبقة العاملة، مثل الصحة، التربية والتعليم، التقاعد، الضمانات الاجتماعية وغيرها.
بالإضافة الى هذا، يختلف وضع ومكانة زارعي التفاح (الذين هم، جراء ملكيتهم، اما برجوازيين او برجوازيين صغار) عن وضع ومكانة الطبقة العاملة. ان سياسة الحكومة تجاه مزارعي التفاح هي دعم الرأسمال قليل الربحية من مائدة العامل.
اذا كانت هذه السياسة تسري على عمل الطبقة العاملة ومعيشتها، فان هذا يوصلك الى نتائج أوضح. اذ تقوم الحكومة بدعم المزارعين الرأسماليين الصغار والمتوسطين. تشتري التفاح بسعر أغلي لكي تؤمن الأرباح لهم. وحين يتعلق الامر بالمعامل تقوم الحكومة بدعم الرأسماليين كي يربحوا، وليس دفع أجور العمال.
دعم الراسماليين يعني الدفاع عن وصيانة حصة الراسماليين من الحصة الكلية من الثروة المنتجة في المجتمع. من الضروري ان ندرك ان حصة الطبقة العاملة من ثروة المجتمع هي ليست الاجر فقط. مجمل الخدمات الاجتماعية، الضمانات، التربية والتعليم، والقضايا المتعلقة بالمحافظة، الازقة والشوارع والاحياء والطرق، كما تشمل الماء والمجاري وغيرها. تقطع الدولة كل هذه الخدمات كي تصون ربح الراسمال وكي ترضيه ليستثمر راسماله في هذا الفرع او ذاك من الصناعة.
هذه الصيغة لاتناسب العامل. العامل ليس صاحب وسيلة انتاج. ان صلة البرجوازي (بغض النظر عن كونه صغير ام كبير) بالمجتمع تختلف عن صلة العامل بالمجتمع، الاقتصاد وبالانتاج الراسمالي. من المؤكد انه امر حسن جدا ان يتخلص هؤلاء الناس من الفقر، ولكن ليس سبيل هذا الامر ان نمضي ونقول لتقم حكومتكم بدعم صاحب المعمل هذا من مائدتنا وعوائلنا كي تتمكن عجلته من البيع بالربح اللازم. لا لكي ترتفع اجورنا، بل لكي يتفضل علينا الراسمالي ويتكرم علينا بمنة انه ابقى ابواب المعمل مفتوحة. كما لو اننا مسببي هذه الوضعية.
وعلى العكس من التصور السائد انها أموال النفط التي تنفق منها الحكومة، ان القسم الأعظم لموارد الدولة تاتي من الضرائب غير المباشرة على ضروريات الحياة ومن الجمهور العريض للجماهير العادية في ايران. حسناً لماذا، بدلاً من ان تنفق هذه العائدات على ضمان البطالة والتقاعد والف مشكلة ومشكلة للطبقة العاملة والجماهير الكادحة، نضعها في جيب الراسمال بحيث يحصل على أرباح بدرجة يرضى فيها ان يستغلنا؟
اعرف انه من الواضح ان هذا منطق بديهي للإنتاج الراسمالي، ولكن لماذا على الطبقة العاملة ان تخضع له؟ ان هذا تكتيك التيارات البرجوازية التي تقولب مصلحة هذا القسم من البرجوازية او ذاك تحت اسم مصلحة المجتمع والطبقة العاملة.
ولكن اترك كل هذا، بهذا الخصوص، ماهو تقصير العامل المزارع في الصين وامريكا الجنوبية الذي ينتج التفاح او المحاصيل الأخرى؟ لماذا على الطبقة العاملة في ايران ان تصطف مع الراسمالي الإيراني ضد هذا القسم من طبقتها؟ الا يتحدث الف باء وعي الطبقة العاملة ان طبقتنا هي عالمية؟ الا نحتفل كل عام بالاول من أيار بوصفه يوم الوحدة العالمية؟ لماذا يبرز صاحب المزرعة والأرض والراسمالي الإيراني بوصفه مؤتلف الطبقة العاملة وتكون حياة ومعيشة العامل الصيني والامريكي الجنوبي عرضة للهجمة؟ دع النظرية الاقتصادية و"منطق" التيارات البرجوازية جانباً، الا يكفي هذا لكل عامل واعي ان يشك ان هذه سياسة برجوازية ولخدمة طبقة الراسمال؟ وان السياسة العمالية ينبغي ان تكون شيء اخر؟
إذاعة برتو: فيما يتعلق بالجناح الحاكم، امامنا شعبوية احمد نجاد وهرطقاته المناهضة للراسمالية. فيما يخص الاستيراد، فان حججه واضحة: "كلما نقف بوجه هذه البضائع المستوردة، سيتعاظم تهريب هذه البضائع من الخارج، ولانستطيع ان نوقفه. وكلما نسعى اكثر لايقاف التهريب، ستنتفخ جيوب الجشعين المحليين. ان مصلحة الجماهير الكادحة تتمثل في ان نكون قادرين على ان نطابق انفسنا مع السوق العالمي". الا تعتقد ان شعبوية احمد نجاد تتمتع بمحاججة دامغة بهذا الخصوص وتقدم منطق مؤثر فيما يخص استيراد البضائع؟
كورش مدرسي: لاحمد نجاد صيغ شعبوية كثيرة. بيد ان أساس شعبويته، وحاله حال الشعبويات الأخرى، هو اعتقاده بان بوسعه حل جميع معضلات ومشكلات ومحن الراسمالية. بيد ان شعبويته هذه وجناحه هي ليبرالية وتاتشرية تماماً. ويطرح المحافظون والليبراليون الغربيون كذلك هذه الحجج بالضبط. انها محاججات ماركريت تاتشر، ريغان، وجورج بوش وسائر التيارات البرجوازية اليمينية. يتحدثون عن وجوب فتح الأسواق كي ترخص البضائع، تعم المنافسة وتترفه الجماهير جراء البضائع الزهيدة الثمن. ولهذا السبب بالضبط، هرع قسم من الجماهير العمالية والكادحة في اوربا وسائر مناطق العالم للتصويت لصالح اليمينيين او تخلوا عن رفاقهم العمال في مناطق العالم الأخرى وتركوهم فريسة للبرجوازية.
ان موضوعتي هي من اين تمضي الى هذه المحاججات، سواء باغلاق الحدود او بفتحها، فان الطبقة العاملة والجماهير المادحة هي المتضررة. ان سبيل الطبقة العاملة تجاه هذه المعضلة هو خارج هذين البديلين. ان سبيل النضال ضد العوز والبطالة لاياتي عبر اتخاذ هذا الجانب من نمط التفكير او ذاك. التف عليهما واطرح سبيل عمالي بوجههما. ان هذه الجدالات والحلول هي سبل حل مختلفة للراسماليين، واي طريق منهما تسلكه، سيكون العامل والكادح في المجتمع هما الخاسرين. عالمنا هو عالم منافسة الراسماليين. ان من ينتج ارخص، يطرد الاخر من الساحة. ان هذا لايصح على اطار السوق العالمي فحسب، بل على اطار السوق المحلي كذلك. اذا تم في مكان اخر في ايران انتاج سكر ارخص، ولاتحقق شركة "هفتة تبه" للسكر الربح اللازم، وتزداد المطالبة باغلاقه بالضرورة، ماذا يكون رد العامل في هذا المعمل في اطار سبيل الحلول البرجوازية هذه؟ ايكون السبيل الذي نطرحه هو اغلاق الصناعة المقابلة تلك، ويحال العمال الى البطالة، ونرسل السكر وسائر ضروريات الحياة بصورة اغلى للسوق؟ ......
ان إيران مجتمع راسمالي. ان القسم الأعظم من الإنتاج في مجتمع ايران ينتج في اطار العلاقات الراسمالية. يمكن ان يكون البرجوازي الصغير والبرجوازي شريك في نهب تقسيم ثروة المجتمع. ولكن لايمكنك ان تعامل العمال مثلما تعامل أصحاب الأراضي والمزارعين. لايمكنك ان تعامل عمال السكر مثلما تعامل أصحاب الأراضي والمزارعين. لايمكن ان تعامل عمال الحديد مثلما تعامل المزارعين.
إذاعة برتو: انت محق. المسالة الأساسية هي مسالة الصناعة. يتناول المعلقون والصحفيون الاقتصاديون بعض الأمور التي تثير انتباه المجتمع. يتطرقون كثيرا الى امور من قبيل صناعتنا، صناعتنا المحلية، وبالتالي سحق استقلالية ونمو صناعتنا. ان احد اشكال المزاح في المجتمع هي ان حجر القبور وأدوات المناسبات الشيعية مثل التي تستخدم في اللطم والزنجيل والاعلام تاتي من الصين ايضاً. دع الصين والهند جانبا، يتحدثون الان عن ان قيمة البضائع المستوردة من تركمانستان تبلغ 3 مليارات دولار. ويتندرون في مكان اخر على ان الاعمال اليدوية التقليدية الإيرانية تاتي من الصين وتدمر ابداعات الأصابع الذهبية الإيرانية. سحقوا غد ايران وكل شيء. ما هو رايك بهذا الصدد؟
كورش مدرسي: لقد تحدثت عن هذا الامر سابقا. انه ذرف الدموع على حال البرجوازي والبرجوازي الصغير. ماهي المشكلة بحجر القبور والزناجيل (سلاسل لجلد الظهر في المناسبات الدينية الشيعية-م) والقامات (سكينة كبيرة وحاد تضرب بها الرؤوس في هذه المناسبات-م) المصنوعة في الصين او تركمانستان؟ ايشعر الأموات بالضيق منها ام ان الزناجيل لاتعمل جيدا؟
تذكر البرجوازية العاجزة عن المنافسة مع الإنتاج الراسمالي في أماكن أخرى، سواء اكانت الصين ام سائر المناطق الأخرى في ايران، الحجج ذاتها. اليست هذه هي فحوى حجج القوميون الكرد والترك وغيرها؟ انهم يهرطقون بان صناعة سائر المناطق الأخرى في ايران تدمر الصناعة المحلية لمنطقة اخرى. عبر هذا المنطق، يدفعون العامل الكردي، التركي، الفارسي، البلوشي، العربي خلف راسمالييهم بوجه العامل المقابل.
ان الحرفي اليدوي البارع في عمله في أصفهان او حفار الخشب هو مُنتِج معزول وخطوة متاخرة في التاريخ. ماربط هذا بعمال المعادن والنفط والسكر والسيارات الذين يقومون بالإنتاج بصورة جماعية والذين لا فن لهم سوى كونهم عمال؟ قلت، في كردستان، يقولون انه سبب وخطأ الفرس ان يكون وضعنا على هذا الحال، امنحونا حكم ذاتي كي تصبح الأوضاع جنة؟ يدفعون العامل الكردي خلف البرجوازي الكردي لمحاربة العامل الفارسي او التركي. ان هذا يشكل أساس نفوذ النزعة القومية الكردية. مثلما هو الامر مع موضوعة الصناعات الصينية والأمريكية الجنوبية، وفي الحقيقة بوجهها، يوردون مبررات قومية إيرانية، ومن السهولة ان ترى شكل من النزعة القومية الإيرانية في ثناياها. للأسف ان قسم من العمال والكادحين قد قبلوا بهذه الخرافات كذلك. يرى بعضهم الخطأ في الترك، والبعض الاخر في الافغانيين، وبعض في الأجانب. ان البضاعة التي تستورد من تركيا ينتجها عامل تركي يُستغل مثل العامل الإيراني، يمرر معيشته عبر هذه القناة، يعمل، ونحن نشتريها كذلك، نستهلكها. أتمنى ان لا يموت أحد بحيث يحتاج الى حجر قبر، ولكن إذا اردنا انا وانت ان نشتري حجر قبر، نذهب الى شراء الحجر الرخيص (وفي اغلب الأحيان، نوعيته افضل). انه منطق عالم الرأسمال. الرأسمالية تدعم الرأسمالي وليس العامل. انها على استعداد لدعم صاحب الدكان والفلاح بشرط ان الدعم يستفاد منه الرأسماليين الكبار أيضا. من هو على استعداد لدعم الطبقة العاملة؟ من هو على استعداد لمنح العامل ضمان البطالة والمطاليب ذاتها الواردة في بيان المطاليب الأساسية التي اقرتها المنظمات العمالية العشرة؟
اليس من الأفضل، مثلما يريد العامل الواعي، ان تستورد السلع الرخيصة من اي مكان كان. وبدل هذه السياسات، يمنحون الجميع ضمان بطالة كاف، تقاعد، ابرام عقود عمل تشغيل دائم لعمال العقود الوقتية، وانهاء خطر عقود العمل المؤقتة وغير ذلك؟ انهم لا يقومون بذلك. لان ليس للرأسمالية مصلحة في هذا، لأنه يخفض ارباحهم. في الحقيقة ان صاحب الحرفة التي عفى على دورها الزمن والفلاح الذي يكافح بشق الانفس لا يمثلان المجتمع وإنتاج الخيرات في المجتمع. ان نموذج المجتمع هو الجماهير العريضة التي لاياتي الفن من على اناملها ولاتتمتع بالملكية. تهب من الصباح للمساء للعمل وتنتج، ومن اياديها الجماعية، تنتج السيارات، الطائرات، المنتجات الالكترونية التي لم تراود اسلافنا في احلامهم. ان هذا فن الطبقة العاملة في إيران والعالم التي ارست عالمنا. لماذا ينبغي علينا ان نمضي خلف نموذج دعم هذا القسم من البرجوازية او ذاك؟
ان أفضل سبيل برايي هو اعلان الوثيقة التي اقرتها أخيرا المنظمات العمالية بوصفها قانون البلد فورا. ان هذا يفتح الأبواب ويوفر فرصة للعامل والمجتمع ان يحسم مصيره مع مجمل معضلات الانتاج الرأسمالي.
ينبغي ان نقول للبرجوازية: ابعدوا نزاعكم عنا وانقلوه الى مكان اخر. اما فيما يتعلق بنا، ينبغي ان تكون أسعار البضائع رخيصة ويؤمن الرفاه وحياة الجماهير في المجتمع. فبدل دعم الرأسمالي، ادعموا الجماهير العاملة، امنحوهم ضمان البطالة والخدمات الدوائية. ومن صندوق الدعم هذا نفسه، الغوا العمل المؤقت، العمل بالعقود. قوموا بتعيين جميع العمال، امنحوا ضمان التقاعد للجميع. ان هذه الأمور هي التي تؤمن حياتنا. ما هو شأننا بفشل رأسمالي ما في المنافسة في السوق وإنتاج بضائع أرخص؟
ما اود قوله هنا هو ان ليس لهذا الصراع من نهاية. ان مهمة "بيت العامل"(منظمة الحكومة للعمال-م) وسائر المؤسسات البرجوازية هو ان تلج الطبقة العاملة معمعة هذا النزاع. لا يستدير "بيت العامل" قط ويقول ان هذه المطاليب التي رفعتها المنظمات العمالية العشرة هي ما نريده.
إذاعة برتو: ان سؤالاً يطرح بمجابهة ماتقوله مفاده بعد انتزاع الطبقة العاملة للسلطة، ليس بوسعك ان تقف لامبالياً امام الاكتفاء الذاتي واستقلال المنتجات الزراعية ومجمل الصناعات التي بوسعها صيانة استقلالها. الم يقم لينين بهذا العمل؟
كورش مدرسي: لم يقم لينين بهذا العمل مطلقاً. اذا انتزعت الطبقة العاملة السلطة، فانها تطيح بالإنتاج لاجل الربح وليس بالإنتاج نفسه. اقنعت الراسمالية المجتمع ان الشكل الوحيد لانتاج خيرات الحياة هو الإنتاج بهدف الربح. ارني أي راسمالي، من مسلم لمسيحي او ملحد، من الصين الى بريطانيا، ومن اوروغواي الى الارجنتين ومن ايران الى إسرائيل او أي مكان اخر قام بغض طرفه عن ربحه من اجل عيون المجتمع. انك مثلما تطلب من شخص ان يكف عن التنفس. الراسمالية تعني الإنتاج بهدف الربح. في منطق الراسمالية، يتعدى الربح كل شيء. ان الراسمال الذي لايجني ربحاً، او لايجني ربحا بصورة كافية، هو كائن كف عن التنفس. الراسمالي الذي يقول ليس الامر هكذا هو يكذب. انه يكذب بالتأكيد.
اذا كان الاقتصاد بيد الطبقة العاملة نفسها، فسيكون أساسه ومرتكزه هو الرد على حاجات المجتمع. الانسان هو مصدر الثروة. ان عمل الانسان هو ذاته مصدر الثروة والرفاه. من وجهة نظر البرجوازي، ان الانسان والفرد بوسعه فقط ان يكون مفيدا حين ينتج فائض القيمة ويكون مبعث استغلال الراسمال. ان عدم فائدة الانسان لاتتمثل في عجزه عن القيام بامر مفيد، بل في كونه لاينتج ربحاً. او ربما ينبغي علينا القول ان الشيء المهم الوحيد من وجهة نظر البرجوازي هو الربح وان العملية "الفيزيقية" للإنتاج هي ناجمة وتالية للحاجة لانتاج الربح.
تطيح الثورة العمالية باساس هذا الإنتاج بهدف الربح. يتحول الإنتاج للرد على حاجات المجتمع. سننتج كل مانريده سواء اكان يجلب ربحاً ام لايجلب. في نمط اقتصادنا، لن يكون هناك نقد ولا ربح أساسا. اذا كان دواء السرطان ومئات الامراض الأخرى لاتنتج ربحاً سننتجها حتى لو لم تجلب ربحاً. مجتمع بوسع أي انسان ان يأخذ من ثروة المجتمع بقدر مايحتاجه، ويعمل بقدر امكانيته.
اليوم في جنوب افريقيا، هناك بحدود 20% من السكان مبتلين بفيروس الايدز, ولانهم فقراء، فان تشييد المستشفيات لايجلب ربحا، وان انتاج الادوية لهذا المرض لايجلب ربحا، بلغ الامر برئيس الجمهورية السابق ان ينكر صلة الايدز بفيروس HIV. ياخذون الأموال ليستثمروها في الملاعب والأندية والف شيء اخر يجلب ربحاً. ينبغي علينا ان نضع في بالنا ان هذا ليس قراراً اخلاقياً. لو كان لدينا انا او انت راسمالاً لوظفناه في ميدان يجلب ربحاً اكبر. ان هذا منطق عالمنا. ان امرء ينتقد الراسمالية من زاوية الاخلاق وعدم اهتمامها بحاجات المجتمع هو ليس ماركسياً. لايفهم ان "لدغة العقرب ليست ناجمة عن الحقد، بل انه مقتضى الطبيعة" ان انصار العقارب غير اللادغة هم سذج وخياليين وموغلين بالاوهام. ان هذا التعامل هو أساس وجود اشكال من التيارات البرجوازية "المتشدقة باسم العامل".
ان السبيل الوحيد هو ان تعرف الطبقة العاملة، سواء على صعيد ايران او على صعيد عالمي، وجودها وتعرف ان مصلحتها هي بوجه مصلحة كل البرجوازية، ان تدرك ان سبيلها وسياستها مفصولة ومتمايزة عن مجمل البرجوازية، ان تدرك انه لايمكن ان تكون مصلحة الطبقة العاملة في ايران بوجه مصلحة الطبقة العاملة في الصين، إسرائيل، فلسطين وامريكا اللاتينية، ينبغي ان نضع نصب اعيننا ان أي امرء يتخذ خلاف ذلك سبيلاً لايمكن ان يكون الا مخادعاً.
إذاعة برتو: لقد نقلت نقاشنا الى الحركة العمالية ومطاليبها. اسمح لي بطرح بعض الأسئلة. لقد اشرت الى شركة سكر هفت تبه . انه نموذج جيد. لقد انتجت في عام 2004 حوالي 110 الف طن من السكر. في 2009 انخفض الإنتاج الى 11 الف طن. خلال تلك المدة فقد 5 الاف عامل عملهم. وان اكثر من 4 الاف عامل من العمال الخمسة الاف وخمسمئة هم عمال موسميين والبقية، أي 1500 عامل، لم يستلموا اجورهم لاشهر. بموازاة هذا، هناك العديد من الصناعات مثل انتاج الكحول والورق قد أغلقت. لقد تشكلت اقوى نقابة للعمال في هفت تبه. ويدعوا العمال ونقابتهم جميعا الى اتخاذ إجراءات ضد الاستيراد غير المبرمج. انه في اعلى لائحة مطاليبهم. ان هذا الامر يصح على انتاج الطحين، الشاي، الحديد، شركة كيان تاير، وصناعة الشمال الزراعية وغيرها.
اسمح لي ان اقرأ عليك مقتطفاً من عامل فائض. في تقرير من شركة سكر اغاليد، صرح عامل والغصة تمسك بخناقه انه بعد سبعة عام في خدمة مستمرة في الشركة، طردت مع 40 من زملائي. ويواصل حديثه انه يقر ان صاحب العمل هو انسان محترم ونزيه ويلوم السكر المستورد كسبب لصرفه عن العمل. يقول كنا نعيش حياتنا كبشر حتى أتت حفنة من الناس الجشعين والذين يريدون العيش في القصور ويركب أولادهم احدث وارقى السيارات ودمروا حياتنا. يلوم الحكومة وينتقدها وذلك لمنحها اجازات الاستيراد لجماعة من الراسماليين ليستوردوا السكر ويملئوا جيوبهم دون ان يفكروا بالعمال. ماهو خطابك لهذا العامل؟
كورش مدرسي: أقول رفيقي العزيز ان هذا منطق المجتمع الراسمالي. ان هذا ليس نابعاً من جشع هذا الراسمالي او ذاك. ولحين كنت تنتج للراسمالي ربحا بصورة كافية، سمح لك العيش وان "تعمل مثل بشر". حين تقدم ربحاً منخفضاً، مثل كائنات قليلة الربح، يرمي بك في المجزرة. ان سبيل الخروج من هذه المصيبة الدائمة لايتمثل باتخاذ جانب هذا الراسمال بوجه ذلك الراسمال. لابد ان البضاعة التي تباع هنا رخيصة ينتجها عامل اخر في مكان اخر. انه من سمح له الراسمالي الان هناك ان "يعمل مثل بشر". هل ان مطلبنا هو ان يُرسل ذاك العامل، بدلاً منا، الى مجزرة البطالة؟
أؤكد على ان هذه ليست سمة هذ الراسمال ام ذاك. ان الراسمال يمضي حيثما الربح اكبر. ليس مهما "ان يصدر"، "يستورد"، "يستثمر في البورصة" او "ينتج". ليس للراسمال هذا الحكم الأخلاقي، ولا هذه المعايير. ان نقول لاتستوردوا السكر، يعني دع السكر ان يكون اغلى مما هو موجود في السوق، يعني ان تؤمن الحكومة ان ينال صاحب الراسمال ذلك الحد من الربح الإضافي من جيب المجتمع بحيث ان لايستثمر في اسهم شركات صناعة السكر في أمريكا اللاتينية. انه منح امتياز للراسمال كي يأتي لاستغلالنا. السبيل الوحيد للراسماليين كي يستثمروا في سكر اغليد غير المربح هو بشرط وحيد الا وهو تامين وضمان الربح لصاحب المعمل من جيوبنا وجيب الطبقة العاملة. بالإضافة الى هذا، مالجرم الذي ارتكبه عامل تم استغلاله بشده في امريكا الجنوبية او مكان اخر في ايران، نريد ان يفقد عمله؟
ان هذا ليس هو السبيل. ينبغي الاتحاد، ونصيغ المطاليب التي تساعد في بناء خندق امام الهجمة الراسمالية المنفلتة العقال. ينبغي الدفاع عن مطاليب الحد الأدنى للمنظمات العمالية. ينبغي المطالبة بها، والا لن يصل بنا الوقوف مكتوفي الايدي لمكان. بخلاف هذا، نُجبر نحن عبيد الاجر على الدفاع عن الراسماليين، أي مستعبدينا.
لماذا ينبغي علينا ان ندفع الضريبة من مائدتنا لراسمالي يهدد بنقل راسماله الى مكان اخر يستطيع ان ينال ربحاً اكثر فيه؟ ماهي الخطوة اللاحقة؟ كي تزداد أرباحه، علينا ان نزيد ساعات العمل بشكل طوعي؟ نخفض اجورنا؟ ان نقبل بان تخفض الدولة الصحة ومجمل الخدمات حتى يحقق الراسمالي ربحاً كافياً؟ ان السبيل الذي يضع العامل بهذا الشكل مع الراسمالي، يدفعه للخضوع الكامل. انه عامل على استعداد للعمل بنصف الاجر، وان يدفع للسكر او قطعة القماش او حجر القبر ضعف ثمنه كي يكون له عمل. ليس هذا هو سبيل الخروج من هذه المعمعة ومن العبودية التي فرضها الراسمالي على الطبقة العاملة. انه سبيل تابيد عبوديتها.
ان السبيل هو وضع حد لتطاول الراسمال على حياتنا، باي حد ممكن. لايمكن ان يتم ذلك بالحديث والنصح، بل بالتمتع بالاقتدار، ينبغي النضال. ينبغي ان نتحد. برايي ان مطاليب الحد الأدنى التي اصدرتها المنظمات العمالية العشرة، ومن بينها نقابة عمال هفت تبه، هي نقطة انطلاق جيدة الى حد كبير. ينبغي ان تحتشد الطبقة العاملة حولها. ليس ثمة سبيل اخر غير هذا. ضع راسمالك في أي مكان تريد. ولكن فيما يخصني كعامل، فان هذه هي مطاليبي. ينبغي ان يكون لدي ضمان بطالة كاف، لا أقوم بعمل بالقطعة، لا أقوم بعمل فصلي ووقتي، جميع العمال هم عمال دائميين، للجميع حق ضمان التقاعد، بوسع جميع العمال ان يرسلوا أطفالهم الى المدارس والجامعات بدون أي شعور بالضيق من الأعباء المالية، الصحة والدواء مجانيين وغيرها. ليست مسالة تذكر ان تنتج سكر ام أسلحة.
إذاعة برتو: ان بعض الصحافة الحكومية والمعارضة الرسمية في مجتمع ايران يدّعون ان الأجور في ايران هي عالية، وللسبب ذاته فان الاستيراد واسع. اذا خفض العامل اجره، واذا خفضت الحكومة الحد الأدنى للأجور، تتم تدوير عجلة الاقتصاد.
اسمح لي هنا ان اعرج على موضوعة ومحاججة. تجري احتجاجات عمالية في عمال السكر، عمال كيان تاير للاطارات وغيره. ان السؤال المطروح هنا هو: اذا تخلينا عن خندق المعمل، فاننا سنفقد كذلك أداة محورية في ذلك الاحتجاج. حين يكون معمل سكر هفت تبه يشتغل، تكون إمكانية التجمع والاحتجاج العمالي اكبر كذلك. اذا تركنا هذا الخندق، سنكون متفرقين مثل العمال العاطلين ولا نستطيع ان نقوم باحتجاجات عمالية مثل اليوم ايضاً؟ أهذا المبرر كافياً؟
كورش مدرسي: ليس مبرر ابداً. من المعلوم ان خندق المعمل هو اهم خندق للطبقة العاملة، ولكن هذه المحاججة بنيت على عدة اركان غير صحيحة كلها.
اولاً- المعمل ليس مكان يعمل فيه الناس او ان فيه ماكنة الات. المعمل مكان انتاج الراسمالية والربح، ولهذا، وللسبب هذا بالضبط، فان الاحتجاج العمالي والخوف من إيقاف العمل، وبالتالي إيقاف الربح، هو أداة ممارسة الضغط على الراسمال. حين يسعى الرأسمالي لإدامة صناعته بالتصدي لنضالنا ومن معيشتنا واجورنا، ماهي الأداة التي بايدينا للنضال ضده؟ بالسبيل المذكور، (أي القبول بكل شيء من اجل بقاء المصنع) نصبح عزل تماماً. في العالم الواقعي، تسلب هذه السياسة كل إمكانية النضال من العامل. ان راسمالية تحافظ على صناعتها عبر نفي نضال العمال ومساومة المجتمع له، سترد مع اول احتجاج عمالي "ساغلق المصنع"، "لا اجني ربح منه"! ان عامل لاينتج ربح في صناعته ليس بوسعه ان يناضل. ان هذه الوضعية تضع العامل العاطل بمكان أسوأ للاحتجاج. مع اول بادرة عدم رضا في العمل حتى يقولوا له عليك ان تشكر الله لان لديك عمل!
ثانياً- لايمكن ان تكون هذه محاججة قائد عمالي. ان العامل والقائد العمالي يناضل من اجل هدف محدد ومن اجل النصر. ان جمع العمال امام مكتب سكر هفت تبه، في وقت ليس هناك اساساً إمكانية ولو ذرة للاحتجاج على الراسمال، لايمكن ان يكون سوى بوصفه تنظيم اكسيون فحسب. نجتمع، نحرض، نتجابه مع الحكومة دون ان تكون هناك أي إمكانية للنصر، نجعل العمال اكثر وحدة ووعي. بوسع هذا ان يكون محاججة برجوازي صغير. ان عامل يدعو لدعم الراسمالي، لايتجمع اولاً، وثانياً، لايدخل نزاع وصراع مع احد، وثالثاً يكون قد اخضع نفسه مقدماً لارباب العمل. سيكون قد اتى خارج ارادته وهو يفتقد شهية النضال. يريد البرجوازي الصغير النضال من اجل البطولة والمليتانتية. فيما يريده العامل من اجل تحسين ظروف حياته، وكملجأ حين يرى إمكانية وافق النصر امام عينيه. ان هذه المحاججة هي وهم من جهة، وليست عمالية كذلك. ان هذه المحاججة تستند الى رؤية برجوازية صغيرة للنضال العمالي.
ثالثاً- ان هذه المحاججة تتبنى أطروحة مفادها بما ان العامل العاطل غير منظم في تنظيم، فعلى العامل العامل الاستسلام للبرجوازية. ان هذا يستند الى تصوير ان العامل هو عامل فقط في المصنع. في المحلة وخارج المعمل ليس عاملاً. ان احد أسباب عدم اتحاد العمال العاطلين والعاملين هو هذا التصور بالضبط. لماذا على سبيل المثال لايمكن التجمع امام ادارة العمل في طهران؟ لانستطيع؟ لماذا لانستطيع تنظيم العمال الذين يواجهون الوضع ذاته في المئات من الشركات وقلب الدنيا على راس الحكومة والراسماليين؟ لماذا لايمكن رفع قائمة المطاليب ذاتها؟ ليس امراً عملياً؟ ثقوا انه اكثر عملية وفي متناول اليد من جمع العمال المنقادين لسياسات الراسماليين نفسها ويدعون الحكومة لدعم الراسماليين من جيوبهم (جيوب العمال).
ان هذا يستلزم عمل دون شك، يستلزم وحدة بين القادة والناشطين العماليين، والاهم من هذا كله الوعي والرؤية الشفافة لمجمل منطق المجتمع الراسمالي استناداً الى ماركسية لم تخفف من عمق تناولها، ماركسية غير قومية وغير وطنية.
إذاعة برتو: دعني اطرح سؤالاً اخيراً، اود ان اشير الى التيارات السياسية المعارضة التي تعتبر نفسها انها متعاطفة مع الطبقة العاملة. ان وقوف هذه التيارات بوجه "الاستيراد غير المنظم" هو امر معطى، وفي احسن الأحوال تلزم الصمت حوله. ثمة تيارات أخرى تعتبر ان تخفيف العراقيل امام الاستيراد سياسة ليبرالية جديدة للجمهورية الإسلامية واشاعت نقاش حامي الوطيس حول الراسمالية الوطنية والتقدمية. اود بهذا الخصوص ان اسأل: كم تؤثر الأجواء المناهضة للنظام، جمهورية إسلامية قمعية وغيرها على حقائق وأوضاع راسمالية المجتمع؟
كورش مدرسي: ان الجمهورية الإسلامية نظام قمعي، معادي للمراة، متخلف، استبدادي واجرامي. الطبقة العاملة ليست الطبقة الوحيدة التي تعاني من جوانب الجمهورية الإسلامية هذه. ثمة طبقات ايضاً، بيد ان ليس لها معضلة الطبقة العاملة. ليس هذا فحسب، بل ان لها مصلحة في صيانة سلطة الراسمال على الطبقة العاملة. الطبقة العاملة موجودة في الميدان كذلك، وينبغي ان تكون طليعة هذه النضالات.
بيد ان وجود الطبقة البرجوازية في ميدان النضال هذا، يفسح المجال امام قسم منها الى قولبة الطبقة العاملة برؤيته كذلك، او يسعى لاقناعها بهذه الرؤية. وعليه تسدل هذه التيارات البرجوازية بصورة مبرمجة واستناداً الى مصلحتهم الطبقية "الستار" على الماهية الراسمالية للجمهورية الإسلامية، او يستحسن القول انها لاتراها اساساً. بالنسبة لها "الجميع عمال"، الجماهير بصف واحد ومصلحة واحدة في نضال ضد الجمهورية الإسلامية، او تتبنى ان على العمال ان ينتظروا الى مابعد الإطاحة بالجمهورية الإسلامية، وسيتم تحقيقها بعد ذلك.
ينتمي الطيف الاوسع من اليسار في ايران الى هذا المعسكر. ولهذا أطلقنا عليهم، تحت عنوان عام، اسم الشيوعية البرجوازية. ليس مهماً ماذا يقول احد ما عن نفسه. ليس مهماً ان يعد نفسه نصير الطبقة العاملة والجماهير الكادحة. انهم منغمسين بنفس الحرب التي تدار في برلمان الجمهورية الإسلامية، وان يكن "بنفحة اليسار". اذا كانت خرافة راسمالية وطنية وتقدمية للشيوعية البرجوازية سائدة في مرحلة ثورة 1979، فاليوم يتنكر القسم الاعظم من الشيوعية البرجوازية للطابع الراسمالي لإيران اساساً. ان نقدهم الأساسي للجمهورية الإسلامية هي كونها ليست نظاماً مألوفا للراسمالية، ويرون في الاقرار بان هذا النظام هو نظاما مألوفا، سينقص من ثوريتهم.
أي دور لكون ايران راسمالية في عالمهم الواقعي، لو افترضنا ان الحزب اليساري الفلاني يعتقد ان ايران اساساً هي اقطاعية، عبودية، راسمالية وطنية، راسمالية غير عادية، "نظام إسلامي" او راسمالية. أي تغيير يخلق في تكتيكاته وتفسيره للمجتمع؟
العامل بالنسبة له فئة محرومة ومنكوبة، ينظر بالطريقة ذاتها التي ينظر بها احمد نجاد للعمال. لذا اعتبار ايران مجتمع اقطاعي او عبودي، ماذا يتغير من تكتيكاته، تفسيره، وسياساته؟ لو نفرض ان نظام ايران هو نظام طالبان بالضبط. فان تكتيكاته هي التكتيكات ذاتها التي يقوم بها الان. اعلان ايران مجتمع راسمالي بالنسبة لهم لايعدو قَسَماً "لاسكات الاخرين" والا فليس هناك أي امتداد عملي على صعيد التكتيك وتفسيرهم للمجتمع. لايتجلى الطابع الراسمالي لمجتمع ايران في تحليلاتهم، ولاكلامهم، ولا تفسيرهم لاحداث المجتمع ولا في أي شيء اخر. العالم ينقسم عندهم الى نظام ومناهض للنظام، حسن وسيء، شعبي وغير شعبي وأخيرا تقسيمه الى انساني وحيواني (وقصده انتقاد للحزب الشيوعي العمالي الإيراني بقيادة حميد تقوائي الذي يدعوا الى حكومة إنسانية خالية من أي مضامين طبقية-م). بالنسبة لهم الراسمالية حكومة حيوانية والاشتراكية حكومة إنسانية. انها ردة للوراء عن ابسط معطيات الفكر البرجوازي.
اعتقد ان على الطبقة العاملة ان لا تستمد تفسيرها منهم، بل من ماركس ولينين ومنصور حكمت. عليها ان تقف على اقدامها، وان تنظر للعالم من زاوية ومنظار طبقتها. ان سبيل التقدم بالنسبة للطبقة العاملة هو التأكيد على مطاليبها وان لاتلقي الضباب على مطاليبها وتدمجها مع مطاليب المزارعين، مالكي الأراضي، أصحاب المحلات، الحرفيين اليدويين وغيرهم. للطبقة العاملة مصلحة في أي تحول في المجتمع، وان الطبقة العاملة ذات مصلحة أكثر من أي طرف اخر في التحولات الديمقراطية وتامين وضمان الحريات السياسية. بيد ان مصلحة الطبقة العاملة في هذه التحولات تختلف عن مصلحة سائر الطبقات. ينبغي هضم هذا وتحويله الى وعي ذاتي للطبقة العاملة.
تمت الترجمة عن النص الفارسي المنشور في سايت كورش مدرسي http://www.koorosh-modaresi.com وتمت تنقيحه استناداً الى النص الإنكليزي المنشور في السايت نفسه.